تداعيات مستجدّة
الحدث الغزاوي الراهن، مهما كانت خواتيمه، انتصب كفزَّاعة للثعالب الصغار التي تُفسِد كروم سورية بانتحالها صفة دول المقاومة. وكشف هذا الحدث أنَّ الثعالب الكبيرة المُشغِّلة لصغارها، ستضحي بهم طالما أنَّ وجودها أصبح على حافة الهاوية.
فزاعَّة غزَّة ليست زوبعةً عابرةً في قعر فنجان الشرق الأوسط، بل حمّالةُ طاقةٍ من التحولات، إنْ استثمرها أصحاب الكروم، جعلوها مستدامةً ومنتجةً لشرق أوسطٍ يتفق مع أهواء طالبي التحرر من هيمنة السطو على ثمار الكروم التي تُبشر بأنها قد أينعت وحان قطافها بأيدي أصحابها.
الثعالب الكبار
إنَّ المؤشرات اليوم تفيد بجلاء ووضوح أنه لم يعد باستطاعة الثعالب الكبار (الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) تأمين الحماية للثعالب الصغار كي تُبقي جبهة الجولان السورية رهينة الصمت مادام بقاء الأسد الابن وفياً لتعهدات سبق أن قدمها الأسد الأب مقابل مكافأته بالبقاء. فالتحوّلات التي أفرزتها الأحداث الأخيرة أفقدت الثعالب الكبار قدرتهم على احتواء صغارهم على رغم ما قدموه عبر نصف قرن من إحداث عطب ودمار في سورية وجاراتها العربيات.
لقد فعلوا ما عجز الكيان الصهيوني ذاته عن فعله كي ينأى بعيداً عن خطر أصحاب الحق المُهدِد لوجوده.
السحر والساحر
الواقع الراهن يُبطِنُ بأنِّ السحر قد انقلب على الساحر، وأنَّ إسرائيل قد فقدت السيطرة على تحالفاتها التقليدية الخفيَّة مع إيران وأذرعها المسماة دول المقاومة. لقد انبثقت جذوة نكبة فلسطين وتداعياتها التي كانت جمرة تحت الرماد، وتحوّل هاجس حق الشعوب المنكوبة بعد زرع يهود الشتات في فلسطين. وأصبح رمز المرحلة (فزَّاعة غزَّة) هو استعادة الأقصى الشريف هدفاً غير قابل للمزايدة. وهذا أربك إسرائيل و مَن يحميها عتات الدول الطامعة بخلق شرق أوسط جديد.
لم يعد خافياً على من يراقب المشهد، أنَّ فزَّاعة غزَّة، أدت -أيضاً- إلى ارتباك نظام الأسد المستميت على بقائه وظيفياً كذراع إسرائيلي خفيّ. وقد ثبت أنَّ الحدث الغزاوي أدى بدوره إلى إصابة دولة إسرائيل التي لا تقهر بتناذر وجودي من الصعب شفاؤه. لذلك بدأ نظام الأسد وحلفائه يقدمون تنازلات كبيرة في هذه المرحلة المباغتة للجميع. كما برهنت المستجدات أنَّه لم يعد يكفي الكيان ضمان صمت جبهة الجولان متفردة.
وإذا رصدنا ،استشرافياً، خسارة الكيان التي يعاني منها نتيجة الصدمة الغزّاوية المباغتة، نجد أنَّها خسرت فجأة كل جدوى قدمتها الثعالب الصغار على مدار عقود خلت، وهذا يدفعنا على تسمية هذه المرحلة (انقلاب السحر على الساحر).
سبعون عاماً بدأت تتبخر
سندرج أهم المنجزات الوظيفية التي قدمها الثعالب الصغار -وعلى رأسهم نظام الأسد- لعقود خلت، وبدأت بالتبخر اليوم نتيجة انتصاب فزَّاعة غزَّة:
- أفسحت المخابرات الغربية المجال لتسلل الأسد الأب ليكون وزيراً للدفاع، واستفادوا من منصبه بإصدار البلاغ رقم 66 – اضغط هنا الذي أدى إلى الانسحاب من الجولان قبل سقوطه ميدانياً 1967. وما زال مثاراً للجدل دون أن يجرؤ الأسد الأب والابن الرد على المشككين.
- تولى الأسد الأب سدة الحكم بانقلاب عسكري 1970، الذي أطلق عليه زيفاً اسم الحركة التصحيحية.
- أدخل الثعالب الكبار النظام الأسدي إلى لبنان كي يقضي على المقاومة الفلسطينية المتواجد في أكنافها بداية من عام 1974.
- ساهم نظام الأسد بتفتيت المقاومة العراقية الوطنية، كي يُمكّن إيران بالسيطرة على الساحة العراقية، متذرعاً بأنها خطوة نحو التصدي لخطر الكيان الصهيوني.
- خلال فترة حكم نظام الأسد منذ 1970، كانت استراتيجيته القضاء على القوى الوطنية والتضييق باطراد على الحريات العامة والخاصة، وجعل سورية مزرعة خاصة له.
- تم استنزاف الموارد السورية البشرية وثرواتها الطبيعية، والإطباق على مستقبل الأجيال القادمة.
- وكان شعار (الأسد أو نحرق البلد) ديدناً تم تنفيذه بحرفية بارعة، ليستكمل أداء وظيفته الحيوية المرتهنة للأجندة الإسرائيلية الداعمة له.
ختاماً
إنَّ تداعيات الحدث الغزاوي كان كارثياً على إسرائيل وأيضاَ على الثعالب الصغار، وقد يقودهم في النهاية إلى مزيد من التآكل، وإنْ كان هنالك عدلاً دولياً، سنشهد وقوفهم وراء قضبان العدالة رغم كل تنازلاتهم المستجدة التي لم تفيدهم حتى اليوم بسبب تزامن خسارتهم مع اللاعب الصهيوني الخفي كطفيلي الزحار المزمن الذي أصاب إدارات أصحاب القرارات الدولية في عالم يعاني أثناء مخاضه من عُسر الولادة.