مقدمة
عندما نغوص في قراءة بعض المقالات التي تحلل أو تنتقد أو تمجد الأنظمة الحاكمة في الدول العربية، نجد أنفسنا أمام واقع صناعة ديكتاتور يستنسخ ويتكرر عبر الزمن. في هذا المقال، سنستكشف علاقة الحكام العرب بشعوبهم عبر التاريخ، وكيف تُبنى هذه العلاقة. لنفتح المجال للفهم، سنتناول مثالاً عن كيفية “صناعة ديكتاتور” باستخدام مثال من عالم الحيوانات.
القطيع والمرياع
وهنا سأتعرضُ إلى علاقة الحكام العرب بشعوبها على مدى التاريخ، وكيف تـُـسَــاسُ هذه الشعوب. وكمدخل لهذا المبحث، سأستعين بمثال يساعدنا على فهم هذه العلاقة الناظمة لصناعة ديكتاتور يحكم مجتمعنا. والمثال مأخوذ من العلاقة الفطرية عند بعض الكائنات التي نتشارك معها في الحياة على هذا الكوكب، والتي تخضع، مثلنا، لنفس قوانين الناموس الكوني.
القائد المهيمن
إذا رأيتم قطيعاً من الغنم في المرعى، سوف تشاهدون في المقدمة (المرياع)، ذلك الكبش المهيوب بكثافة صوفه وحجمه الضخم وقرونه الملفوفة المرعبة. إنه قائد القطيع. وقصة حياة هذا القائد (الفَذُّ) مختلفة عن حياة أتباعه… لقد رُسم له مُسبقا،ً من قبل جهةٍ ما ( فلنقل أنها صاحبة المصلحة في استغلال القطيع) ليكون هذا الكبش قائداً أبدياً – مثال صناعة ديكتاتور: “حافظ الأسد” ومن ثمَّ ابنه “بشار الأسد” لذلك يقومون بعزل هذا الكبش الوليد عن أمّه عقب ولادته. ولكن يُسـقى من حليبها دون أن يراها، ويوضع مع أنثى حمار ليرضع من حليبها برضّاعَة صناعيّة، حيث يوضع في خرجها وهو صغير حتّى يَعتقد أنّها أُمّه.
تشكيل شخصية القائد
تبدأ حياة الكبش الصغير مع (الحمار) سلوكاً ونهجاً. وبعد أن يكبر، يُخصى حتى لا يفكر بأن يترك القياده، ويتلهى بلذة النكاح. ولا يُجزّ صوفه لزيادة هيبته. وتنمو قرونه ليبدو ضخماً ذا رهبة. ويبدأ الذي رَسَمَه للقيادة، بزركشته بالألوان الزاهية من قطع القماش والشرائط المزركشة. تُعلّق حول عنقه الأجراس الطنّانة والرنّانة (تسمى القرقاع)، ليعتقد هذا المرياع بأن الأوسمة قد بدأت تنهال عليه حتى ينسى بأنه فاقداً لذكورته.
بدايات القائد
ولكونه قد تربى وتعلم مع الحمار، يبقى في كنف الحمار كالظلِّ منقاداً، فأينما ذهب الحمار فهو خلفه… وإن جلسَ الحمار فهو جالس بجانبه، أما باقي القطيع – إناثاً وذكوراً -، تنظر إليه بإعجاب، وتسير خلف المرياع اعتقاداً منها بأنه القائد الفذّ الملهم الذي سيأخذهم إلى مواسم الخير والبركة.
وهكذا تربى القادة الدكتاتوريون المرسومون كالمرياع مسبقاً لتولي قيادة شعوبهم كالقطيع في يوم ما.
ميثولوجيا الحمار السياسي
لابدَّ وأن نعرّج قليلاً على سيرة الحمار السياسية. ففي ميثولوجيا معظم الحضارات القديمة للحمار قداسة واحتفاء شديدين، وتمَّ استغلالُ خصائصه الفيزيولوجيَّة والنفسيَّة لتنفيذ أصعب المهام وأعطوه لقب (مهندس الطرقات)، نظراً لدوره الكبير في اكتشاف مجموعة من الطرق السلسة في المناطق الجبلية، حيث يتم إطلاقه في الأماكن الوعرة ليقتفي أسهل الطرق وأكثرها اقتصادا للجهد وأكثرها أمنا.
ولقد خصص حمورابي للحمير والدواب كافةً
حقوقاً مدنية وعقوبات لمن يُجهِدُها ويتسبب في موتها.
ولطالما أُقحِمَ الحمارُ أيضاً، في عالم السياسة من قبل الكثير من الشعوب القديمة. وسأقتصر هنا على ذكر بعضها في تاريخ البشرية الحديث.
الحمار والسياسة الحديثة
مثلاً شعار الحزب الديمقراطي الأمريكي هو الحمار. ففي العام 1828، اختار المرشح الديمقراطي (أندرو جاكسون) لخوض سباق الرئاسة آنذاك شعار “لنترك الشعب يحكم”، ونعته الجمهوريون بـ”آندرو جاكاس”، وهو ما يفسر بالعربية (آندرو الحمار -Andrew the Donkey) ساخرين من هذا الشعار، ووصفوه بأنه شَعبَوي ورخيص، فما كان من جاكسون إلا أن اختار حماراً رمادي اللون جميل المظهر، وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية، وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الانتخابي الشعبي ضد منافسه الذي كان يظهر على أنه نخبوي وليس قريباَ من هموم الناس.
أما الفرنسيون، فقد استعملوا الحمار كمهندس من قبل فرقة عسكرية فرنسية في عهد الاستعمار في شمالي أفريقيا واتُبعت خطواته باستعمال الجير (الكلس الأبيض) لرسم المنعرجات. وفي التقويم الجمهوري الفرنسي، يعتبر يوم 6 أكتوبر من كل عام هو يوم (تكريم الحمار).
الجدل حول الحمار الصهيوني
وفي نهاية القرن المنصرم،
شهد الكيان الصهيوني في فلسطين، جدلاً حول استعمال
كلمة (أحمِرَة / جمع حمار) من طرف المتدينين على العلمانيين الصَهاينَة مؤسسي الكيان، عبارة شومورو شال المشيا (حمار المسيح – חמור המשיח)
استعملها رابي أفرام كوك،كنوع من المهمة التي أمر بها الله علمانيّ اليهود بخلق وطن.
لكن قدر هذا الكيان هو وقوعه في أيدي المتدينين، ولا يبقى العلمانيون سوى الأحمرة التي ركبها المتدينون، وكان كتاب العلماني سيفي ريشليفسكي، 1998، وراء هذا الجدل.
مسيرة الكبش الديكتاتور
وعودةً إلى حكاية هذا الكبش القائد التي لم تنتهي بعد… فإذا سار المرياع سار القطيع وراءه معتقداً أنّه يسير خلف زعيمه البطل، لكن المرياع ذو الهيبة البهيّة والأوسمة الرنانة، لا يسير إلاّ إذا سار الحمار ولا يتجاوزه أبداً. ولكن الكبش القائد الديكتاتور يحتاج إلى حفظ أمن القطيع أثناء هذه المسيرة، وضبط المتمردين عليه من الخراف التي ستنشق عنه، ولأنه بالفطرة يعرف أن الخراف تخاف من الكلاب، يقيم الكبش الديكتاتور علاقة وطيدة بينه وبين بعض الكلاب يصبحون بطانةً له (كمنظومة الأمن والمخابرات) لضبط سير الجميع على خُطى الحمار، ومعاقبة كلّ من تُسَوّل له نفسه الخروج عن وحدة الصف.
ثنائية السيطرة والثورة
ومما نستنتجه من هذه المقاربة بين حالة القطيع والشعوب العربية، نرى أنَّ الإدراك والوعي الذي حباه الخالق للإنسان دون سائر الكائنات، هو الذي يقود الشعوب إلى الثورة على حكامها الذين تربوا على نمط المرياع تنفيذاً لأوامر الدول التي لها مطامع في ثروات هذه الشعوب. وكذلك في المقلب الآخر، نرى أن شعوب تلك الدول صاحبة المصلحة، تحكمها وتستغلها كبوشٌ ونعاجٌ بطرق عجائبية أخرى…
فشل البشر في توحيد الثنائية
كم من أنبياء أُرسِلوا لهداية البشرية وتصويب أخلاقها؟ وكم من فلاسفة حكماء عظام ارتقوا لمستوى الرسُل لتصحيح ما يخالف الناموس الكوني؟ وفشل الجميع في توحيد أخلاقية الشعوب وتقويم منهجها، وذلك لأن الثنوية والضدية (كالخير والشر) هما من خيارين وحيدين للبشرية، و لا ثالث لهما… فإما الثورة على الطاغية أو السير كالقطيع معه وليس من مساحة رمادية بينهما. ويبقى لله في خلقه شؤون.
خاتمة:
أسئلة تبحث عن أجوبة العقلاء منكم
- هل يمكن أن تكون الثورة الوسيلة الوحيدة لتغيير الأنظمة الحاكمة؟
- كيف يمكن للشعوب تحقيق الوعي والإدراك لتحقيق التغيير؟
- هل يمكن أن يكون هناك مساحة رمادية تمكن الحكومات والشعوب من التعايش بسلام؟
- ما هي دور الكلاب (رجال الأمن المسعورة) في العلاقة بين الحاكم والشعب؟
- كيف يمكن للشعوب تجنب الوقوع في دور الخراف في القطيع؟