حرب حزيران1967 الجزء 5 / 5
مفارقات أبداها أولي الاختصاص حول حرب حزيران
لقد جمعنا شذرات من آراء معظم الخبراء العسكريين الذين درسوا تفاصيل احتلال الجولان السوري التي استتبطنوا منها حدوث خيانة ما في الكثير من مجريات هذه الحرب.
وصف مختصر لموقع جبهة الجولان السوريَّة
سبق للجيش السوري بعد حرب 1948 أن قام بتحصين مرتفعات الجولان بما يجعلها عصية على احتلالها من قبل العدوّ الإسرائيلي، الذي كان يُجابه بالتصدي في أي تحرك عسكري ولو على مستوى فلاحة أي قطعة من الأراضي المحتلة، وكانت مسالك الدروب الجبليَّة في جبهة الجولان محاطة بالخنادق الحصينة في كل المناطق، وقد تمَّ زرع مختلف أنواع الألغام في كل الأماكن التي تشكل ثغرة يمكن لجيش العدو أن يسلكها في حال تقدمه باتجاه الجبهة السورية، وكان عدم نسف الألغام المزروعة في كل المسالك على مساحة الجبهة الحصينة.
-
- عند نشوب الحرب في الخامس من حزيران 1967، استغرب الخبراء العسكريين الذين درسوا تفاصيل المعارك عدم تفجير تلك الألغام المزروعة بكثافة عندما تقدمت قوات العدو بالزحف لإختراق الجبهة. ولم يجدوا مبرراً لعدم تنفيذ ذلك. فقد كان هدف زرع الألغام هو إعاقة تقدم العدوّ – ولو لساعات طويلة ولو أنها نسفت لكانت نتيجة المعركة قد تحولت بما جاءت عليه، ولم يَسهل على العدو التقدم بسلاسة دون أن يواجهوا دفاعاً يمنعهم من أنْ يسيطروا على تلك المساحة المحصنَّة جيداً.
- كما أنَّ هؤلاء الخبراء رغم تمحيصهم عن أسباب هذا التقصير، لم يجدوا مبرراً لذلك إلا وجود خبايا تشير إلى وجود صفقة ما بين بعض القادة السوريين وبين إسرائيل. ومن هنا بدأت الشكوك- وما زالت – ترجح أنَّ الجولان قد تعرضَّ لصفقة تسليم بثمن ما قد يكون مفيداً للخائن أن يستثمر اعتلاء كرسي الحكم في سورية مستقبلاً.
-
- لاحظ الخبراء العسكريين الذين درسوا تفاصيل المعارك أنَّ قوات الدفاع الجوي خاصة القوات المكلفة باستعمال الأسلحة المضادة للطائرات- والمدفعيّة الأرضيّة، قد أبلوا في أيام الحرب الأولى بلاءً حسناً، وكانت اصاباتهم تستنزف العدو. ولكن فجأة بدأت تصل إليهم الذخائر وهي مطليَّة بالشحم الخاص بالتخزين، مما أدى إلى ارباكهم والتأخر في القيام بالتسديد على الأهداف المعاديَّة في الوقت المطلوب، ومما زاد في تعطيل هذا القطاع الحيوي هو النقص الهائل في أعداد الأفراد المسؤولين عن مستودعات الذخيرة، وهو الأمر الذي منعهم من تنظيف الذخيرة من الشحم وإيصالها نظيفة صالحة إلى المدافع، وبالرغم من ملاحظة ذلك لم تقم الأجهزة المسؤولة بتلافي هذا النقص خلال المراحل اللاحقة لمجريات الحرب.
- وتكرر هذا المشهد في معظم منطاق الجبهة وفي كافة القطعات العسكرية التي تحتاج إلى تجديد التذخير.
- على سبيل المثال ما قد جرى في القطاع الأوسط بين كفرنفاخ، والقنيطرة، حيث توجد مستودعات ضخمة جداً للذخيرة من كافة أصناف الأسلحة، مخبأة في أنقاب خفيَّة ضمن حفر خاصة في تل خنزير. وللأسف لم تستطع هذه المستودعات تزويد وحدات القطاع الأوسط بكاملها وأية قطعات أخرى تلحق على القطاع بما تحتاجه من ذخائر، ورغم اعلام القيادة العليا بذلك العَوَز، لم تلبِ طلب القوات الجامح، مما أضعف فعاليتها القتاليَّة.
- كان سبب تزاحم مندوبي الوحدات أمام المستودعات لاستلام احتياجها من الذخائر هو النقص الحاد في عدد المسؤولين عن تسليم الذخائر لمندوبي القططعات العسكرية. كان العدد اثنان فقط من رتبة مساعد أول، بالرغم من ضخامة المستودعات وأهميتها التكتيكيَّة في سلاح المدفعية الأرضية والمدفعية المضادة للطائرات. لذلك اعتبر الخبراء أنَّ القيادة العليا هي المسؤولة عن احداث هذا الخلل وعدم تلافيه عندما طُلب منها ذلك.
- في عقيدة الجيش السوري، أنَّ تشكيل ألوية من ضباط وجنود الإحتياط أمر لا مندوحة عنه في المعارك الكبيرة، وبالفعل تمَّ تحشيد ألوية وحدات الإحتياط وزجّهم في المعركة للهجوم على أعتى حصن دفاعي في الجبهة الإسرائيلية الذي يغطي منطقة شاسعة من الأراضي المحتلَّة “منطقة الجليل حتى مدينة صفد وإلى مدينة الناصرة”.
- لقد أصيب الخبراء العسكريين الذين درسوا تفاصيل المعارك بالذهول، واعتبروا أنَّ قرار القيادة العليا بزجِّ هذه الألوية الإحتياطية التي احتوت على 90% من الضباط والأفراد غير المدربين مطلقاً على مثل هذه المهمات -خاصة لتركهم الخدمة الالزاميَّة منذ عشرات السنين دون تجديث تدريبهم على الأسلحة الجديدة. في حين أنَّ هذه المهمة توكل عادة إلى تشكيلات من النخبة من الجيش (العامل وليس الإحتياط) بعد أن يتم تدريبهم بشكل احترافي على أحدث صنوف الأسلحة وتطبيق الخطط التي تؤهلهم بتنفيذ أكثر مخططات الهجوم تعقيداً وفق طوبغرافية أرض المعركة.
- كانت القيادة الحزبية التي تتحكم في مقدرات البلاد، فاقدة الثقة بجماهير الشعب، فهي تخاف من تسليح المواطنين وتوزيع الذخائر عليهم في حال حدوث انزال مظلي كان متوقعاً أن يتم على العاصمة دمشق ومدن أخرى هامة، والأنكى من ذلك، أدى هذا التخوّف إلى التأخر في توزيع الأسلحة والذخائر على الألوية الاحتياط المكلفة تنفيذ الهجوم على إسرائيل. ولم يتم ذلك إلى أن اقترب وقت الازدلاف من قواعد الانطلاق. وذلك في منطاق وادي حواء، وسنابر، والجمرك، التي كانت على بعد لا يتعدى من 1-2 كيلومتراً حيث قوات العدو، رغم أنها أصبحت عرضة لغاراته الجويَّة، وضمن مدى رماياته بالهاون والمدفعية.
- لقد صدرت الأوامر العسكرية بتطويق هذه الألوية الإحتياطية بكتائب الدبابات، خوفاً من تحرك هذه الألوية بشكل مفاجئ لضرب مراكز الحزب أو غيرها من المراكز الحساسة والانقلاب على نظام الحكم. ومن الجدير بالذكر، عندما تقدم العدو وتمَّ خرق الدفاعات السورية، تراجعت كتائب الدبابات لتحمي مراكز الحكم حوالي دمشق تاركة الألوية الاحتياطية دون حماية أما تقدم العدو. فأصبحت فريسة سهلة وفي استشهاد كارثي لم يكن متوقعاً.
- لم تصدر أوامر الانسحاب الكيفي بشكل رسمي. ولم يتمًّ تبليغها بالطريقة الصحيحة إلى كافة الوحدات، بل تمَّ إبلاغها الضباط الحزبيين من قبل القادة الكبار للتوجه إلى دمشق بحجة حضور اجتماعات حزبية. ومن ثمَّ انتقلت القيادة هاربة من دمشق إلى مدينة حمص بعد أن توقعوا أنَّ دمشق يمكن أنْ تسقط بيد العدو الإسرائيلي. وبذلك أصبح مصير الوحدات الأمامية أو المعزولة، كذلك حرس الحدود المطوقة مجهولاً بعد انقطاع اتصال القيادة العليا عنهم. ومكثوا في أماكنهم حتى جاء يوم الجمعة 9حزيران،
- لقد أدركوا أنهم قد أصبحوا معزولين عن باقي الوحدات. لذلك بدؤا بالتراجع الكيفي فرادى متسللين ليلاً حتى وصلوا دمشق ليلتحقوا بأقرانهم المتجمعين في ساحة معرض دمشق الدولي، ينتظرون المجهول.
- جاء رأي الخبراء العسكريين الذين درسوا تفاصيل المعارك عن الهجمات المعاكسة، أنها كانت عبارة عن خطة تقرر تنغيذها لسد الخرق، ورد العدو واستعادة السيطرة على الأرض، ولكن بقيت حلماً وُعد به أهالي الجولان. وبقيت صوراً باهتة من فرضيات القادة البعثيين لم تنفذ على الأرض. ولكن رشح عن القادة الحديث عن الهجمات المقررة على مستوى احتياطات كتائب النسق الأول، واحتياطات ألوية النسق الأول، كانت لإضاعة للوقت دون أية فائدة، مع أنَّها كانت ستشكل مرحلة من أكثر مراحل القتال تعرضاً للأخطار نتيجة الالتحام بالسلاح الأبيض. وهذا النوع من القتال، تنفذه عادة وحدات مدربَّة على طرد العدو ومنعه من السيطرة على الأرض. لكنَّ الألويَّة لم تقاتل، ولم تنفذ هجماتها المعاكسة المقررة.
خاتمة
إنَّ الحديث عن تفاصيل كثيرة جداً تفيض عن سعة مقال واحد، لأنَّ التوسع فيه يحتاج إلى عدة أجزاء من الكتب، وكلما تكشفت الحقائق المخفية في المستقبل، ستحتاج المزيد من الكتَبَة والكُتب أيضاً. لذا اعتمدنا ذكر أهم البلاغات العسكرية ذات الأهميَّة.
لعلَّنا من خلال هذه الأجزاء الخمس من تلخيص حرب حزيران 1967، قد استطعنا إثارة الفضول عند القارئ كي يتقصى الحقيقة كاملة من مئات الكتب باللغة العربية والأجنبية التي استخلصنا من بعضها هذه الوقائع، متوخين أن يكون ما ورد فيها هو جزء من الحقيقة الصادقة، لأنَّ تلك الحقائق التاريخية تكون عادة مشوبة ببعض الزيف المُغرض من قبل العدو ومن يحالفه، إضافةً إلى المبالغة في رواية الوقائع من قبل الذين ظُلموا مما حدث معهم. ورغم أننا حرصنا على اعتماد التفاصيل بعد وجودها متوافقة مع بعضها في الكثير من المصادر، لكننا لا نتوقع أننا تجاوزنا التشويش الكامن فيها.