أصل الحكاية
إيمي مكلينتوك بدأت هذا المشروع كجزء من مشروع “Lost Family Portraits”، حيث قامت عام 2014 بتوثيق قصص الأطفال السوريين الذين فقدوا أسرهم وأهلهم خلال الحرب. استخدمت الصور التي التقطتها لهؤلاء الأطفال كنقطة انطلاق لخلق الدمية “أمل” التي تشبه الأطفال الذين تم تمثيلهم في تلك الصور.
الهدف من هذا المشروع
هو تسليط الضوء على مأساة الأطفال السوريين وجعل العالم يفهم ويتعاطف مع الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشونه. “أمل” تمثل رمزاً للأمل والمثابرة في وجه المعاناة والفقدان الذي يواجهه الأطفال السوريون.
وجاء هذا المشروع بعد أن تراجع الاهتمام العالمي بقضايا اللاجئين السوريين الذين يحتاجون الرعاية الإنسانية والمأوى والطعام، وأكثر ما يحتاجون إليه هو الكرامة”.
لقد تخطت قصة أمل الصغيرة الحدود واللغة، وحفزت المجتمع الغربي أن تعيد قراءة الثورة السورية التي لاتقل أهمية عن الثورات التي عاشتها تلك المجتمعات في العصور الأسبق.
تحدي الشعوب التي تدعي الديمقراطية
لقد نبشت الطفلة السورية “أمل”من ذاكرة تلك الشعوب تاريخ الثورات التي قامت بسبب معاناتهم من بطش الحكام الديكتاتوريين.
- من أهم الثورات التي أفرزها عصر النهضة في أوروبا، تلك الثورة التي انطلقت من إيطاليا، وتحديداً في مدينة فلورنسا في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي (.14th)، وكانت ذروة انتشاره في القرن الخامس عشر. حتى نهايته في أواخر القرن السادس عشر. وخلال هذه الحقبة التاريخية، تأسس النمو الثقافي والفكري والفني نتيجة التحولات الكبيرة في الفلسفة والعلوم والأدب والفنون، التي كان لها تأثير كبير في تغيير العديد من النماذج الثقافية والفكرية والجيوسياسية والاقتصادية في أوروبا وتركت بصماتها على العالم بشكل عام. لقد تجلت آثار عصر النهضة فيما بعد بحدوث ثورات مستجدة لاحقة.
- الثورة الفرنسية (1789-1799)، التي تعود لأسباب اقتصادية واجتماعية مثل الظلم الاجتماعي والفقر، والتمييز الاجتماعي والضرائب الثقيلة على الطبقات الدنيا. وبعد سقوط سجن الباستيل في 1789 استمرت عشر سنوات. وكان من نتائجها إسقاط النظام الملكي وتأسيس الجمهورية الفرنسية وتغييرات جذرية في النظام السياسي والاجتماعي بفرنسا.
- الثورة الروسية (من شهر شباط حتى تشرين الأول من عام 1917). وكانت أسبابها حالة الفقر المدقع والانتهاكات الحكومية والحرب العالمية الأولى والتدهور الاقتصادي. وأدت إلى سقوط نظام القيصرية وتأسيس الاتحاد السوفيتي، إلى أن جاءت ثورة البيريسترويكا التي بدأت في أواخر الثمانينيات واستمرت حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991. إن معنى اسم “البيريسترويكا” يعني “إعادة تشكيل” أو “التجديد”. ومن خلال هذا المصطلح نستطيع استنباط نتائجها متمثلة في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي أفرزتها سلطة الحزب الواحد في ظل الاتحاد السوفيتي.
وخلال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، حدث عشرات الثورات والانقلابات العسكرية في العالم، يطول ذكرها هنا، بيد أنَّ ثورات الربيع العربي التي نعاصرها الآن، تمثل تداعيات ارهاصات التحولات والتغيرات الإقليمية والدولية. زمن هذه الثورات:
- الثورة التونسية (2011)
- الثورة المصرية (2011)
- الثورة الليبية (2011)
- الثورة اليمنية (2011)
وأسباب هذه الثورات هو الفساد والقمع السياسي والاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وانتهاكات حقوق الإنسان.
- الثورة السورية (2011 – الحاضر)
–أسباب الثورة: بدأت مطالبة بالديمقراطية وإطلاق الحريات السياسية والاقتصادية. لكن تغوّل النظام في قتل المتظاهرين السلميين أدى إلى تحول الثورة السلمية لتصبح صراعاً مع النظام الحاكم واشتداداً للحرب الأهلية. لذلك اختلف سياق هذه الثورة عن أخواتها العربيات بما أسفر عن جعلها أزمة معقدة للصراع الداخلي، وتدخلات الدول الأجنبية وعدم تمكن الفصائل المعارضة من تحقيق انتصارات كبيرة أسباباً رئيسية لعدم انتصار الثورة حتى الآن.
ويمكن القول أنَّ الثورة السورية تمثل حالة استثنائية بتعقيداتها السياسية والجيوسياسية والاجتماعية، فمنذ بدايتها تحولت إلى صراع دولي مع تدخلات متعددة وصراعات داخلية تجعل من الصعب تحقيق انتصار واضح لإحدى الأطراف المتنازعة.
المقاربة بين ثورات الماضي وثورات الحاضر
لقد صممت الفنانة البريطانية إيمي مكلينتوك دمية “أمل” لتكون رمزية لما يعانيه الأطفال السوريين الذين فقدوا عائلاتهم جراء الحرب. الدمية تُعتبر شخصية وترمز إلى الأطفال الضحايا الذين فقدوا ذويهم ويواجهون الوحدة والمعاناة في ظل الصراعات الدائرة في سوريَّة.
لقد شرح فريق العمل في كل محطة نزلت فيها الدمية “أمل”، بأنَّ الإحصائيات الرسمية تقول أنَّ:
- المهجرون قسراً خارج سوريَّة، بلغ عددهم حوالي 6.8 مليون سوري نزحوا إلى خارج سوريَّة كلاجئين حتى بداية عام 2022 وفقًا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
- المهجرون داخل سوريَّة، بلغوا حوالي 6.7 مليون شخص نازح داخلياً في سوريَّة.
- عدد الأطفال المشردين، بلغ حسب تقدير منظمة اليونيسف (UNICEF) حوالي 8.4 مليون طفل سوري بحاجة إلى مساعدة إنسانية في الداخل وخارج سوريَّة، ومعظم هؤلاء الأطفال يواجهون انعدامًا شديدًا في الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والحماية.
وكانت أهمية هذه الاحصائيات تشير إلى حجم الأزمة الإنسانية الكبيرة في سوريَّة، وبأنَّ هذه الأعدادتحتاج إلى دعم دولي وجهود مستمرة لتقديم المساعدة الإنسانية والعمل على إيجاد حلول سياسية واقتصادية للتخفيف من معاناة الشعب السوري.
ردود فعل الشعوب التي زارتها “أمل”
كانت ردود الفعل تجاه هذه الدمية مختلفة. بعض الأشخاص استقبلوا المبادرة بإعجاب وتفهم، حيث أظهروا دعمهم وتضامنهم مع هذه الفكرة الإنسانية، في حين أنَّ بعض أفراد هذه المجتمعات لم يستوعبوا مدى الأهمية الكبيرة لهذا التمثيل الرمزي، أو قد تجاهلوا المشروع نتيجة للانشغال بأحداث أخرى.
بدأت جولة الدمية من الحدود السورية التركية عبر أوروبا إلى المملكة المتحدة، بطول 8000 كيلومتر ( 5000 ميل)، مروراً بالمدن التركية واليونان وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا إلى المملكة المتحدة. وشاركت في أحداث تم تنظيمها محليًا في 65 بلدة ومدينة على طول الطريق. تم الترحيب بأمل الصغيرة في بعض الأماكن من قبل كبار الشخصيات المحلية، مثل البابا فرانسيس ، وفنسنت نيكولز رئيس أساقفة وستمنستر، والعمدة كارولين ماكينسون، عمدة بارنسلي.
وللأسف، كان استقبال أمل الصغيرة في بعض المناطق مختلطًا، مع بعض ردود الفعل العنصرية أو حتى العنيفة، حيث أثارت رحلة اللاجئة الدمية العملاقة المهاجرة من سوريَّة إلى مانشستر ردود فعل قوية، من تعرضها للرشق بالحجارة في اليونان إلى استقبالها في روما.
- في اليونان ، ألقى المتظاهرون اليمينيون المتطرفون عليها أشياء أثناء سيرها في الشوارع، وصوّت أعضاء المجالس المحلية على منعها من زيارة قرية الأديرة الأرثوذكسية، وذلك لأنَّ المرجعية البطريقية للأرثوذوكس تحابي نظام الأسد. ولهذا أدت الاحتجاجات في أثينا إلى تحويل مسارها.
- أما في فرنسا، اعترض عمدة كاليه على وجودها.
الرحلة التي قطعتها الدمية الطفلة عبر أوروبا، سلطت الضوء على العداء الذي يواجهه اللاجئون الذين يسافرون على نفس الطريق من الحدود السورية إلى المملكة المتحدة لسنوات.
وعلى المقلب الآخر، أثار هذا المشروع المسرحي الطموح مشاعر ترحيب بالمسؤولين عنها، الذين كانوا يأملون في إلهام الناس عندما شرعوا في هذه المسيرة في حزيران من العام الحالي.
يقول فريق العمل وعلى رأسهم المنتج ديفيد لان:
“إنَّ رحلة الدمية أمل أجبرت آلاف الأشخاص على طول الطريق للتفكير في مواقفهم تجاه اللاجئين، خاصة الأطفال النازحين الذين أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب الصراع على مدى العقد الماضي”… ويضيف “إذا قلت لكم إننا لم نلقى سوى الدعم على طول رحلة 8000 كيلومتر، فلن يكون ذلك صحيحاً، لكنها فرصة للناس ليكونوا متعاطفين”.
مواقف أخرى جديرة بالذكر
زارت الدمية أمل مخيمات اللاجئين على طول طريق الرحلة، ونظم الفريق مشاريع إبداعية مع الأطفال اللاجئين في غازي عنتاب التركية، حيث بدأت مسيرتها، وصنع الأطفال اللاجئون الفوانيس للترحيب بها.
- على الساحل التركي، تتبعت مسار أحذية مهجورة على الشاطئ، تمثل آلاف اللاجئين الذين غرقوا أثناء محاولتهم عبور البحر.
- في إيطاليا، ذهبت الدمية إلى الفاتيكان وصافحت البابا.
- في بروكسل، كتب لها آلاف الأطفال رسائل، يجبرونهم على التفكير في تجربة كونهم طفل لاجئ.
- في لاريسا (اليونان) ، تجمع حوالي 300 طفل مع الدمى التي صنعوها للترحيب بأمل الصغيرة في المدينة، لكن قام متظاهرون يمينيون بإلقاء الحجارة على العرض، وضربوا الأطفال. لقد استعد الأطفال لأشهر عديدة ثم وصل الناس وبدأوا في إلقاء الأشياء على الأطفال – كان الأمر قاسياً للغاية.
الخاتمة
الإيجابيات تفوق السلبيات
يقول المدير الفني:
“لقد رأينا الكثير من الكرم. نحن نقوم بهذا المشروع للاحتفال بإنسانيتنا المشتركة. لقد التقينا بأناس على استعداد لفتح قلوبهم ومدنهم والتفكير بشكل مختلف حول هذه القضية. طريقة سهلة للتعامل مع الأمر هي أن نقول ، “دعونا نبني الأسوار ، ونعزل أنفسنا، ونخرج من أوروبا.” لكننا أردنا أن يفكر الناس في كيفية الترحيب بهؤلاء الأشخاص حتى لا يتم تهميشهم. لقد جلبت الدمية السورية ذات التسع سنوات، وبحجمها العملاق الذي بلغ طوله ثلاثة أمتار ، فرحًا كبيرًا. بعد ما يقرب من عامين من Covid، يتدفق الناس لرؤيتها – ولكن أيضًا ليكونوا معًا، وهو أمر مؤثر للغاية “.