مقدمة
لا بدَّ عند التحدث في أسباب هجرة السوريين بأعداد لَمْ يَسْبِقْ لَها مَثِيلٌ في تاريخ الحضارة السورية ، أنْ نسميها مجازاً ب (جائحة الطاغية الذي أباد شعبه)، لأنَّ دوافعها كانت قسرية نتيجة الاستبداد. وبمعنى آخر أنَّها كانت خياراً بلا اختيار -وفق مصطلح “Hobson’s choice“.
ولكلِّ مهاجر رواية خاصة به تختلف عن سواه في بعض التفاصيل فقط، إلا أنها تشترك عند الجميع في دوافعها التي تتلخص في النجاة إما من الموت المحتم أو الانفلات من العبودية والقهر من الاستبداد، أو أنها كانت بدافع استكمال تعليمهم بعد أن تعطل لسنوات. الملايين غادرت سراً بعيداً عن الوطن والأهل والأحبَّة مكرهين، وتفرقت بهم السبل في أرجاء القارات السبع.
ومن نافلة القول، أنَّ هؤلاء المهاجرين بقوا في مغترباتهم يقفون في متاريس الثورة بما يتيسر لهم من أساليب متاحة مع المحافظة على أنْ يكونوا سفراء للحضارة السورية، والتفاعل الجدي في المشاركة الفعالة في تقديم مايمكنهم للمجتمات المضيفة في كل المجالات العلمية والوظيفية والاقتصادية كي لا يكونوا عالة على المجتمعات المتحضرة.
وفي حواري مع أحد هؤلاء المهاجرين السوريين إلى ألمانيا، يمكنني أن أقدم لكم شاهداً متواضعاً كأنموذج على شباب سورية المغتربين الذين ما زالوا يتمترسون مع ثورتهم في سورية ويمثلون في بلاد الاغتراب حضارتهم السورية بصدق وإخلاص.
السيد أوس الكفيري ابن جبل العرب الأشم من مواليد مدينة السويداء عام (1998) غادرها متجهاً إلى ألمانيا في تاريخ (2015).
وهو يعمل حالياً مديراً تنفيذياً لمنظمة اوركيدا السورية بعد حصوله على درجة ماجستير في البناء الاستراتيجي والتخطيط لعمل المؤسسات، بالإضافة إلى أنه مدرب دولي معتمد في التخطيط الإستراتيجي لأداء المؤسسات.
وعند سؤاله عن منظمة أوركيدا عرَّفها بأنها:
منظمة عمل مدني مستقلة تطوعية غير ربحية وغير سياسية وغير دينية، تعمل في محافظة السويداء على دعم وتمكين الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع ليكونوا قادرين على ممارسة حقوقهم وتسهيل وصولهم للعدالة وتحسين مستوى معيشتهم وتنمية مجتمعاتهم على أساس متماسك يتمتع أفراده بالحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية
السيد أوس ما هي المرجعية الفكرية والأطر القانونية التي تتبنونها؟
أوركيدا تتبنى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات ذات الصلة، بالإضافة الى القوانين الوطنية ويستثنى منها تلك التي تتعارض مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من حيث القيم التي تكفل وتصون:
- الحرية.
- الكرامة الإنسانية.
- العدالة.
- السلام العالمي.
- الإنسانية.
- احترام التنوع.
وما هي المبادئ التي تودون ترسيخها من خلال منظمتكم؟
- اللاعنف
- عدم التمييز
- الاستقلالية
- المشاركة في المسؤولية الاجتماعية
- الشفافية
- المساءلة
- المواطنة
- 9المساواة
وما هي أهدافكم الاستراتيجية؟
باختصار يمكن أن أوجزها بما يلي:
على مستوى البيئة الداخلية للمنظمة:
- العمل بشكل مستمر على بناء فريق من المتطوعين كموظفين في المنظمة بعد أن يتم تطوير معارفهم وخبراتهم
- وضع سياسات للمنظمة وتطويرها وفق الاحتياجات المطلوبة في مجال العمليات المالية ، الموارد البشرية ، التواصل الداخلي والخارجي ، المشتريات ، السلامة والأمن مكافحة التحرش في بيئة العمل ، التوازن الجندري ،
- مكافحة الفساد الإداري والمالي.
على مستوى البيئة الخارجية للمنظمة، وعلى المستوى المحلي:
- العمل على تقييم احتياجات شامل ودوري قطاعي وفئوي في محافظة السويداء.
- العمل على تحديث سياق دوري المحافظة.
- دعم المساحة المدنية في محافظة السويداء وبناء الشراكات والتحالفات والشبكات ودعم الفرق الناشئة.
- تفعيل المسؤولية المجتمعية والتحريك المجتمعي والتوعية بالاستناد الى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من خلال إطلاق الحوارات المجتمعية والمناصرة على القضايا المحلية.
- العمل على تمكين المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة اقتصاديا وسياسياً ومعرفياً وجندرياً.
- إعداد وتطوير سياسات حول الإبلاغ والشكاوى التحرش والابتزاز، تعميم مبادئ الحماية، والتواصل والمشاركة المجتمعية، بناء الشراكات والتحالفات)
على المستوى الوطني
- التصدي الخطاب التمييز والعنف والكراهية وإنتاج خطاب أخلاقي معرفي وطني جامع.
- المناصرة على القضايا الوطنية والتضامن مع الضحايا.
- دعم وتوسيع المساحة المدنية وبناء الشراكات والتحالفات والشبكات.
- تمثيل المنظمة في المؤتمرات والحوارات والاستحقاقات على المستوى الوطني ودعم العملية السياسية بالاستناد إلى مقررات جنيف والقرار 2254
ما هو تقييمكم للوضع السوري بشكل عام؟
تاريخياً، أستطيع القول إنَّ دول الوطن العربي (سواء على مستوى الدولة القطرية المستقلة، أو على مستوى الوطن العربي ككل ضام لتلك الدول)، أنها لم تستطع إنجاز مشروع الدولة الوطنية الحديثة القائمة على الديمقراطية والعلمانية والمواطنة والعدالة و التنمية و سيادة القانون، وبقيت الشعوب العربية تعيش في انتماءات ما دون وطنية، حيث ما زالت الانتماءات الدينية والطائفية و العشائرية و القبلية والمناطقية متجذرة في النسيج الاجتماعي و الفكري في تلك الدول.
وما هي خصوصية المشهد السوري اليوم؟
في سورية خاصة فقد عزز نظام الأسد الأب ومن بعده نظام الابن تلك الانتماءات الضيقة بينما أفرز شريحة فوق كل شرائح المجتمع السوري لا همَّ لها سوى النهب و الفساد والتسلط على رقاب الناس وسلبهم حقوقهم الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و مصادرة أي حق في التعبير عن الرأي و في ممارسة الحياة السياسية بشكل عام، إلى أن أدى كل ذلك إلى انفجار ثورة الشعب السوري المكلوم في آذار عام ٢٠١١ وما زال متمترساً لحماية الوطن حتى اليوم وسيبقى كذلك حتى يحقق الانتصار.
ولكن ما هي رؤيتك الخاصة حيال ذلك؟
كان من الطبيعي في هذه الحالة أن تتشكل عندي رؤية تتواءم مع الواقع الذي جعلنا كسوريين أن نكون ضمن عالم تنافسي تتصارع فيه أطماع الدول الإقليمية و العالمية كي تستثمر ما يجري في سورية أو تعيد ترتيب هذه الوقائع وفق مصالح كل منها – المتوافقة أحيانا و المتناقضة أحيانا أخرى – أو المتصارعة خارج حدود العدل والعقلانية ولأجلٍ غير معروف إلى أنْ أصبحنا نرى سورية تتنازعها قوى الأمر الواقع إلى مناطق نفوذ متعددة؛ أميركا في شمال شرق سورية وصولاً إلى التنف، روسيا في الساحل، تركيا في شمال غرب البلاد، وإيران في دمشق و ضواحيها تعبث في كل ما يتيسر لها من مكاسب. وذلك في ظل سلطة عاجزة عن اتخاذ أي قرار، وقد سلبت منها إدارة مؤسساتها الوطنية، و أضحت قاصرة عن تأمين أدنى سبل العيش لمواطنيها.
ومما زاد الطين بلَّةً، أنَّ جذوة الثورة أصبحت في ظلِّ معارضةٍ أو معارضاتٍ فشلت في مقارعة النظام وفرض مشروع بديل، إضافة إلى ظلِّ المجتمع الدولي المتقاعس عن ( أو غير الراغب) في تحمل مسؤولياته في مواجهة كل هذا الخراب و الدمار الذي يعيشه الشعب السوري على مدار أكثر من ثلاثة عشر عاما.
و في ظل كل ذلك أتى حراك السويداء ليكمل ما بدأه الشعب السوري عام ٢٠١١ و ليؤكد للسوريين و للعالم كله أن الثورة مستمرة ضد الاستبداد و ضد سياسات الإفقار و التجويع و التسلط و الفساد التي مورست على الناس على مدار أكثر من نصف قرن.
ما هي التحديات التي تواجه الحراك السياسي في محافظة السويداء؟
أولا التحدي الأمني:
أصبح جلياً أنَّ النظام يحاول بأجهزته الأمنية أنْ يشق وحدة الصف في ساحة الكرامة، و ذلك من خلال أساليب متعددة، أهمها زج عملائه بين المتظاهرين لرفع شعارات تطالب في مآلاتها الأخيرة بالانفصال عن سورية.
وقد يكون لحزب اللواء السوري المشكوك في بعض عناصره وقياداته دور في ذلك و قد رأينا إصرار أعضائه على رفع علم التوحيد فقط و فرضه على الساحة بغية تشويه الحراك في نظر السوريين من جهة، و العمل على تحييد السويداء و عزلها عن المجتمع السوري كي يرتاح النظام من مواجهة السوريين كشعب واحد من جهة ثانية، وذلك على الرغم من أن راية التوحيد لم يرفعها المتظاهرون بداية إلا لشحذ الهمم و وحدة الصف و بالتوازي مع علم الاستقلال و بجانبه تماما.
ثانياً التحدي الثاني الفكر الإسلاموي الأصولي المتطرف:
وهو الأخطر لكونه يشوّه حراك السويداء بنعت أهلها (الدروز) بالانفصاليين و الكفرة و العملاء، أو الذين تقاعسوا عن الثورة في بداياتها وهذا غير صحيح.
ثالثاً التحدي الثالث اقتصادي:
من المعروف أنه لا مورد لأهل السويداء إلا مال الاغتراب، و رواتب وظيفية شهرية لا تكفي للعيش لثلاثة أيام، و هذا ينعكس على أداء أبطال ساحة الكرامة.
رابعاً التحدي الرابع جغرافي:
في الواقع لا يوجد أي معبر حدودي لجبل العرب مع أي دولة مجاورة، لذلك لا سبيل كي تتنفس المحافظة إلا عن طريق دمشق السويداء الذي في حال قرر النظام أنْ يقطعه، لا بدَّ أنْ يؤدي إلى اختناق السويداء بمن فيها.
كيف تنظر إلى انخراط رجال الدين الموحدين في الحراك الثوري؟
طالما أنهم مع الشارع في مطالبته بالحرية و الكرامة و العيش الكريم، و في بناء دولة علمانية ديموقراطية و دولة مؤسسات وقانون، وفي مطالبه المحقة في تحقيق عدالة انتقالية، والمحافظة على سلامة وحدة سورية أرضاً و شعباً، فالشارع معهم و بجانبهم و خلفهم. و قد أثبت سماحة الشيخ حكمت الهجري وقوفه إلى جانب مجتمعه و مطالبه المحقة بكل ما سبق، بل زاد على القوى السياسية بحكمته وبصيرته و بإصراره على سلمية الحراك و وحدة الصف و إبعاد كل ما و من ينال من ذلك.
ما هو توصيفك لطبيعة العلاقات الخارجية للمحافظة على المستوى السياسي و المدني؟ وما دورها في حراك السويداء؟
- بداية السياسة هي فن رؤية الممكنات و إدارتها بشكل صحيح. ومن هنا ننطلق، ثم إن السياسة و إن كانت فن التعامل مع الممكنات، شريطة أنْ ترتكز على جملة من المبادئ و القيم.
- و قد أشرنا إلى دورها الإيجابي لأنَّ مبادئنا واضحة تتجسد في وحدة سورية أرضاً وشعباً، والعيش بسلام أهلي وبكرامة و حرية وعدالة وتنمية اجتماعية و اقتصادية وعلمية وفكرية أسوة بباقي دول العالم المتحضِّر، وكل من يقف في صفنا لتحقيق مبادئنا و طموحاتنا فهو صديق لنا. و من الطبيعي أن نتواصل مع من يؤيد حقنا في ذلك.
ما هي تصوراتك عن مستقبل الحراك، و ما هي الخطوات القادمة؟
لا مندوحة عن القول أنَّه في ظل العولمة لم يعد العامل الذاتي الداخلي بتلك الأهمية التي كانت له أمام العامل الموضوعي أو الخارجي، فمستقبل الحراك ما زال مرهوناً في جانب منه بمدى الدعم الذي يلقاه عالمياً، على الرغم من أن القوى الفاعلة فيه مصممة على متابعة ما بدأته ولا سبيل للتراجع أو التراخي في ذلك.
و أهم خطوات الحراك الذي ينتهجها هي أنه يتعلم من نفسه ليزداد خبرة في العمل السياسي ونضوجاً في الفعل السياسي من حيث تنظيم نفسه و تطوير أدواته، ذلك أنَّ نظام الاستبداد قد حرَّم على المواطن ممارسة الحياة السياسية على مدار أكثر من نصف قرن.
إنَّ الحراك بخير، له ما له و عليه ما عليه، ولأنه معافى لابدَّ له أنْ يتصاعد بشكل إيجابي. وقد بدأ بإنتاج هيئات سياسية واضحة المعالم و سنرى ثمار ذلك مستقبلا.
هل ترى أن حزب اللواء الذي يسعى حالياً إلى تقوية نفوذه يمكن أنْ يربك الحراك في الفترة القادمة؟
باختصار… لا مكان في الساحة إلا للشرفاء، وإن وعي المتظاهرين الوطنيين في الساحة هو من يقرر ذلك.
في الختام نشكر لك كل مساعيك الوطنية وأنت في دولة الإغتراب مع أمنية “مآلات” أن يتحقق لكم النجاح وانتصار الثورة.