بعد 13 عاماً من اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، ما زال المجلس الوطني والائتلاف يتنافسان على كسب الرهان على الوصول لخط النهاية في مضمار الثورة، وبين كبوة وأخرى تتعثر خطواتهم مما يضطرهم إلى تنزيل لاعبين جدد من الاحتياط فيزداد الموقف سلبية نتيجة اختيار حفنة من القادة لها غير مؤهلين أخلاقياً ووطنياً وحتى سياسياً، ورغم لهاثهم المفضوح لتحصيل مناصب يحلمون بها، يكابرون بلا خجل أو وجل كي يكتب لهم النجاح لنيل شرف الثورة. وقليل منهم عرضوا أنفسهم لبيعها في سوق النخاسة السياسية لقاء حفنة من دولارات بخسة من المال السياسي، وقبلوا أن يبيعوا دم الشهداء ومعاناة المجتمع غير آبهين بأنْ يوصفوا بقلة الضمير وانعدام الأخلاق والقيم. لذلك مرت مسيرة الثورة بمحطات مفصلية كارثية واقتتال علني بين هؤلاء القادة بين جدران ما يسمى المجلس الوطني والائتلاف في حين كان يفترض أن تمثل الثائرين الشرفاء في محاربة نظام بشار الأسد وحلفائه من الدول الطامعة في استغلال هذا الوضع من أجل أجنداتها الخاصة.
استنتاج بَدهيّ…!
في ظل غياب القيادة السياسية الرشيدة، انقسم الجسم الثوري وتشظى متحولاً إلى مجموعة من التكتلات السياسية والهيئات والمنصات التي أفرزت مزيداً من الأجسام الوليدة التي تعيث فساداً في دوامة من النزاعات الداخلية والاستقطابات الإقليمية والدولية، وانتشرت حواجز المسلحين في معظم مناطق البلاد، منها عصابات من الموالين للنظام، وأخرى من المرتزقة الأغراب، وكوكبات قليلة من سفلةِ الرعاع المنبوذين أصلاً من قبل المجتمع السوري قبل الثورة. لقد أصبح المشهد – اليوم – يجيب على من يسأل ما السبب في إطالة أمد الحرب التي أحرق نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيين من خلالها البلد بأكمله؟
نشأة متصدعة لا خير فيها
مع قدوم ربيع العام 2011 ترافق انتشار أزهار بساتين درعا مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، وفزع شباب مدينة حمص لمساندة درعا واحتجاجات الدمشقيين، ونفذت حماه مسيرتها المليونية، وسرت نشوة الاشتياق للحرية واستعادة الكرامة باقي من سوريَّة وأريافها، وغطى صدى هتاف الجماهير بعبارة “اسقاط النظام كل الوديان والسهول والجبال باستثناء جبل العلويين الذي اتخذ في بعض مناطقه موقفاً يناصر الأسد وبطانة الفساد. ومع تنامي جذوة الاحتجاجات، استشرفت الجماهير عوزها بأنْ يكون لها قيادة تكفل خلق هوية سياسية لهذا الحراك الشعبي. فكل من شارك في تظاهرة كان لديه أمنية أن يكون هناك تمثيل سياسي للمطالبة بالحرية وتحطيم منظومة الاستبداد.
ولادة هيئة وانعقاد مؤتمرات
بعد ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة الشعبية – وتحديداً في 30 حزيران 2011، أعلنت مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية، تأسيس هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، لتكون تحالفاً سياسياً يجمع معارضة الداخل. وقد تلى لاحقاً، في 16 تموز من العام ذاته، عقد مؤتمر الإنقاذ الوطني في مدينة استانبول التركية حضرته أطياف المعارضة السورية باختلاف مشاربها وعلى رأسها هيئة التنسيق، بهدف تشكيل مجلس إنقاذ وطني لبحث مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد. وقد أسفرت الحوارات البينية –مع استشارة بعض الدول المعنية بالشأن السوري- عن تأسيس “المجلس الوطني السوري”، حيث زفَّ نبأ احداثه في الثاني من تشرين الأول 2011، باعتباره أول منصة سياسية تمثل الثورة السورية داخلياً وخارجياً، وتم انتخاب المعارض السوري د. برهان غليون لتولي القيادة.
اختلاط الحابل بالنابل
بعد فترة ليست ببعيدة، بدأت الخلافات البينية في المجلس تُظهر نوايا الانقسام إلى معارضتي “الداخل” و”الخارج”، مما دعا لاحقاً انعقاد مؤتمر ثانٍ للإنقاذ الوطني في دمشق في 23 أيلول 2012، بمباركة روسية وإيرانية وشارك النظام فيها. وهذا أدى إلى رفض هذا المؤتمر من قبل غالبية المعارضة الخارجية، وكذلك الجيش السوري الحر، رغم أن مخرجات البيان الختامي جاء على ذكر ثوابت الثورة السورية، خاصة موضوع رحيل نظام البعث والرئيس بشار الأسد.
وفي هذه الفترة أيضاً ، أصدرت الأمم المتحدة ”بيان جنيف1″، المؤرخ في 30 حزيران 2012، الذي يرسم خارطة الطريق للحل السياسي في سوريَّة، وقد سميت بنوده الست ”خطة أنان”، لأن كوفي أنان، المبعوث الأممي كان قد أشرف على انجاز ذلك خلال ارساله رسمياً إلى سوريَّة.
جائحات الفساد تنتشر
لم يتوقف تنامي الخلافات والانشقاقات في صفوف أعضاء المجلس الوطني، مما دعا دولة قطر التدخل بشكل مباشر وبمشاركة بعض الدبلوماسيين من العرب والأجانب، وأفرزت جهودهم تشكيل تحالف سياسي جديد _مرادف- مؤلفاً من مختلف أطياف المعارضة، حيث تم الإعلان عنه في 11 تشرين الثاني 2012، باسم “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، ولوحظ استقصاء هيئة التنسيق عنه كما جرى سابقاً عند تشكيل المجلس الوطني. وهكذا بدا المشهد كأنه “لعب الكشاتبين .. المجلس والائتلاف والثورة”
من فساد إلى زوابع
ورغم أنَّ الائتلاف حاول لسنوات اصلاح العطب الذي خلفّه المجلس الوطني في العملية السياسية، لكن جهوده لم يحالفها النجاح بسبب تفاقم نشأة الفساد التي كانت موجودة منذ البداية – كما ذكرنا آنفاً-.
وبقيت الزوابع الخلافية سيدة الموقف حتى أواخر عام 2015، عندما أقحمت عدة دول وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وأدارت مباحثات موسعة في فيينا لإيجاد حل سياسي للصراع في سوريَّة، وصدر في نهايتها بيان فيينا الذي احتوى العديد من البنود، أهمها:
- ضمان وصول المنظمات الإنسانية إلى المناطق السورية كافة.
- ضرورة طرد تنظيم الدولة (داعش) من الساحة السورية.
- تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية.
- العمل على صياغة دستور جديد للبلاد.
- إجراء انتخابات بعد الوصول لحالة من الاستقرار تسمح بذلك.
ومن نتائج مخرجات اجتماع فيينا ، تمَّ تكليف المملكة الأردنية بالتنسيق مع السعودية بجمع أطراف المعارضة المختلفين برؤاهم السياسية، وإيجاد هيئة معينة لوضع استرتيجية تؤدي إلى انجاز العملية التفاوضية من أجل تطبيق القرار الدولي 2254 الذي صدر في 18 كانون الأول 2015 استناداً إلى بيان فيينا.
تناقضات تفرض نفسها
قامت المملكة العربية السعودية في كانون الأول 2015، برعاية مؤتمر موسع لأطراف المعارضة السورية -مؤتمر “الرياض1-، ضمّ عدة من المعارضين العسكريين والسياسيين، وكذلك ممثلين من هيئة التنسيق –وهذه كانت المرة الأولى التي تنخرط فيها الهيئة في الإجراءات التفاوضية-.
وقد نتج عن مؤتمر الرياض 1، استخراج وثيقة سياسية ورؤية موحدة لعملية التسوية، وكذلك اقتراح تشكيل هيئة عليا للمفاوضات لتكون مرجعية للوفد المفاوض مع النظام.
وبالفعل، تمَّ تشكيل “الهيئة العليا للمفاوضات السورية” في العاشر من الشهر ذاته، وكانت مؤلفة من 32 عضواً، موزعين كما يلي:
- 9 من “الائتلاف”.
- 10 من فصائل المعارضة المسلحة.
- 5 من هيئة “التنسيق الوطنية”.
- 8 مستقلون.
وبعد أسبوع واحد من ذلك، أصدر مجلس الأمن القرار 2254 الخاص بسوريَّة، المستند إلى بياني “جنيف1” و”فيينا”، والذي طلب من الأمم المتحدة جمع المعارضة والنظام في مفاوضات رسمية أوائل كانون الثاني 2016.
ومن الجدير بالذكر، أنه سبق ذلك، تشكيل منصتي “القاهرة” و”موسكو”، الذي تمَّ إقرارها في وقت سابق من العام 2014، حيث جاء في حيثيات بيانها أنهما تمثلان طيفاً من المعارضة. بيدَّ أنَّ العديد من أطياف المعارضة الأخرى رفضت قبول المنصتين لكونهما تحابيان روسيا ونظام الأسد، وتملكان توجهات تتباين جذرياً مع ثوابت الثورة التي تتبناها هيئة التفاوض.
اخراج العصا الروسية من الدواليب “مؤتمر الرياض 2”
عقب تشكيل المنصتين بسنوات عدة، استمرت روسيا بالتذرع مراراً وتكراراً بوجود “معارضتين”، ودأبت دائماً بالمطالبة بتوحيد صفوف المعارضة السورية لأجل استكمال العملية السياسية والتوصل إلى حل نهائي للصراع، مما أدى إلى اضطرار السعودية لتنفيذ أجندتها المتعلقة بالشأن السوري إلى دعوة لمؤتمر ثانٍ جديد عاجل في الرياض لجمع منصتي موسكو والقاهرة مع التيارات والمنصات التي حضرت “الرياض1” بهدف تشكيل وفد معارضة موحّد لحضور اجتماع “جنيف 8” الذي سيعقد قريباً، وكذلك بغية توسعة هيئة التفاوض السورية.
الأجندة السعودية تتفوق رغم الارتباك
عقد “الرياض2″، في 22 تشرين الثاني 2017، وسط مناخ ساخن من الخلافات التي أدت إلى انسحابات واستقالات جماعية لأعضاء في “هيئة التفاوض”. وفيما قاطعت عشرات الشخصيات والجهات السياسية، وكان أهمها انسحاب رئيس منصة موسكو قدري جميل من جلسات المؤتمر متذرعاً بأنَّ السبب هو عدم توصل اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر إلى توافق حول الرؤية المشتركة للوفد التفاوضي الواحد.
وكانت نتيجة المؤتمر التي أعلنت مع انتهاء اليوم الأخير من المؤتمر، أنَّه تم استنساخ هيئة عليا للمفاوضات جديدة، وقد تمَّ رفدها بإضافة 18 عضواً جديداً، ليصبح مجموع أعضائها 50 عضواً موزعين على النحو التالي:
- 10 أعضاء للائتلاف الوطني.
- 6 أعضاء من هيئة التنسيق.
- 4 أعضاء من منصة القاهرة.
- 4 من منصة موسكو.
- 10 ممثلين للفصائل العسكرية.
- 16عضواً مستقلاً.
موسكو قوَّادة ماخور السياسية
لقد بات جلياً أنه نتيجة لفشل الأمم المتحدة في احراز أي تقدم لتفعيل العملية التفاوضية، أتاح المجال لروسيا أن تبدأ حراكاً سياسياً مع زيادة نشاطها العسكري في دعم النظام لإستعادة سيطرته على مناطق واسعة كانت قد خضعت لسيطرة الجيش الحر.
ففي 23 كانون الثان2017 عقدت الجولة الأولى من مباحثات أستانا برعاية روسيا وإيران وتركيا، بصفتهم ”الدول الضامنة”. وقد جاء في البيان الختامي:
- الحل السياسي في سوريَّة هو مفتاح انهاء الأزمة.
- أن لا تكون المفاوضات بين طرفي النزاع مباشرة.
- فصل المعارضة المعتدلة عن هيئة تحرير الشام.
- اتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وقف الأعمال العسكرية في سوريَّة.
كانت روسيا تسعى باستمرار، تفريغ القرارات الدولية من مضمونها، عبر وسائل مختلفة منها على سبيل المثال إيجاد مسارات سياسية مختلفة تُحاكي مسار أستانا، الذي يُعنى بالأمور العسكرية والإنسانية التي وردت في القرار الأممي 2254. وبهذا تكون المحصلة النهائية هي نجاح روسيا في لم حرف المسار السياسي عن طريقه الأساسي المنصوص عنه في جنيف المتعلق بتحقيق عملية الانتقال أو إيجاد حل سياسي.
خازوق أستانا
في الواقع صمم مسار أستانا ليشكل مساراً مستقلاً للحل السياسي في سوريَّة، من خلال تركيز موسكو على بنود معينة في قرار مجلس الأمن والبيانات السابقة، لاسيما المتعلقة منها بالوضع الإنساني والعمليات العسكرية، لكونها تعطي مجالاً لروسيا أن تضيع الوقت في مفاوضات “جدلية” لا تؤدي إلا في تحقيق مصالح روسيا ونظام الأسد دون غيرها من الأطراف. وفي نفس الوقت، يكون قد تم احباط إصرار المعارضة السورية في أن ترعى الأمم المتحدة الحل السياسي استناداً لبياني “جنيف1″ و”فيينا” وقرار مجلس الأمن 2254.
سلال ديمستورا الأربع
بعد انتهاء الجولة الأولى من أستانا بأسابيع قليلة، تم بدء انعقاد جنيف4 في تاريخ 3 آذار 2017، الذي كان من منجزاته الإعلان الرسمي الأول بانشاء اللجنة الدستورية، كأحد السلال الأربع للحل النهائي للصراع السوري التي أعلنها المبعوث الدولي إلى سوريَّة، آنذاك، ستافان ديمستورا.
وعناوين السلال الأربع هي:
- إنشاء حكومة ذات مصداقية غير طائفية.
- البدء بعملية صوغ دستور جديد.
- مناقشة إجراء انتخابات حرة نزيهة.
- مناقشة استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
أستانا الرابعة بلبوس شبه شرعي
لقد أعطى هذا الإعلان الفرصة الذهبية لروسيا من أجل استكمال مسارها السياسي في سوريَّة بشيء من الاستقلالية. وقد لوحظ ذلك خلال انعقاد الجولة الرابعة من مباحثات استانا في تاريخ 3 أيار من العام ذاته،
لقد أتقنت روسيا فن المراوغة السياسية حين أعلنت إنشاء ثلاث مناطق خفض التصعيد في مناطق المعارضة السورية، إضافة إلى منطقة رابعة ستكون في جنوب سوريَّة مستقبلاً بموجب اتفاق أميركي-روسي مستقل في تموز 2017. وقد فطنت المعارضة إلى هذه المراوغة، مما جعل وفود المعارضة التوقف عن متابعة المشاركة في المفاوضات حيث علقت مشاركتها في اليوم الأول، وانسحبت خلال إعلان البيان الختامي احتجاجاً على دعوة إيران للتوقيع.
تورية روسية مفضوحة
وقد تبع ذلك –تحديداً في 30 كانون الثاني 2018- أنْ ابتدعت روسيا مساراً جديداً (خامساً) استناداً إلى مباحثات أستانا، عرف بـاسم مؤتمر سوتشي، أو ما سمته روسيا لاحقاً باسم“مؤتمر الشعوب السورية” أو “الحوار الوطني” بغاية التورية وتجنباً للإنتقادات الشديدة على زج اسم روسيا كدولة متفردة ومحورية في عملية المباحثات التي دعت إليها، على حد زعمها، العديد من وجهاء المجتمع السوري من أبناء العائلات السورية العريقة وممثلي الطوائف والأعراق والقوميات المختلفة، وممثلي النظام والمعارضة.
ومن مخرجات سوتشي، اتفاق المشاركين في المؤتمر على 12 بنداً من أجل الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية. تمثل أحدها في تشكيل لجنة دستورية مؤلفة من طرفي الصراع (الحكومة والمعارضة) للإصلاح الدستوري، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.
لكن موسكو أدخلت المعارضة بدهاء في حلقة مفرغة من مباحثات اللجنة الدستورية. فبعد أشهر من الخلافات والمباحثات حول آلية تشكيل “اللجنة الدستورية” والتي رعتها موسكو والمبعوث الدولي إلى سوريَّة، بيدرسون، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 أيلول 2019، عن اتفاق الأطراف السوري على تشكيل لجنة لإعداد الدستور. ومنذ ذلك الحين لم يثمر عمل “اللجنة” عن شيء. ، حيث بقي المأمول حبيساً بين جدران قاعات الإجتماعات في جنيف. أما مدة الأزمة فقد طل عمرها إلى أجل لا محدود.
خداع روسي يرتقي لمرتبة الغدر
الأهداف المعلنة لإنشاء مناطق خفض التصعيد الأربع لها ظاهرُ وباطنُ أيضاً.
ظاهرها المعلن هو أنها تهدف:
- للحدِّ من المواجهات العسكرية بين قوات المعارضة والنظام.
- إيصال المساعدات إلى المدنيين.
- تأهيل مرافق البنية التحتية.
- خلق الظروف المواتية لعودة اللاجئين والنازحين طوعياً إلى مناطقهم.
- الوصول إلى حل سياسي دائم.
أما باطنها الخفيّ: يمكن استشرافه من خلال مخرجات انعقاد الجولة الثالثة عشرة من مباحثات أستانا، في الأول من آب 2019، حيث:
- تحوّلت ثلاث من مناطق خفض التصعيد من سيطرة المعارضة إلى سيطرة حكومة النظام والمليشيات المتحالفة معه.
- زيادة تردي الظروف الإنسانية والأمنية في منطقة خفض التصعيد الأخيرة بإدلب وجوارها.
- تهجير المزيد من مئات آلاف النازحين إليها قسرياً من مناطق خفض التصعيد الأخرى مع سيطرة قوات النظام عليها.
وهو ما يفسر الأهداف الحقيقية لـخفض التصعيد، والتي كانت خداعاً روسياَ يستند على جزءٍ من القرار الأممي 2254، وهو وقف إطلاق النار، وتحويله إلى ما سمي مصطلح خادع -مناطق خفض التصعيد- كي تتمكن من غدر المعارضة واعادة قضمها من قبل النظام لاحقاً.
ولادة وهمية من حملٍ كاذب
انكشفت نتائجه بأنه كان مخاضاً عسيراً لحملٍ كاذب استمر في رحم اللاعبين لسنوات طويلة. وعلى عتبة غرفة الولادة أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش –بطلّته البريئة المعهودة- في 23 أيلول 2019، عن نجاح ولادة وليد وهمي أسماه “اللجنة الدستورية”.
ورغم احتفالية غوتيريش آنذاك، لم ينبئ عمل هذه اللجنة عن أية خطوة أساسية للحل في سوريَّة. بل أدى ذلك منذ أول اجتماعاتها في 30 تشرين الأول 2019، إلى تعميق الفجوة التي حاول المبعوث الدولي بيدرسون ردمها بين وفدي النظام والمعارضة، ولم ينجح.
أما هيئة التفاوض السورية، لم تستطع خلال الاحتفالية سوى سحب الورقة التي أرادت روسيا أن تحتكرها لنفسها، وهي الوليد الوهمي المسمى اللجنة الدستورية، وجعلته تحت رعاية الأمم المتحدة. وبالطبع هذا التصرف لا يُربك روسيا لأنَّ فتيل الأزمة السورية وأزمات أخرى عالمية ما دام بيد روسيا اليمنى وبرميل الزيت بيسراها كي تسكبه فوق الفتيل في الوقت المناسب.
مصارحة وليس جَلداً للذات
خلال السنوات الثلاث بعد العشرة الماضية، ما زالت المعارضة السياسية مصابة بعَوَز حاد – وليس بمزمن- لتطوير أدائها السياسي. ومن المؤكد أنه ليس عَوَزاً مزمناً، لأنَّ تاريخ السلف السياسيين من الأجداد كان سليماً ومعافى إلى أن أفسده العسكر بانقلاباتٍ تسع متتالية، مما تسبب بالإصابة بأنيميا حادة عصفت بجهاز المناعة الديمقراطية في الجسم السوري. وعندما يتهالك جهاز المناعة تهجم كل أنواع الكائنات الحيّة من الفيروسات والباكتيريا لتفترس ما يمكنها من هذا الجسم الضعيف.
عندها تضعف الرؤية، وتبدأ عمليات الإقصاء، وتحاول بعض الأعضاء اعتبار البعض الآخر أنها أصبحت مربكة ويجب تهميشها وحتى تعتبرها معارضة وظيفياً وحيوياً لا لزوم لها. وقد تصبح نخبة الأعضاء مشلولة الفعالية نتيجة اصابتها برض نفسي يزيد الأزمة استفحالاً… وهذا هو حال المعارضة السورية.
الصف الثاني من لاعبي الكشاتبين
أبو عمشة يربك الجولاني برصاص عناصر حواجزه عندما يختلفان على تهريب الممنوعات،
وكلاهما يتصارعان على انتهاك المحرمات مع جنود الرحمن. أما هيئة الشام فهي متحور فيروسي من النصرة والنصرة وليد غير شرعي من الدولة الاسلامية في العراق، والعائدون من تورا-بورا إلى سوريَّة بترحيب من الأسد ،يكرسهُم بطانةً لجميل الحسن. وكذلك كتيبة الصحابي أبا جليجب كانت في جبل التركمان تتصارع مع كتيبة سلوان على جمع فوارغ الطلقات النحاسية لبيعها إلى كتيبة ذئاب الغاب بقيادة زعتر، وكتيبة أبو الهول سيطرت على ساحل الرمل الجنوبي في اللاذقية وأصبحت دولة في دولة. والعميد (ك) قائد الثوار في اللاذقية يتنحى بعد نشر صور فاضحة له على الانترنت، والضابط المناضل(ح) قضى نحبه في الزلزال تاركاً تحت ركام منزله مليون دولار مخبأة في كيس القمامة الأسود في حين كان النازحون في الخيام بجواره يتضورون جوعاً.
وفي المقلب الآخر تتوازن المواقف وتبذل جهود حثيثة لتجاوز ذلك العَوار الحاصل في الثورة، وتتالى التصريحات العاقلة التي لا تسمعها آذان الطرشان من حكام أو أصحاب قرار. فكثيرة هي تصريحات أحد أصدقائي من الإعلاميين والسياسيين النشطاء (أستاذ جامعي)، وذات مرةَّ – وما أكثر هذه المرات على مدار تاريخ الثورة- قال بوضوح:
"لا يمكن إلقاء اللوم على المعارضة كلياً... الالتزام القوي من قبل روسيا وإيران بدعم منظومة الاستبداد، بينما أصدقاء الشعب السوري الذين يدعمون المعارضة والثورة لم يكونوا بتلك السوية التي كان عليها الروس والإيرانيون بدعمهم لمنظومة الاستبداد ... المعارضة السياسية ليست بتلك الخبرة... عناصر وطنية بامتياز ملتزمين بحقوق السوريين، ولا يزالون يتمترسون عند هذه الحقوق.. . القضية ليست بيد المعارضة ولا النظام. الطرفان ليسا أصحاب قرار في هذا الموضوع... النظام كان خبيثاً لدرجة أنه جعل القضية خارج إطار السوريين رغم الحديث باستمرار أن القضية هي سورية-سورية".
وأحد الإعلاميين النشطاء المتابعين للثورة في دائرتها الضيقة يكتب:
“التأخر الدائم عن الاستفادة من التجارب كان السمة الأساسية”، إذ “كثيراً ما سمع السوريون من النخب السياسية اعترافهم بضعف الخبرة وأنهم يكتسبون ذلك بالعمل ضمن المعارضة السياسية.
عبء ثقيل على الثورة
حجزت المعارضة السياسية لها منابراً بعضها للمهاترات البينية، والبعض الأخر منصات لحوار بين الطرشان، وقليلون من المعتدلبين احتلوا ساحة المؤتمرات الدولبة والمفاوضات من فريق يمثل نظام الأسد علناُ ويقف خلفهم جماعة من المتلونين منتحلين اسم المناهضين لحكم الأسد. جميع المذكورين أصبحوا غرقى في تفاصيل الأسد، في حين وزير خارجيته “وليد المعلم” مسح خارطة أوروبا من خارطة العالم. لذلك ضاعت البوصلة منذ تلك الأيام، واصبح على الثوار في مشهد لايحسدون عليه، أما الشرفاء الوطنيين، ابتعدوا إلى خلف الكواليس ينظرون بقلوب راجفة كيف ستقسم سورية، وينبري فريق منهم ليضع خارطة طريق تحاكي -بشيء من الغموض- خرائط الصهيوني برنارد لويس الخمسة (1982) لتصبح على الخارطة 6 سورية، 3 السعودية الأردن تبتلعها إسرائيل والعراق ثلاث جمهوريات … إلخ. ولكن ما زال الأمل موجوداُ عند الأشخاص الذين يرون مستقبل سورية من خلال عدسة المجهر التي تعرض المشهد بمصداقية، وبالطبع هذا الفريق يعَوَّل عليه لترتيب صفوف الثورة من جديد بعد أن تتجدد همة الشرفاء للعودة من الكواليس إلى خسبة المسرح لأنَّهم يستطيعون تحمل المسؤولية فيما إذا تجاوزوا الجماعات التي لا يُعوَّل عليها وتمّ اقصاؤها. وفي هذا المعنى لمَّح صديقي المعارض الإعلامي قائلاً
“ربما من يتهم المعارضة وينظر لها على أنها عبء لا يستطيع تقديم شيء أكثر لو كان مكانها بحكم العوامل الكثيرة الخارجية والداخلية، لكن هذا لا يعني الإعفاء من المسؤولية”، لاسيما وأن “بعض أسباب الضعف والعجز ذاتية، كما أن السكوت وعدم الحراك في مكان المسؤولية مع هذا الواقع الكارثي أمر لا يمكن تقبله”.
لذلك نؤكد أنَّ بصيص الأمل الذي يرشح من تصريحات الشرفاء، لابدَّ أن يُشعل فتيل الوعي الجمعي الوطني من جديد. وأنقل عنهم قبل أن نختم المقال شذرات صادقة تشخص ذلك المامول:
“هناك استسهال في الهجوم على المعارضة. هي ليست مثالية؛ فيها كل الأمراض المحتملة لكن عملياً هناك أسباب أخرى لامتداد المأساة”. مستشهداً بأنه “في وقت من الأوقات قبل “الرياض2، علقت المفاوضات من قبل هيئة التفاوض، لكن خلال فترة تزيد عن الخمسة عشر شهراً لم يلتفت أحد للقضية السورية، وانفرد الروس والإيرانيون بالأرض السورية واستعادوا الكثير من الجغرافيا التي كانت قد حررت، وسقطت حلب”.
“المسألة بالأشخاص، ويمكن أن تبدل الأشخاص وهو أمر وارد وضروري باستمرار لإعطاء المعارضة زخماً بأشخاص يستطيعون أن يجدوا مشروعاً فاعلاً لتحقيق الأهداف”.
"إنََّ عملية الإصلاح وتطور الأداء ستبقى بطيئة وفاعليتها محدودة على المدى القريب”. أما على المدى البعيد، فإن “استبدال المعارضة أو تفعيل الخامل منها أو مساعدة المعارضة الحالية لأداء أفضل يتوقف على مدى الجدية الدولية في إيجاد حل سياسي في سوريَّة، وإيمان الدول بضرورة تمكين العمل الحزبي السياسي الحر في سوريَّة”.
تنويه: تقصدت عدم ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص لأنَّ هذه الآراء والأفكار وردت على لسان معظم الشرفاء في سياقات وتراكيب لغوية مختلفة النظم، لكنها متماثلة الجوهر والفحوى في مناسبات متكررة. أرجو المعذرة.
خاتمة:
ومن نافلة القول، باتت “الثورة السورية: رهينة لعبة الكشاتبين بين المجلس والائتلاف”… لن تعود سورية إلى ما كانت عليه من ازدهار الذي عاشته في زمن الديمقراطية – أي الفترة ما بين الاستقلال وقبل مجيء العسكر إلى الحكم – حتى يأتي جيل جديد لم تُفسد مناقبيته تلك المثالب التي عصفت بالأجيال التي عاصرت تلك المحن عندما أصابت السوريين برضوض نفسية، وقسمّتهم إلى أفرقاء متناحرين أيدلوجياُ بين قومي وحدوي الهوى، وإخوانيٌّ لاهث وراء السلطة، وبعثي يدعي الوحدة والحرية والاشتراكية كذباٌ، وحاكم أرعن فاقد الأهلية السياسية وريث طاغية جعل سورية مزرعة أمنيَّة فيها عدد السجون وأقبية التعذيب أكثر عدداً من المدارس والمشافي، وفريق من المعارضة تنعم بسرقة إغاثات أهل الخيام المشردين في برابري سورية وفي القارات السبع، ويجب ألا ننسى شبيحة النظام الذين يعرفون نهايتهم التعيسة ويتجاهلونها رغم أنَّ النصر آت بلا ريب ما دام الشرفاء ما زالوا متمترسين وراء ثوابت الثورة كي يشقوا الطريق أمام الجيل الذي سيحكم سورية قريباً إن شاء الله إنْ بقي بيننا أوفياء لدم مليون شهيد..