مقدمة
ورد في كتب التراث أنَّ ابن اسحاق الفاكهي أرَّخ بأنَّ “ضبة بن أد” كان معاصراً لنبي الله “سليمان بن داود” عليهما السلام”. وأنه جعله والياً على بلاد “الحجاز” و”اليمن” [ملاحظة: مآلات لا تركن للتأريخ المذكور وأنَّ “أبا الفضل الميداني” روى: أنَّ “ضبة بن أد” هو أول من قال الأمثال المشهورة: “الحَدِيثُ ذُو شُجُون” و “سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلَ” و “أَسَعْدٌ أَمْ سُعِيْدٌ“.
وكان “لضبة بن أد” ولدين هما “سعد بن ضبة“، و “سعيد بن ضبة“، ونفرت إبل لضبّةَ في الليل، فوجَّه ابنيّه في طلبها، فتفرقاً للبحث عن الإبل، ووجدها سعد وردها، أما سعيد كان مضى في طلبها باتجاه آخر فلقيه “الحارث بن كعب” فقتل الصبي سعيد وأخذ بردين كانا عليه، فكان ضبة إذا أمسى ورأى أحداً قادماً إليه يتحرى منه عن قاتل ولده.
ومكث “ضبة بن أد” مدة من الزمن، ثم ذهب للحج ووافى عكاظ ولقي هناك الحارث بن كعب ورأى عليه بُردايَ ابنه سعيد وعرفهما، فسأله ضبة عن هذين البردين، فقال الحارث: وجدت غلاماً صغيراً عليه هذين البردين فأعجباني وقد سألته أن يعطني إيهما فأبى ذلك، فقتلته وأخذتهما، فقال ضبة: بسيفك هذا؟ قال: نعم، فقال ضبة بن أد: “الحَدِيثُ ذُو شُجُون” فصار مثلاُ يضرب في الحديث الذي يُتذكر به غيره. ثم أخذ ضبة بن أد سيف الحارث وضربه به حتى قتله ثاراً لابنه. فقيل له أتقتل في الشهر الحرام يا ضبة! فقال سَبَقَ السيف العذل فصار مثلاً، وأطلقوا على عليه (جمرة العرب) لتحرقه على الانتقام.
فكم من “ضَبّةٍ” سوريٍّ سيَسبقُ سيفَه العَذَل عند ملاقاة قَتلَةِ أبنائه لمّا تَغوّل أنصار الأسد؟
العبرة المُسْتخلَصَة من قصة “ضبّة”
لقد باتت الأحداث الدموية التي عمَّت كل الأراضي السورية تقترب من فصولها النهائية، بعد أنْ استنجد “الأسد” من أجل بقائه على الكرسي بكل شذاذ الآفاق من دول مارقة وميليشيات طائفية إرهابية، وأوعز إلى قطعانه من الشبيحة، أنْ يتغنوا بشعار “الأسد أو نحرق البلد” من أجل إدخال الرعب والهلع في قلوب السوريين، لكنَّ شجاعة الشعب السوري المنقطعة النظير وتصميمه على نيل حريته وكرامته مهما كان الثمن، أحبطت جميع مساعيه عبر عقد ونيف من البطش والقتل والتهجير والاعتقال.
وها هي بشائر النصر تنبعث من جديد وترفرف راياتها نافخةً الروح في الثورة بعد أن ظن طاغية الشام أنه سحقها وأجهز عليها. ومن من مآسي الأزمة السورية ولدت فكرة “مآلات” كي ننبه ونحثّ على ضرورة العمل من أجل رفع مستوى الوعي الوطني، خاصة مفهوم السلم الأهلي، وذلك للحد من نزعة الانتقام التي تتأجج في عقول فاقدي أصولهم وفروعهم من الأبرياء، خاصة من شهد بأم عينيه قتلهم من قبل شبيحة النظام أثناء السلب والنهب وارهاب المواطنين للهرب خارج الوطن خوفاً على أرواحهم.
مقصد المقال
ومما اضطرنا إلى استهلال المقال بقصة (ضبَّة – جمرة العرب)، هو الحوار الذي جرى بين فريق التحرير أثناء الشروع في وضع أهداف هذا الموقع. عندها تدفقت الذكريات المؤلمة حلقة خارج ذاكرة البعض ولما قال أحدهم (الحديث ذو شجون)، تذكرنا قصة هذا المثل الذي ارتبط معه مثلُ آخر وهو (السيف سبق العذل). ولما روى أحدهم مناسبة قول هاذين المثلين، أطحنا الجدل فيما بيننا حول محاسبة أولئك القتلة ولكن ليس بسيف “الحارث” وبيد “ضبة”، بل بيد القانون الذي نحرص على أن يوليه رجال القضاء الشرفاء – اليوم – أولية اقتراحهم حول الإصلاحات القانونية التي يجب أن تبدأ بها خارطة طريق مستقبل سورية.
إنَّ رفع مستوى وعي السوريين في ضبط حالة السلم الأهلي عند استردادهم دفة قيادة سورية، يعتمد على ما نستطيع تقديمه من رؤى مفيدة ومُحكمَةً ومُتقنةً ومُتوازنةً، لإصلاح العطب، مستعينين بأصحاب الاختصاص والعقول النيرة رفع مستوى الوعي الجمعي، خشية أن يسقط النظام فجأةً، ويحدث الفراغ ويعم البلاد الفوضى والخراب والفتنة.
ومن هنا ارتأينا أنَّ موضوع إعادة السلم الأهلي المفقود حالياً لا بُدَّ أن نخصص له مساحة في هذا المنبر الإعلاميّ الذي يستوعب جميع الأفكار والرؤى التي ستصنع مستقبل سورية، لتكون مرشداً لأولي الأمر الذين سيقودون البلاد عقب زوال النظام وبطانته من الفاسدين. آخذين في الحسبان ضرورة درء حدوث فراغ إداري مُربك للجميع.
ونتيجة تكرار تداعي ذكريات الأحداث المؤلمة التي عاشها السوريون، تمت صياغة سياسية “مآلات” بأن تلتزم باستقلاليَّة مطلقة، وعدم التَحيُّز لأي جهة سياسية أو دينية. وكذلك أنْ تفسح المجال لكل أطياف الشعب السوري للمشاركة الفعَّالة للمناقشة والحوار التفاعلي مع الآخرين ضمن ضوابط الاخلاق والأدبيات السورية التي ورثناها عن قياداتنا السياسية التي أبدعت بامتياز في خلق سوريّة عقب نيل الاستقلال من الحكم العثماني والفرنسي. آملين النجاح في ترسيخ أفكاركم ورؤاكم بالشكل الأمثل.