مقدمة:
هل وقفتم على ذلك الجسر الرابض على ضفاف شيخ أنهار سورية (العاصي), الذي أحب أن يهب بعض مياهه لمدينة وادعة في وهدة من جنة البساتين تحيط به الروابي من كل الجهات، وتتاخم السفوح الشرقية لجبال اللاذقية وهضبة القصير من الشمال، وتشكل جزءاً من محافظة إدلب. أطلقوا على هذه المدينة اسم جسر الشغور – ولفظة (الشغور أصلها كلمة الثغور التي تعني المنافذ, التي يخشى دخول العدو منها)، بعد أن كان اسمها تاريخياً “نيكوبا” قبل أن تندثر قبل الفتح الإسلامي. وقد جاء على ذكرها الرحالة العثماني “أوليا جلبي” الذي وصلها على حصانه عام 1058 للهجرة فوجدها بلدة معمورة، فيها خان وجامع وحمام في منطقة غير آمنة لوجود ثغور حولها تعبر منه الغزاة. وقال إن إعمارها بدأ مع العهد العثماني، وكانت آثارها القديمة قد بنيت في مطلع تأسيس العهد العثماني، ومنها الجامع الكبير (الكوبرلي) والخان وحي القلعة والجسر القديم الذي لم يمرَّ عليه آنذاك.

يقدر عدد سكان المدينة في بداية القرن الماضي بنحو 45 ألف نسمة، وهم من أعراق مختلفة منهم العرب والتركمان والكرد والشركس، ويتبعون طوائف ومذاهب مختلفة منها الإسلامية والمسيحية المتعددة التبعيات الكنسيَة. وفي حاضرتها “القنيَّة”.

شهدت مدينة جسر الشغور منذ الأربعينيات من القرن الماضي بعد التحرر من الاستعمار الفرنسي تطوراً مجتمعياً ترافق بتوسع في العمران مما أدى إلى توافد مزيد من السكان إليها بشكل ملحوظ.
جسر الشغور 5 مجازر بعد حكم حزب البعث
من الصعب تحديد عدد المجازر التي ارتكبت في جسر الشغور منذ عام 1963 بشكل دقيق، وذلك لعدة أسباب:
-
-
- غياب الإحصائيات الرسمية:لا توجد إحصائيات رسمية موثوقة تحدد عدد المجازر التي ارتكبت في جسر الشغور.
- تضارب المعلومات حول عدد الضحايا والأحداث في مختلف المصادر، مما يجعل من الصعب تحديد عدد المجازر بشكل دقيق.
- اختلاف تصنيفات المجازر حيث تختلف تعريفات “المجزرة” بين مختلف المصادر، مما يؤثر على عدد المجازر التي يتم تسجيلها.
-
لن ننوح .. بل سنحاسب
لن يفيدنا النواح… بل يجب أن نحاسب الطغاة البعثيين وكل من تلوثت يداه بدماء السوريين. هنالك الكثير من الجرائم التي ارتكبت بحق المدنيين الأبرياء بشكل افرادي، عدا الجرائم الجماعية التي تشير بعض التقديرات إلى وقوع ما لا يقل عن 5 مجازر في جسر الشغور منذ عام 1963، أهمها:
- مجزرة عام 1963: وقعت بعد سيطرة حزب البعث على الحكم في سوريا، وقُتل فيها ما يقدر بنحو 100 شخص.
- مجزرة عام 1980: وقعت خلال أحداث الثمانينيات في سوريا، وقُتل فيها ما يقدر بنحو 200 شخص.
- مجزرة عام 1982: وقعت بعد مجزرة حماة، وقُتل فيها ما يقدر بنحو 50 شخص.
- مجزرة عام 2011: وقعت خلال الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد، وقُتل فيها ما يقدر بنحو 100 شخص.
- مجزرة عام 2013: وقعت بعد سيطرة الجيش السوري على جسر الشغور، وقُتل فيها ما يقدر بنحو 300 شخص.
وبالإضافة إلى هذه المجازر، وقعت العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جسر الشغور، بما في ذلك القتل العشوائي والاعتقالات التعسفية والتعذيب.
لذلك تعتبر جسر الشغور من أكثر المدن السورية التي عانت من العنف والاضطهاد خلال العقود الماضية.
في تاريخ عصابة آل الأسد، الذي استمر لعقود في حكم سوريا بقبضة من حديد،

تبرز مذبحة جسر الشغور في عام 1980 كواحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها هذه العصابة القمعية ضد الشعب السوري في الثمانينيات. كانت هذه الأحداث الدموية، التي شهدتها مدينة جسر الشغور، تجسد العنف والظلم الذي تعرض له المدنيون الأبرياء على يد نظام البعث من ذلك التاريخ إلى الآن على يد الأسد الابن الذي لم يَرثْ الحكم فقط بل تغوَّل بالطغيان والقتل بقدرٍ تجاوز إجرام أبيه. .
في ذلك الوقت، كانت السلطات البعثية تواجه موجة من الإحتجاجات والمظاهرات ضد استبدادها القمعي، وتزايدت التوترات مع جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تنادي بالإصلاح والديمقراطية. وهذا أدى إلى نشوب مواجهات عنيفة بين القوات البعثية وأنصار الإخوان المسلمين في مدينة جسر الشغور.
تصاعد الوضع إلى درجة أن النظام البعثي قرر توجيه ضربة قاسية للمدينة كي تكون درساً لمن يحاول في المستقبل الإتيان بهكذا فعل. لذلك صدر أمراً من رأس النظام حافظ الأسد يقضي بتنفيذ هجوم وحشي على جسر الشغور سميَّ بعدها “مجزرة جسر الشغور 1980“. وقامت هذه القوات بقصفت المدينة بالطائرات والمدافع، مما أدى إلى تدمير عدد كبير من المنازل والممتلكات، وأودى بحياة المئات من المدنيين الأبرياء.
تكتيك وحشي على بلدة وديعة:
في الـتاسع من آذار عام 1980، شهدت مدينة جسر الشغور احتجاجات ومظاهرات ضد نظام حزب البعث الذي كان يحكم سوريا بقبضة من حديد. تصاعدت التوترات بين نظام الأسد الأب والإخوان المسلمين، حيث هاجم مسلحون من الإخوان المسلمين ثكنات عسكرية ومكاتب لحزب البعث في المدينة.
بعد تصاعد الاحتجاجات والمواجهات، قامت قوات الوحدات الخاصة التي يرأسها المجرم علي حيدر بتطويق مدينة جسر الشغور وقصفها بشكل همجي وعشوائي، مما أسفر عن دمار كبير في المنازل والممتلكات حيث كان الانتقام من الأهالي والمدنيين العزل ولم يكن من جماعة الاخزان المسرمين لزيادة الرعب والقمع, بعد ذلك اقتحمت القوات الهمجية المدينة وقامت بإخراج المدنيين من منازلهم، وأمرت بإطلاق النار عليهم، مما أدى إلى مقتل وجرح الكثير من المدنيين الأبرياء, كما قامت المحكمة العسكرية بإعدام أكثر من مائة شخص بتهمة المشاركة في الاحتجاجات والتمرد على نظام الأسد الأب الدموي.
وقد أعطت هذه المجزرة دليلاً واضحاً على بطش النظام البعثي البربري الذي يريد اسكات الجماهير عن فساده الذي أضاع الجولان، وكرس جيشه العقائدي كي يستخدمه ضد أي تحركات شعبية تنادي بالتغيير والإصلاح. وكانت هذه المذبحة لا تمثل سوى اليسير من سياسات القمع والانتهاكات الإنسانية التي ارتكبها نظام البعث طوال فترة حكمه.
الأسد الابن أكثر افراطاً في جرائمه

انضمت جسر الشغور إلى المدن والبلدات السورية التي انتفضت ضد نظام الرئيس بشار الأسد في منتصف آذار 2011، وشهدت شوارع المدينة مظاهرات واسعة في مطلع حزيران من ذلك العام لتواجهها – على الفور – قوى الأمن بالرصاص والقتل. وجاءت أقسى الضربات من الجوّ بالطائرت وبصواريخ غراد من العيار الثقيل.
وصفت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية جسر الشغور بأنها أول بلدة تخرج عن سيطرة الحكومة منذ إنطلاق الانتفاضة، وتعرضت لهجوم من جنود القوات الخاصة مدعومين بالمروحيات والدبابات، مما خلف ضحايا كثرا وتسبب في نزوح الآلاف من سكانها إلى تركيا.
شبهت الكاتبة الإسبانية روسا ماساغي في مقال لها في صحيفة “ألبريوديكو” ما حصل في جسر الشغور بأنه “سربرنيتشا دون قبعات زرق”، في إشارة إلى مذبحة “سربرنيتشا” التي قتل فيها نحو ثمانية آلاف مسلم في البوسنة والهرسك عام 1995.
الخاتمة:
تظل “مذبحة جسر الشغور 1980” شاهدًا على وحشية النظام البعثي والظلم الذي تعرض له الشعب السوري خلال تلك الفترة. تركت هذه المجزرة بصمة مؤلمة في تاريخ سوريا، وتذكرنا بأهمية العمل من أجل العدالة وحقوق الإنسان وضرورة فتح جميع الملفات التي حاول نظام الابن اغلاقها وتذكير المجتمعات الدولية بها.