مع مرور ثلاثة عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية، يمكن استحضار تلخيص لما احتوته الذاكرة من مواقف النضال والصمود التي مرّ بها الشعب السوري.
كانت بداية الحراكة الثوري استجابة لسلسلة من الظلم والقمع والفساد الذي فرضته نظام حزب البعث بقيادة الرئيس السابق حافظ الأسد ومن بعده الوريث القاصر بشار. ولكي نعرف الحقيقة، علينا الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما هي أسباب نشوب هذه الثورة؟ وماذا حققت؟ ولماذا استمرت حكومة الأسد حتى اليوم؟
أسباب نشوب الثورة
انطلقت الثورة السورية كردِّ فعل طبيعي على عقود من الاستبداد والقمع من جانب النظام البعثي الذي استلم الحكم منذ انقلاب آذار 1963.كان الشعب السوري يعاني تحت وطأة نظام فاسد، تفشّى فيه الفساد والظلم بشكل مستمر مع سيطرة الطائفة العلوية على مراكز السيادة الوطنية. كما كانت الوعود الكاذبة للرئيسين (الأب حافظ والابن بشار) قد هيأت أبرز الدوافع وراء الحراك الشعبي.
استبداد حزب البعث:
تميز حكم النظام البعثي بالاستبداد وقمع حرية التعبير وتبديل التموضع السكاني على نحو طائفي لدعم تمركز السلطة قريبة من مركز الحاكم، الذي تجلى بنزوح سكان الريف العلوي باتجاه دمشق. وبذلك أصبحت السلطة متمركزة بشكل كبير في يد القليلين من القيادات الأمنية العلوية، مما أثار غضب الشعب ودفعه نحو التمرد.
انتشار الظلم والفساد:
تفاقم الفساد والظلم في أوساط النظام القمعي أدى إلى تفاقم الأزمة المعيشية في كل مناحي الحياة المجتمعية، وتفشي الغضب الشعبي لذروة تجاوزت حدود التحمل. كان الفساد الواسع النطاق يمسّ كل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية، مما دفع الشعب إلى التمرد وكسر حاجز الخوف.
وعود النظام الكاذبة:
لقد أدلى كل رئيس بعثي حكم البلاد بوعود كثيرة بشأن الإصلاحات والتغييرات السياسية والاقتصادية، إلا أن معظم هذه الوعود تبينت فيما بعد أنها مجرد كلام فارغ، استعمل لتخدير وعي الشعب السوري وسلب قدرته على التصدي لاستغلال النظام لثروات البلاد، مما أشعل غضب الشعب ودفعه إلى الثورة.
تهالك الاقتصاد:
عانى الاقتصاد السوري تدهوراً مستمراً تحت حكم النظام البعثي حيث تفاقمت البطالة وانخفضت معدلات النمو، مما زاد من معاناة الشعب وزاد من دفعه نحو التمرد.
تعامل النظام مع المظاهرات السلمية:
رغم أن معظم المظاهرات السورية كانت سلمية في البداية، إلا أن حكومة الرئيس السابق استخدمت القوة الزائدة لقمع الاحتجاجات، مما أدى إلى تصاعد العنف وتحول الاحتجاجات إلى حركة ثورية بدأت سلمية 110% ولكنَّ النظام طورها كي تكون مواجهة مسلحة.
بالإضافة إلى الأسباب المذكورة أعلاه، فإن استمرار بقاء حكم الرئيس الحالي (بشار)، يعزى أيضاً إلى سياسة استدعاء المرتزقة من مختلف البلدان، بالإضافة إلى التحالف مع القوى الخارجية المؤيدة له. فقد استعان النظام السوري بالمرتزقة من أكثر من 80 دولة، بالتزامن مع تقديم الدعم العسكري من قبل الروس والإيرانيين و ملالي الشيعة من لبنان والعراق.
تلك المرتزقة، الذين ينتمون إلى مجموعات متشددة مرتبطة بتنظيمات إرهابية، تم تجنيدهم لقمع الانتفاضة الشعبية وتثبيت حكم النظام بالقوة. بفضل دعم هذه القوى الخارجية، استمرت القوات النظامية في تصعيد هجماتها ضد المتظاهرين السلميين والمعارضين حيثما وجدوا، مما أسفر عن مزيد من الدمار والمآسي للشعب السوري.
إن استخدام القوة الخارجية لدعم النظام السوري، استدعت إلى تدويل الأزمة السورية مما زاد تعقيدها وخلط الأوراق كي يستفيد نظام الأسد في تثبيت حكمه من خلال تعزيز من العراقيل التي تواجه أي محاولات لتحقيق تغيير سياسي أو اجتماعي في البلاد.
ومن خلال هذا الاستنزاف للموارد والتحالفات الخارجية، ساهم في بقاء حكم الرئيس مستمراً حتى يومنا هذا، ليس فقط نتيجة للقمع والظلم الداخلي، بل للتدخلات الخارجية -الإقليمية والدولية- التي تهدف إلى حماية مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة.
تدمير المدن والقرى:
شهدت معظم المدن والقرى السورية تدميرًا هائلًا خلال سنوات النضال، سواء بفعل القتال أو بفعل القصف الجوي، مما أدى إلى تشريد ملايين الأشخاص وتدمير البنية التحتية.
تهجير نصف سكان سوريا:
تعتبر الثورة السورية واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث،
حيث أجبر النظام الملايين على الفرار من ديارهم قسرياً نتيجة العنف والحروب، مما أدى إلى تشريد لم يشهده تاريخ الثورات في العالم.
أسباب بقاء الحكم حتى الآن؟
على الرغم من محاولات الثورة السورية للإطاحة بالنظام، إلا أنَّ بقاء هذا المستبد يمكن تفسيره بعدة عوامل، منها تدخل القوى الخارجية، وتقديم الدعم العسكري للنظام من قبل بعض الدول، بالإضافة إلى تشتت المعارضة وانقسامها.
خاتمة
باختصار، تعد الثورة السورية نقطة تحول في تاريخ الشرق الأوسط كله، حيث أظهرت إرادة الشعب السوري في مواجهة الظلم والفساد، أنها قد جعلت الجمر متأهباً لانفلات ثورة من تحت الرماد في الكثير من الأنظمة المجاورة. ومع مرور السنوات، تبقى الثورة رمزًا للصمود والتضحية، مع الأمل في يوم جديد أنْ تنتصر الثورة وتعمُّ الحرية جالبة مها الديمقراطية والازدهار لسوريا.