الحقيقة المُرَّة دون مواربة
أستميحك عذراً أيها العيد لأنَّ ثورتنا فشلت هذا العام أيضاً، أن تحرر القمر من معتقلات الأسد عندما كان في طور المحاق قبل أن يُصبح هلالاً قبل اثني عشرة سنة سبقت.
نحن لم نتوانى -حتى اليوم- عن فك أسره، لأنَّ فشل توحيد صفوقنا بفعل تدويل الأزمة السوريَّة، وجعلِ البلاد تحت سطوة مطامع الدول التي خوزقتنا بكل أصناف الخوازيق المسماة الديمقراطية وحرية الإنسان والعدل.
أيها العيد، اشتاقت إليك أعين عائلة الأحدب في حماه،

وعيونها ما زالت شاخصة نحو السماء ترصد ظهور الهلال -كما عودتنا في كل عام- لكنَّ أكثرهم قضوا شهداء أو معتقلين في أقبية النظام كي لا يلتمسوا الهلال إن مرَّ فوق دول الجوار. المساجد فيها تعانق الكنائس، ورغم ذلك يفترون عليها بأنها ذات عصبية متحيزة للإسلام. هذا النفاق جاء منذ أيام العصملي الذي أسس للطائفية في سورية مبكراً. وللحقيقة نقول أنَّ تغلل جماعة الإخوان المسلمين بشعارهم “السيفان لحماية القرأن”أفقد هذه المدينة عذريتها وأباح أعراضها لهمجية حزب البعث 1964 وطغيان استبداد حافظ الأسد التي تجلت في مجزرة عام 1982.
وكل أطفال سورية لمحزونون بسبب فقدانهم مراجيح العيد، واليوم، يستعيضون عنها بالتأرجح على الحبال المشدودة على جوانب الخيام التي تهزها رياح الشتاء، لذلك بدَّلوا ترنيمات أهازيج الفرح التي كانوا ينشدونها في الأعياد التي خلت: “هزّ التوته يا توَّات.. توتك شامي ياتوَّات“، فأصبحت “الشعب يريد اسقاط النظام“.
أما أهالي سوريَّة البائسين، البعض يبحث عن عرق الآس أو حتى وردة بيضاء ليضهوها على قبور من يحبون عند زيارتهم للقبور بعد صلاة الفجر في صباح أول يوم في العيد، لكنهم لم يجدوا ما يطلبون، لأنَّ الحدائق والالمزارع دفنت تحت ركام ما دمرته براميل الأسد. الشوك البريَّ أصبح نادر الوجود لأنَّ بذوره قد أماتها غاز الكلور الذي صنع بذريعة تحرير الجولان -ظاهرياً- وكشفت الحقيقة أنه مخزون لوقت المطالبة بإسقاط النظام.
والبعض الآخر من الأهالي ما زالوا هائمين في البراري علهم يجدون أجساد أبنائهم الطاهرة في المقابر الجماعية، نبش التراب للبحث عن الضحايا يجاب الموت لمن يُحاول، ورغم أن استشهاد الكثيرين، ما زال المكلومين يبحثون، فلا يجدون سوى بقايا جدران بيوت كتب عليها “الأسد أو نحرق البلد”… وقد فعها حقاً..
المكروه أصبح مٌسْتَطْيَباً
أيها العيد، فُرضَ القتال علينا وهو كره لنا، ولكنَّ الحفاظ على أرواحنا اقتضى أن نفعل ذلك. أوقعتنا الدول الشقيقة في فخ إمدادنا بالسلاح الخفيف بيدهم اليمنى، ووضعت باليسرى الغلال في أعناقنا لتَسْهُل قيادتنا كقطيع الرعاع لهم. غدروا بنا في باكورة المعارك. ولكنْ للحقِّ أقول، كانت معظم كميات الأسلحة والدعم المادي قد سلبها الإخوان المسلمين، كرصيدٍ مخزونٍ لقتل من يعارضهم من الثوار في سدِّ الفراغ عندما يرحل الأسد. تمترسوا في المجلس الوطني، واخترعوا الائتلاف الوطني، وأتقنوا كل فنون الخداع السياسي لإجهاض الثورة السورية، كي يبقوا في سدَّة المشهد. قياداتهم كانت قد فقَسَّت في بلاد الإنكليز. الكل يعرف أنَّ بلد “بلفور” كان سخياً بعطاءاته للصهيونية، فلسطين مثالاً. وكذلك يتلاقى الأمريكان معهم في هذا السياق. ولذلك أهدى ترامب ملكيَّة الجولان السوريَّة لإسرائيل التي سبق أنْ اشترتها بثمن بخس في عهد الأسد الأب. وفي هذا الأتون الصاخب من المؤامرات، استفاد الإخوان المسلمين من استمرار تنفيذ مخططهم في استيلاء كرسي الحكم في سورية..
الخداع يستفحل
بين حين وآخر، يستنسخون أحداثاً بأخرى كي نلهو بها ونَتيه أكثر وأكثر. الأمريكان قتلوا البغدادي واستنسخوا الجولاني. الجولاني يقتل أبو ماريا ويجعله ضحيَّة يفتدي بها غضب أهل المحرر الذين خرجوا لإسقاطه. الأسد يبرر جبنَهُ لدعم الأخوة في غزَّة، فيقوم في الوقت نفسه بقصف أهلنا في المحرر،كي يثبت أنه ليس بجبان ولو قالوا عنه أنه مجرم. جاءت اليوم مرحلة تبادل الأدوار _في العلن- بين إسرائيل والأسد في معالجة الوجود الإيراني الشاذ في سورية، فتُدَمَّر القنصلية الإيرانية في دمشق بفضل بنك الأهداف التي يرصدها الأسد لصالح إسرائيل، نسأل لماذا؟ لا جواب سوى تكهنات جوفاء. السّر لا يعرفه إلا المُسَارَرون من قبل الأمريكان، والله أعلم!
ماذا نقول لك يا عيد أيضاً
بكل خجل مع استكبار يشوبه الأمل، نقول هكذا تتدحرج كرات الثلج وتكبر باطراد عندما استطاع الذيل البعثي “بشار الأسد” أن يعتقل القمر وهو في المخاض، كي تكون تعمَّ الظلمة الحالكة مسرح اللعبة التي يحلمون أنْ لا تنتهي، ولكن هم لا يعلمون أنَّ للثورة عيون ترى وهي في العتمة ما يجري، وتحاول أنْ تتمسك بأقصى قوة بثوابت الثورة كي تتوحد الصفوف وتقوى لتصبح مارداً يحطم دهاليز ومسالك تلك الهرطقة التي تُشبَّهُ ب(العاهرة التي تحاضر علينا بالشرف).
عندها يتحرر الهلال -قريباً بإذن الله- سيكون لسورية عيدان، الأول عيد السماء، والثاني عيد انتصار المكلومين والثكالى وفاقدي الحرية، ويعود النسغ إلى الأعواد التي يبُسَت في شجرة الحرية، وتتفتق براعم أشجار الفستق الحلبي والعوجا الشامية والمشمش الحمَوّي والسلبين الحمصي وكلّ الخيرات التي خص الله بها ربوع سوريَّة.