مقدمة:
مع وصولنا إلى نهاية الربع الأول من عام 2024، تظل سورية تحت وطأة واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية والسياسية إيلاماً في العالم المعاصر. فأكثر من عشر سنوات مرَّت منذ بداية الصراع المأساوي الذي تفجّر في عام 2011، يستمر الشعب السوري في معاناةٍ لا تُحصى ولا تؤول إلى الزوال، وتبقى الحلول السياسية العادلة بعيدة المنال ما دام الوضع يتأرجح بمجهول (سيناريوهات اليوم التالي).
في الواقع، يبدو أن مستقبل سورية في عام 2024 يتخذ مسار التردي والإنهيار، حيث يبقى الصراع مستمراً وتظل الأوضاع مفتوحة لجلب مزيد من جراح الشعب السوري، مع استمراء القوى الخارجية في استنزاف ثروات البلاد وفق مصالحها- إنه الصيد في الماء العكر-. وهذا يثير المخاوف المتصاعدة التي تكرِّس أجندة التقسيم وازكاء نار الفتنة الطائفية، مما يجعل الأمل في حلول سلميَّة تتبخر في الهواء.
في هذا السياق، يتساءل الكثيرون فيما إذا كانت هناك أي فرصة لمستقبل أفضل لسورية في ظل هذا الوضع الضبابي المستمر. فهل يمكن أن تتحول الأوضاع كي تتجه البلاد نحو فترة من الاستقرار والبناء؟ أم أننا محكومون على مواصلة العيش في ظل الصراع والتقسيم؟
سنحاول في هذا المقال استشراف ما جاء في بعض الرؤى التي تَرشَحُ عن بعض الخبراء السوريين -المتخصصين في وضع خارطة طريق لمستقبل سورية في عام 2024. وغايتنا هي تحليل الأوضاع الراهنة والتنبؤ بالسيناريوهات المحتملة التي قد تسلكها البلاد في السنوات القادمة.
سيناريوهات مستقبل سورية المحتملة 2024
1- سيناريو الجمود:
في سيناريو الجمود -أي الهرولة في نفس المكان- يلاحظ ما يلي:
-
-
- يظل الصراع في سورية متجمداً على الحالة القائمة، دون تغيير يُذكر في خرائط مناطق السيطرة الأربعة.
- تبقى القوات الأجنبية والميليشيات متواجدة في سورية، مع استمرار تواجد القوات الأميركية وغيرها.
- خلق حالة يمكنها من زيادة تعقيدات الوضع السوري تجعل التحول نحو الاستقرار مستبعداً.
-
2- سيناريو خلق شرق أوسط جديد:
يسعى قادة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة لترتيب المنطقة بما يتوافق مع نظرية الإسرائيلي “شيمون بيرز” التي يمكن تلخيص فحواها بما يلي
نظرية “الشرق الأوسط الجديد” لشمعون بيريز:
مفهوم عام:
تُقدم نظرية “الشرق الأوسط الجديد” التي صاغها الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز رؤية لتحويل منطقة الشرق الأوسط من منطقة مليئة بالصراعات والانقسامات إلى منطقة مزدهرة ومتعاونة.
العناصر الرئيسة:
- التعاون الاقتصادي: تسعى النظرية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول منطقة الشرق الأوسط من خلال إنشاء منطقة تجارة حرة وتشجيع الاستثمار المشترك.
- الديمقراطية وحقوق الإنسان: تُؤكد النظرية على أهمية نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء المنطقة.
- التعليم: تُشدد النظرية على أهمية الاستثمار في التعليم لخلق مجتمعات أكثر معرفة ومهارة.
- المياه: تُشير النظرية إلى الحاجة إلى التعاون الإقليمي لإدارة موارد المياه الشحيحة بشكل مستدام.
- الأمن: تدعو النظرية إلى إنشاء نظام أمني إقليمي يُمكنه منع الصراعات وتعزيز السلام.
الملاحظات النقدية والسلبية:
- تجاهل القضية الفلسطينية: يرى منتقدو النظرية أنها تتجاهل القضية الفلسطينية بشكل كبير، ولا تقدم حلًا عادلًا ودائمًا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
- هيمنة إسرائيلية: يخشى بعض منتقدي النظرية أنها قد تُفضي إلى هيمنة إسرائيلية على المنطقة،
- التفاؤل المُفرط: يرى آخرون أن النظرية تُمثل تفاؤلًا مُفرطًا بشأن إمكانية حدوث تحول ديمقراطي سريع في المنطقة.
التأثير:
على الرغم من الانتقادات، فقد حظيت نظرية “الشرق الأوسط الجديد” باهتمام دولي كبير. وقد ألهمت العديد من المبادرات والمشاريع التي تهدف إلى تعزيز السلام والتعاون في المنطقة. ومؤخراً شرعت بعض الدول العربية بتنفيذ أولى الخطوات علانية دون الاهتمام برفض الشارع العربي بكامله الذي اعتبر هكذا إجراء لا يرتقي إلا أنْ يكون خيانة بحق شعوبها. وقد أدلى الكثير من الخبرار الاستراتيجيين العرب أنَّ هذا السناريو هو الأخطر لكونه مصمماً لتنفيذ الضرورة الحيوية لإطباق يد إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط.
لذلك من المحتمل أن يستمر هذا الجمود لسنوات عدة، ربما يمتد إلى سنوات طويلة يصعب التكهن بتوقيت نهاية لها. وتشير المستجدات الجيوبوليتيكيَّة في المنطقة -بشكل عام- أنَّ دوامة من العنف والتمزق هي سمة اليوم التالي دائماً دون تحقيق أي تقدم حقيقي نحو حل سياسي دائم وشامل. وفي هذا السياق، تبقى سورية مقسمة إلى أربع مناطق سيطرة، يسيطر على كل منها قوى الأمر الواقع، مما يعرقل عملية إعادة بناء البلاد وافشال عملية لمّ الشمل كي لا تتحقق الوحدة الوطنية.
3- سيناريو المبادرة التركية العربية
في سيناريو المبادرة التركية العربية، يأتي الحل المقترح على يد تحالف دولي يضم الدول العربية وتركيا، بهدف إيجاد حل وسط مقبول من قبل الفاعلين الخارجيين في الصراع السوري. تتبنى هذه المبادرة مبدأ الحوار والتفاوض بين جميع الأطراف المعنية، بهدف تحقيق السلام والاستقرار في سورية.
تتضمن المبادرة التركية العربية احتمالية بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، على الرغم من المعارضة الشديدة لبقائه من قبل بعض الأطراف الداخلية والخارجية. يتم تقديم هذا الحل كخطوة وسطية للتوصل إلى تسوية تحظى بقبول جميع الأطراف المتنازعة، ولكنها قد تثير بعض التساؤلات والانتقادات من قبل الشعب السوري والمجتمع الدولي.
يتميز هذا السيناريو بطابعه السلبي حيث يظل النظام السوري يهيمن على السلطة ويمارس سيطرته على المؤسسات الحكومية والأمنية، مما يعرقل عملية الانتقال الديمقراطي ويحد من حرية التعبير والمشاركة السياسية للمواطنين. يمكن وصف هذا السيناريو بأنه “سلام سلبي”، حيث يتم تحقيق الهدوء النسبي في البلاد، ولكن دون إحداث تغيير جذري في النظام السياسي أو الحالة العامة للشعب السوري.
على الرغم من هذه الجوانب السلبية، قد تمثل المبادرة التركية العربية خطوة إيجابية نحو إيجاد حل للصراع، حيث تسعى لتحقيق التوافق بين الأطراف المتنازعة وتقديم حلاً قابلاً للتطبيق يساعد في تخفيف المعاناة الإنسانية وإعادة بناء البلاد. ومع ذلك، يبقى التحدي الرئيسي هو ضمان تنفيذ الاتفاقات وضمان حقوق جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الشعب السوري، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لعودة النازحين واللاجئين وإعادة إعمار البلاد.
4-سيناريو التغيير الديمقراطي (سيناريو الأمل السوري)
في سيناريو التغيير الديمقراطي، يأتي الأمل السوري إلى الواجهة، حيث يتحقق انتقال سياسي حقيقي نحو نظام ديمقراطي، يعبر عن تطلعات الشعب السوري ويحقق ما حلم به منذ انطلاق الانتفاضة في عام 2011. تكون هذه السيناريو متسمة بالتفاؤل والتغيير الإيجابي، حيث يتم تحقيق العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وتأسيس نظام سياسي يعكس إرادة الشعب ويضمن مشاركته الفعّالة في صنع القرار، متجاوزاً كل التحديات لتأسيس السلام والاستقرار وتعزيز الحوار والمصالحة بين جميع الأطراف المعنية. يتم تشكيل هيئات انتقالية تضم ممثلين عن مختلف الفئات والمجموعات في المجتمع السوري، بهدف وضع دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لاختيار السلطة التنفيذية والتشريعية.
الخلاصة:
بينما تواصل القوى الخارجية تدخلها ودعمها لأطراف متنازعة، يبقى الشعب السوري يعاني من الأزمات الإنسانية المدمرة، مع استمرار تفاقم النزوح وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وتستمر الجهود الدبلوماسية لإيجاد حلول للصراع، ولكن بدون تحقيق أي تقدم يذكر نحو تحقيق السلام والاستقرار.
في نهاية المطاف، يبدو أن سيناريو الجمود يعكس واقعاً مريراً للغاية لسورية، حيث يظل الشعب يعيش في ظل الحرب والدمار والتقسيم، دون أي أمل قريب في تحقيق السلام والاستقرار المنشودين.