تمهيد
لقد كان السفير الهولندي نيقولاس فان دام محقاً عندما قال:
عندما أصبح بشار الأسد وريثاً للرئاسة تنفيذاً لوصية أبيه الديكتاتور حافظ الأسد، ثبت بعد اندلاع الثورة السورية أن ينطبق عليه "ابن البط عوام".
نعم، لم يكُ بشار الأسد صبياً أرعناً كما يقول البعض، بل أكدَّت تصرفاته خلال مجريات الأحداث التي ما زالت ترافق الثورة السورية، أنَّ بشار الأسد يمتلك من الشَيْطنة الديكتاتورية حداً تجاوز أمثاله من الحكام الشموليين. الشواهد عديدة ومن أهمها قدرته على خلط الأوراق والتلاعب بخباثة في دهاليز السياسة كي يحافظ على كرسي الرئاسة، ولو كان ثمن ذلك دمار البلاد وقتل العباد، ليس بيديه فقط، بل بدعوة دول لها مطامع اقليمية جامحة مثل إيران وروسيا، وعصابات المرتزقة من شذاذ الآفاق .
كثيرة هي الأمثلة التي شهد عليها تاريخ الثورة السورية، وكان آخرها انكشاف تواطئ نظام الأسد مع اسرائيل عندما تمَّ تزويد بنك المعلومات الإسرائيلي باحداثيات أهداف تخص أهم القادة الإيرانيين الذين تمَّ اغتيالهم في سوريا. لذلك بدأ يلوح في الأفق تغيراً جيوسياسياً في تحالفات الأسد يوحي بأنَّه لم يعد يحتاج إلى الدعم الإيراني بعد أنْ دعمت بقاؤه في الحكم، وأصبح عليه أنْ يتجه إلى مصادر أخرى يستطيع استغلالها سياسياً واقتصادياً بعد أن أصاب العطب انهيار الإقتصاد الإيراني، وبعد أن كَثُرت محاولات استقطابه من دول الخليج ذات الأجندات المتوافقة مع الأجندة الصهيونية. وخير دليل على ذلك مجريات زيارة الأسد إلى إيران للتعزية بوفاة رئيسها “ابراهيم رئيسي” مؤخراً.
من كواليس قصر بشار
عادة ما ترشح من قصر بشار الأسد أو من أفرع الشائعات التابعة لأجهزة الأمن بعض المعلومات التي تُفيد-على سبيل المثال مؤخراً- أنَّ ابعاد أسماء الأسد عن موقعها في السلطه بذريعة الاستشفاء من مرضها المُستَجدّ، وحادثة تسمم العائلة الأسدية، وغياب لونا الشبل عن الظهور إعلامياً. ويُقصد من نشر تلك الشائعات اخفاء نوايا النظام فيما يخطط له في الحاضر والمستقبل.
ويُعتَقد أنَّ آخر تلك الشائعات -إذْ لم تثبث حقيقتها بعد- حول اكتشاف خليَّة تجسس تديرها مستشارة بشار الأسد “لونا الشبل” مع ذكر أسماء ثلاثة ضباط أمنيين من القصر الجمهوري، ربما جاءت تمويهاً تكتيكياً يريد الأسد بها أنْ يَظْهر وكأنه يخطط للتملُّص من الإرتباط مع الإيرانيين دون أن يمسه الأذى منهم في المستقبل. أما حقيقة هذه الروايات لا يمكن التأكد من صحتها، بينما يمكن استشراف مقاربة لها فقط. ونخص بالقول -هنا- أنَّ إيران قد نوَّهت في أكثر من مناسبة، أنَّ هناك أشخاصاً من النظام يقومون بتزويد لإسرائيل بإحداثيات أمكنة تواجد قادة من الحرس الثوري في مواقع مختلفة على الأراضي السورية. وهذا يمكننا من استنتاج قيام النظام بالإكثار من بث الشائعات بغية خلط الأوراق لتورية الحقيقة.
وبعد أن حاولنا تقصي حقيقة هذه الخليّة فيما إذا كانت حقيقة أم من الشائعات التي ظهرت مؤخراً، لم يسعفنا البحث الدقيق للعثور إلا على مصدر وحيد تناول تحليل قضية خليَّة التجسس التي نُسبت قيادتها إلى “لونا الشبل”. وهذا المصدر هو الفيديو الذي بثه العميد “أحمد رحال” منذ أيام خلت تحت عنوان “إيران تكشف مؤامرة عليها بالقصر الجمهوري .. وخامنئي يهدد الأسد“. وكل ما سيرد في تلخيص ما جاء فيه من معلومات سيكون على عُهدة العميد رحال الذي قال في مقدمة الفيديو:
"… حلقة اليوم من داخل قصر بشار الأسد بعد معلومات شبه مدققة حول ما حصل في المرحله الاخيره وحقيقة نعترف أننا وقعنا في الخديعة الأسديَّة وصدقنا حادثه التسمم وصدقنا قرار ابعاد أسماء الأسد عن السلطة، ومرض أسماء الأسد وكله كذب في كذب وكذب. وهي عبارة عن عملية تمويه كبرى حقيقة أطلقها بشار الأسد. قلنا بالتحليل من أنَّ زيارة بشار الأسد لإيران كانت من بوابة الخنوع وبوابة الخضوع وبوابة أنه بعد تأنيب السفير الإيراني لبشار الأسد …"
هل تغريدات خامنئي لبشار الأسد شائعةُ أم حقيقة؟
- انتشرت في صفحات التواصل الاجتماعي عبارة قد قالها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية “علي خامنئي” لبشار الأسد:
"لا تصدق الوعود الغربيَّة… لا تصدق الوعود العربيَّة … لا تصدق ما يَعِدُك به الآخرون، نحن فقط من يَصْدِقُك القول"
- وقد قيل اعلامياً أنَّ هذه النصيحة جاءت من المرشد خامنئي بعد كثرت لقاءات الأسد مع قادة ومسؤولين من الدول العربية، وتلقيه رسائل استخبارات من قبل بعض الدول الغربية، مثل إيطاليا ورومانيا وسواهما. وقد سربت مصادر إعلامية إيرانية بأنَّ نظام الأسد مداناً بالتعامل مع الإسرائيليين في رصد تحركات اللإيرانيين الذين تمَّ اغتيالهم في سوريا مؤخراً. وفي هذا السياق ظهرت أخبار خلية لونا الشبل واختفائها مؤخراً -لم تؤكدها مصادر موثوقة-، ولربما كانت شائعة أطلقها النظام لتورية أمر ما لا يريد افتضاحه.
لذلك قامت إيران بالتعامل ميدانياً مع ماسُميَّ بخلية لونا الشبل.
ما هي خلية لونا الشبل
بعد التحريات الإيرانية الدقيقة، تمَّ اكتشاف خليَّة تجسس تعمل في القصر الجمهوري في قاسيون لصالح المخابرات الأمريكية والإسرائيلية. تُشرف عليها “لونا الشبل” مع مجموعة من الضباط:
- العقيد “منهل سليمان” من كتيبة الحراسة بالقصر الجمهوري. وهو من ريف طرطوس ينتمي إلى الطائفة العلوية.
- العقيد “جعفر الصالح” من مرتبات لجنة مكافحة الفساد بالقصر الجمهوري وهو من الطائفة العلوية.
- المقدم “وهيب رجوب” من مرتبات مكتب الأمن الوطني من ريف اللاذقية. هو أيضا من الطائفة العلوية.
الخطة الإيرانية وخطف الضباط المتهمين
بعد أن اكتشفت المخابرات الإيرانية وجود تلك الخليَّة، قامت بعملية الدخول إلى القصر لإعتقال أفراد الخليَّة بدون إحداث شوشره في القصر الجمهوري. لذلك لجأت إلى استغلال حادث تسمم “يسار ابراهيم” في القصر الجمهوري – وهو حادث يمكن أن يكون حقيقي أو كذب-. لكن قيل عن تسمم أبناء بشار الأسد أيضاً! وعندما حضرت عدة سيارات اسعاف الى القصر الجمهوري في قاسيون، كان بداخلها فريق من ضباط استخبارات من الحرس الإيراني ومن فيلق القدس الإيراني. وكان الفريق قد سبق اعلام بشار الأسد بضرورة إبقاء الجميع في القصر دون أن يُعلموه بأسماء أولئك الضباط كي لا يتمَّ هربهم قبل تنفيذ عملية القبض عليهم.
نجح فريق الحرس الثوري الإيراني بإعتقال هؤلاء الضباط الثلاثة فقط دون أن يعثروا على لونا الشبل.
وقد نقلوا الى مكان خاص يتبع للحرس الثوري الإيراني في السيدة زينب. وبدأ التحقيق معهم دون اطلاع النظام على مجريات التحقيق بذريعة أنَّ القضيه تخص الأمن الإيراني.
يفسر موقف الإيرانيين أنهم يبحثون عن معرفة فيما إذا كان هناك ارتباط لبشار الأسد بهذه الخليَّة، أم أنها تعمل بشكل مستقل؟
وفي الوقت نفسه، تمَّ الإعلان عن عودة المرض لأسماء الأسد، وقيل أنها لم تعد قادرة على حضور الإجتماعات وتنفيذ الأعمال المنوطة بها! وهنا يُطرح السؤال فيما إذا كان ذلك عبارة عن التمويه ابعاد أسماء الأسد -تماماً- خوفاً عليها من التصفيَّة من قبل جهات إيرانية أو من قبل “ماهر الأسد”.
تزامن هذا الحدث مع وفاة الرئيس “إبراهيم رئيسي”
بعد وفاة الرئيس”إبراهيم رئيسي”، طلب الإيرانيون من بشار الأسد ألا يحضر مراسم التشييع، وأن خامنئي قد خصص له زيارة خاصة. وعلى الأرجح، كانت عملية اعتقال خليَّة التجسس ومتابعة التحقيقات الموسعة عبر عده عواصم التي توصلت إلى أنَّ هناك اتصالات كانت تجري من القصر الرئاسي في قاسيون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية . وكانت الرسائل المتبادلة لا تتم بشكل مباشر، بل تتمُّ عبر دولة عربية خليجية.
وقد رشح عن مصادر إيرانيَّة تقول من أنها وصلت إلى قناعة من أنَّ بشار الأسد قد وصل إلى قناعة بأنَّ الدور الإيراني بات عبئاً عليه بعد أن قاموا بدورهم في تثبيته على كرسي الحكم على مدار 13 عام. وقد أدرك بشار أنَّ لإيران المفلسة اقتصادياً لم يَعُد بالإمكان التعويل عليها بإعمار سوريا، كما أنَّ استمرار التحالف معها سيُضيع الفرصة أمام الأسد من إقدام الدول الغربية والعربية للمساهمة في إعمار سوريا المنشود. لقد أصبح التملص من التحالف مع إيران هو ضرورة لفتح البوابة أمام الغرب، الذي بيده رفع العقوبات عن سوريا، وهو الذي يستطيع أنْ يثبت النظام في الحكم.
قراءة إيرانية لمستجدات نوايا الأسد
لقد قرأت حكومة الملالي في إيران غاية الأسد تلك من خلال رفع مستوى تواصل الأسد مع الإستخبارات الإسرائيلية، إنْ كان عبر تزويد إسرائيل والولايات المتحدة بالمعلومات والإحداثيات لتحركات القيادات الإيرانية في سوريا. وكذلك تجديد علاقة الأسد مع استخبارات دول أوروبية ليقول لهم:
لقد انتهى الدور الإيراني … انتهى دور حزب الله … انتهى دور أذرع إيران في سوريا. اليوم أصبحت جاهزاً للتنسيق مع الغرب.
لذلك قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية “علي خامنئي” لبشار الأسد:
“لا تصدق الوعود الغربيَّة… لا تصدق الوعود العربيَّة … لا تصدق ما يَعِدُك به الآخرون، نحن فقط من يَصْدِقُك القول”
مقتطف من لقاء خامنئي مع الأسد أثناء التعزية
جاء في فيديو “العميد رحال” -وعلى عهدته- بعض ما ورد أثناء اللقاء الذي جمع بشار الأسد مع خامنئي بعد طلبه بشكل مستعجل بعد انتهاء مراسم التعزية، تمَّ وضع بشار الأسد في كامل الصورة التي أفرزتها التحقيقات مع خليَّة التجسس. وبيَّن خامنئي لبشار أنه لا يعتقد أنَّ بشار له علاقة مباشرة بما حدث!
وقال لبشار: أنت أمام أحد خيارين:
-
-
-
إما أنْ تبقى معنا وألا تصدق الوعود الأخرى … فأبوك -أي حافظ الأسد- كان معنا ويجب عليك أنْ تبقى معنا بنفس الخط الحالي (محور المقاومة والممانعة). وكذلك التنسيق مع محور إيران … ونفعل نحن ما نريد في سوريا
-
أو مصيرك سيكون كمصير عبد الله صالح.
-
-
وكذلك فإنَّ المعلومات تقول أنَّ إيران وصلت الى قناعة بضرورة إزاحة بشار الأسد من المشهد السياسي في سوريا وأنها بدأت في عمليه تحضير البديل او البحث.
العميد رحال يتوقع
هناك عدة بدائل عن بشار متاحة لدى الإيرانيين:
-
-
- إما تحضير ماهر الأسد ليكون بديلاً عن بشار الأسد.
- أو البحث عن بديل آخر يكون من ضمن الأجندة الإيرانية ويوافق على كل ما تريده إيران في سوريا.
- من يحسم أمر بقاء بشار الأسد أو تصفيته بشار الأسد أو اقصاؤه عن الحكم هو نتيجة التحقيقات مع الضباط والبحث عن لونا الشبل المختفيه اليوم، وليس من أحد يعلم فيما إذا تمَّ اعتقالها مؤخراً إم أنها أُخفِيَت؟
-
تساؤلات مثيرة
أثار العميد رحال أسئلة عديدة بعضها يتضمن الإجابة عليه في متن السؤال، وبعض الأسئلة ما زالت تحتاج إلى متابعة الأحداث مستقبلاً كي تصلنا الإجابة عليها. وندرج هنا بعض هذه الأسئلة:
-
-
- لماذا لم يسمح الإيرانيون مشاركة أجهزة النظام الأمنية بالتحقيق عندما تمَّ قصف القنصلية الإيرانية بدمشق؟ بل اكتفوا بمشاركة ضباط من حزب الله وضباط من الحرس الثوري الإيراني وضباط من فيلق القدس.
- هل كشف التوسع في التحقيق المتعلق بحادثة قصف القنصلية أمر خليَّة لونا الشبل آنذاك؟ ومن هي الجهة الأمنية السياسية السورية المسؤولة عن إخبار الإسرائيليين بإحداثيات تحرك القيادات الإيرانية التي جاءت في ملف التحقيق؟
- أين هو ماهر الأسد من كل ما حصل؟ أليس هو المستفيد الأكبر لأنه يجب عليه أنْ يكون حريصاً على بقاء سيطرة العلويين على السلطة السياسية والسلطة المالية السلطة السياسية التي بحوزتهم ولم تتزحزح من 50 سنه؟
- لماذا سمح ماهر الأسد بأنْ تسيطر أسماء الأسد على السلطة المالية؟
- هل يلعب الإيرانيون -اليوم- دوراً لتحضير ماهر الأسد كرئيس بديل عن أخيه بشار، لذلك دفعوه للقيام بفصل الفرقه الرابعه عن القصر الجمهوري، وفصلها عن وزارة الدفاع، ووضعها تحت تصرفه شخصياً حتى يمنع على أجهزة الأمن والمخابرات والشرطة العسكرية الاقتراب او اعتقال او تعرض لأي عنصر من الفرقة الرابعة؟
- بعد أنْ تحولت سوريا إلى بلد المافيات وبلد العصابات وبلد المخدرات والكبتاجون وبلد الاغتيالات، ألم يكن ذلك كافياً ليقتنع قادة العرب والغرب بأنَّ النظامالأسدي قد أصبح عبئاً ثقيلاً يمنع أن يعود الاستقرار الى الشرق الأوسط والى المنطقه العربيه؟
-