استهلال
يُعدّ أدب الأطفال بوابة أساسية لبناء عقلية أجيال المستقبل، فهو يلعب دوراً رئيساً في تشكيل شخصيتهم وتنمية مهاراتهم المختلفة، ويمتد تأثيره ليشمل جوانب حياتهم كافة، فما نقرأه في طفولتنا يبقى محفوراً في ذاكرتنا ويُشكل أفكارنا وقيمنا وسلوكياتنا. وصدق من قال: “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”.
ومن المتفق عليه، أنَّ تأثير أدب الأطفال على النمو الاجتماعي والعاطفي يحقق ما يلي:
- غرس القيم الإيجابية والسلبية على السواء: تُقدم القصص للطفل نماذج يُمكنه الاحتذاء بها وتعليمه القيم الإيجابية مثل الصداقة والتعاون والصدق والعدل. وينطبق على ذلك _أيضاً- القيم السلبية التي تدعو إلى التعصب العرقي والديني وكراهية بعض شرائح المجتمع التي ينتج عنها نصب العداء التي تبرر لهم القتل والتنكيل بأفراد مجتمعهم.
- تنمية الشعور بالتعاطف أو التنمر: يُمكن لأدب الأطفال أن يُساعد الطفل على فهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم، مما يُنمي لديه الشعور بالتعاطف. وفي بعض الحالات قد يؤدي أدب الأطفال إلى تعزيز التنمر على بعض فئات المجتمع وخلق أجواء سلبية قد تؤدي إلى إحداث شروخ تفتك بالمجتمع.
- تعزيز الثقة بالنفس: تُشجع القصص التي تتحدث عن شخصيات ناجحة وقوية على تعزيز ثقة الطفل بنفسه وقدراته. وقد ترسم أحياناً شخصية الطفل كبطل يتوجب عليه إلغاء حق الآخرين بالعيش السوي و اعتساف حريتهم بداعي التمييز العرقي أو الديني …إلخ.
أما تأثير أدب الأطفال على السلوك، يمكن تلخيصه كالآتي:
- تشجيع السلوكيات الإيجابية أو السلبية: تُقدم القصص للطفل نماذج يُمكنه الاحتذاء بها وتعليمه السلوكيات الإيجابية مثل احترام الآخرين والالتزام بالقواعد، أو السلبية التي تشجع على قمع الآخرين واعتساف حقوقهم.
- تعزيز مهارات حلّ المشكلات: تُقدم القصص للطفل نماذج لحلّ المشكلات بطرق إيجابية أو سلبية، مما يُساعده على تطوير مهاراته في حلّ مشكلاته الخاصة.
ولطالما يُعدّ أدب الأطفال أداة قوية لبناء عقلية أجيال المستقبل، فهو يُساهم في تنمية مهاراتهم المعرفية والاجتماعية والعاطفية، ويُشجعهم على اتباع السلوكيات الإيجابية أو السلبية أيضاً. وهكذا يتمُّ برمجة جيلين مختلفين في سلوكهما، فإما جيلٌ يؤمن بالقيم الإنسانية القويمة أو جيلٌ مؤسس على العداء والكراهية للآخرين.
وتقودنا مجريات الأحداث التي وقعت في المنطقة العربية منذ القرن المنصرم، فيما إذا أجرينا تحليلاً مقارناً بين لنتائج تأثير أدب الأطفال بين نشأة الجيل الصهيوني وبين تنشئة الجيل العربي، نتمكن من إيجاد الإجابة الدقيقة عن أسئلة كثيرة تدور في فلك الصراع العربي الإسرائيلي في مراحله المبكرة وتداعياته عبر 76 عاماً خلت.
أدب الأطفال الصهاينة يحض على كراهية وعداء العرب
الكتب الصهيونية الموجهة للأطفال: تحريض أم تعليم؟
على الرغم من إنكار الصهاينة عدم وجود كتب صهيونية موجهة للأطفال تُحرّض بشكل مباشر ضد الفلسطينيين والعرب، نجد بعض النقاد يشيرون إلى وجود محتوى في الكتب المدرسية والمواد التعليمية الإسرائيلية يُقدّم وجهة نظر متحيزة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ممّا قد يُساهم بشكل غير مباشر في مشاعر معادية للفلسطينيين.
وخير مثال هو استعمال بعض الآيات التي وردت في كتابهم المقدس، خاصة في سفر التثنية ( 25: 17-19) التي تتضمن مجموعة من القوانين والتعليمات التي أعطاها الله للشعب الإسرائيلي من خلال موسى النبي:
“فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلا وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعاً، بَقَراً وَغَنَماً، جَمَلاً وَحِمَاراً”.
في هذا الجزء المحدد، يتحدث موسى إلى الشعب الإسرائيلي عن عماليق “الفلسطينيين”، وهي قبيلة كانت تعاديهم ، فأمرهم الله بمحاربة عماليق والقضاء على نسلهم ودوابهم وحرثهم!
ومع ذلك، يرى آخرون أنّ هذه المواد تُعلّم ببساطة تاريخ وثقافة إسرائيل، وأنّه من غير الدقيق وصفها بأنّها مُحرّضة.
أمثلة أخرى: الكتب التي أثارت نقاشاً
- “بابوريش للجغرافيا”: يُدرّس في المدارس الإسرائيلية، ويُزعم أنّ فلسطين أرض يهودية صهيونية لليهود فقط، دون الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
- “عن طريق الكلمات”: كتاب للصف الرابع، يصف العرب بالمتوحشين القتلة من خلال روايات أسطورية.
- “مختارات إسرائيل الجديدة”: يُقدّم صورة سلبية للعرب والفلسطينيين من خلال قصائد تتحدث عن السلام مع الإيحاء بتهديدهم.
- كتاب “من يملك القدس؟”: للكاتبة الإسرائيلية “يهوديت إيلات”: وهو رواية مُزيفة لتاريخ القدس، ويزعم أن اليهود كانوا أول من سكنها.
- “الأرض لنا” للكاتب الإسرائيلي “إيتمار بن غفير”: يُروج هذا الكتاب للعنف ضد الفلسطينيين، ويُشجع الأطفال على الاستيلاء على أراضيهم.
- “حكايات من أرض إسرائيل” لسلسلة “مكتبة يديعوت أحرونوت للأطفال”: تُقدم هذه السلسلة روايات خيالية تُمجّد الصهيونية وتُنكر وجود الشعب الفلسطيني.
وهناك أيضاً موارد إضافية مثل:
- كتاب “أدب الأطفال الصهيوني: دراسة تحليلية” للكاتبة إيلانا ساعر.
- كتاب “الصراع مع الصهيونية”: للكاتبة نوريت بيطون-شليف، يُقدّم وجهات نظر مناهضة للصهيونية من قبل شخصيات يهودية بارزة.
- موقع “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية“: يُقدّم تحليلات نقدية للرواية الصهيونية الرسمية وتأثيرها على التعليم.
الكتاب الأكثر أهمية
أما كتاب “توظيف الأدب الصهيوني التحريضي في أدب الأطفال” الصادر عام 2016 للكاتب إبراهيم عياد شاهين، يُعدّ أهم دراسة معمّقة تتناول استخدام الصهيونية للأدب الموجه للأطفال كأداة لنشر أفكارها وترويحاتها. ويُقدم الكتاب تحليلاً نقدياً لعدد من الأعمال الأدبية الصهيونية الموجهة للأطفال، ويكشف النقاب عن الأساليب المُستخدمة لبثّ الدعاية الصهيونية وتشويه صورة الفلسطينيين والعرب.
أهمّ النقاط التي يناقشها هذا الكتاب:
- استخدام التاريخ والأساطير لخدمة الأيديولوجية الصهيونية: يقوم بعض الكتّاب الصهاينة بتحريف التاريخ وتزوير الأساطير لخلق رواية تُمجّد الصهيونية وتُبرّر احتلال فلسطين. على سبيل المثال، قد يتمّ تصوير الفلسطينيين على أنهم غزاة أو برابرة، بينما يتمّ تصوير الصهاينة على أنهم مُخلّصون للأرض.
- شيطنة الفلسطينيين والعرب: غالباً ما يتمّ تصوير الفلسطينيين والعرب في أدب الأطفال الصهيوني على أنهم أعداء عنيفون ووحشيون. يُساهم ذلك في خلق شعور بالكراهية والخوف من العرب لدى الأطفال الصهاينة، ممّا يُبرّر العنف ضدّهم.
- ترويج الأفكار الاستعمارية: يُروّج بعض أدب الأطفال الصهيوني لفكرة أنّ الصهاينة لهم الحقّ الإلهيّ في أرض فلسطين، وأنّ الفلسطينيين لا ينتمون إلى هذه الأرض. يُساهم ذلك في تطبيع الاستعمار الصهيوني لفلسطين وتشريد الفلسطينيين من أراضيهم.
بعض ما ورد في هذا الكتاب
الخلفية التاريخية
منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، اعتمدت الحركة الصهيونية على وسائل متعددة لغرس القيم والمعتقدات في نفوس الأجيال الجديدة. كان أدب الأطفال أحد الأدوات الفعالة في هذا السياق، حيث استخدم لترسيخ مفاهيم الكراهية والعداء تجاه العرب. وفقاً لكتاب “توظيف الأدب الصهيوني التحريضي في أدب الأطفال”، كان هذا الأدب يتعمد تصوير العرب كأعداء دائمين، مما يغذي العداوة المستمرة.
محتوى الأدب التحريضي
يحتوي أدب الأطفال الصهيوني على العديد من العناصر التي تهدف إلى تشكيل العقلية المعادية للعرب:
- الشخصيات والأبطال: غالباً ما تُصور الشخصيات اليهودية كبطلة قوية تواجه الشخصيات العربية التي تُصوِّر كأعداء أشرار.
- القصص التاريخية: تستخدم القصص التاريخية لتأكيد شرعية وجود دولة إسرائيل وتصوير العرب كمغتصبين للأرض.
- الرسوم والصور: تستخدم الرسوم والصور النمطية لتعزيز الصور السلبية عن العرب في أذهان الأطفال.
أمثلة على الأدب التحريضي
- قصص “الأبطال اليهود”: مثل قصص الأطفال التي تتحدث عن بطولات الجنود الإسرائيليين في مواجهة “الأعداء العرب”.
- الكتب المدرسية: تحتوي الكتب المدرسية على نصوص وصور ترسخ صورة العرب كأعداء.
نتائج التطبيق
- تعزيز العداء: أدى هذا الأدب إلى تعزيز مشاعر العداء بين الأجيال الصهيونية تجاه العرب، مما يساهم في استمرار الصراع.
- تشكيل الهوية القومية المتطرفة: ساعد الأدب التحريضي في تشكيل هوية قومية متطرفة بين الشباب الإسرائيلي.
- استمرارية الصراع: يغذي هذا الأدب مشاعر الكراهية والعداء، مما يجعل من الصعب تحقيق السلام والتفاهم بين الطرفين.
- تعقيد جهود السلام والتفاهم: التعليم الذي يغذي العداء يجعل من الصعب تحقيق السلام والتفاهم بين العرب والإسرائيليين. السلبيات تشمل:
-
-
- إضعاف الثقة المتبادلة: الأطفال الذين يكبرون وهم يحملون مشاعر عدائية تجاه العرب سيكونون أقل ميلًا للثقة في مبادرات السلام والتعاون.
- عرقلة المفاوضات: القادة المستقبليون الذين تأثروا بهذا الأدب سيكونون أقل استعداداً للانخراط في مفاوضات سلمية، مما يعقد عملية السلام.
-
- استمرار دائرة العنف: الأدب الذي يحرض على الكراهية يمكن أن يؤدي إلى استمرار دائرة العنف بين الطرفين. النتائج المتوقعة تشمل:
-
-
- زيادة الهجمات والانتقام: الأجيال التي تتبنى العداء والعنف تكون أكثر عرضة للمشاركة في الهجمات الانتقامية، مما يؤدي إلى تصاعد العنف.
- التوترات المتزايدة: استمرار العداء يؤدي إلى توترات متزايدة على الحدود وفي المناطق المشتركة، مما يزيد من احتمالية اندلاع الصراعات.
-
- تأثير سلبي على التعايش المشترك: في المجتمعات المختلطة أو المناطق التي يعيش فيها العرب والإسرائيليون معًا، يمكن أن يؤدي الأدب التحريضي إلى:
-
-
- تقويض التعايش السلمي: الأطفال الذين يتعرضون لمشاعر العداء والكراهية سيكونون أقل قدرة على التعايش بسلام مع جيرانهم العرب.
- زيادة الفجوة الاجتماعية: الأدب الذي يعزز الكراهية يعمق الفجوة الاجتماعية بين العرب والإسرائيليين، مما يجعل التفاهم والتعاون صعباً.
-
- تعزيز الأيديولوجيات المتطرفة: أدب الأطفال الذي يحض على الكراهية يمكن أن يعزز الأيديولوجيات المتطرفة بين الشباب، مما يؤدي إلى:
-
- تجنيد الشباب في الجماعات المتطرفة: الشباب المتأثرون بالكراهية يكونون أكثر عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة، مما يزيد من التهديدات الأمنية.
- زيادة التطرف السياسي: الأجيال التي تتبنى العداء يمكن أن تؤثر على السياسات الوطنية، مما يؤدي إلى اتخاذ مواقف متطرفة تعرقل أي جهود لتحقيق السلام.
-
-
التأثير على الهوية الوطنية
الأدب التحريضي يمكن أن يؤثر على الهوية الوطنية للأطفال الإسرائيليين بشكل سلبي، حيث:
-
- تشويه القيم الإنسانية: الترويج للكراهية والعداء يشوه القيم الإنسانية مثل التسامح والتفاهم، مما يؤثر على بناء هوية وطنية قائمة على السلام والاحترام المتبادل.
- تعزيز الانقسام الداخلي: الأدب الذي يغذي الكراهية يمكن أن يعزز الانقسام الداخلي بين الفئات المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، مما يؤثر سلبًا على الوحدة الوطنية.
-
التأثير على العلاقات الدولية
الترويج للكراهية في أدب الأطفال يمكن أن يؤثر على العلاقات الدولية لإسرائيل، حيث:
-
- عزلة دبلوماسية: السياسات التعليمية التي تحرض على العداء قد تؤدي إلى انتقادات دولية وعزلة دبلوماسية، مما يؤثر على مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي.
- تأثير على التحالفات: الدول التي تسعى لتحقيق السلام في المنطقة قد تتردد في دعم سياسات إسرائيل إذا شعرت أن هناك توجهات متطرفة تغذي الكراهية من خلال التعليم.
-
تدمير فرص التعاون المستقبلي
الأدب الذي يعزز العداء والكراهية يقلل من فرص التعاون المستقبلي في مجالات متعددة، مثل:
-
- التعاون الاقتصادي: التوترات الناجمة عن الكراهية المتجذرة تجعل من الصعب تحقيق تعاون اقتصادي فعال بين العرب والإسرائيليين، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي في المنطقة.
- التبادل الثقافي والعلمي: انعدام الثقة والكراهية يعوقان التبادل الثقافي والعلمي، مما يحرم الأجيال من فوائد التعاون المشترك في هذه المجالات الحيوية.
من سياق سرد هذه الوقائع، نستطيع فهم أسباب تغوّل الإسرائيليين من الجنود والأهالي -على السواء- في القضاء على الوجود الفلسطيني والعربي المجاور لحدودها بكل الوسائل المتاحة.
تنشئة أجيال السوريين منذ نكبة 1948 انتهاءً بفترة حكم حزب البعث الحالية
تأثير قيام دولة إسرائيل 1948 على تنشئة الأجيال السورية
قبل وقوع النكبة في عام 1948، كان هناك تعايش سلمي بين الطوائف المختلفة في سوريا، بما في ذلك اليهود السوريون. كانت العلاقات بين الطوائف قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون في مختلف مجالات الحياة اليومية. كانت الأسواق، والمدارس، وحتى الأحياء السكنية تحتضن جميع الطوائف دون تمييز. وكانت لهم حق في الترشح للبرلمان السوري، والمشاركة في الوظائف الرسمية حسب الكفاءة. لكنَّ هذا التعايش السلمي شهد تحولاً كبيراً بعد قيام دولة إسرائيل وما تبعه من أحداث سياسية وعسكرية.
وفي فترة لاحقة عندما تزايدت التوترات والحروب بين إسرائيل وسوريا، شهدت معاملة اليهود السوريين تغيراً كبيراً، عندما نشط تهريب اليهود السوريين والعراقيين إلى إسرائيل عبر مافيات صهيونية متخصصة بذلك في فترة الخمسينات والستينات. لذلك بدأت الحكومات السورية تتخذ مواقف أكثر صرامة تجاه المواطنين اليهود، مثل السفر خارج الحدود وبعض المناطق الحدودية المحاذية لدولة الكيان الصهيوني. مما أدى إلى هجرة العديد منهم إلى خارج البلاد بطرق ملتوية وخفيَّة. وقد أدى إلى تشديد المراقبة على يهود سوريا نتيجة للمشاعر الوطنية المتأججة والسياسات الحكومية التي رأت في اليهود تهديداً محتملاً للأمن القومي.
كيف تعاطت مناهج التعليم بالتفريق بين المؤامرة الصهيونية وبين الديانة اليهودية؟
حاولت مناهج التعليم السورية أن تُميّز بين اليهودية كديانة سماوية وبين الصهيونية كحركة سياسية قامت باغتصاب أراضٍ من فلسطين وتهجير سكانها إلى الدول العربية المجاورة. فكان على الحكومات السورية أن أن تتصدى لذلك السرطان الصهيوني من خلال رفع مستوى الوعي الوطني بكل الوسائل المتاحة حيث كانت المواد الدراسية من أهمها. لقد تمَّ التركيز من خلال المناهج التعليمية على تاريخ اليهود في المنطقة كجزء من النسيج الاجتماعي، مع إبراز الفروقات بين العقيدة اليهودية وبين الأهداف الصهيونية التي تسعى لإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات. هذا التمييز كان مهماً لتجنب تغذية الكراهية الدينية ولتعزيز الفهم الصحيح لدى الطلاب.
التبدلات التي طرأت على مناهج التعليم في مرحلة حكم حزب البعث منذ 1963
منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في عام 1963، شهدت مناهج التعليم تحولات جذرية. تميزت المناهج الجديدة بتقديس الحاكم وترويج الأيديولوجية البعثية. عند تولي حافظ الأسد مقاليد السلطة، زاد التركيز على تمجيد الرئيس ودوره في الحفاظ على الأمة واستقرارها. وكذلك تبرئة حافظ الأسد صاحب (البلاغ 66) المشوب بالخيانة أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، حيث يُجادل البعض بأنّ قرار الأسد بالانسحاب من الجولان لم يكن خيانةً، بل كان صائباً في ظلّ الظروف العسكرية الصعبة التي واجهتها سوريا آنذاك، وأنّه سمح بإنقاذ بقية البلاد من الهزيمة الكاملة. ولقد استمرت هذه السياسة خلال حكم بشار الأسد، حيث استُغلت قضية فلسطين لتبرير السياسات الداخلية وتثبيت حكم آل الأسد.
محتوى المناهج التعليمية في سوريا
تمجيد القائد: تحتوي المناهج على نصوص تشيد بحافظ الأسد وتمنحه صفات القائد الحكيم الذي لا يُخطئ.
تقديس الحزب: تركز المناهج على إظهار حزب البعث كالحزب الوحيد القادر على تحقيق التقدم والازدهار لسوريا.
القومية العربية: تعزز المناهج مفهوم القومية العربية والوحدة العربية تحت قيادة حزب البعث.
أمثلة على الأدب المدرسي
الكتب المدرسية: تتضمن الكتب المدرسية نصوصاً وصوراً تشيد بالقائد والحزب، مما يرسخ في عقول الأطفال فكرة الطاعة العمياء.
القصص الوطنية: تروي القصص التي تتحدث عن بطولات الجيش السوري تحت قيادة الأسد وكيفية تحقيق الانتصارات رغم عدم حدوثها.
نتائج التطبيق على الأجيال بشكل عام
- غسل الأدمغة: أدت هذه المناهج إلى خلق أجيال مغسولة الدماغ، تطيع النظام بشكل أعمى وتقدس القائد.
- تأثير طويل الأمد: تأثرت الأجيال السورية بتلك الأفكار، مما أدى إلى ترسيخ نظام الحكم الاستبدادي.
نتائج تدهور التعليم في سوريا
الأضرار الحالية والمستقبلية على المجتمع
تدهور التعليم في سوريا له تأثيرات بعيدة المدى على المجتمع بأكمله. يمكن تلخيص الأضرار الحالية والمستقبلية على أداء المجتمع في النقاط التالية:
ارتفاع معدلات الأمية والجهل
تدهور النظام التعليمي يؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع معدلات الأمية بين الأجيال الجديدة. هذا يؤثر سلباً على قدرة الأفراد على:
- قراءة وكتابة: عدم القدرة على القراءة والكتابة يعوق فرص العمل والتعليم المستقبلي.
- المشاركة المدنية: الأفراد غير المتعلمين يكونون أقل قدرة على المشاركة الفعالة في المجتمع والحياة السياسية.
نقص المهارات والمعرفة الأساسية
الأطفال الذين لا يحصلون على تعليم جيد يفتقرون إلى المهارات والمعرفة الأساسية التي يحتاجونها في حياتهم اليومية وفي سوق العمل. هذا النقص يؤدي إلى:
- صعوبة في العثور على وظائف: الأفراد غير المتعلمين أو الذين لم يكملوا تعليمهم يعانون في العثور على وظائف مناسبة، مما يزيد من معدلات البطالة.
- ضعف الأداء الاقتصادي: نقص المهارات يؤدي إلى ضعف الإنتاجية الاقتصادية، حيث أن الأيدي العاملة غير الماهرة لا تستطيع تلبية احتياجات السوق.
زيادة انتشار الفقر وعدم المساواة
تدهور التعليم يساهم في دورة الفقر وعدم المساواة، حيث:
- استمرار الفقر: الأسر التي لا تستطيع توفير التعليم لأبنائها تعاني من استمرار دورة الفقر عبر الأجيال.
- عدم المساواة: الفرق في مستوى التعليم يؤدي إلى فجوة متزايدة بين الطبقات الاجتماعية، حيث يتمتع الأفراد المتعلمون بفرص أفضل مقارنة بغير المتعلمين.
ضعف التنمية البشرية
التعليم هو أحد أهم ركائز التنمية البشرية. بدون تعليم جيد، يتعذر على المجتمع تحقيق التنمية المستدامة. من تأثيرات ذلك:
- تدهور الصحة العامة: التعليم مرتبط بالصحة، حيث يكون الأفراد المتعلمون أكثر وعياً بأهمية الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض.
- ضعف النمو الاقتصادي: التعليم الجيد يساهم في الابتكار والتطور التكنولوجي، وهما عاملان حيويان لنمو الاقتصاد.
تزايد العنف والجريمة
البطالة ونقص التعليم يمكن أن يؤديان إلى زيادة معدلات الجريمة والعنف في المجتمع. الأسباب تشمل:
- اليأس والإحباط: الأفراد الذين لا يجدون فرص عمل ولا يستطيعون تحقيق حياة كريمة يمكن أن يلجأوا إلى الجريمة كوسيلة للبقاء.
- التطرف: الجهل وقلة التعليم يجعل الأفراد عرضة للتطرف والتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة.
التأثير على الأطفال والنساء
الأطفال والنساء هم الأكثر تأثراً بتدهور التعليم. من النتائج السلبية:
- استغلال الأطفال: الأطفال الذين لا يحصلون على التعليم يمكن أن يتم استغلالهم في عمالة الأطفال أو حتى في الأنشطة غير القانونية.
- تقليص فرص النساء: نقص التعليم يؤدي إلى تقليل فرص النساء في الحصول على وظائف جيدة والمشاركة في الحياة العامة.
تأثير نفسي واجتماعي
نقص التعليم يؤثر أيضاً على الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد:
- ضعف الثقة بالنفس: الأفراد الذين يفتقرون إلى التعليم يعانون من ضعف الثقة بالنفس والإحساس بالدونية.
- العزلة الاجتماعية: نقص التعليم يمكن أن يؤدي إلى عزلة اجتماعية، حيث يشعر الأفراد بأنهم غير قادرين على المشاركة في المجتمع بشكل فعال.
تراجع دور سوريا في الساحة الدولية
بدون نظام تعليمي قوي، تتراجع قدرة سوريا على المنافسة في الساحة الدولية في مختلف المجالات:
- العلم والتكنولوجيا: تراجع البحث العلمي والتطور التكنولوجي يؤثر على قدرة الدولة على الابتكار والمساهمة في مواكبة التطور العالمي.
- الدبلوماسية: ضعف التعليم يؤثر على قدرة الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين على التفاوض والمشاركة الفعالة في الشؤون الدولية.
تأثير حكم بشار الأسد على التعليم
عند استلام بشار الأسد الحكم، شهدت سوريا تدهوراً كبيراً فاق على ما ورثه عن أبيه، خاصة في النظام التعليمي. وقد تفاقمت أحوال التعليم نتيجة تعرض العديد من المدارس للتدمير أثناء بطشه بالمعارضين على استبداده عام (2011)، مما أدى إلى نزوح ملايين الأطفال وحرمانهم من التعليم.
إحصائيات وأرقام
- عدد الأطفال النازحين: تشير إحصائيات اليونيسيف إلى أن هناك 2.8 مليون طفل نازح في سوريا محرومين من التعليم.
- تدمير البنية التحتية: تضررت آلاف المدارس، مما أدى إلى تفاقم الأزمة التعليمية.
النتائج الكارثية
- ارتفاع معدلات الأمية: أدى تدهور النظام التعليمي إلى ارتفاع معدلات الأمية بين الأجيال الجديدة.
- نقص المهارات والمعرفة: تعاني الأجيال الجديدة من نقص حاد في المهارات والمعرفة الأساسية، مما يزيد من العبء على المجتمع.
- تفاقم الأزمة الاجتماعية: يؤدي نقص التعليم إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في سوريا.
الخاتمة
إن تأثير أدب الأطفال على عقلية الأجيال المستقبلية أمر لا يمكن تجاهله. في الحالة الصهيونية، يُستخدم الأدب لغرس الكراهية والعداء، بينما يُستخدم في العالم العربي، وخاصة في سوريا، لغرس تقديس الحكام والطاعة العمياء. كلا النهجين يؤديان إلى نتائج كارثية على المجتمع، من تصاعد الصراع والكراهية إلى تدهور التعليم وارتفاع معدلات الأمية. يتطلب المستقبل توجيه الجهود نحو تحسين المناهج التعليمية لتكون وسيلة لنشر السلام والتفاهم والتقدم.