مقدمة
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحولت البلاد إلى ساحة للصراعات الداخلية والخارجية، حيث تنافست الفصائل المختلفة على النفوذ والسيطرة. كانت عبارة “الثورة تأكل أبنائها” واقعيَّة في السياق السوري، حيث تحولت الثورة من نضال شعبي إلى صراع معقد بين نظام استبداي وشعب ينشد الحرية، فاندست فيه الفصائل والجماعات المتطرفة.
منذ أيام عدَّةٍ، أنبأنا راصدو الأحداث في الداخل السوري المكلفين من قبل “منصة مآلات“، بأنَّ أزلام الجولاني المسلحين قد أتموا انجاز خنادق وشبكة أنفاق عميقة تحت سطح الأرض، متعددة الإتجاهات ولمسافات بعيدة. لم يستطع راصدانا تقدير امتدادها، لأنَّهما خلال المشاركة في حضور جتماع جرى في أحد تلك الأنفاق، لم يُسمح لهم بالتنقل بعيداً.
من مفرزات ذلك الاجتماع تأكد للراصِدَيْن وجود خطة قد أعدها الجولاني للسيطرة الكاملة على كامل منطقة المحرر كي تكون نقطة إسناد ومنطقة ازدلاف لقواته، حيث يتمَّ بعدها تطوير الهجوم باتجاه المناطق المؤدية للوصول إلى مدينة حلب واحتلالها.
وخلال اليومين الفائتين، أكدت المعلومات من مصادر أخرى ذلك الأمر، لذلك توجب على منصتنا (مآلات) إعلام أهلنا في إدلب حول ذلك فيما إذا أعطيت ساعة الصفر من جانب القيادة التركية في حال رفض الأسد لشروط المصالحة التي تمَّ إبلاغها للأسد.
ونتوقع أن يتحقق ذلك بعد أنْ صدر بيان وزارة الخارجية للنظام يوم السبت/تموز/ 2024، الذي قالت فيه إنَّ:
“أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسسٍ واضحةٍ ضماناً للوصول إلى النتائج المرجوّة، والمتمثلة في عودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية”.... “في مقدمة تلك الأسس انسحاب القوات المتواجدة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضاً”.
في هذا المقال، سنتناول تاريخ هيئة تحرير الشام، هوية قائدها أبو محمد الجولاني، والدور الذي تلعبه تركيا في دعم هذه الفصائل.
نشوء هيئة تحرير الشام وتاريخها
تأسست هيئة تحرير الشام (HTS) في يناير 2017 بعد اندماج خمس مجموعات إسلامية متشددة، من بينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً). ومن المعرف أنَّ جبهة النصرة تأسست في يناير 2012 كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا حيث تتالت عليها قيادات عدة، كان آخرهم أبو محمد الجولاني.
هوية أبو محمد الجولاني
أبو محمد الجولاني هو الاسم الحركي، ويُعتقد أنَّ اسمه الحقيقي هو “أحمد حسين الشرع”. ولد في محافظة درعا بسوريا عام 1981.
بدأ مسيرته الجهادية في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003. انضم لتنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي وقاتل معه.
بعد مقتل الزرقاوي، عاد الجولاني إلى سوريا. لم يبرز اسمه إلى بعد أن تولى قيادة “هيئة تحرير الشام”.
الدعم والأيديولوجيا
برز الجولاني بفضل دعمه من تنظيم القاعدة والأيديولوجية الجهادية العالمية. حصل على دعم لوجستي ومالي من شبكات القاعدة وبعض الأفراد والمؤسسات في دول الخليج، رغم أن هذه الدول تنكر دعمها المباشر للفصائل المتطرفة. استغل الجولاني الفوضى في سوريا لتجنيد مقاتلين وتوسيع سيطرته على المناطق. (Islamic World News).
ولمزيد من التفاصيل حول سيرورة هذا الفصيل، يمكنكم الإطلاع عليها في هذا الرابط.
تكتيك الجولاني
استغل أبو محمد الجولاني الفوضى في سوريا لتوسيع نفوذه في المناطق المحررة غربي البلاد. فمن الوقائع المتتابعة التي حدثت على الأرض، أضحى مما لا شك فيه أنَّ الجولاني قام بتوثيق العلاقة مع تركيا عقب اجتماع اللواء حسام لوقا رئيس إدارة المخابرات العامة السورية قادة القوات المدعومة من تركيا في حلب -ومنهم جرذان الجولاني- في 12/أيار . دار في اللقاء مناقشة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وذلك بعد أن تمَّ لقاء اللواء لوقا مع رئيس جهاز الاستخبارات التركي في 5/أيار، على هامش الاجتماع الرباعي لإيران وسوريا وتركيا وروسيا في موسكو. وبعد يومين في 7 مايو/أيار، توجه إلى حلب لترتيب اللقاء مع قادة القوات المدعومة من تركيا في 12/أيار – المصدر موقع ” إنتليجنس أونلاين“.
التهديد الأمني في إدلب
تسيطر هيئة تحرير الشام حالياً على أجزاء كبيرة من محافظة إدلب، وتواجه انتقادات لتهديدها أمن الأهالي المهجرين هناك. تحاول الهيئة تقديم نفسها كجزء من الحل السياسي في سوريا، رغم التشكك الدولي والمحلي في نواياها خطة الزحف نحو حلب وفق ما صرح به الجولاني في 27 مايو/أيار، حيث قال أمام لاجئي حلب في مؤتمر بإدلب:
“إن حلب هي بوابة دمشق وسيتم التركيز عليها خلال عام أو عامين.وقبل ذلك بشهر، خاطب الجولاني وجهاء عشائر إدلب قائلاً إن هيئة تحرير الشام ليست ضعيفة ولديها القدرة على تغيير معادلة الحرب.” المصدر
في الآونة الأخيرة، شهدت المنطقة الشمالية الغربية من سوريا تصاعداً في العمليات العسكرية بين هيئة تحرير الشام والجيش السوري. صرح الجولاني أن حلب ستكون محور تركيز المعارك في المستقبل القريب، ملمحاً إلى تغيير في تكتيكات القتال بالاعتماد على دور اللاعب التركي في دعم الفصائل.
دور اللاعب التركي
تلعب تركيا دوراً حيوياً في دعم الفصائل المعارضة في شمال سوريا، بما في ذلك هيئة تحرير الشام. وبالرغم أنَّ معظم هذه الفصائل ليست ذات تركيب بنيوي تابعاً لتركيا، إلا أنَّ دورها الوظيفي يخضع للإرادة التركية، وبعض الدول الإقليمية في بعض الأوقات.
اليوم، تسعى أنقرة التركيز في سياستها على استخدام هذه الفصائل كأداة ضغط على نظام الأسد لضمان مصالحها القومية، وكذلك الحيلولة دون تنامي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الطابع الكردي الانفصالي. كما أنها تحاول من خلال دعمها لهذه الفصائل تحقيق توازن في المنطقة ومنع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية.
الوضع السياسي والعسكري الراهن
مع تطبيع العلاقات بين الدول العربية ونظام الأسد، واستمرار جهود روسيا للتوسط بين دمشق وأنقرة، تواجه هيئة تحرير الشام تحديات جديدة. اليوم، الجولاني يسعى لتعزيز موقفه العسكري في حلب، في وقت تستمر فيه التطورات السياسية بإعادة تشكيل الخريطة السورية وفق ما ذُكرَ آنفاً في تصريحات الجولاني.
في الختام
يبقى مستقبل شمال سوريا معقداً ومليئاً بالتحديات، حيث تتنافس القوى المختلفة على النفوذ والسيطرة. مع تصاعد التوترات في حلب، ستبقى هيئة تحرير الشام والجولاني في مركز الأحداث، مما يستدعي متابعة دقيقة للتطورات المستقبلية. وعلى أهلنا على مساحة النزوح الداخلي أن يحذروا من الانجرار – العاطفي الديني- خلف أزلام الجولاني والفصائل الفاسدة التي تنتظر اعلان ساعة الصفر من تركيا لتحرق الأخضر واليابس.
إنَّ تنفيذ أجندات خارجية لا تجلب الخير لنا بل مزيداً من الدمار والقتل، وكل ذلك يصب في مصلحة النظام الأسدي المستبد ويعطيه المبرر ليقول للعالم أنَّ صراعه ليس مع الحق، بل هي مؤامرة كونية وحسب.
تنويه:
ندرج أدناه ثبتاً بأهم المصادر المفيدة للحصول على المعلومات والتحليلات، وتمكين الباحثين والمهتمين بالشأن السوري من الحصول على فهم أعمق للتطورات الراهنة والتحديات التي تواجهها المنطقة.
يجب توخي الدقة في اختيار هوية أصحاب المقالات عند الرجوع إلى مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة التي تشمل تقارير المنظمات الدولية، والأبحاث الأكاديمية، والمقالات الإخبارية الموثوقة، والتقارير الاستقصائية. إليك بعض المصادر التي يمكنك استخدامها:
تقارير المنظمات الدولية:
- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى:
- يقدم تحليلات وتقارير مفصلة حول الجماعات الجهادية في سوريا، بما في ذلك هيئة تحرير الشام. رابط: (معهد واشنطن).
- مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group):
- توفر تقارير معمقة حول الصراع في سوريا والجماعات المسلحة المختلفة.
- رابط المجموعة.
- معهد دراسات الحرب (Institute for the Study of War):
- يقدم خرائط وتقارير تحليلية عن التحركات العسكرية والسياسية للجماعات المسلحة في سوريا.
- رابط: (معهد دراسات الحرب).
المقالات الإخبارية
-
رويترز:
وكالة أنباء عالمية توفر تغطية مستمرة وشاملة عن الأحداث في سوريا، بما في ذلك تقارير عن هيئة تحرير الشام، والجولاني. رابط: (رويترز).
-
بي بي سي (BBC):
تقدم تقارير إخبارية وتحليلية حول الصراع السوري والفصائل المتورطة فيه. رابط: (بي بي سي)
- نيويورك تايمز (The New York Times):
تغطية معمقّة للأحداث السياسية والعسكرية في سوريا مع تقارير خاصة حول الجماعات الجهادية. رابط: (نيويورك تايمز)
الأبحاث الأكاديمية والكتب
- مقالات بحثية في المَجلات الأكاديمية:
- مجلات مثل “Journal of Middle Eastern Politics and Policy” و “International Affairs” تحتويان على دراسات معمقة حول الصراع السوري والجماعات المتطرفة.
- كتب حول الصراع السوري
- “Black Flags: The Rise of ISIS” لجوب دكستر .
- “ISIS: Inside the Army of Terror” لمايكل فايس وحسن حسن تقدم خلفية تاريخية وتحليلية حول الجماعات الجهادية في سوريا.
تقارير استقصائية
- موقع “بيلنغكات” (Bellingcat):
- يقدم تحقيقات استقصائية تعتمد على مصادر مفتوحة حول الصراعات والجماعات المسلحة. رابط: [بيلنغكات]
- موقع “ذا انترسبت” (The Intercept):
- يحتوي على مقالات وتَحقيقات استقصائية حول الصراعات في الشرق الأوسط.
- رابط: [ذا انترسبت].
- منصة “سيرياوايز” (SYRIAWISE)
- منصة تصدر باللغة الإنجليزية تُعنى بالشأن السوري مرخصة في ولاية ميشيغان الأمريكية باسم السيدة روثان ساكورا والأستاذ ياسر أشقر، يحررها فريق من المتخصصين والإعلاميين من جنسيات ودول مختلفة.