مقدمة
لقد شهد العالم وعلى مر العصور العديد من المآسي والجرائم البشعة، ومن بين هذه المجازر الإنسانية الفظيعة تبرز مجزرة الكيميائي في غوطة دمشق التي ارتكبها نظام الأسد الدموي، ومن ثمَّ كررها بمواقع أخرى مما أسفر عن سقوط الآلاف من الضحايا الأبرياء. وقد وصفت بكنايات مختلفة ما زالت تترى بعد كل مجزرة. ولكنَّ الجدل واختلاف التوصيف بحد ذاته أدى إلى اختزال المسميات بمصطلح” القضية السورية”. والعَوَار في هذه التسمية التي شاعت، أنَّ تعريف لفظة (الْقَضِيَّة) حسب معجم الوسيط هو: الحكم وَمَسْأَلَة يتنازع فِيهَا وَتعرض على القَاضِي أَو الْقُضَاة للبحث والفصل، أما فِي علم المنطق، هي قَول مكوَّن من مَوْضُوع ومحمول يحْتَمل الصدْق وَالْكذب لذاته وَيصِح أَن يكون مَوْضُوعا للبرهنة. وورد أيضاً في المعجم العربي الحديث أنَّ لفظة “القضيَّة” في مفهوم الفلسفة والتصوف، هي كلام يصحّ أن يُوصَف بالصِّدق أو بالكذب لذاته، ويصحّ أن يكون موضوعاً للبرهنة
لذلك أصبحت تسمية ما يحدث في سورية “الأزمة السورية” وليس كما يحلو للدول التي تصنع سياسات العالم أن تصنفها “حرباً أهليةً” كي تتملص من واجبها في دعم الديمقراطية كما تتدعي! نعم، أنها أزمة فاضحة لنظام مستبد شمولي يحكم سورية خلال فترة طويلة بطريقة خلقت إشكاليات أمنية معقدة للسيطرة على حياة أفراد المجتمع السوري بدأت بحدث أو أحداث عديدة. وقد تتالت تلك الأحداث مسببة خسارات أو تغيُّرات حياتية كبيرة، يمكن أن نشبهها بأحداث فجائية، كمعايشة كارثة طبيعية أو حادث جسيم أو عمل إرهابي ضد شعب بكامله. عادة تبدأ الأزمة بمشاكل أكثر ديمومة في العمل أو الوضع الاقتصادي أو الانفصال أو الإصابة بوباء جائح – المصدر “mind.se“. وإنَّ هذه التشخيصات تتوافق مع ما آلت إليه الأوضاع في سورية خلال فترة حكم حافظ الأسد الأب (1970- 2000) ووريثه الابن بشار منذ عام 2000 المسيطر حتى اليوم. ومما زاد الطين بلَّة هو أنَّ الصمت الدولي والأسد شركاءٌ في صناعة الأزمة السورية.
الأزمة السورية تجاهلتها العدالة الدوليَّة
من أهم الأمثلة التي تشهد على ذلك، الحدث الذي جاء في يوم الأربعاء 21/ آب / 2013، حيث تعرضت الغوطة الشرقية، لهجوم كيميائي مروع أثار استنكار شرفاء العالم، وفي ذروة الثورة السورية، كانت هذه المأساة بمثابة فصل مظلم في تاريخ سورية، حيث استخدم نظام الاسد المجرم الأسلحة الكيميائية المتمثلة بغاز الكلور وغاز السارين المحرم دولياً استعمالهما في الحروب كافة، فكيف إن استعملت ضد المدنيين الآمنين.
كانت ساعات الفجر في 21/ آب/ 2013، عندما هبت رياح الموت في الغوطة. هاجم جيش النظام المجرم الغوطة مستخدماً الغازات السامَّة، مما أسفر عن مقتل وجرح الآلاف. وأثبتت التقارير الطبية أن الغازات السامة التي استُخدمت كانا من غازيّ الكلور والسارين، ورغم فداحة الحدث، استمر تغوّل النظام بجرائمه نتيجة الصمت الدولي الذي يعتبر وصمة عار في تاريخ العالم.
لقد كان للمجزرة تأثيراً كارثياً على المدنيين لأنها تركت لذوي الضحايا رضوضاً من الآثار النفسية والجسدية لا يمكن تجاوزها. في الواقع، لم يستهدف هذا الهجوم الكيميائي أفراداً معينين فقط، بل طال كل شخص يعيش في تلك المنطقة بشكل عشوائي، خاصة لكثرة عدد الضحايا من الأطفال والنساء الأبرياء.
اتقان الأسد الفرار من المساءلة الدوليَّة
رغم الدلائل الواضحة على قيام نظام الأسد في هذه الجريمة، إلا أنه حتى تاريخ قريب لم يتم موقف حاسم لمحاسبة الأسد أو أي أحد من أعوانه، غير أنه – ومؤخراً- تم اصدار مذكرة توقيف بحق بشار وماهر واثنان من معاونيهم من قبل الحكومة الفرنسية. ولا يزال الأسد يواصل الفرار من المساءلة الدولية، الأمر الذي أدى إلى ازدياد آلام ذوي الضحايا.
مجزرة الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق تظل بانتظار العالم بأسره للوقوف ضد استخدام الأسلحة الكيميائية والمطالبة بتحقيق العدالة للضحايا. يتعين على المجتمع العالمي كسر الصمت كي لا يكون شريكاً للأسد. وعليه أن يضغط بشكل أكبر لتحقيق المساءلة ووقف الجرائم الوحشية التي تسببت في هجرة الملايين خارج البلاد في سورة، حتى يتسنى للضحايا البقاء والبناء على حياتهم بدون خوف من الهجمات الوحشية.
الصمت الدولي والأسد شريكان
إن صمت المجتمع الدولي إزاء استخدام الأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق، كانت لحظة فارقة في تحول مجريات الثورة السورية. لم يكن الصمت فقط إهمالاً للعدالة، بل كان أيضاً تحفيزاً للنظام السوري بقيادة بشار الأسد للقيام بمزيد من المجازر والانتهاكات ضد الإنسانية.
يجسد الصمت الدولي تشجيعاً غير مباشر على النظام الدموي للاستمرار في ارتكاب مزيد من الجرائم، فعندما يشعر الجناة بأنهم لن يواجهوا عواقب حقيقية على قدَر أفعالهم، يصبحون أكثر عرضة تغولاً واندفاعاً لتكرار تلك الأفعال الوحشية بل والمبالغة فيها، وإن تأثير الصمت لا يقتصر على الجوانب السياسية والأمنية فقط، بل يتعدى إلى تأزيم الأزمة الإنسانية. يساهم صمت المجتمع الدولي بشكل مباشر في تقويض مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. يظهر أن العدالة الدولية قد فشلت في حماية الضحايا وفرض القوانين.
عدم محاسبة الاسد يُفسد السلام والأمن الدوليين
الصمت المتكرر يٌسهم في تشويه صورة الجهود الحثيثة للحفاظ على السلام والأمان في العالم، يمكن أن يؤدي عدم فرض العقوبات المناسبة إلى نقض مبادئ المجتمع الدولي في محاربة الجرائم ضد الإنسانية.
في النهاية، يعكس صمت المجتمع الدولي تحديات حقيقية في التصدي للظلم وتحقيق العدالة الدولية. ولا يمكن تجاهل أنَّ الصمت يُمثل عائقاً أمام تحقيق السلام والأمان في الشرق الأوسط بل وفي العالم بأكمله.