مقدمة: على خطى هوميروس والصعاليك
منذ الأزل، كان المشّاءون يحملون على عاتقهم نقل الحكايات والأساطير بين الشعوب. هوميروس، الشاعر الإغريقي، كان مثالاً لمشّاء يروي أساطير الأبطال والمغامرات. في التراث العربي، لعب الشعراء الصعاليك دوراً كبيراً في نقل الأخبار والحكايات عبر الصحاري والوديان، ينتقلون بين القبائل والأمصار، محملين أشعارهم أفكارهم التي تعكس هموم الناس وتطلعاتهم. كان مشيهم وسيلة للتعبير عن أنفسهم ونقل رؤاهم بهذه الطريقة التي يجسدون بها روح الحرية والتمرّد على الظلم.
وفي أيامنا هذه، ونحن نعيش تحدياتٍ تواجهها الثورة السورية منذ عام 2011، ظهرت شخصيات جديدة تحمل رسالة الثورة إلى العالم بأسلوب مختلف ومبتكر (المشاءون). من بين هؤلاء المشّائين، يبرز اسم “بسام وهبة”، الذي قرر أن يكون مشّاءَ الثورة السورية.
خطىً نحو استعادة الحرية والكرامة
بسام وهبة ليس مشّاءً عادياً، ابن مدينة السويداء في جبل العرب جنوبي سوريا، يستخدم قدميه لنقل حكايات الثورة السورية إلى شعوب العالم. يعبر القفار وينتقل من مدينة إلى أخرى،
يروي قصص السوريين الذين يعانون تحت وطأة الحرب واللجوء. يسير حاملاً على ظهره حكايات الثورة السورية، ليقدمها للعالم بأسلوب فني وإنساني يجمع بين المشي والفن والتصوير. يحمل في قلبه آمال الشعب السوري في الحرية والكرامة، ويسعى لجعل صوتهم مسموعاً في كل بقعة تطأها قدماه على أديم الأرض.
الأهمية الإعلامية
تكمن أهمية هذا العمل في قدرته على لفت انتباه الجماهير ذات الجنسيات المختلفة إلى القضية السورية. فالمشيّ، باعتباره نشاطاً بدنياَ مميزاً ومثيراً، يجذب الأنظار ويسهل التواصل مع الناس في الشوارع والساحات. يلتقي بسام وهبة مع الناس من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية، يروي لهم حكايات الثورة والمعاناة من فقدان السوريين للحرية والعدل والكرامة، ويُشْركُهم في تفاصيل حياة السوريين اليومية.
من خلال مشيه الطويل، الذي يمتد لأيام وأسابيع، يرسم خارطة حيَّة للثورة السورية، يسلط الضوء على جوانبها الإنسانية والمعاناة التي يعيشها الشعب السوري.
هدفه أن يكون مشَّاءً إعلامياً
- تجاوز الحواجز اللغوية: الصور والفيديوهات التي ينشرها بسام تتجاوز الحواجز اللغوية، فهي لغة عالمية يفهمها الجميع، وتصل إلى قلوب الناس مباشرة.
- إضفاء الطابع الإنساني على القضية: يركز بسام على الجانب الإنساني للثورة، يعرض قصص الأفراد العاديين الذين تأثروا بها، مما يجعل القضية أكثر قرباً من الناس.
- كسر روتين الأخبار: يقدم بسام طريقة جديدة لنقل الأخبار، بعيداً عن التقارير التقليدية، مما يثير اهتمام الجمهور ويدفعه للبحث أكثر عن القضية.
- تغيير النظرة النمطية عن السوريين: يظهر بسام صورة إيجابية عن الشعب السوري، كشعب صامد ومبدع، يقاوم الظلم والإرهاب.
- كيف يجذب هذا العمل الجماهير؟
- الجانب البصري الجذاب: الصور والفيديوهات التي ينشرها بسام تتميز بجودتها العالية وتكويناتها الفنية، مما يجعلها جذابة للجمهور.
- القصة الإنسانية المشوقة: يروي بسام قصصاً حقيقية ومؤثرة، مما يثير فضول المتابعين ويدفعهم لمتابعة رحلته.
- التفاعل مع المتابعين: يتفاعل بسام مع متابعيه على وسائل التواصل الإجتماعي، يجيب على أسئلتهم ويشاركهم تفاصيل رحلته، مما يزيد من قوة الترابط بينه وبينهم.
اسقاطات
قصة بسام تذكرنا بشخصيات عربية من السلف، مثل “الشنفرى”، الذي كان يجوب الصحراء بخفة، يحمل قصائده الحماسيَّة وينقلها من قبيلة إلى أخرى. وكذلك “تأبط شراً” كان يشتهر بشجاعته ومغامراته، حيث كانت قصائده تعكس روح التحدي والحرية. هؤلاء الشعراء الصعاليك لم يكونوا فقط شعراء، بل كانوا رواة يحملون أفكارهم إلى كل من يلتقون به.
"بسام وهبة" برع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق رحلاته ومشاركة تجاربه مع متابعيه، مما يزيد من انتشار رسالته ويجعلها تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس. هذا النوع من الإعلام يعتمد على التفاعل المباشر والبسيط، وهو ما يجعل الرسالة تصل إلى القلوب قبل العقول.
الخاتمة
إن المشي لمسافات طويلة ليس مجرد رياضة أو هواية، بل يمكن أن يكون وسيلة قوية لنقل الرسائل الإنسانية والاجتماعية. ندعو كل من يمتلك القدرة على المشي لمسافات طويلة أن ينخرط في هذا النوع من الإعلام المثير والمبتكر. فالمشّاءون يمكنهم أن يكونوا جسوراً تربط بين الشعوب، ينقلون الحكايات والأحلام، ويساهمون في جعل العالم مكاناً أفضل وأكثر فهماً وتسامحاً.
بسام وهبة، مشّاءُ الثورة السورية، مثال حي على كيف يمكن للفرد أن يحدث تغييراً كبيراً بوسائل بسيطة. فلنكن جميعاً مشّائين لحكاياتنا ورسائلنا، ونسعى لجعل العالم يسمع أصواتنا ويشاركنا أحلامنا.