Սիրիայում հայերի ճակատագիրը. Հայաստանի հանդեպ հավերժական կապ և սիրիացիների հանդեպ եղբայրական սեր:
مقدمة
من هم الأرمن في سوريا
لجأ أجدادي الأرمن إلى سوريا عام 1915، حاملين معهم حنيناً مزمناً إلى أرمينيا، إلى مناطقها الجغرافية، أعلامها، وأبطالها. حنينهم هذا، أشبه بجرح مفتوح، رغم بناء حياة جديدة لهم في سوريا، بل زادهم تمسكاً بهويتهم الأرمنية وعشقهم الجديد للأرض السورية. الأرمن في سوريا وجدوا أنفسهم بين هويتين، بين حنين الماضي وأمل المستقبل، بين جذورهم الأرمنية وتعلقهم بأرضهم الجديدة سوريا.
ملحوظة: "باعتباري أرمنية، حرصت في هذا المقال على تقديم رؤية متوازنة عن العلاقة التاريخية بين الأرمن وسوريا. لذلك، استندت بشكل أساسي إلى مصادر سورية، إيماناً مني بأهمية تسليط الضوء على الدور الكبير الذي لعبته سوريا في استقبال الأرمن وتوفير ملاذ آمن لهم. وأود أن أعبر هنا عن شكر الأرمن العميق لسوريا وشعبها على هذا الكرم وحُسن الضيافة."
مشهد الأرمن في حلب كمثال
يرفض كثير من السوريين، وخاصة أهالي مدينة حلب، مجرد التفكير بأن يستيقظوا يوماً ليجدوا دمشق أو حلب خالية من الأرمن، أو أن أشقّاء الروح لن يعودوا ليضيئوا قناديلها.
الأرمن السوريون -في حال عودتهم إلى ربوعهم- سيبنون لهم فيها أحياء جديدة قد يتخذون لها اسم “كسب الجديدة، أو “حلب الشهباء“ أو “دمشق الفيحاء”. -مجدولين كرابيت-
سرديات تاريخية
تاريخ الأمة الأرمنية حافلٌ بأخبار تفاعلهم الحيوي مع باقي الأمم في فترات زمنية قديمة، التي تركت أثراً بارزاً على ثقافتهم المجتمعية المكنونة في وجدانهم حتى يومنا هذا. ومن خلال أخبار أسلاف الأرمن، الذين سلكوا الدروب التي توصلهم بسوريا وخاصة مدينة حلب منذ أكثر من 2300 سنة خلت. لقد قادتهم تلك الدروب نحو الجنوب الشرقي مواكبة ضفاف الفرات والخابور (الجزيرة السورية)، ونحو الجنوب الشرقي حيث مملكة يحماض (حلب والحمدانيين) والأمارات الأوغاريتية الكنعانيين والفينيقيين (اللاذقية) والآراميين (فلسطين) حيث عاصروا ولادة المسيح.
ديانة الأرمن .. أول دولة مسيحية
كان اعتناق أرمينيا الديانة المسيحية بشكل رسمي حدثاً تاريخياً بالغ الأهمية. ففي القرن الرابع الميلادي وتحديداً (301 ميلادي)، أصبحت ديانة الأرمن المسيحية. وأصبحت أول دولة عالمياً تعتمد المسيحية ديناً رسمياً للدولة. وهذا الإعلان كان أسبق من اعتناق روما وبيزنطة للمسيحية الذي حدث بعد عقود.
دور الملك الأبجر الخامس
لعب الملك الأبجر الخامس دوراً بارزاً في هذا السياق. ووفقاً للسرديات التاريخية الأرمنية التي تقول أنَّ الملك الأبجر كان مصاباً بمرض الجذام، وسمع عن يسوع المسيح وأعجابه. أرسل رسالة إلى يسوع يطلب زيارته إلى الرها من أجل الشفاء من الجزام، ولكن يسوع لم يتمكن من زيارته شخصياً. بدلاً من ذلك، أرسل تلميذه القديس بطرس إلى أرمينيا حاملًا معه منديلاً كان يسوع قد مسح به وجهه. عند مسح وجه الملك الأبجر بالمنديل، شُفي من مرضه، وعندها اعتنق المسيحية هو وشعبه.
وهناك سردية أخرى أنَّ الشخص الذي أرسله المسيح كان التلميذ أداي (ثاديوس) جاء فيما بعد إلى الرها وشفى أبجر، وبهذا أصبحت الرها واحدة من أولى العواصم التي اعتنقت المسيحية.
ملاحظة: هذه القصة هي جزء من التراث المسيحي الأرمني، وقد لا يوجد دليل تاريخي (Historical evidence) مباشر عليها، ولكنها تعكس الأهمية التي يوليها الأرمن لهذا الحدث. (الكاتب)
ملوك أرمينيا إبان الفتوحات الإسلامية
عندما وصل الفتح الإسلامي إلى أرمينيا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، كانت هناك مقاومة من قبل بعض الملوك الأرمن. ومع ذلك، تمكن المسلمون من السيطرة على أجزاء كبيرة من أرمينيا.
- عمر بن الخطاب: ساهم في فتح أجزاء من أرمينيا، وفرض الجزية على المسيحيين هناك، مع احترامهم وحرياتهم الدينية.
- عثمان بن عفان: كانت له مساهمة أخرى في فتح أجزاء أوسع من أرمينيا.
- معاوية بن أبي سفيان: وصل المسلمون إلى حدود أرمينيا. لم يكن هناك صراع مباشر في البداية، لكن في عهد معاوية بن أبي سفيان عندما كان والياً على دمشق، اهتمت بتوسيع النفوذ الإسلامي شمالاً، بما في ذلك أرمينيا. وسعى إلى تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة.
فتوحات المسلمين وصلت إلى أرمينيا
تذكر السرديات التاريخية والمرويّات الشفوية العديد من القادة المسلمين الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية في أرمينيا، ومن بينهم:
- عمرو بن العاص: أحد أبرز القادة المسلمين، شارك في الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام ومصر، وقد يكون له دور في الفتوحات في أرمينيا.
- أبو عبيدة بن الجراح: كان قائداً عسكرياً بارزاً في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وشارك في الفتوحات الإسلامية في بلاد الشام والعراق.
- قادة آخرون ورد اسمهم في المرويات التاريخية : بالإضافة إلى القادة الكبار، كان هناك العديد من القادة من صحابة الرسول منهم:
- سلمة بن قيس الأشجعي: كان أحد القادة الذين قادوا حملات ضد البيزنطيين والمناطق المحيطة بأرمينيا خلال فترة عمر بن الخطاب الذي أرسل جيشاً لمحاربة الأكراد عندما رفضوا دخول الإسلام ودفع الجزية وامتد غزوهم إلى مملكة أرمينيا.
- حبيب بن مسلمة الفهري: كان من أبرز القادة العسكريين الذين وصلوا إلى أرمينيا. قاد حملات في القوقاز وأرمينيا وأسس لوجود إسلامي في المنطقة.
- عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي: قاد حملات على أرمينيا خلال فترة عثمان بن عفان.
هذه الفتوحات وضعت الأساس للتأثير الإسلامي العربي في أرمينيا والمناطق المجاورة، مما يعزز القول أنَّ تلك الاحتكاكات شكلت جزءاً أساسياً من هوية أرمينيا التاريخية والحضارية. وقد مرت هذه العلاقة بمراحل متعددة، بدءاً من 2300 سنة خلت، خاصة عند اعتناق المسيحية التي انبثقت في سوريا الكبرى -ومنها فلسطين-، وصولاً إلى العصر الإسلامي والفتوحات الإسلامية. لذلك فإنَّ الأرمن في سوريا -اليوم- هم جزء من نسيج اجتماعي وثقافي في ظاهره بسيط وجليّ الوضوح رغم أنَّ باطنه معقد لأسباب تاريخية تعود إلى قرون عديدة خلت.
لمعرفة المزيد من التفاصيل التاريخية، يمكن الاطلاع على الوثائق التي نشرتها "دار الوثائق الرقمية التاريخية"، ومنها فيديو محاضرة ألقاها المحامي علاء السيد بتاريخ 25-3-2022 بعنوان "العمق التاريخي للأرمن في حلب وأثر الإبادة" (موجود في ذيل المقال)
تاريخ الأرمن في سوريا عقب المجازر العثمانية
وفقاً للمؤرخ الأرمني “رافائيل ليمكين“، الذي صاغ مصطلح “الإبادة الجماعية”، كانت مذابح الأرمن جزءاً من خطة ممنهجة للقضاء على وجودهم في الإمبراطورية العثمانية حيث يقول:
“ما حدث للأرمن لم يكن مجرد قتل جماعي، بل كان محاولة للقضاء على أمة بأكملها”.
كانت سوريا – الجزء الحيوي من بلاد الشام- منطقة متكاملة ذات نسيج اجتماعي متنوع، حيث اختار ها الأرمن كدولة مضيفة لهم كي يعيشوا جنباً إلى جنب مع السوريين من العرب، الكرد، واليهود. كانت تمارس فيها الديانات الثلاث دون تمييز. وجد الأرمن فيها ما هو مناسباً لكنائسهم ومدارسهم. وخلال زمن قصير اندمجوا في المجتمع السوري، ولعبوا دوراً بارزاً في الاقتصاد المحلي بفضل حرفهم ومهاراتهم التجارية.
ومن الجدير بالذكر ، أنَّ مدينة حلب كانت المفضلة لأغلبيتهم لأن الكثير من العائلات الأرمنية كانت تعيش فيها قبل الإبادة الجماعية، وتنفيذ حملات تطهير عرقي ضد الأرمن.
أهالي حلب يستقبلون الأرمن ويتسترون على وجودهم
عند وصول الأرمن إلى حلب، كانت المدينة تمر بفترة من الازدهار التجاري والثقافي. ورغم ذلك، كانت الاستضافة تحدياً كبيراً لأهالي حلب نظراً للأعداد الكبيرة من الأرمن الذين فروا من المذابح. إلا أن الحلبية أظهروا كرماً واستعداداً لمساعدة الناجين. حيث فتحوا منازلهم وقدموا الدعم لهم. الحفاوة التي قوبل بها الأرمن في حلب سمحت للضيوف الأرمن بإعادة بناء حياتهم. في البداية، عاشوا في ظروف صعبة، لكنهم استطاعوا التكيف تدريجياً، وقاموا بإنشاء مدارسهم وكنائسهم، مثل كنيسة الأربعين شهيداً في حي الجميليّة، التي أصبحت رمزاً لصمودهم، إلا أن الحلبية أظهروا كرماً واستعداداً لمساعدة الناجين، حيث فتحوا منازلهم وقدموا الدعم لهم.
وهكذا وجد الأرمن في حلب ملاذاً آمناً. كانت المدينة في ذلك الوقت مركزاً للتجارة والثقافة، ومعروفة بتسامحها الديني والعرقي. أرمنيو حلب نقلوا شكرهم وامتنانهم للشعب السوري من خلال الأدب والفن، حيث كتب المؤرخ الأرمني كرنيك ساركسيان في مذكراته:
"لقد قدم لنا أهل حلب ليس فقط الأمان، بل أيضاً كرامة العيش بعد أن فقدنا كل شيء".
اقتباسات من المهاجرين الأوائل الين رووا قصصاً عن لحظات الوصول إلى حلب، وكيف شعروا بالأمان بعد رحلاتهم الشاقة:
إحدى الناجيات الأرمنيات قالت:
"عندما عبرنا الحدود ووصلنا إلى حلب، كنا منهكين وخائفين من أن يتبعنا الجنود العثمانيون. لكن سكان حلب فتحوا لنا بيوتهم دون تردد. أحد الرجال الحلبيين أخفانا في منزله لأيام، وأعطانا الطعام والملابس. لم نكن نعرف ما إذا كنا سننجو، لكن دفء استقباله جعلنا نشعر بأننا وصلنا إلى مكان آمن أخيراً."
شهادة أخرى من ناجٍ أرمني:
"لم يكن لدينا أي شيء عندما وصلنا إلى سوريا. كانت قلوبنا مثقلة بالخوف والحزن. لكن السوريين قدموا لنا أكثر مما كنا نتوقع. لقد أظهروا لنا رحمة لا يمكن وصفها بالكلمات. في أحد الأيام، جاء رجل سوري إلى مخيمنا وجلب لنا طعاماً، وقال: 'أنتم الآن بين أهلكم. لا تخافوا.' هذه الكلمات أعطتنا الأمل في أن نبدأ من جديد."
واحدة من الشهادات الصادقة:
"عندما وطأت أقدامنا أرض حلب، شعرنا وكأننا وصلنا إلى بر الأمان. لقد كان الاستقبال الحار من أهل حلب بمثابة بلسم لجراحنا."
الأرمن في حلب: إحصائيات واندماجهم المجتمعي والاقتصادي
يشكل عدد الأرمن في سوريا قبل أحداث الثورة السورية تقدر بــــ 190,000. أما عدد الأرمن المتبقين في سوريا قدرته المؤسسات الأرمنية في سوريا حوالي 35 ألف طفل متبقين، استناداً إلى تقديرات تقريبية، بما في ذلك طريقة تضاعف عدد الطلاب المسجلين في مدارس الأقلية الأرمنية بمقدار 3 أو 4، لأن القاصرين لن يشكلوا سوى حوالي 25-30% من الهرم العمري. ولا يوجد أي إحصائية دقيقة “نسبة الأرمن في سوريا” بشكل عام.
الأرمن لم يتأخروا عن الاندماج في المجتمع الحلبي، حيث قاموا بتأسيس مجتمعات صغيرة ونظموا أنفسهم في أحياء محددة داخل المدينة، مثل حي الميدان وحي السليمانية، والتي أصبحت فيما بعد مراكز للحياة الأرمنية في حلب.
ومع مرور الزمن، نما عدد الأرمن في حلب ليصل إلى ما يقارب 100,000 نسمة، مما جعل حلب واحدة من أكبر مراكز التجمع الأرمني خارج أرمينيا. اندمج الأرمن بسرعة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، حيث لعبوا دوراً مهماً في مجالات التجارة والصناعة والحرف التقليدية.
تمسك الأرمن بتقاليدهم ولغتهم في حلب
- التقاليد والزواج
الأرمن في حلب كانوا متمسكين بتقاليدهم وعاداتهم، خاصة فيما يتعلق بالزواج. كانت العائلات الأرمنية تُولي أهمية كبيرة للحفاظ على نقاء العرق الأرمني، حيث كان الزواج يتم عادةً داخل الجالية الأرمنية. هذا التوجه لم يكن فقط للحفاظ على الهوية الثقافية والدينية، بل كان أيضاً وسيلة للتأكيد على الانتماء إلى المجتمع الأرمني وتقوية الروابط الداخلية. هذه التقاليد لم تكن مجرد ممارسات اجتماعية، بل كانت رمزاً للتماسك الاجتماعي والتشبث بالهوية الوطنية في ظل الظروف الصعبة.
- اللغة والتعليم
إلى جانب التمسك بالعادات الاجتماعية، حافظ الأرمن في حلب على لغتهم الأم من خلال افتتاح مدارس خاصة بهم. كانت هذه المدارس تُدرس اللغة الأرمنية إلى جانب المناهج الدراسية العادية، مما ساهم في الحفاظ على اللغة والثقافة الأرمنية عبر الأجيال. التعليم كان يُعتبر أداة رئيسية للحفاظ على الهوية الأرمنية، وكان من المهم للأرمن أن يتعلم أبناؤهم لغتهم وتاريخهم وثقافتهم. كان افتتاح هذه المدارس جزءاً من جهود الجالية الأرمنية للحفاظ على تراثها الثقافي وسط مجتمع أكبر يتحدث العربية. ومن خلال هذه المدارس، استطاع الأرمن نقل لغتهم وثقافتهم إلى الأجيال الشابة، ما أسهم في الحفاظ على الهوية الأرمنية حتى في بيئة متعددة الثقافات مثل حلب.
- التكيف مع أخلاقيات الحلبيين
على الرغم من التمسك بتقاليدهم الخاصة، كان الأرمن في حلب ملتزمين بأخلاقيات المجتمع الحلبي. كانوا معروفين باندماجهم السلس في الحياة اليومية في حلب، مع احترامهم للعادات والتقاليد واحترام الجيران والمشاركة في المناسبات الاجتماعية والدينية. هذا التوازن بين الحفاظ على هويتهم الخاصة والاندماج في المجتمع الأكبر كان عاملاً رئيساً في نجاحهم في سوريا.
بصمات أرمنية في الاقتصاد والتجارة
مع استقرارهم في حلب، بدأ الأرمن -تدريجياً- بالمساهمة بشكل فعال في الاقتصاد المحلي. كانت حلب معروفة بصناعَاتها التقليدية. وبرهن الأرمن أنهم حرفيون متميزون في صناعات مثل النسيج والصناعات الميكانيكية والحرف اليدوية بأنواعها المختلفة. لم يقتصر نشاطهم على الصناعات فقط، بل امتد أيضاً إلى تعزيز الروح التجارية في حلب. من خلال تطويرهم للصناعات المحلية وفتح أسواق جديدة، ساهموا في تنشيط الحركة التجارية وتوسيع شبكة التصدير إلى الخارج. نتيجة لذلك، أصبحت حلب مركزاً تجارياً هاماً، يلعب دوراً محورياً في الاقتصاد السوري ككل.
بهذا التأثير المتعدد، ساهم الأرمن بشكل مباشر في تشكيل الطابع الصناعي لحلب، وجعلوا من المدينة واحدة من أهم المراكز الاقتصادية في سوريا، وذلك بفضل مهاراتهم، وروحهم الابتكارية، وحرصهم على تطوير كل مجال دخلوه.
- مجال الطباعة والنشر
اشتهر الأرمن بأنهم أصحاب معرفة جيدة في مجال الطباعة والنشر. كانوا من أوائل من أدخلوا مطابع الحروف إلى المدينة، وساهموا في نشر الثقافة والمعرفة. هاكوب كوجيان، أحد الرواد الأرمن في الطباعة، قال في تصريح له:
“الكتاب كان سلاحنا في مواجهة الجهل، وأردنا أن نشارك هذا السلاح مع السوريين”.
- الصناعات النسيجية
عند وصول الأرمن إلى حلب، جلبوا معهم تقنيات وحرفاً تقليدية كانت متقدمة في وقتها، وأحد أبرز المجالات التي تأثر بها الاقتصاد الحلبي كان صناعة النسيج. الأرمن، الذين كانوا مشهورين بمهاراتهم في حياكة الأقمشة، ساهموا بشكل كبير في تطوير صناعة النسيج في حلب. أدخلوا تقنيات جديدة وأساليب حياكة مبتكرة، مما جعل من حلب مركزاً رئيسياً لصناعة الأقمشة في المنطقة. ومن الشواهد على ذلك، سيرة الحرفي الأرمني كيراكوس مانويليان، الذي كان يعمل في صناعة السجاد، حيث لعب دوراً كبيراً في إحياء هذه الصناعة -التي كانت شبه متهالكة في أواخر الحكم العثماني-. صرح في أحد لقاءاته:
“الصناعة في حلب كانت تحتضر، لكن بفضل مهاراتنا وتجاربنا الطويلة، استطعنا أن نعيد الحياة إليها”.
لم يكن دورهم مقتصراً على الإنتاج فقط، بل شمل أيضاً تشغيل الآلات وتحديثها. استخدموا آلات النسيج الحديثة، وساهموا في نشر تلك التكنولوجيا بين الصناعيين المحليين. هذه الآلات كانت عاملاً مهماً في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات، مما جعل الأقمشة الحلبية تنافس على مستوى عالمي.
- صناعة الحلويات
جانب آخر تأثر بوجود الأرمن في حلب هو صناعة الحلويات. أدخل الأرمن العديد من الوصفات والتقنيات التي أصبحت فيما بعد جزءاً من التراث الحلبي. ساهموا في تطوير صناعة الحلويات الشرقية بشكل خاص، وأدخلوا تقنيات جديدة لتحسين الإنتاج وزيادة جودته. بمرور الوقت، أصبحت حلب معروفة بإنتاج بعض من أفضل الحلويات والأطعمة (البسطرمة والسجق واللحوم المقددة) في الشرق الأوسط، والفضل في ذلك يعود جزئياً إلى الجهود الأرمنية.
- صناعة المجوهرات والمعادن
عُرف الأرمن بحرفيتهم العالية في صناعة المجوهرات والعمل بالمعادن الثمينة. قاموا بتأسيس ورشات لصياغة الذهب والفضة، مما أسهم في تعزيز سمعة المدينة كمركز لصناعة المجوهرات. كانت مهاراتهم في هذا المجال محطّ تقدير واسع، وساهموا في تدريب جيل جديد من الصاغة السوريين، مما عزز من استمرارية هذه الصناعة في المدينة.
- التأثير على الهيكلة الصناعية
بفضل المهارات التي جلبها الأرمن، تطورت حلب لتصبح مركزاً صناعياً رئيسياً في سوريا. ولم يكتفوا بتقديم خبراتهم بل ساهموا أيضاً في نقل تلك الخبرات إلى المجتمع الحلبي، مما أدى إلى تحسين الكفاءة الصناعية وزيادة الإنتاج. كما أن تفانيهم في العمل وإصرارهم على تحسين جودة المنتجات الحلبية أسهم في رفع معايير الصناعة في المدينة بشكل عام.
التحديات السياسية للأرمن بعد الثورة السورية
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وجد الأرمن أنفسهم في موقف صعب. كانت لهم علاقة تاريخية مع النظام السوري، الذي كان يُنظر إليه على أنه حامٍ للأقليات. هذا الوضع المعقد والمزيف جعل البعض منهم يلتزم الحياد أو يدعم النظام خوفاً من تداعيات أي تغيير سياسي. يقول الباحث هرانت ماركاريان:
“الأرمن لم يكونوا يريدون أن يكرروا تجربة الشتات مرة أخرى، ولذلك فضلوا عدم الانخراط في الصراع بشكل مباشر”.
ومع تصاعد العنف، تعرضت العديد من الأحياء الأرمنية في حلب للقصف والدمار. كنيسة الأربعين شهيداً، التي كانت رمزاً لصمودهم، تضررت بشكل كبير. هذا الدمار جعل الكثير من الأرمن يعيدون التفكير في مستقبلهم في سوريا.
بدء الهجرة العكسية وتأثيرها على حلب
بعد الثورة، بدأت موجة هجرة عكسية للأرمن نحو أرمينيا ودول أخرى. هذه الهجرة كانت مدفوعة بالخوف من انعدام الأمان وتدهور الظروف الاقتصادية. كارولين مارديروسيان، إحدى الأرمنيات اللاتي غادرن حلب إلى أرمينيا، قالت في مقابلة:
“لم يكن القرار سهلاً. لكن بين البقاء في مدينة تحترق وبين البحث عن مستقبل آمن لأطفالي، اخترت الرحيل”.
واقتباس آخر حول الهجرة المعاكسة
“العودة إلى أرمينيا كانت حلماً قديماً، لكنَّ ترك حلب كان أمراً صعباً للغاية. لقد كانت المدينة التي احتضنتنا عندما كنا بلا مأوى، ولا يمكننا نسيان ذلك.”
هذه الهجرة العكسية أثرت بشكل كبير على التركيبة الديموغرافية لحلب. عدد الأرمن في المدينة انخفض بشكل كبير، مما جعل من الصعب الحفاظ على المؤسسات الاجتماعية والدينية التي أنشأوها. هذا التراجع في أعداد الأرمن ترك فراغاً في المدينة، حيث كان لهم دور كبير في الحياة الثقافية والاقتصادية.
خاتمة
رغم كل التحديات والمآسي التي واجهها الأرمن في سوريا، إلا أنهم ظلوا جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البلاد. حنينهم المستمر لأرمينيا لم يمنعهم من الإسهام في بناء سوريا، وترك بصمة واضحة في كل مناحي الحياة. قصتهم هي قصة صمود، إصرار، وقدرة على التكيف والازدهار رغم كل الصعوبات. مستقبل الأرمن في سوريا قد يكون غير مؤكد، لكن إرثهم سيظل حياً في ذاكرة البلاد التي احتضنتهم وكانوا وفين لها. و يبقى الأمل في أن يظل الأرمن جزءاً من النسيج السوري، وأن يستمروا في لعب دورهم في بناء مستقبل مشترك في بلد لطالما كان ملاذاً لهم ولغيرهم من الناجين من الحروب والمجازر.
Հույս կա, որ հայերը կշարունակեն լինել Սիրիայի հասարակության անբաժանելի մասը և կմասնակցեն Սիրիայի՝ որպես պատերազմներից ու ցեղասպանություններից
փրկվածների ապաստանի, կառուցման գործին
"Մաղդալին Կրապիտ"