مقدمة
منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، دخلت البلاد في مسار دموي ومعقد، تسببت فيه قوى محلية وإقليمية ودولية. الحرب لا تزال مستمرة، والنظام السوري، مدعوماً من روسيا وإيران، يواصل تدمير سوريا وسحق السوريين.
في هذه البيئة، تزداد تحديات المعارضة السورية في توحيد صفوفها وتبني استراتيجيات فعالة للوصول إلى أهدافها في التغيير السياسي. من هنا، تبقى مسألة توحيد المعارضة السورية، سواء على مستوى الفصائل العسكرية أو السياسية أو المدنية، ضرورة ملحة.
في السنوات الطويلة الأخيرة، تعيش المعارضة السورية حالة من التشرذم الداخلي، تهيمن عليها الانقسامات العسكرية والسياسية، مما جعل تأثيرها على الساحة الدولية محدوداً، وأدى إلى فشلها في تقديم بديل سياسي موحد يوافق تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة.
ومع انعدام الآفاق السياسية بسبب تَعقد الصراع وتعدد أطرافه، والأهم من ذلك غياب الرغبة الدولية، تظل هناك فرص عديدة للعمل والتغيير إن تم استغلالها بعناية، ولا بد من العمل عليها والمحاولة.
توحيد الفصائل العسكرية والسياسية: ضرورة بناء تنسيق حقيقي
تستمر الفرقة داخل صفوف المعارضة السورية بين مختلف الفصائل، سواء العسكرية أو السياسية. فقد كشفت العديد من التقارير الميدانية والدراسات الاستراتيجية أنه على الرغم من بعض محاولات التنسيق بين الفصائل العسكرية المستمرة من وقت لآخر، إلا أن التنسيق العملي والتكتيكي بين هذه الفصائل ما يزال محدوداً جداً، وفي معظم الحالات لا يتجاوز التنسيق العمليات العسكرية في جبهات معينة ولفترات مؤقتة.
أما على الصعيد السياسي، فتواجه المعارضة السورية تحديات كبيرة بسبب التباين الداخلي بين فصائلها السياسية، وهو ما يعكس استقطاباً عميقاً بين القوى المختلفة. وفي الوقت نفسه، يتم تعزيزه من خلال التدخلات الإقليمية التي تسعى كل دولة فيها إلى فرض نفوذها ودعم الفصائل أو التيارات المتوافقة مع مصالحها.
في هذا السياق، لا بد أن تبدأ المعارضة بوضع استراتيجية لتوحيد الصفوف، تبدأ أولاً بإعادة هيكلة المؤسسات السياسية. يجب أن يتم هذا التحول من خلال عملية إصلاح سياسي داخلي تهدف إلى تقليص النفوذ الخارجي الفائض داخل المؤسسات المعارضة، مع ضمان مساحة أكبر للأصوات المحلية المستقلة والفعاليات المدنية التي تستطيع تمثيل السوريين بشكل حقيقي.
أما بالنسبة للفصائل العسكرية، فيجب أن يتم العمل على تمكين وزارة الدفاع وتفعيلها كونها الجامع الرئيس المنظم، بحيث تمارس صلاحياتها كاملة، وتضم الفصائل بشكل فعلي وحقيقي. يجب أن يتم ذلك عبر تنسيق استراتيجي محكم بغية خلق قوة عسكرية موحدة قادرة على توجيه ضغوط ميدانية مؤثرة على النظام السوري.
يجب على المعارضة أن تسعى لتطوير آلية ضغط دبلوماسي على تركيا ودول الخليج لزيادة تفعيل الضغط على النظام السوري وإيقاف عمليات التطبيع المجاني ومحاولات إعادة تعويم النظام.
تطوير مشروع سياسي موحد ضرورة قصوى
في ظل غياب مشروع سياسي شامل يتوافق مع رؤى كل المجتمع السوري، تزداد عزلة المعارضة عن الجماهير استمرار حراكها خلال 14 عاماً. محاولين تعزيز التواصل والتفاعل مع الشارع السوري لضمان عدم الانقطاع، والعمل على تجاوز سلبيات غياب الوحدة السياسية أو بعض الخلافات بين أجهزتها.
وفقاً لتقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة (2022)، فإن “76% من السوريين في مناطق المعارضة لا يثقون في القوى السياسية المعارضة القائمة، نتيجة غياب الشفافية والتخبط في المواقف السياسية”.
إذا هبت الريح.. اغتنمها
اليوم، تطل علينا فرصة جديدة فيها فسحة من الأمل طرأت نتيجة توازنات دولية جدية، يمكن أن نستلهم منها تطوير استراتيجية تمكين السوريين لإعادة صياغة رؤية سياسية موحدة تكون أكثر واقعيَّة وموائمة لقوى المعارضة السورية، وخاصة إذا تمَّ مشاركة المجتمع المدني في فهم مصطاح “العيش المشترك” بدقة للتركيز على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية من خلال مشاركة أوسع للفاعلين السوريين في صناعة مستقبلهم.
آليات الضغط على القوى الدولية لتجنب سياسة الازدواجية
لطالما أنَّ السياسة الدولية تجاه سوريا تسببت في خلق ظروف شديدة التعقيد، يتوجب على قوى المعارضة التعامل بذكاء حيال تنافس القوى الكبرى على مصالحها في سوريا. فإنَّ استمرارهم في دعم النظام السوري هو المتسبب الأول في صياغة حلول سياسية غير جذرية، يمكن وصفها بأنها (جدليَّة). ومثال ذلك حدث في عام 2022، عندما شهدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعض التقلبات في سياساتهما، مثل الانفتاح -الجزئي- على النظام السوري وتجاهل العديد من التحولات الإقليمية والعلاقات العربية التطبيعية مع النظام.
مسالك الإنتصار
إن الطريق نحو توحيد المعارضة السورية وتحقيق حل سياسي مستدام يتطلب جهداً مستمراً واستراتيجية مرنة تراعي الظروف المحلية والدولية المتغيرة.اليوم، حيث يتوجب على قوى المعارضة أن تتحد كي تتبنى العمل على إيجاد فرص للتأثير على المجتمع الدولي من خلال زيادة الضغط وتعزيز التواصل. حيث يتعين على المعارضة السورية زيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي لتغيير سياساته، خصوصاً فيما يتعلق بدعمه نظام الأسد، والتأكيد على ضرورة إعادة تفعيل مسار الحل السياسي وعدم السماح أو القبول بعمليات التطبيع مع النظام أو إعادة التواصل معه.
كما يجب علينا التحرك على مستوى دول الجوار كي يستنبطون آلية ضغط دبلوماسي على تركيا ودول الخليج لزيادة تفعيل الضغط على النظام السوري من خلال إجراءات مناسبة مثل تشديد العقوبات الاقتصادية على النظام مترافقاً إحداث مشاريع اقتصادية تعزز الاستقرار في المناطق المحررة، وإيقاف عمليات التطبيع المجاني ومحاولات إعادة تعويم النظام.
إن الطريق نحو توحيد المعارضة السورية وتحقيق حل سياسي مستدام يتطلب جهداً مستمراً واستراتيجية مَرنة تراعي الظروف المحلية والدولية المتغيرة.
ضرورة التنمية المحلية وتحسين الأوضاع الإنسانية
في ظل تعثر المسار السياسي، تبقى الحاجة ملحة كي يتمّ تحسين الظروف الإنسانية في مناطق المعارضة لكونها ضرورة ذات أولوية.
وفقاً لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) لعام 2023، يعاني 6.7 ملايين سوري من النزوح الداخلي، بالإضافة إلى معاناة 13 مليون سوري من نقص في المواد الغذائية الأساسية.
فرص التنمية المستدامة:
- تنمية اقتصادية محلية: في مناطق الشمال السوري وإدلب، يمكن العمل على مشاريع تنموية صغيرة وتعزيز عمل صندوق الائتمان، وتوسيع المشاريع التي يمكن أن يشملها تمويله، لتحسين الأوضاع الاقتصادية. يجب أن تُرّكز هذه المشاريع على الزراعة والبنية التحتية المحلية والتعليم الذي حُرمت منه أجيل الثورة السورية. كما يجب توفير فرص العمل وتحقيق مستوى معقول من الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
- دعم مشروعات إعادة الإعمار: على الرغم من الظروف الصعبة، هناك فرص لتعزيز الدعم الدولي في مشاريع إعادة الإعمار الصغيرة والمتوسطة، التي يمكن أن تساعد في تحسين مستوى معيشة المدنيين، وتعمل على إعادة بناء الثقة بين السكان المحليين وأجهزة المعارضة والمجتمع الدولي.
التمسك بالعدالة الانتقالية ضرورة ذات أولوية
تظل العدالة الانتقالية واحدة من أبرز النقاط التي يجب على المعارضة السورية التركيز عليها والتمسك بها لضمان حقوق الضحايا والمطالبة بالمحاسبة القانونية الصارمة، كونها حجر الزاوية لأي عملية تحول سياسي في “اليوم التالي” عقب انتهاء الأزمة السورية. كما يمكن تحقيق العدالة في سوريا التي يمكن فرضها من خلال المحاكم الدولية أو المحلية أو آليات غير قضائية مثل التحقيقات المستقلة والتوثيق. ومن آليات تحقيق العدالة الانتقالية:
- إنشاء محاكم دولية مختصَّة: تشكيل محكمة خاصة بسوريا تحت إشراف الأمم المتحدة أو بموافقة مجلس الأمن، لمحاسبة المسؤولين السوريين عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
- تعزيز عمل لجان التحقيق المستقلة: تمكين عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان منذ العام 2011.
- آلية شاملة للتوثيق: تعزيز قاعدة البيانات الموثوقة، تتيح توثيق جميع الانتهاكات التي وقعت خلال النزاع بشكل منهجي أوسع.
- آليات العدالة الاجتماعية: تشمل تقديم تعويضات للضحايا من خلال صندوق دولي يديره المجتمع الدولي، وإعادة التأهيل النفسي للضحايا. كما يتوجب إحداث قوانين خاصة لتوفير مراكز ومدارس نموذجيّة للتعليم لسد العطب الحاصل بالنسبة للأجيال التي حُرمت من متابعة التعليم بسبب النزوح الداخلي واللجوء القسري.
خلاصة القول
وحدة المعارضة يتطلب استراتيجية مرنة هي مفتاح الانتصار لأنَّ توحيد المعارضة السورية وتحقيق حل سياسي مستدام يتطلب جهداً دؤوباً مستمراً، واستراتيجية مرنة تراعي الظروف المحلية والدولية المتغيرة. لا بد أن تعمل المعارضة على إعادة ترتيب أوراقها، وتحسين التنسيق الداخلي فيما بينها، وتعزيز التواصل مع القوى الدولية وإيجاد المصالح المشتركة معها والبناء عليها، والعمل الجاد على تحسين الأوضاع الإنسانية والحوكمة المؤسساتية في سوريا.
“التجمع الوطني السوري” يستبشر خيراً إنْ نجحت المحاولات الجارية -اليوم- لعقد مؤتمر وطني جامع للإنقاذ الذي يساهم في إنجازه.