عيد الفطر 2025: فرحة النصر وتحديات البناء
مع إشراقة شمس عيد الفطر السعيد لعام 2025، تتجدد في القلوب مشاعر الفرح والسكينة، وترتفع أكف الضراعة إلى السماء حمداً وشكراً على نعم لا تُعدّ، أعظمها نعمة الأمان بعد سنوات عجاف من الألم والخوف والضياع.
فكل عام وأنتم بخير، وكل عام والأمة الإسلامية بخير، وكل عام والسوريون بخير… أولئك الذين تنفّسوا اليوم نسيم الحرية، وبدأوا يقطفون ثمار ثورة امتدت لسنوات، وها هي أخيرًا تُتوَّج بانتصار الحق على الظلم، وسقوط نظام الأسد الذي جثم على صدورهم لعقود.
عيد بنكهة خاصة وظروف استثنائية
يأتي العيد هذا العام بطعم مختلف… بنكهة الكرامة التي استعادت بريقها، وبأمل جديد يُزهر في أرجاء المدن والقرى السورية، حيث تعود الحياة لتنبض، وتُبنى البيوت من جديد، وتُزرع الحقول لا بالغصص، بل بالأمل.
لكن، وفي خضم هذه اللحظات المضيئة، تبقى التحديات حاضرة، بل وملحّة، تفرض على السوريين وعياً استثنائياً ويقظة وطنية عالية. إعادة بناء سوريا الجديدة لا تقتصر على ترميم الحجر، بل تشمل إعادة لحمة المجتمع، وتحقيق العدالة، وحماية السيادة الوطنية من محاولات الاستفراد بها وتقاسمها بين الطامعين.
فمن الجولان المحتل الذي تتسارع فيه وتيرة التوسع الإسرائيلي تحت غطاء الصمت الدولي، إلى الشمال السوري حيث تتكرر محاولات تركيا لفرض مناطق نفوذ دائمة تحت ذريعة “تأمين حدودها من الأكراد“، وصولاً إلى الوجود العسكري الأمريكي في مناطق النفط والغاز شرق البلاد دون أي غطاء قانوني أو شرعي… كلها ملامح لوضع إقليمي متشابك، يهدد بتمزيق الجغرافيا السورية، ويضع الثورة السورية أمام اختبار جديد: اختبار الحفاظ على المكتسبات ومنع سرقتها تحت شعارات المصالح الاستراتيجية.
جروح لم تبرأ بعد
ورغم أجواء الفرح، يبقى للذاكرة أثر لا يُمحى… ذكرى الأحبة الذين سبقونا، أولئك الذين ضحّوا بأنفسهم لتشرق شمس هذا اليوم. وفي تأمل صادق ومؤثر أقول:
"مدة الحياة الدنيا ليست طويلة... فما هي إلا رفة عين"
ولكنَّ للأيام نواميس ربانية "(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن) سورة الرحمن - الآية 29
في مناسبة عيد الفطر يتبادل الناس التهاني والتبريكات، وبدوي، أحببت أن أرسل لأصدقائي تهنئة العيد عبر تطبيق الواتساب. وما إن بدأت بكتابة حرف "S" بحثاً عن أسمائهم، حتى ظهرت لي خمسة أسماء من الراحلين، الذين اختطفهم الموت تباعاً، وبقيت أسماؤهم خالدة في قائمة الاتصال. ثلاثة منهم تركوا لنا صوراً جميلة بجانب أسمائهم، تحمل رموزاً للثورة السورية التي آمنوا بها حتى الشهادة.
لقد مضوا شهداء في خضم وحشية النظام، ولكن أرواحهم تحلق اليوم في مراتب الشرف، وكأنهم يحتفلون بعيد النصر من عليائهم.
الرحمة لهم، ولكل من سبقنا، وعسى أن نُكمل نحن الباقين الطريق بكرامة، ونحتفل بعيدنا ونحن نرفل بنعمة البقاء، نعيش فرحة النصر، ونمضي نحو مستقبلٍ أفضل."
إذا هبت رياحك فاغتنمها
اليوم، أمام السوريين فرصة ذهبية لا يجب التفريط بها، لإعادة صياغة العقد الاجتماعي، وبناء وطن يتسع للجميع دون إقصاء أو انتقام. غير أن هذه المهمة تستلزم وعياً عميقاً بأن السلم الأهلي والتعايش المشترك هما حجر الأساس لأي نهضة مرتقبة. لا بد من العودة إلى القيم التي عاشها السوريون قبل عقود الاستبداد — حين كانت سوريا عنواناً للتعددية، وموطناً لمجتمع متماسك رغم تنوعه.
وختاماً، نناشد أبناء سوريا في كل مكان: لا تتركوا ثورتكم تُجهض بعد أن وصلت إلى عتبة النصر. اغتنموا لحظة السلام التي صنعها دم الشهداء، وتكاتفوا من أجل سيادة سوريا كاملة غير منقوصة. ابنوا وطناً جديداً يليق بتضحياتكم، وكونوا على قدر الأمل.
عيدُ فطرٍ سعيدٍ، وعاشت سوريا متألقة بسيادتها الأبيّة.