مقدمة: بلدٌ على حافة التحوّل
منذ أكثر من عقد، ما تزال سوريا تتخبّط بين ركام الحروب والانقسامات، تتجرّع ويلات التدخلات الخارجية وتآكل الدولة، وتُكابد أوجاع انهيار اقتصادي جعل الغالبية العظمى من شعبها تحت خط الفقر. ومع مفاجأة انتصار الثورة في 29 كانون الأول 2024، بدا أن صفحة جديدة قد تُفتَح، لكن دون أن تُكتمل كتابة أهم سطورها بعد، ألا وهو (الاقتصاد الوطني)
فهل نترك سطور المستقبل تُكتب بأيادٍ غير سورية؟ أم نحمل القلم ونرسم معالم دولة تنبعث من بين الركام على أسس العدالة والسيادة والإنتاج الحقيقي؟
وكما يقول المثل الشائع:
“ما دام القلم بيدِ عبد الله، لا يكتب اسمه في قائمة الأشقياء”
فقر ممنهج لا فقر حرب فقط
لم يعد الفقر في سوريا مجرد أثر مباشر للحرب، بل تحوّل إلى عرض دائم لمرض إداري واقتصادي مزمن مثقلاً بالفساد. فما قيمة إصلاحات تُعلن على الورق إذا كانت الهوة تتسع يوماً بعد يوم بين قلة تنعم باقتصاد الظل وكثرة تبحث عن لقمة تسدّ رمقها؟
“في وطنٍ تُسعّر فيه البطاطا بالدولار وتُنهك فيه الكرامة بلقمة الخبز، تصبح الثورة الاقتصادية فرض عين.” – عامر عبد الله
فرص قادمة… لكن لمن تُمنح؟
الانفتاح الخليجي والعربي الأخير يحمل بوادر أمل، لكنّ التجربة الإقليمية تُحذّرنا: رأس المال الأجنبي لا يبني وطناً إن لم يكن جزءاً من عقد اجتماعي جديد، يُشرك المواطنين لا يُقصيهم، وينمّي المهارات لا يستوردها.
“الاستثمار ليس إعانة إنسانية، بل شراكة سيادية، ومن يفرّط بها يُكرّس التبعية لا التنمية.” – مبدأ اقتصادي معتمد
سَوْرنةُ الإعمار: من خطاب وطني إلى ضرورة بنيوية
الحديث عن “سَوْرنةُ الإعمار” يجب أن يتجاوز الشعارات إلى سياسات ملموسة. تجارب كثيرة في العالم علّمتنا أن بناء الأوطان لا يُستورد، بل يُنتج محلياً:
- ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أطلقت خطة “مارشال” بشروط صارمة: كل دولار يُستثمر يقابله برنامج محلي لتأهيل اليد العاملة وتحديث البنية الصناعية. وكانت النتيجة معجزة اقتصادية.
- رواندا بعد المجازر الجماعية، تبنّت سياسة “الاعتماد على الذات” عبر إلزام الشركات الأجنبية بتوظيف 80% من اليد المحلية، فنهضت في أقل من عقد.
- فيتنام بعد الحرب، أنشأت برنامجاً لتمكين الشركات المحلية من الدخول في شراكات إلزامية مع المستثمرين الأجانب، مما نقل التقنية والمعرفة وساهم في نمو صادراتها.
“ما من تجربة ناجحة لبناء اقتصاد بعد الحرب إلا وكان فيها الشعب هو البطل، لا المتفرّج.” – عامر عبد الله

عودة العقول أولاً: الكفاءات السورية قوة لا يجوز إهدارها
من دون كفاءات سورية تعود وتشارك، فإن أي خطة إعادة إعمار ستظل ناقصة. ملايين السوريين من ذوي التخصصات الدقيقة يعملون اليوم في أوروبا والخليج وأميركا. آن الأوان لإصدار قوانين تشجيعية للعودة الطوعية تتضمن:
- إعفاءات ضريبية مؤقتة للعائدين لإطلاق مشاريع صغيرة أو متوسطة
- تسهيلات عقارية وسكنية
- أولوية التوظيف في القطاع العام للمؤهلين أكاديمياً
- استحداث “بطاقة مغترب عائد” تمنح تسهيلات استثمارية وقانونية
إن إعادة جذب الطاقات السورية ليست فقط مسألة عاطفية، بل خيار استراتيجي لحرق المراحل نحو التنمية.
حكومة تكنوقراط فعّالة: الكفاءة قبل الولاء
لكي لا تُجهَض آمال الشعب من جديد، لا بد من تشكيل حكومة تكنوقراط مؤهلة، لا تخضع للمحاصصات، بل تُبنى على أساس الكفاءة والخبرة. ومن أولى مهامها:
-
-
- بناء خطة اقتصادية واضحة بخطوات تنفيذية زمنية
- إعادة هيكلة وزارات الاقتصاد والمالية والاستثمار
- تفويض الصلاحيات للمحافظات والمجالس المحلية ضمن لامركزية إنتاجية
- إجراء تقييم أداء دوري للوزارات والأجهزة الخدمية والإدارية
-
“حين يُوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، يصبح الإصلاح نتيجة لا أمنيّة.” – عامر عبد الله
رقابة على عقود الاستثمار: لا للتنازلات السيادية
كل استثمار أجنبي قادم إلى سوريا يجب أن يُراجع من خلال هيئة مستقلة لحوكمة الاستثمار، تضم قضاة، وخبراء اقتصاد، وممثلين عن المجتمع المدني. مهامها:
-
- تدقيق العقود قبل توقيعها
- فرض التزامات واضحة على الشركات الأجنبية: توطين العمالة – نقل التكنولوجيا – تسليم المشاريع تدريجياً
- تقييد عمليات تحويل الأرباح إلا بعد استكمال نسب إعادة التدوير المحلية
- مراجعة أي مشروع في حال إخلاله بالتعهدات
الإعمار السريع لا يعني التسرّع
سوريا تحتاج إلى إعادة بناء بأقصى سرعة ممكنة، لكن ليس على حساب النوعية أو الكرامة أو السيادة. لذلك تُقترح خطة من ثلاث مراحل:
- مرحلة الطوارئ (0–6 أشهر): إعادة الخدمات الأساسية (الكهرباء، المياه، الصحة، المدارس)، وتثبيت الأمن الوظيفي
- مرحلة النهوض الاقتصادي (6–24 شهراً): دعم الصناعات الصغيرة، المشاريع المتوسطة، تسهيلات الاستثمار، تقوية العملة
- مرحلة الاستدامة (بعد سنتين): اعتماد نموذج إنتاجي، وتحفيز الابتكار، والاندماج التدريجي في الأسواق العالمية
سوريا تستحق الحياة بلا شقاء
وبالعودة إلى المثل الشائع المذكور في مقدمة المقال، ربما يسأل أحدكم:
ما هي العواقب إذا فقد عبد الله القلم؟
الجواب: إذا فقد عبد الله القلم، يعني ذلك أنه فقد القدرة على تحديد مصيره بنفسه، أو التأثير على مجريات الأمور. العواقب المحتملة قد تكون:
-
التبعية والاعتماد على الآخرين: قد يصبح عبد الله مضطراً للاتكال على غيره في اتخاذ القرارات التي تخصه، مما يفقده استقلاليته.
-
فقدان السيطرة: لن يكون لديه القدرة على كتابة "اسمه" في أي قائمة يريدها، بل قد يُكتب اسمه في قوائم لا يرغب بها من قبل الآخرين.
-
الشعور بالعجز والإحباط: عدم القدرة على التصرف أو التأثير قد يؤدي إلى شعور باليأس أو الإحباط.
-
الوقوع في مواقف سلبية: إذا كان القلم يمثل القدرة على تلافي الأخطاء أو حماية الذات، فإن فقده قد يعرض عبد الله لمواقف غير مرغوبة. "قائمة الأشقياء" هي العبارة تحذر منها.
-
ضياع الفرص: قد تعني خسارة القلم فقدان الفرص لتحقيق النجاح أو الأهداف التي كان يطمح إليها.
بشكل عام، فقدان القلم في هذا السياق يعني فقدان الأداة أو الوسيلة التي تمكن عبد الله من التحكم في مسار حياته وتجنب ما لا يرغبه.
خاتمة:
لا يحلم السوري اليوم بقصور فارهة، بل بسقف لا يتسرب منه المطر، ومشفى لا يذله فيه الدواء، وعمل لا يضطره للهرب من وطنه. وهذه المطالب ليست مستحيلة، بل مشروعة. وهي، في الحقيقة، ممكنة… إن توافرت الإرادة.
ومثلما اجترح السوريون معجزة الصمود والانتصار، فإن بناء الاقتصاد الوطني بأيديهم سيكون المعركة القادمة. ولا يكفي أن نوقّع الاتفاقيات أو نفتح المعابر، ما لم نفتح عقولنا وإرادتنا لاقتصاد يليق بتضحيات هذا الشعب.
والمستقبل، كما تُجمع دروس التاريخ، لا يُمنح، بل يُنتزع. وسوريا الجديدة لن تكون إلا بيد أبنائها.