مالات .. سورية رؤى مستقبلية

سورية.. رؤى مستقبلية

Search
Close this search box.
Facebook X-twitter Youtube
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
Facebook X-twitter Youtube
Menu
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
الرئيسية تداعيات الأحداث

الشرع في المسار الوعر نحو عقد اجتماعي جديد: تحليل متعدد الطبقات للإرث السوري وتحديات الانتقال

هل يتجاوز رئيس سوريا المؤقت التحديات الجوهريه، وهو السياسي غير المخضرم في المحافل الدولية لأول مرة.

عامر عبد الله عامر عبد الله
2025-09-23
في ... تداعيات الأحداث
0 0
A A
0
الشرع في المسار الوعر نحو عقد اجتماعي جديد - تحليل متعدد الطبقات للإرث السوري وتحديات الانتقال

الشرع في المسار الوعر نحو عقد اجتماعي جديد - تحليل متعدد الطبقات للإرث السوري وتحديات الانتقال

0
شارك
250
المشاهدات

“في صباح 21 أيلول/سبتمبر 2025، خطا الرئيس السوري أحمد الشرع عتبة نيويورك، حاملاً معه ثِقلاً تاريخياً وحلماً مؤجَّلاً. كان دخوله قاعة الأمم المتحدة للمشاركة في دورتها الثمانين بمثابة مشهدٍ غير مسبوقٍ منذ أن ظهر نور الدين الأتاسي في دورة استثنائية عام 1967. لم تكن الزيارة مجرّد حدثٍ بروتوكوليٍّ، بل رسالةً مُشفَّرةً إلى الداخل والخارج بأن عزلة سوريا الطويلة تقترب من نهايتها، وأن الأفق قد يفتح للسوريين باباً جديداً. ومع كل خطوة، بدا الشرع وكأنّه يستحضر إرثاً سياسياً صاغته عقود من الألم والبحث عن هوية، إرثاً يحتاج اليوم إلى قراءةٍ متأنيةٍ لفهم معركة السوريين القادمة: معركة صياغة عقدٍ اجتماعيٍّ يعيد لهم وطنهم.”

“يبقى التحدي الجوهري أمام الرئيس الشرع، وهو السياسي غير المخضرم في المحافل الدولية، في قدرته على أن يكون صوت سوريا الذي ينقل للعالم الرواية الكاملة لسنوات من القمع والحرب، ويترجم تعقيداتها إلى لغة السياسة والدبلوماسية.”

استهلال:

يُقدّم هذا التقرير تحليلاً معمّقاً للعوامل التاريخية والهيكلية التي شكّلت الدولة السورية منذ استقلالها عام 1946، وصولاً إلى التحديات المعقدة للمرحلة الانتقالية الراهنة بعد رحيل نظام الأسد. يرى التحليل أن الأزمة السورية ليست مجرد نتيجة للحرب الأهلية، بل هي حصيلة تاريخ طويل من الهشاشة المؤسسية، وتغلغل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، والاستغلال الاستراتيجي للتنوع الطائفي والإثني من قبل أنظمة استبدادية متعاقبة. سيتم تفكيك أسطورة “حكم الأقلية” تحت عائلة الأسد، والكشف عن نظام أكثر تعقيداً يعتمد على الاستقطاب السياسي والزبائنية. كما سيُحلل التقرير الديناميات التي حوّلت الثورة السلمية إلى صراع طائفي، ودور الخطاب التحريضي في هذه العملية. في الختام، يُقدّم التقرير خارطة طريق استراتيجية للحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، مؤكداً على أن بناء عقد اجتماعي جديد يتطلب أكثر من الإصلاحات القانونية، فهو يرتكز على إعادة بناء الثقة، ومعالجة آلام الماضي، وصياغة هوية وطنية جامعة. ويخلص التقرير إلى أن نجاح هذا الانتقال مرهون بقدرة النخب الوطنية على تجاوز الهويات الفرعية لصالح مفهوم حقيقي للمواطنة، في ظل ضغوط جيوسياسية متناقضة ومعقدة.

القسم الأول:

الإرث المتوارث من الهشاشة: الدولة السورية بعد الاستقلال وفشل مشروع الدولة الوطنية (1946-1970)

1.1 المشهد الديموغرافي والسياسي ما بعد الانتداب الفرنسي

ورثت سوريا عند استقلالها في 17 نيسان 1946 بنية ديموغرافية شديدة التنوع والتعقيد، وهو إرث خلّفه الانتداب الفرنسي الذي استمر منذ عام 1923، لم يكن هذا التنوع الديموغرافي بذاته تحدياً، بل كان عدم قدرة النخب السياسية المدنية على إدارة هذا التنوع ضمن إطار دولة مؤسسات هو الذي أدى إلى تحوله من مصدر قوة إلى عقبة كبيرة في وجه بناء الدولة الوطنية الحديثة. فقد كانت سياسة الانتداب الفرنسي متذبذبة بين الحفاظ على وحدة البلاد من جهة، وتشجيع النزعات الانفصالية وتكريس الطائفية من جهة أخرى، مما أدى إلى نزع صفة “الأمة” عن عموم السكان واستبدالها بمفهوم “الكيانات الإثنية والطائفية“. هذه السياسة لم تكن مجرد حدث عابر في التاريخ، بل خلقت هشاشة هيكلية في النسيج الاجتماعي والسياسي السوري، الأمر الذي أضعف الولاء للمشروع الوطني الوليد ومهّد الطريق لاحقاً أمام تغلغل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.

ورثت الدولة المستقلة حديثاً هياكل ضعيفة، مع انقسامات مجتمعية عميقة، وعجزت النخب عن بناء عقد اجتماعي حقيقي يرتكز على المواطنة المتساوية، مما جعل الساحة السياسية بيئة خصبة للتدخلات العسكرية.

هذا الفشل في إرساء قواعد مواطنة جامعة كان سبباً رئيسياً في حالة عدم الاستقرار التي ميزت العقود الأولى من الاستقلال، حيث لم تكن هناك مؤسسات مدنية قوية تستطيع الصمود أمام محاولات الاستيلاء على السلطة.

1.2 عسكرة الدولة وتآكل الشرعية السياسية (1949-1970)

شهدت الفترة الممتدة من عام 1949 حتى عام 1970 دورة دموية من الانقلابات العسكرية المتكررة التي قضت على أي فرصة لبناء نظام سياسي مدني مستقر. وقع أول انقلاب بقيادة حسني الزعيم في مارس 1949، ووصفه فارس الخوري بـ”أعظم كارثة حلت بالبلاد منذ حكم تركيا الفتاة“. لم تكن هذه الانقلابات مجرد تغيير للحكومات، بل كانت عملية ممنهجة لتحويل الجيش من مؤسسة وطنية إلى ساحة صراع على السلطة. لقد كان هذا المسار نتيجةً للتنافس المحتدم بين السياسيين والعسكريين، وانكشاف فضائح فساد في صفوف الجيش، مما أدى إلى تآكل الشرعية السياسية للمؤسسات المدنية.

أدت الانقلابات المتتالية إلى “تسييس” المؤسسة العسكرية نفسها، حيث أصبحت الولاءات داخلها لا تتبع التراتبية المهنية، بل الانتماءات الحزبية والجهوية والطائفية. لقد حلّت هذه التكتلات العسكرية-السياسية، التي كان لها انتماءات جغرافية محددة مثل “كتلة الضباط البعثيين” ومعظمهم من العلويين، محل الهياكل المدنية والسياسية، مما خلق فوضى سياسية. كانت “الحركة التصحيحية” التي قادها حافظ الأسد في نوفمبر 1970 هي التتويج النهائي لهذا المسار. فقد استطاع الأسد القبض على الجيش وإحكام قبضته على مفاصله، وقضى على خصومه ليصبح الحاكم الأوحد. وبهذا، أنهى الأسد دورة الانقلابات، لكنه لم يقم بذلك عبر بناء دولة مدنية، بل عبر ترسيخ حكم الفرد الواحد الذي يسيطر على المؤسسة العسكرية بالكامل، محولاً إياها إلى أداة لترسيخ حكمه. هذا يفسر لماذا استمر حكمه قرابة ستة عقود، بخلاف الأنظمة الهشة التي سبقته.

 

جدول 1.1: دورات الانقلابات العسكرية السورية (1949-1970): التسلسل والأثر على بناء الدولة 

العام

القائد الحجة المعلنة الأثر السياسي والمؤسسي
آذار 1949 حسني الزعيم القضاء على الفساد أول تدخل للجيش في السياسة، حل البرلمان، تقويض الدستور.
آب 1949 سامي الحناوي عودة الحكم الدستوري إعادة الحياة البرلمانية، لكنها لم تنهِ تدخل الجيش.
كانون الأول 1949 أديب الشيشكلي إنهاء الفوضى بداية حكم استبدادي للجيش، وإلغاء الأحزاب.
1954 مجموعة ضباط إسقاط حكم الشيشكلي عودة الحياة المدنية المؤقتة، لكن نفوذ العسكر بقي قائماً.
1963 اللجنة العسكرية البعثية تحقيق الوحدة سيطرة حزب البعث، بداية حكم الضباط الصغار، وصبغ الجيش بانتماءات سياسية وطائفية.
1966 صلاح جديد الصراع على السلطة إبعاد العسكريين القوميين عن الحكم وتأمين السلطة للبعثيين.
1970 حافظ الأسد الحركة التصحيحية

إنهاء صراعات الفصائل العسكرية، وتأسيس نظام حكم الفرد الذي يسيطر على الجيش بالكامل.

القسم الثاني:

العقد السلطوي: الطائفية كأداة حكم (1970-2024)

2.1 من حزب البعث إلى حكم الفرد: احتكار السلطة عبر الأجهزة الأمنية

بعد وصوله إلى السلطة عبر “الحركة التصحيحية” ، لم يُقم حافظ الأسد حكماً طائفياً بالمعنى التقليدي، بل أقام “نظاماً أمنياً” استخدم الطائفية كأداة سياسية لتأمين حكمه. صبّ الأسد جُلَّ اهتمامه على التموضع داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، حيث وجّه أولاده وأقاربه للانخراط في هاتين المؤسستين، وأوكل المناصب الحساسة لأبناء عشيرته. تشير التقارير إلى أن العلويين سيطروا على 100% من أهم أربعين منصباً قيادياً في الجيش السوري، مع احتفاظ بشار الأسد بقيادة الوحدات النوعية ضمن أبناء القرداحة. لقد أضعف النظام مؤسسات الدولة المدنية، وربط كافة قطاعات المجتمع بشبكات ولاء شخصية بدلاً من الولاء للمؤسسة، مما مهد لتفكيك الدولة لاحقاً. وبهذا، أصبحت سوريا تحت حكم “كليبتوقراطي” يوزّع المحسوبية والامتيازات لربط السوريين بالنظام، لا بالوطن.

2.2 تفكيك أسطورة “حكم الأقلية”: الطائفية كأداة استقطاب وسيطرة

اعتمد حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار على سياسة التوازنات الطائفية والإثنية تحت شعار “حماية الأقليات“. هذه السياسة لم تكن مبنية على تحالف طائفي حقيقي، بل على “نظام خوف” موجه، يُقدّم الأقليات على أنها بحاجة إلى حماية من الأغلبية السنية. ورغم أن النظام قدم نفسه حامياً للأقلية الدرزية، فإنه نفّذ بحقها حملات قمعية عنيفة، أبرزها في عام 2000. كما تعامل مع الأكراد بأسلوب تلاعب واحتواء، ومنح المسيحيين حمايته الظاهرية في الوقت الذي غذّى فيه مخاوفهم من الأغلبية.

وبينما اعتمد النظام بشدة على العلويين، فإنه أضعف هياكلهم الاجتماعية ليضمن ولاءهم المطلق، محولاً إياهم عملياً إلى أداة عسكرية في خدمته. لم يكن العلويون، كمجتمع، يحكمون، بل كانوا أداة عسكرية للنظام، ويعاني أبناؤهم من الفقر والتهميش مثل أبناء الطوائف الأخرى. إن حافظ الأسد نفسه لم يكن متديناً بالمعنى الشخصي، لكنه استخدم الطائفة ومنحها امتيازات مقابل أن تكون السند الوحيد لحكمه. لقد بنى النظام حكمه على “التشظي“، حيث خلق شبكة من المنتفعين من مختلف الطوائف، وجعلهم ينفذون تعليمات شخص واحد هو حافظ الأسد. وهكذا، لم يكن النظام “علوياً” بل نظاماً سلطوياً هيمن عليه العلويون، واستخدم الطائفية كـ”وظيفة سياسية” وليس كهوية حاكمة، مما أدى إلى “أوليغارشية” فتّتت المجتمع وأفقدته هويته الوطنية، وهو ما يفسر تصاعد حدة الخطاب الطائفي في الآونة الأخيرة.

تعدّ الأوليغارشية شكلاً من أشكال الحكم، تتركز فيه السلطة في يد مجموعة صغيرة ومحدودة من الأشخاص. هذه المجموعة قد تتكون من أفراد يتميزون بالثروة، أو النفوذ العسكري، أو الانتماء لطبقة اجتماعية معينة.

القسم الثالث:

انهيار العقد: الثورة السورية والصراع على الهوية (2011-2024)

3.1 التحول المأساوي: من الحراك المدني إلى الصراع الطائفي

انطلقت الثورة السورية في عام 2011 بمطالب مدنيَّة سِلمية، تَمثلت في الحصول على مزيد من الحرية والكرامة ومستقبل اقتصادي أفضل. أكدت شعارات المتظاهرين في البداية على وحدة الشعب السوري، مشددين على أن “السوريين شعب واحد“. لم تكن الثورة في جوهرها طائفية، بل كانت ضد الديكتاتورية البعثية. إلا أن النظام، عبر القمع الوحشي، عمل على “تطييف” الثورة وتحويلها إلى صراع مسلح، مما دفعها إلى التمأسس حول الهويات الطائفية والإثنية. هذا التحول المأساوي أثبت أن العقد الاجتماعي القديم، المبني على الخوف والزبائنية، كان هشاً وقابلاً للانهيار. وعندما انهار، لم تكن هناك مؤسسات وطنية قوية لملء الفراغ، فتمت إعادة تفعيل الطائفية كـ”منطق تمثيل” بين الفاعلين المتصارعين، مما أضعف المشروع الوطني الجامع.

3.2 ساحات العنف الرقمي: دور وسائل التواصل الاجتماعي في التحريض

شهدت الثورة السورية وما تلاها من أحداث تصاعداً مأساوياً للعنف الطائفي. وقد ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في هذا التدهور، حيث انتشر عليها خطاب حاد من الكراهية والتحريض، مما أظهر حاجة ملحة لوقف هذا السلوك. كان الفضاء الرقمي مرآة للواقع المجتمعي، لكنه في الوقت نفسه أداة لتضخيم الانقسامات. لقد سهّل انتشار الدعاية والتحريض، مما قوَّض أي فرصة للحوار البناء. تجريم خطاب الكراهية خطوة ضرورية، وقد تضمن الإعلان الدستوري المؤقت الذي صدر في عام 2025 نصوصاً قانونية لتجريم التحريض. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة غير كافية ما لم تُعالج الأسباب الجذرية التي تغذي هذا الخطاب، وهي الشعور بالمظلومية وغياب العدالة.

3.3 كشف الثمن الباهظ: وقائع العنف الطائفي ضد جميع المكونات

كشفت الأحداث المأساوية التي تلت عام 2011 أن العنف لن يتوقف عند حدود طائفة واحدة. فقد تعرضت بعض الجماعات من الطائفة العلوية للانتقام بسبب ارتباطها المستمر بالنظام السابق. وتشير التقارير إلى وقوع هجمات ضد العلويين في الساحل في آذار 2025 أدت إلى مقتل مئات المدنيين ونزوح الآلاف. كما كشفت الأحداث التي طالت الطائفة الدرزية لاحقاً عن اشتباكات بين الدروز والبدو في السويداء، أدت إلى نزوح عشرات الآلاف. هذه الأحداث المأساوية تثبت أن الإرث السلطوي المبني على الخوف لم ينتهِ برحيل النظام، بل تحول إلى ديناميات صراع على الأرض. إن العنف ضد الأقليات يبرز هشاشة الأمن في المرحلة الانتقالية، ويؤكد أن غياب العدالة والمحاسبة يجعل من كل مكون مجتمعي هدفاً للعنف، مما يثبت الحاجة الملحة للمصالحة الوطنية.

القسم الرابع:

نحو عقد اجتماعي جديد: تحديات ما بعد الأسد وضرورة البناء الوطني

4.1 التحدي المؤسسي والدستوري: من الفراغ إلى دولة القانون

يواجه النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع إرثاً مدمراً من بلاد مفككة ومؤسسات ضعيفة واقتصاد منهار. صدر “الإعلان الدستوري السوري لعام 2025” لملء الفراغ المؤسسي، وهو يمثل خطوة إيجابية لتجنب الفوضى. إلا أنه انطوى على عيوب هيكلية، أهمها هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء والبرلمان. فالمادة 47 تمنح رئيس الدولة سلطة تعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا بشكل منفرد، والمادة 24 تخوله تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب مباشرة، مما يضعف استقلالية القضاء ويضمن تبعية البرلمان للسلطة التنفيذية. على الرغم من أن الإعلان الدستوري خطوة إيجابية نحو الاستقرار، فإنه يعكس مقاربة تكنوقراطية أحادية تفتقر إلى المشاركة الشعبية والوطنية الحقيقية. إن شرعية أي وثيقة دستورية انتقالية تكمن في كونها عملية تشاركية لا قراراً أحادياً، وإعادة إنتاج هياكل سلطوية، حتى ولو كانت تحت مسمى “المرحلة الانتقالية“، قد تفشل في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل. يجب أن تعكس الإصلاحات المقبلة رؤية طموحة لمستقبل سوريا، تضمن استقلالية القضاء والفصل بين السلطات.

4.2 العدالة الانتقالية: بين المحاسبة والمصالحة

من الضروري معالجة قضايا الماضي وآلامه عبر آليات تضمن تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين، بما يفتح الطريق أمام المصالحة الوطنية الحقيقية. تشمل العدالة الانتقالية برامج تعويض للضحايا، وإصلاحات مؤسسية، مثل تحديث القضاء وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لضمان عدم تكرار الانتهاكات. كما أن التجارب الدولية تؤكد أن العدالة الانتقالية عملية طويلة ومعقدة، ويجب أن تواجه محاولات تعطيلها من قبل قوى النظام السابق، التي قد تقايض السلم الأهلي بالعفو.

إن العدالة الانتقالية في السياق السوري ليست مجرد آلية قانونية، بل هي مشروع وطني لإعادة بناء الذاكرة الجماعية الممزقة، وتحديد المسؤولية بشكل واضح، وإعادة الثقة بين أبناء الوطن. لتحقيق ذلك، لا يكفي محاكمة الأفراد، بل يجب كشف الحقائق الكاملة، وتحديد كيف سمحت بنية النظام بالانتهاكات. هذا يتطلب أكثر من المحاكمات القضائية؛ يتطلب لجان حقيقة وإصلاحاً مؤسسياً وإعادة بناء للذاكرة المشتركة عبر التعليم. هذا النهج الشامل وحده كفيل بتجاوز ثقافة الإفلات من العقاب ومنع تكرار المآسي.

 

جدول 4.1: دروس مستفادة من التجارب الدولية في العدالة الانتقالية وتطبيقها في الحالة السورية

التجربة

السياق السياسي الآليات المتبعة أبرز التحديات

الدروس المستفادة لسوريا

جنوب أفريقيا

نهاية نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) لجان الحقيقة والمصالحة، العفو مقابل الاعتراف بالحقائق عدم مساءلة مرتكبي الانتهاكات، تفاوت في جبر الضرر ضرورة ربط المساءلة بكشف الحقيقة، وأهمية المشاركة الشعبية.

ألمانيا

ما بعد الحكم النازي و الشيوعي محاكمات جنائية، جبر ضرر، إصلاح مؤسسي صعوبة مساءلة جميع المسؤولين يمكن للمحاكمات أن تضمن جزءاً من المساءلة، لكنها ليست الحل الوحيد.

إسبانيا

الانتقال من حكم فرانكو الديكتاتوري إصلاح مؤسسي وسياسي، قانون العفو إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، عدم مساءلة صريحة للماضي عدم معالجة قضايا الماضي قد يؤدي إلى استمرار الانقسامات.
سيراليون ما بعد الحرب الأهلية لجان الحقيقة، السرد الشفهي للضحايا الافتراض بأن “قول الحقيقة” وحده كافٍ للشفاء والمصالحة.

ضرورة أن تتجاوز العدالة الانتقالية مجرد “السرد” وأن تضمن جبر الضرر الحقيقي.

4.3 الرهانات الجيوسياسية: بين صراع النفوذ وأولوية السيادة

ما تزال سوريا محط تنافسات إقليمية بين قوى مختلفة، أبرزها إسرائيل وتركيا. تسعى إسرائيل إلى تجريد السلطة الجديدة من الأسلحة الثقيلة لضمان تفوقها العسكري على محيطها، كما تأمل في أن يشعر النظام السوري الجديد بالتهديد الدائم، مما يدفعه نحو التطبيع أو الحياد. كما تعمل إسرائيل على تثبيت وقائع جديدة على الأرض في الجولان السوري المحتل، وتسعى لتعزيز الانقسامات الداخلية من خلال مخططات لتقسيم سوريا إلى “دويلات“. في المقابل، تفضل تركيا بقاء الدولة السورية موحدة ضمن إطار مصالحها. كما أن القوى التي كانت داعمة للنظام السابق، مثل روسيا وإيران، لا تزال تبحث عن موطئ قدم للحفاظ على نفوذها. إن تعافي سوريا ليس قضية داخلية فحسب، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرتها على إدارة هذه التناقضات الخارجية. إن نجاح الحكومة الانتقالية في بناء عقد اجتماعي داخلي صلب هو السبيل الوحيد لإعادة تأكيد سيادتها وتحرير قرارها من التدخلات الخارجية. إن صياغة هوية وطنية جامعة هو مشروع استراتيجي يخدم السيادة الوطنية، ويقطع الطريق على المشاريع التقسيمية التي تتبناها بعض القوى الخارجية.

4.4 بناء الجسور الإجتماعية: التعليم والمجتمع المدني كركائز للتعافي

لا يمكن تحقيق المواطنة المتساوية بمجرد إعلان النوايا أو إصدار القوانين. يتطلب الأمر جهوداً جماعية منظمة لرفع مستوى الوعي العام حول معنى المواطنة الحقيقية. إن الإصلاحات القانونية والمؤسسية يجب أن تترافق مع تغيير اجتماعي وثقافي.

بناء الجسور الاجتماعية: التعليم والمجتمع المدني
بناء الجسور الاجتماعية: التعليم والمجتمع المدني

إن التعليم والمجتمع المدني أداتان أساسيتان في إعادة بناء الثقة المفقودة بين السوريين. يجب أن يُعاد النظر في المناهج التعليمية لترسيخ قيم التنوع والاحترام المتبادل ونبذ التمييز. كما يجب دعم مبادرات الحوار المجتمعي المفتوح التي تجمع مختلف المكونات السورية، وتقدم رؤى وحلولاً تدعم الاستقرار الاجتماعي. إن منظمات المجتمع المدني، من خلال دورها في المناصرة والمساعدة وتقديم الخدمات، يمكنها أن تساهم في ردم الانقسامات الطائفية والقومية وبناء جسور الثقة. إن الاستثمار في هذه القطاعات هو استثمار طويل الأمد لضمان مستقبل مستقر ومزدهر، بعيداً عن صراعات الماضي.

 

الخاتمة:

خارطة طريق لتحرير سوريا من دوامات الماضي

يُظهر التحليل أن التحدي السوري يكمن في كيفية ترجمة مبادئ المواطنة المتساوية إلى واقع ملموس، في ظل الانقسامات العميقة والإرث السلطوي المتجذّر. إن المسألة لم تعد مجرد “ما بعد المستعمر” أو “ما بعد الطاغية“، بل هي “أي مواطن سيقوم ببناء المستقبل!” وحده المسار الذي يرتكز على المواطنة المتساوية والاعتراف بالتنوع كقوة، هو الكفيل بتحرير سوريا من دوامات الماضي وبناء مستقبل أكثر إنصافاً وازدهاراً.

بناءً على هذا التحليل، يُستخلص مجموعة من التوصيات الاستراتيجية:

  1. الإصلاح الدستوري والمؤسسي: يجب أن يكون الدستور الدائم نتاج حوار وطني شامل وتشاركي، يضمن الفصل الحقيقي بين السلطات، واستقلالية القضاء، ويوفر ضمانات لحماية حقوق وحريات جميع المواطنين دون تمييز.
  2. العدالة الانتقالية: يجب تفعيل آليات متكاملة لكشف الحقيقة وجبر الضرر والمحاسبة، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الصراع. لا يمكن تحقيق مصالحة حقيقية دون كشف الحقائق وتثبيتها في الوعي العام، لمعالجة آلام الماضي ومنع تكراره.
  3. بناء الهوية الوطنية: يتطلب ذلك جهوداً شاملة لإصلاح المنظومة التعليمية والإعلامية، لترسيخ قيم المواطنة والتسامح. يجب أن تُبرز المناهج التعليمية المشتركات الوطنية، وتُكرّس ثقافة الحوار البنّاء.
  4. تعزيز دور المجتمع المدني: ينبغي على الدولة الجديدة أن تدعم منظمات المجتمع المدني لتمكينها من لعب دور فاعل في بناء السلام المحلي، والمصالحة، وبناء الثقة بين مكونات المجتمع.
  5. إدارة الرهانات الخارجية: يجب أن تركز الحكومة الجديدة على بناء عقد اجتماعي داخلي صلب، قادر على توحيد الجبهة الداخلية، مما يقلل من قابلية البلاد للتدخلات الخارجية، ويُمكّنها من استعادة سيادتها بشكل كامل.

إنّ التحدي الأكبر يكمن في كيفية ترجمة هذه المبادئ إلى واقع ملموس، وهو ما يتطلب مساعي صادقة من جميع الأطراف السورية، بالإضافة إلى اغتنام الرئيس الشرع مخاطبة قادة العالم في اجتماعهم اليوم لكسب موقف دولي يركز على مساعدة السوريين في بناء مستقبلهم بأنفسهم.

          
Tags: أحمد الشرعالأمم المتحدةالانتقال السياسيالثورة السوريةالطائفية في سورياالعدالة الانتقاليةالعقد الاجتماعي الجديدالمجتمع المدنيالمستقبل السوريسوريا
المقالة السابقة

فتيل سراج الثورة السورية لن ينطفئ ما دامت ثوابتها لم تتحقق كاملة

المقالة التالية

فضيحة على منصة العالم: 57 دقيقة من مزاعم ترامب الكاذبة أمام الأمم المتحدة

عامر عبد الله

عامر عبد الله

ناشط سياسي سوري، مسؤول في قسم الدراسات الاستراتيجية في منصة مآلات، له مشاركات في فعاليات بناء سورية الجديدة.

متعلق بـ المقاله

تحليل استراتيجي: الثعالب الصغيرة المُفسدة للكروم السورية
تداعيات الأحداث

تحليل استراتيجي: الثعالب الصغيرة المُفسدة للكروم السورية

فريق تحرير مآلات
2025-11-07
تقرير استراتيجي سري.. تحليل المخططات العالمية لاختراق الدول العربية - تفكيك الاستراتيجيات، أدوات السيطرة، وصياغة خطة الدفاع السيادي
تداعيات الأحداث

تقرير استراتيجي سري: تحليل المخططات العالمية لاختراق الدول العربية: تفكيك الاستراتيجيات، أدوات السيطرة، وصياغة خطة الدفاع السيادي

فريق تحرير مآلات
2025-11-05
انشقاق التحالف الغربي: عزلة إسرائيل المتفاقمة على جبهتي القانون والتطبيع
تداعيات الأحداث

انشقاق التحالف الغربي: عزلة إسرائيل المتفاقمة على جبهتي القانون والتطبيع

فريق تحرير مآلات
2025-10-24
المساجين السوريون في لبنان.. عدالة معلّقة بين «الدولة العميقة» ومسارات الإصلاح
تداعيات الأحداث

المساجين السوريون في لبنان… عدالة عالقة بين أنياب الدولة العميقة وضمير القضاء

صفاء مقداد
2025-10-23
بناء الدولة السورية.. نقد التفرد وضرورة العدل كحصن للعمران الانتقالي
تداعيات الأحداث

بناء الدولة السورية: نقد التفرد وضرورة العدل كحصن للعمران الانتقالي

د. صلاح وانلي
2025-10-09
اغتيال تشارلي كيرك حافز لليقظة لدى النخب السياسية العربية
تداعيات الأحداث

اغتيال تشارلي كيرك حافز لليقظة لدى النخب السياسية العربية

د. جورج توما
2025-09-21
المقالة التالية
ترامب والأكاذيب: تحليل نقدي لخطاب الأمم المتحدة

فضيحة على منصة العالم: 57 دقيقة من مزاعم ترامب الكاذبة أمام الأمم المتحدة

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

أحدث المقالات

  • هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟
  • لعبة الأمم الكبرى: هل يعاد تشكيل العالم على أنقاضنا؟
  • تحليل استراتيجي: الثعالب الصغيرة المُفسدة للكروم السورية
  • تقرير استراتيجي سري: تحليل المخططات العالمية لاختراق الدول العربية: تفكيك الاستراتيجيات، أدوات السيطرة، وصياغة خطة الدفاع السيادي
  • سردية تلفيق أسطورة “إسرائيل الكبرى”

أحدث التعليقات

  1. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  2. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  3. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  4. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  5. Henry Schumm على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة

ارشيف مآلات

4793 - 477 (267) 1+
E-mail - support@maalat.info
مالات .. سورية رؤى مستقبلية
DMCA.com Protection Status
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • سياسة الخصوصية
  • معايير النشر
Menu
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • سياسة الخصوصية
  • معايير النشر
جميع الحقوق محفوظة © بموجب قانون الألفية لعام 2023 - مآلات - سورية .. رؤى مستقبلية

إضافة قائمة تشغيل جديدة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط. من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. قم بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.