1. مقدمةٌ تحليليةٌ: فلسفةُ التاريخِ وجدليةُ الذاكرةِ السياسية
في غمرةِ التحولاتِ الكبرى التي تعصفُ بالكياناتِ السياسيةِ، تبرزُ الحاجةُ الماسةُ لاستحضارِ سيرِ الآباءِ المؤسسينَ، ليسَ من بابِ الترفِ السرديِّ أو الحنينِ الرومانسيِّ إلى الماضي، بل كضرورةٍ وجوديةٍ لفهمِ ميكانيكا بناءِ الدولِ ومواجهةِ تحدياتِ السيادةِ. إنَّ التاريخَ، كما تشيرُ الأدبياتُ الفلسفيةُ والسياسيةُ المعمقةُ، ليسَ مجردَ سجلٍ للأحداثِ المنصرمةِ، بل هو مختبرٌ حيٌ للقراراتِ البشريةِ ومآلاتها. وفي سياقِ الدولةِ السوريةِ الحديثةِ، يقفُ فارس الخوري (١٨٧٧-١٩٦٢) كعملاقٍ سياسيٍ وفكريٍ، جسّدَ في مسيرتِه الطويلةِ تلازمَ “العقلِ الفقهيِّ” الذي يبني المؤسساتِ، و”الضميرِ الوطنيِّ” الذي يحمي السيادةَ.
إنَّ هذا التقريرَ البحثيَّ الموسعَ يهدفُ إلى إعادةِ قراءةِ سيرةِ فارس الخوري من منظورٍ فلسفيٍ وسياسيٍ شاملٍ، مستنداً إلى قواعدَ بحثيةٍ صارمةٍ في التحققِ من المصادرِ والاقتباساتِ، ومقدماً تحليلاً يربطُ بين نظرياتِ التاريخِ وبين التطبيقِ العمليِّ في السياسةِ السوريةِ. سنبدأُ بتفكيكِ البنيةِ الفلسفيةِ لمفهومِ “الاعتبارِ بالتاريخِ“، مستعرضينَ آراءَ كبارِ المفكرينَ والسياسيينَ الذينَ أطروا لهذه العلاقةِ الجدليةِ، لنرى كيفَ كانَ الخوري تجسيداً حياً لهذه النظرياتِ، أو دحضاً لبعضها.
1.1 هيغل وإشكاليةُ الوعيِ التاريخيّ
عندَ الحديثِ عن فلسفةِ التاريخِ، لا يمكنُ تجاوزُ الفيلسوفِ الألمانيِّ جورج فيلهلم فريدريش هيغل (١٧٧٠-١٨٣١)، الذي يُعدُّ حجرَ الزاويةِ في الفكرِ الغربيِّ الحديثِ. غالباً ما يتمُ تداولُ مقولةٍ منسوبةٍ إليه بصيغةٍ مبسطةٍ: “نتعلمُ من التاريخِ أننا لا نتعلمُ من التاريخِ”. ومعَ ذلك، فإنَّ البحثَ الدقيقَ في المصادرِ الأوليةِ يكشفُ عن عمقٍ أكبرَ لهذا الطرحِ.
وردَ في كتابِ هيغل “فلسفةُ التاريخِ” (The Philosophy of History)، وتحديداً في المقدمةِ، نصٌ أكثرُ دقةً وصرامةً:
“لكنَّ ما تُعلمه التجربةُ والتاريخُ هو هذا: أنَّ الشعوبَ والحكوماتِ لم يتعلموا قطُّ أيَّ شيءٍ من التاريخِ، ولم يتصرفوا بناءً على المبادئِ المستنبطةِ منه”.1
تحليلُ السياقِ الفلسفيِّ:
لم يكن هيغل عدمياً في طرحِه هذا، بل كانَ يشيرُ إلى “العمى الآني” الذي يصيبُ السلطةَ. يرى هيغل أنَّ كلَّ حقبةٍ تاريخيةٍ تمتلكُ ظروفاً فريدةً تدفعُ الفاعلينَ السياسيينَ إلى الاعتقادِ بأنَّ سوابقَ الماضي لا تنطبقُ عليهم. هذا “الغرورُ باللحظةِ الراهنةِ” هو ما يؤدي إلى تكرارِ الكوارثِ. في السياقِ السوريِّ، كان فارس الخوري يمثلُ النقيضَ لهذا الطرحِ الهيغليِّ المتشائمِ؛ فقد كانَ يرى أنَّ التاريخَ ليسَ قدراً محتوماً بالتكرارِ، بل هو مادةٌ قابلةٌ للتحليلِ لتجنبِ الأخطاء. حينما واجهَ الخوري الانتدابَ الفرنسيَّ، لم يتعاملْ معه كقوةٍ قاهرةٍ فريدةٍ، بل كحلقةٍ في سلسلةِ الغزواتِ التي مرتْ على المنطقةِ، مدركاً أنَّ مآلها الزوالُ كما زالَ العثمانيونَ والرومانُ من قبلهم.
1.2 ونستون تشرشل: التاريخُ كأداةٍ للحكمِ (Statecraft)
في مقابلِ تشاؤمِ هيغل، يقفُ الزعيمُ البريطانيُّ ونستون تشرشل (١٨٧٤-١٩٦٥) ليقدمَ رؤيةً براغماتيةً توظفُ التاريخَ كأداةٍ استراتيجيةٍ. تشرشل، الذي قادَ بريطانيا في أحلكِ ساعاتها، كانَ مؤرخاً قبلَ أن يكونَ سياسياً.
تُشيرُ الوثائقُ إلى نصيحةٍ كررها تشرشل مراراً، منها ما وجهه لكاتبِ خطاباته جيمس هيومز، ولحفيده وينستون، قائلاً:
“ادرسِ التاريخَ، ادرسِ التاريخَ. ففي التاريخِ تكمنُ كلُّ أسرارِ فنِّ الحكمِ” (In history lies all the secrets of statecraft).3
الأبعادُ السياسيةُ للمقولةِ:
يستخدمُ تشرشل مصطلح “Statecraft” (فن الحكمِ/دهاء الدولةِ) بدلاً من “Politics” (السياسة)، للإشارةِ إلى المستوى الرفيعِ من القيادةِ الذي يتطلبُ استشرافاً للمستقبلِ. ويضيفُ في موضعٍ آخر:
“كلما نظرتَ إلى الوراءِ أبعدَ، استطعتَ أن تنظرَ إلى الأمامِ أبعدَ”.4
هنا نجدُ التقاطعَ المذهلَ مع شخصيةِ فارس الخوري. فالخوري لم يكن مجردَ وزيرٍ يديرُ الملفاتِ اليوميةَ، بل كانَ رجلَ دولةٍ (Statesman) يمتلكُ “الخيالَ التاريخيَّ“. عندما أسسَ وزارةَ الماليةِ السوريةِ عام ١٩١٩، لم يكن يضعُ موازنةً لعامٍ واحدٍ، بل كانَ يبني هيكلاً إدارياً لدولةٍ مستقلةٍ، مستفيداً من خبرتِه في البرلمانِ العثمانيِّ ومعرفتِه بأسبابِ انهيارِ الإمبراطوريةِ مالياً وإدارياً. كانَ يدرسُ التاريخَ ليمارسَ “فنَّ الحكمِ”.
1.3 جورج أورويل: الصراعُ على الذاكرةِ
ينقلنا الروائيُّ والمفكرُ الإنجليزيُّ جورج أورويل (١٩٠٣-١٩٥٠) إلى بُعدٍ آخرَ أكثرَ خطورةً، وهو توظيفُ التاريخِ كأداةِ سيطرةٍ. في روايته الديستوبية “١٩٨٤”، صاغَ شعارَ الحزبِ الحاكمِ الذي يقولُ:
“من يسيطرُ على الماضي يسيطرُ على المستقبلِ: ومن يسيطرُ على الحاضرِ يسيطرُ على الماضي”.6
إسقاطٌ على الواقعِ الانتدابيِّ:
يُحذرُ أورويل من قابليةِ الحقائقِ للتزويرِ (Mutability of the Past).8 القوى المسيطرةُ تسعى دائماً لإعادةِ كتابةِ التاريخِ لشرعنةِ وجودها. كانَ الانتدابُ الفرنسيُّ يحاولُ ترويجَ سرديةٍ مفادها أنَّ سوريا “قاصرٌ حضارياً” وبحاجةٍ إلى الوصايةِ. هنا برزَ دورُ فارس الخوري كمحامي الدفاعِ عن “الذاكرةِ الوطنيةِ”. في كلِّ مواقفِه، سواءً في ترجمةِ القوانينِ أو في خطاباتِه في الأممِ المتحدةِ، كانَ الخوري يقاتلُ لمنعِ “السيطرةِ على الماضي” من قبلِ المستعمرِ، مدركاً أنَّ القبولَ بالسرديةِ الفرنسيةِ يعني ضياعَ المستقبلِ السوريِّ.
1.4 بيرل باك: الجذورُ وفهمُ الراهنِ
تُضيفُ الأديبةُ الأمريكيةُ الحائزةُ على نوبل، بيرل باك (١٨٩٢-١٩٧٣)، لمسةً إنسانيةً وثقافيةً لهذه المنظومةِ الفكريةِ. عاشت باك شطرَ حياتِها الأولَ في الصين، ورأت بعينها كيفَ تتشكلُ المجتمعاتُ.
تقولُ باك:
“إذا أردتَ أن تفهمَ اليومَ، فعليكَ أن تبحثَ في الأمسِ” (If you want to understand today, you have to search yesterday).9
التطبيقُ الاجتماعيُّ:
تؤكدُ باك أنَّ الحاضرَ ليسَ مقطوعَ الجذورِ. لفهمِ تعقيداتِ المجتمعِ السوريِّ وتنوعه الطائفيِّ والسياسيِّ الذي تعاملَ معه الخوري، كانَ لا بدَّ من العودةِ إلى “الأمسِ“. نجحَ الخوري، المسيحيُّ البروتستانتيُّ، في قيادةِ وزارةِ الأوقافِ الإسلاميةِ و رئاسةِ البرلمانِ في بلدٍ ذي أغلبيةٍ مسلمةٍ، لأنه فهمَ “أمسَ” هذه المنطقةِ القائمَ على التسامحِ والعيشِ المشتركِ قبلَ تسييسِ الطوائفِ، فاستطاعَ أن يبنيَ “يوماً” قائماً على الوحدةِ الوطنيةِ.11
1.5 جين فوندا وعبد الرحمن منيف: الوعيُ والواقعُ
تكتملُ الدائرةُ بأصواتٍ حديثةٍ تربطُ بين المعرفةِ والحريةِ. الممثلةُ والناشطةُ جين فوندا تنتقدُ المجتمعَ الذي يجهلُ تاريخَه وواقعَه، مشككةً في حريتِه:
“لا أعرفُ ما إذا كانَ يمكنُ تسميةُ بلدٍ بالعالمِ الحرِّ، حيثُ يكونُ الناسُ جاهلينَ جداً بالواقعِ وبالتاريخِ”.12
ومن العالمِ العربيِّ، يؤكدُ الروائيُّ عبد الرحمن منيف (١٩٣٣-٢٠٠٤) على الجانبِ العمليِّ:
“التاريخُ يعلمُ الإنسانَ الدروسَ، ويجعلُه أكثرَ وعياً وأقدرَ على اتخاذِ الخطواتِ المناسبةِ”.14
إنَّ “اتخاذَ الخطواتِ المناسبةِ” هو جوهرُ العملِ السياسيِّ عندَ الخوري. لم تكن قراراتُه انفعاليةً، بل كانت نابعةً من وعيٍ تاريخيٍ عميقٍ، مما جعله يتخذُ خطواتٍ جريئةً مثلَ رفضِ الانقلاباتِ العسكريةِ، لأنه قرأَ في كتابِ التاريخِ أنَّ العسكرَ إذا دخلوا السياسةَ أفسدوها.
2. النشأةُ والتكوينُ: من جبالِ الكفيرِ إلى أروقةِ الآستانةِ (١٨٧٧-١٩١٨)
لفهمِ شخصيةِ فارس الخوري، يجبُ العودةُ إلى الجذورِ الأولى، حيثُ تضافرت قسوةُ الطبيعةِ مع غنى التنوعِ الثقافيِّ لتصنعَ شخصيةً استثنائيةً.
2.1 البيئةُ الأولى: العصاميةُ في أبهى صورها
وُلدَ فارسُ الخوري في قريةِ الكفير، التابعةِ لقضاءِ حاصبيا في سفوحِ جبلِ الشيخِ، في ٢٠ تشرين الثاني عام ١٨٧٧. كانت هذه المنطقةُ جزءاً من ولايةِ سوريا العثمانيةِ، وتميزت بتنوعها الدينيِّ والمذهبيِّ (دروز، مسيحيون، مسلمون) 16.
تذكرُ السردياتُ التاريخيةُ والشفويةُ أنَّ فارس الخوري في صباه كانَ مثالاً للطالبِ العصاميِّ. يُروى أنَّه كانَ يقطعُ المسافاتِ الوعرةَ في الجبالِ مشياً على الأقدامِ، وأحياناً حافياً، للوصولِ إلى المدرسةِ.11 هذه الصورةُ “للطفلِ الحافي” الذي سيصبحُ رئيساً للوزراءِ ومقارِعاً لكبارِ جنرالاتِ العالمِ، ظلت محفورةً في الوعيِ الجمعيِّ السوريِّ كرمزٍ للأملِ والارتقاءِ عبرَ العلمِ والعملِ.
2.2 الجامعةُ الأمريكيةُ: نافذةٌ على الحداثةِ
انتقلَ الخوري إلى بيروت للالتحاقِ بالكليةِ السوريةِ الإنجيليةِ (الجامعةُ الأمريكيةُ في بيروت لاحقاً – AUB)، وتخرجَ فيها حاملاً درجةَ البكالوريوس في العلومِ عام ١٨٩٧.17
كانت الجامعةُ في تلكَ الفترةِ بوتقةً للأفكارِ الليبراليةِ والقوميةِ العربيةِ الناشئةِ. هناكَ، لم يكتفِ الخوري بدراسةِ العلومِ، بل انكبَّ على دراسةِ اللغاتِ والقانونِ. أتقنَ اللغةَ التركيةَ (لغة الدولة)، والفرنسيةَ (لغة الثقافة والدبلوماسية)، والإنجليزيةَ (لغة تعليمه)، بالإضافةِ إلى تضلعه في اللغةِ العربيةِ وآدابها. هذا التكوينُ الموسوعيُّ جعله جسراً حياً بين الثقافةِ الإسلاميةِ العثمانيةِ وبين الفكرِ السياسيِّ الغربيِّ الحديثِ.
2.3 في قلبِ العاصمةِ الإمبراطوريةِ (١٩١٤-١٩١٨)
بدأت الحياةُ السياسيةُ الحقيقيةُ لفارس الخوري بانتخابه نائباً عن دمشقَ في مجلسِ المبعوثان (البرلمان العثماني) في إسطنبول عام ١٩١٤.17
كانت تلكَ الفترةُ حرجةً للغايةِ، حيثُ دخلت الدولةُ العثمانيةُ الحربَ العالميةَ الأولى. في إسطنبول، شهدَ الخوري عن كثبٍ:
- آلياتِ الحكمِ الإمبراطوريِّ: فهمَ كيفَ تدارُ الدولُ الكبرى، وكيفَ تؤثرُ التحالفاتُ الدوليةُ على المصيرِ الداخليِّ.
- سياسةُ التتريكِ: عاينَ صعودَ جمعيةِ الاتحادِ والترقي ومحاولاتِ طمسِ الهويةِ العربيةِ، مما عززَ لديه القناعةَ بضرورةِ الاستقلالِ العربيِّ.
- انهيارُ الدولةِ: راقبَ تفككَ “الرجلِ المريضِ” من الداخلِ، واستخلصَ الدروسَ حولَ خطورةِ الفسادِ الإداريِّ والتبعيةِ الماليةِ، وهي الدروسُ التي سيطبقها لاحقاً عندَ تأسيسِ وزارةِ الماليةِ السوريةِ.
3. الحقبةُ الفيصليةُ وهندسةُ الدولةِ (١٩١٨-١٩٢٠)
مع انتهاءِ الحربِ العالميةِ الأولى وانسحابِ العثمانيين، دخلت القواتُ العربيةُ دمشقَ في تشرين الأول ١٩١٨، معلنةً قيامَ الحكومةِ العربيةِ بقيادةِ الأميرِ فيصل بن الحسين. كانَ فارس الخوري من أوائلِ الشخصياتِ التي استُدعيت للمساهمةِ في بناءِ الدولةِ الوليدةِ.
3.1 وزارةُ الماليةِ: التأسيسُ من الصفرِ
تولى فارس الخوري حقيبةَ الماليةِ في حكومةِ المديرين (مجلس المديرين) برئاسةِ الفريقِ رضا باشا الركابي، ثم جددَ له في وزارةِ هاشم الأتاسي في أيار ١٩٢٠.16
لم تكن المهمةُ سهلةً؛ فقد ورثت الحكومةُ العربيةُ خزانةً خاويةً، ونظاماً ضريبياً عثمانياً متهالكاً، وعملةً ورقيةً منهارةً. قامَ الخوري بجهودٍ جبارةٍ تضمنت:
- بناءُ الهيكلِ الإداريِّ: إنشاءُ البنيةِ التحتيةِ للوزارةِ، وتوزيعُ الدوائرِ والمهامِ، واختيارُ الكوادرِ بناءً على الكفاءةِ لا الولاءاتِ.16
- صياغةُ القوانينِ الماليةِ: وضعُ تشريعاتٍ تضبطُ الإيراداتِ والنفقاتِ، مؤسساً لمبدأِ الشفافيةِ الماليةِ.
3.2 التعريبُ والسيادةُ الثقافيةُ
آمنَ الخوري بأنَّ الاستقلالَ السياسيَّ يبقى منقوصاً دونَ استقلالٍ لغويٍ وثقافيٍ. ساهمَ بشكلٍ فعالٍ في تأسيسِ المعهدِ الحقوقيِّ (نواة جامعة دمشق) عام ١٩٢٣، وقادَ مع نخبةٍ من المربين حملةً لتعريبِ المناهجِ.16
قاموا بترجمةِ القوانينِ والمقرراتِ الدراسيةِ من التركيةِ العثمانيةِ إلى العربيةِ. لم تكن مجردَ ترجمةٍ حرفيةٍ، بل كانت عمليةَ “إحياءٍ” للمصطلحاتِ العربيةِ الفقهيةِ والقانونيةِ، ليثبتوا للعالمِ أنَّ اللغةَ العربيةَ قادرةٌ على استيعابِ علومِ العصرِ وإدارةِ الدولةِ الحديثةِ.
4. الانتدابُ الفرنسيُّ: معاركُ الرموزِ والكرامةِ (١٩٢٠-١٩٤٦)
شكلَ إنذارُ غورو و دخولُ القواتِ الفرنسيةِ دمشقَ في ٢٥ تموز ١٩٢٠ صدمةً للمشروعِ الاستقلاليِّ، لكنه أطلقَ شرارةَ نضالٍ سياسيٍ ودبلوماسيٍ قادهُ الخوري ببراعةٍ، مستخدماً التاريخَ و القانونَ كسلاحينِ أمضى من البنادقِ.
4.1 حادثةُ قصرِ المهاجرين: درسٌ بليغٌ في فلسفةِ البقاءِ
تُعدُّ المواجهةُ الكلاميةُ بين فارس الخوري والجنرالِ هنري غورو في قصرِ المهاجرين إحدى أهمِ السردياتِ المؤسسةِ للوعيِ الوطنيِّ السوريِّ، وتستحقُ تحليلاً مفصلاً يربطها بما أسلفناه عن هيغل وتشرشل.
السياقُ المكانيُّ والزمانيُّ:
- في صيفِ عام ١٩٢٠، وبعدَ معركةِ ميسلون، دخلَ الجنرالُ غورو دمشقَ منتصراً.
- أرادَ توجيهَ رسالةِ إذلالٍ رمزيةٍ للنخبةِ السوريةِ، فدعاهم إلى مأدبةِ غداءٍ في “قصرِ المهاجرين”.
هذا القصرُ لم يكن مكاناً عادياً؛ بناه الوالي العثماني ناظم باشا، ثم سكنه جمال باشا (السفاح) أثناءَ الحربِ، ثم اتخذه الملكُ فيصل مقراً لحكمه، وها هو الآن يصبحُ مقراً للمفوضِ السامي الفرنسيِّ.18
المواجهة:
أثناءَ المأدبةِ، نظرَ غورو إلى الحاضرين (الذين كانوا وزراءَ ومسؤولينَ في عهدِ فيصل) وقالَ بلهجةٍ متهكمةٍ واستعلاءِ المنتصرِ:
“أهذا هو القصرُ الذي كانَ يسكنه الملكُ فيصل؟”
سادَ الصمتُ القاعةَ، فالكلماتُ كانت محملةً بالشماتةِ وبإعلانِ نهايةِ الحلمِ العربيِّ. هنا انبرى فارس الخوري، ببديهته الحاضرةِ وثقته المستمدةِ من عمقِ التاريخِ، ليردَ رداً قلبَ السحرَ على الساحرِ:
“نعم يا عطوفةَ الجنرال. وكانَ أولَ من أنشأه الوالي العثماني ناظم باشا، واحتله بعده جمال باشا أثناءَ الحربِ العالميةِ الأولى، وفي نفسِ هذه الغرفةِ تناولنا الطعامَ مع ناظم باشا ومع جمال باشا ومع المارشال أللنبي ومع الملكِ فيصل والآن معكم. وانظروا إلى تصرفاتِ القدرِ، فقد رحلوا جميعاً وبقي القصرُ وبقينا نحن”.19
التحليلُ العميقُ للحدثِ:
- تفكيكُ غطرسةِ القوةِ: ذكرَ الخوري الجنرالَ غورو بسلسلةٍ من الأسماءِ (ناظم، جمال، أللنبي، فيصل) الذين مروا من هنا وكانوا يملكونَ القوةَ والسلطةَ، لكنهم جميعاً رحلوا. لقد وضعَ غورو في حجمه الطبيعيِّ: “مجردُ عابرٍ آخر” في تاريخِ دمشقَ الطويلِ.
- ثباتُ الهويةِ (بقينا نحن): العبارةُ الختاميةُ “بقينا نحن” هي جوهرُ الفلسفةِ الوطنيةِ. الجيوشُ تتغيرُ، الحكامُ يتبدلونَ، لكنَّ أهلَ الأرضِ هم الثابتُ الوحيدُ.
- درسٌ هيغليٌ: طبقَ الخوري مقولةَ هيغل عملياً، مذكراً غورو بأنَّه لم يتعلمْ من مصيرِ من سبقوه، وأنَّ نشوةَ النصرِ الحاليةَ ستزولُ حتماً كما زالت لغيره.
4.1 النضالُ السياسيُّ المؤسسيُّ
لم يكتفِ الخوري بالبلاغةِ، بل انخرطَ في العملِ التنظيميِّ:
- حزبُ الشعبِ (١٩٢٥): أسسَ مع الدكتور عبد الرحمن الشهبندر “حزبَ الشعبِ”، ليكونَ الذراعَ السياسيَّ للثورةِ السوريةِ الكبرى، وشغلَ منصبَ نائبِ الرئيسِ.16
- العملُ البرلمانيُّ: انتُخبَ عضواً في الجمعيةِ التأسيسيةِ عام ١٩٢٨، حيثُ ساهمَ في صياغةِ دستورٍ أكدَ على الوحدةِ السوريةِ ورفضَ الانتدابَ، مما أدى لتعطيله من قبلِ الفرنسيين. تدرجَ في المناصبِ النيابيةِ حتى وصلَ لرئاسةِ البرلمانِ (١٩٣٦-١٩٣٩) و(١٩٤٣-١٩٤٤).16
- معاهدةُ ١٩٣٦: كان عضواً محورياً في الوفدِ السوريِّ إلى باريس، حيثُ فاوضَ حكومةَ الجبهةِ الشعبيةِ الفرنسيةِ. استخدمَ حججاً قانونيةً دقيقةً لانتزاعِ اعترافٍ فرنسيٍ بالاستقلالِ، وهو ما تُوجَ بالمعاهدةِ التي وإن لم تُطبقْ كاملةً بسببِ الحربِ، إلا أنها شكلت سنداً قانونياً للمطالبةِ بالاستقلالِ لاحقاً.
5. الدبلوماسيةُ السوريةُ على المسرحِ الدوليِّ (١٩٤٥-١٩٤٨)
مع نهاياتِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، انتقلَ نضالُ فارس الخوري من المستوى المحليِّ و الإقليميِّ إلى المستوى العالميِّ، حيثُ لعبَ دوراً حاسماً في تأسيسِ منظمةِ الأممِ المتحدةِ وتثبيتِ مكانةِ سوريا بين الأممِ.
5.1 مؤتمرُ سان فرانسيسكو: سوريا بين الكبارِ
في ربيعِ عام ١٩٤٥، توجهَ فارس الخوري إلى الولاياتِ المتحدةِ رئيساً للوفدِ السوريِّ في مؤتمرِ سان فرانسيسكو التأسيسيِّ للأممِ المتحدةِ.
كانت سوريا قد أعلنت الحربَ على دولِ المحورِ في شباط ١٩٤٥ لضمانِ مقعدها.21 ضمَ الوفدُ شخصياتٍ لامعةً (معظمهم خريجو الجامعةِ الأمريكيةِ)، لكنَّ الخوري كانَ “المايسترو“. بملابسه الوقورةِ وحضوره الطاغي، لفتَ الأنظارَ كشخصيةٍ قادمةٍ من عمقِ الشرقِ لتشاركَ في صياغةِ مستقبلِ العالمِ.11
5.2 واقعةُ الكرسيِّ الفرنسيِّ في الأممِ المتحدةِ
تتكررُ رمزيةُ “الكراسي” في مسيرةِ الخوري. في إحدى جلساتِ مجلسِ الأمنِ (أو المؤتمرِ التأسيسيِّ بحسبِ بعضِ الرواياتِ)، دخلَ فارس الخوري القاعةَ باكراً وتوجهَ مباشرةً ليجلسَ على المقعدِ المخصصِ للمندوبِ الفرنسيِّ.
عندما وصلَ السفيرُ الفرنسيُّ، وجدَ الخوري يحتلُ مكانه، فثارت ثائرتُه وطلبَ منه المغادرةَ فوراً.
نظرَ إليه الخوري بهدوءٍ، ثم وجهَ كلامه للحاضرينَ بصوتٍ مسموعٍ:
“أنتَ مستاءٌ لأنني جلستُ على كرسيكَ لمدةِ خمسِ دقائق. تخيلْ كيفَ يشعرُ السوريون بعدَ ٢٥ عاماً من احتلالكم لبلادهم!”.11
دلالاتُ الموقفِ:
لم يكن تصرفاً صبيانياً، بل “مناورةً دبلوماسيةً” محسوبةً بدقةٍ. لقد استغلَ الخوري المنبرَ الدوليَّ، واهتمامَ الصحافةِ، ليحولَ خلافاً بروتوكولياً صغيراً إلى قضيةِ رأيٍ عامٍ عالميٍ، فاضحاً جوهرَ الاستعمارِ: “كيفَ تطالبونَ بالحريةِ في أوروبا وتستعبدونَ الشعوبَ في الشرق؟“.
5.3 رئاسةُ مجلسِ الأمنِ ومعركةُ فلسطين
بفضلِ حنكتِه، انتُخبت سوريا عضواً غيرَ دائمٍ في مجلسِ الأمنِ، وترأسَ الخوري المجلسَ في كانون الأول ١٩٤٦.21
بعدَ تحقيقِ الجلاءِ التامِ للقواتِ الفرنسيةِ في ١٧ نيسان ١٩٤٦، كرسَ الخوري جهده الدبلوماسيَّ للقضيةِ الفلسطينيةِ. عارضَ بشدةٍ قرارَ التقسيمِ عام ١٩٤٧، محذراً في خطاباتٍ تاريخيةٍ موثقةٍ من أنَّ زرعَ كيانٍ غريبٍ في المنطقةِ سيؤدي إلى حروبٍ لا تنتهي، وهو ما أثبتته الأيامُ، مصداقاً لرؤيته الاستشرافيةِ.21
6. تحدي الحكمِ العسكريِّ وصراعُ المبادئِ (١٩٤٩-١٩٥٨)
شهدت سوريا بعدَ الاستقلالِ مرحلةً من الاضطرابِ السياسيِّ، دشنها حسني الزعيم بأولِ انقلابٍ عسكريٍ في العالمِ العربيِّ عام ١٩٤٩. هنا ظهرَ المعدنُ الديمقراطيُّ الحقيقيُّ لفارس الخوري.
6.1 “لقد فتحتَ باباً لن يغلقه التاريخُ”
حاولَ حسني الزعيم استمالةَ فارس الخوري لإضفاءِ شرعيةٍ مدنيةٍ على انقلابه العسكريِّ. عرضَ عليه مناصبَ ومكاسبَ، لكنَّ جوابَ الخوري كانَ صارماً وحاسماً:
“أنا لا أعملُ مع العسكرِ، سامحكَ الله، لقد فتحتَ باباً لسوريا سيجدُ التاريخُ صعوبةً في إغلاقه!”.21
التحليلُ:
تُعدُّ هذه العبارةُ من أدقِّ النبوءاتِ السياسيةِ في تاريخِ سوريا الحديثِ. أدركَ الخوري، بخبرته القانونيةِ والتاريخيةِ، أنَّ تدخلَ الجيشِ في السياسةِ هو “خطيئةٌ أصليةٌ” ستدمرُ المؤسساتِ الدستوريةَ وتحولُ الدولةَ إلى ساحةٍ للصراعاتِ المسلحةِ بدلاً من التداولِ السلميِّ للسلطةِ. رفضُه التعاونَ مع الزعيمِ، ثم مع أديب الشيشكلي، كانَ موقفاً أخلاقياً دفعَ ثمنه بالابتعادِ عن المشهدِ السياسيِّ لسنواتٍ (١٩٤٩-١٩٥٤)، مفضلاً العزلةَ بشرفٍ على المشاركةِ في اغتيالِ الديمقراطيةِ.
6.2 العودةُ الأخيرةُ: حكومةُ ١٩٥٤
بعدَ سقوطِ نظامِ الشيشكلي وعودةِ الحياةِ النيابيةِ، استدعى الرئيسُ هاشم الأتاسي “رجلَ الأزماتِ” فارس الخوري لتشكيلِ الحكومةِ في تشرين الأول ١٩٥٤.22
تميزت فترتُه الأخيرةُ بالتمسكِ بالسيادةِ الوطنيةِ:
- رفضُ حلفِ بغداد: رغمَ ضغوطِ الغربِ وعلاقاته الجيدةِ مع العراق، رفضَ جرَّ سوريا إلى أحلافٍ عسكريةٍ تُفقدها استقلالَ قرارها.21
- الموقفُ من الوحدةِ: كانَ وحدوياً بعقلانيةٍ. عارضَ الاندماجَ الكليَّ المتسرعَ مع مصر في الجمهوريةِ العربيةِ المتحدةِ (١٩٥٨)، مفضلاً اتحاداً فيدرالياً يحفظُ التعدديةَ السياسيةَ والحرياتِ في سوريا. كانَ يخشى من استنساخِ نظامِ الحزبِ الواحدِ وتأميمِ الحياةِ السياسيةِ.23
7. جدولُ البياناتِ التوثيقيُّ
لتقديمِ نظرةٍ شاملةٍ وموجزةٍ، نلخصُ أهمَ المحطاتِ والبياناتِ في الجدولِ التالي:
جدول ١: التسلسلُ الزمنيُّ والمناصبُ لفارس الخوري
| الفترة الزمنية | المنصب / الحدث | التفاصيل والأثر السياسي |
| ١٨٧٧ | الولادة | ولد في الكفير، ونشأ في بيئة ريفية صقلت شخصيته. |
| ١٩١٤-١٩١٨ | نائب في “المبعوثان” | مثل دمشق في البرلمان العثماني؛ خبر آليات انهيار الدول. |
| ١٩١٩-١٩٢٠ | وزير المالية | أسس النظام المالي للدولة السورية في عهد الملك فيصل. |
| ١٩٢٠ | حادثة قصر المهاجرين | المواجهة الرمزية مع الجنرال غورو (درس في السيادة). |
| ١٩٢٥ | تأسيس حزب الشعب | نائب الرئيس؛ قاد النضال السياسي ضد الانتداب. |
| ١٩٣٦ | مفاوضات باريس | صاغ المعاهدة السورية-الفرنسية ببراعة قانونية. |
| ١٩٤٥ | رئيس وفد الأمم المتحدة | قاد سوريا للانضمام للمجتمع الدولي؛ حادثة الكرسي. |
| ١٩٤٧-١٩٤٨ | رئيس مجلس الأمن | دافع عن فلسطين وعارض قرار التقسيم بحجج قانونية. |
| ١٩٥٤-١٩٥٥ | رئيس الوزراء | آخر حكومة ديمقراطية قبل حقبة الوحدة؛ رفض الأحلاف. |
| ١٩٦٢ | الوفاة | رحل في دمشق تاركا إرثاً من النزاهة والعمل المؤسسي. |

8. خاتمةٌ ورسالةٌ موجهةٌ: إلى الحكومةِ السوريةِ المؤقتةِ
إنَّ استدعاءَ سيرةِ فارس الخوري في هذا التقريرِ ليسَ تمريناً أكاديمياً، بل هو استحضارٌ لنموذجٍ حيٍ في “بناءِ الدولةِ من اللاشيء“. اليومَ يواجه السوريون ظروفاً تشابهُ، بل تبذُّ في قسوتها، الظروفَ التي واجهها الخوري عام ١٩١٩ وعام ١٩٤٥. إنَّ التاريخَ، كما علمنا هيغل و تشرشل و منيف، يلقي مسؤولياتٍ جساماً، وهذه أبرزُ الدروسِ المستخلصةِ:
- الشرعيةُ تنبعُ من المؤسساتِ لا من البنادقِ.
- إدارةُ الذاكرةِ الوطنيةِ.
- الدبلوماسيةُ القائمةُ على النديّةِ.
- الاستقلالُ الماليُّ والقرارُ السياديُّ.
ختاماً، إنَّ قصرَ المهاجرين بقي، ورحلَ غورو. سوريا باقيةٌ، والأزماتُ عابرةٌ. العبرةُ بمن يزرعُ في الأرضِ مؤسساتٍ، وفي العقولِ وعياً، وفي القلوبِ وطناً يسعُ الجميعَ.
مراجع البحث
- PhiloFactChecking no. 1: “We learn from history that we do not learn from history.” Did Hegel actually write this? – Resolvement, accessed December 10, 2025, https://resolvement.wordpress.com/2021/02/15/philo-fact-checking-no-1-we-learn-from-history-that-we-do-not-learn-from-history-did-hegel-actually-write-this/
- Quote Origin: We Learn From History That We Do Not Learn From History – Quote Investigator, accessed December 10, 2025, https://quoteinvestigator.com/2024/03/06/learn-history/
- accessed December 10, 2025, https://winstonchurchill.org/resources/speeches/speeches-about-winston-churchill/the-study-of-history-and-the-practice-of-politics/#:~:text=MacMillan.,all%20the%20secrets%20of%20statecraft.%E2%80%9D
- Why are history majors successful in political and public policy careers? – history@osu.edu – The Ohio State University, accessed December 10, 2025, https://history.osu.edu/careers/politics
- “The longer you can look back, the further you can look forward.” | Beehive.govt.nz, accessed December 10, 2025, https://www.beehive.govt.nz/speech/%E2%80%9C-longer-you-can-look-back-further-you-can-look-forward%E2%80%9D
- “Who Controls the Past Controls the Future” Quote Meaning – ThoughtCo, accessed December 10, 2025, https://www.thoughtco.com/what-does-that-quote-mean-archaeology-172300
- 1984: Famous Quotes Explained – SparkNotes, accessed December 10, 2025, https://www.sparknotes.com/lit/1984/quotes/
- Who controls the past, controls the future: who controls the present, controls the past. . . . The mutability of the past is the central tenet of Ingsoc. Past events, it is argued, have no objective existence, but survive only in written records and in hu | Society of American Archivists, accessed December 10, 2025, https://www2.archivists.org/glossary/citation/who-controls-the-past-controls-the-future-who-controls-the-present-controls-the-pa
- “The Good Earth” – Princeton Magazine, accessed December 10, 2025, https://www.princetonmagazine.com/the-good-earth/
- Knowledge is Power – The Value of our Archives | Hames Sharley, accessed December 10, 2025, https://www.hamessharley.com.au/knowledge/knowledge-is-power
- Who Is This Man Sitting in the French Ambassador’s Seat? – Syrian Guides, accessed December 10, 2025, https://syrianguides.com/who-is-this-man-sitting-in-the-french-ambassadors-seat/
- Jane Fonda Quotes About Reality, accessed December 10, 2025, https://www.azquotes.com/author/4959-Jane_Fonda/tag/reality
- Jane Fonda quote: I don’t know if a country (America) where the people, accessed December 10, 2025, https://www.azquotes.com/quote/528661
- إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء : عرفات في ذكراه الرابعة عشر ..عرفات ومهجته القدس, accessed December 10, 2025, https://group194.net/article/92411
- “كورونا” إشكالية البحث والتأريخ! – جريدة الرؤية العمانية, accessed December 10, 2025, https://alroya.om/post/262283/%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B1%D9%8A%D8%AE
- Fares al-Khoury – Wikipedia, accessed December 10, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/Fares_al-Khoury
- Chairman of Committee 5. – HEM Faris Al Khoury, (SYRIA), accessed December 10, 2025, https://www.un.org/en/ga/fifth/Bio/1946.pdf
- قصر المهاجرين – فارس الخوري والجنرال غورو في قصر حسين ناظم باشا (11), accessed December 10, 2025, https://syrmh.com/2019/05/30/%D9%82%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84/
- كيف ينتقم الزعماء؟ الرموز والإشارات في السياسة – رصيف22, accessed December 10, 2025, https://raseef22.net/article/1079364-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B9%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%88%D8%B2-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9
- Syria and Lebanon Under the French Mandate: Cultural Imperialism and the Workings of Empire 9781350988330, 9781838609207 – DOKUMEN.PUB, accessed December 10, 2025, https://dokumen.pub/syria-and-lebanon-under-the-french-mandate-cultural-imperialism-and-the-workings-of-empire-9781350988330-9781838609207.html
- Symbols and Flags of the State in Syria (2) Fares al-Khoury – تيار المستقبل السوري, accessed December 10, 2025, https://sfuturem.org/en/2024/05/symbols-and-flags-of-the-state-in-syria-2-fares-al-khoury/
- Fares al-Khoury government – Wikipedia, accessed December 10, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/Fares_al-Khoury_government
- Fares al-Khoury – Grokipedia, accessed December 10, 2025, https://grokipedia.com/page/Fares_al-Khoury







