قصة غسان بن جدو عندما باع ضميره ليصبح مُسَوِّقاً لأنظمة الأستبداد
من يدخل في بوابة “أبجديات الإعلام“، يقرأ في البند الأول أنَّه يتوجب على الإعلامي أنْ يتقن كل أدبيات الثقافة، كي لا يجد نفسه يوما غير عارف بعلم من العلوم، وهذا يعني أن يكون متسع المدارك، حاضر الفكر، لبِق الحوار، الأمر الذي يؤهله لنقل ثقافة الآخرين والتفاعل معها بما يتفق وحاجات المجتمع الذي يخاطبه، وكذلك الإلتزام بما يناسب الأخلاق والمصلحة الوطنية. وهذا يخلق فيه صفة ضرورية وهي عالمية التفكير وعالمية التوجه، وأن يُتقن أنسنة الرأي دون تفريط في ولائه لوطنه وأهله، أميناً في نقل ما هو بصدده من قضايا وأفكار، كريم النفس، بعيداً عن الابتزاز واقتناص الفرص على حساب مسؤوليته الاجتماعية ليس مغروراً. وألا يكون مطبّلاً ومسحّجاً أو مبتزّاً لهذه الجهة أو تلك مقابل دراهم معدودة كما هو الحال عند الكثير ممن يتنطحون بأنهم إعلاميون.
وأبجدية الإعلام، تعلمنا أيضاً أن الإعلامي يجب أن يكون، لا يغريه موقعه فتندثر عنده المثل العليا التي يجب عليه أن يناضل من أجلها. “هذه هي نظرة الأستاذ سليمان الطعاني للإعلامي الجدير بنيل كلمة إعلامي“.
وأضف إلى ماتفضل به الأستاذ الطعاني أن الإعلامي يبقى إنسانا له مشاعر وأحاسيس ويجب أن يكون له مواقف مناصرة للخير والحق والجمال، ويجب أن يكون ثابتاً، ورابط الجأش، ومتمسكاً بالذود عن الحقيقة لا يخشى بالبوح عنها والصدع بها لومة لائم.
جنوح الإعلاميين .. “بن جدّو نموذجاً”
غسان بن جدو شخصية مشهورة ومعروفة وكانت تعيش تحت الشمس،
وهي شخصية موهوبة وتمتلك حصيلة من الثقافة لا بأس بها، لكننا تعلمنا أن التربية والأخلاق ومساندة المظلومين والوقوف بوجه الطغاة والمستبدين، هي التي تميز الإنسان الحقيقي من الإنسان المزيف الذي لا يهمه سوى إشباع ملذاته ولو على دماء البشر.
هذه الشخصية أزمعت تناولها على الرغم من مرور عقد ونيف من جرائمها الإعلامية؛ لأن الجرائم الإعلامية كما أرى لا تسقط بالتقادم ويبقى صداها وتأثيرها على مرور الشهور والأعوام هذا من ناحية، ومن جانب آخر يمكنني القول إن المدعو بن جدو قد استطاع تمرير رسائله الباطلة والتي تفوح منها رائحة الحقد والشر والانتهازية دون تفنيد.
وقد تكشفت دوافعه لاحقا بأنها تنحصر في أمور ثلاثة:
-
-
- طائفية مقيتة.
- نيل المنصب.
- كسب المال.
-
فقد تقلب الرجل – إن صحت الكلمة في حقه – بين أعمال مختلفة، سنذكرها لاحقاً. وكان أبرزها عمله في قناة الجزيرة” نحو سبع سنين، حيث ترأس إدارة مكتبها في بيروت عام 2004، ثم استقال منها عام 2011 وسط زخم أحداث الربيع العربي ثم أسس بعدها شبكة الميادين الإعلامية.
كان غسان يصدّر نفسه للناس على أنه علماني يكافح من أجل نشر الديمقراطية والحرية والعدالة وينتقد الأنظمة العربية الديكتاتورية، وقد عارض حكم الرئيس زين العابدين رئيس تونس متوجهاً إلى لبنان، وقد كان حريصا على انتقاء الشخصيات التي يختارها ويحاورها بأن يكون لونها غالبا مشابهاً لتوجهه العلماني.
وعندما لاحت أعلام الثورات العربية في آفاق البلاد العربية الغارقة بالفساد والطغيان، وكان ذلك هو الاختبار الحقيقي لغسان وأمثاله سرعان ماسقط في وحل المال والطائفية، واختار طريق الديكتاتوريين، فقد كان ينحدر من أصول شيعية، فأبوه شيعي وزوجته شيعي، ولكنه لم يكن يعترف بشيعته كتمذهب وإنما كانتماء.
نتائج فاضحة
ما إن شرعت ثورات الربيع العربي بالانفجار حتى بدأت العروض تنهال عليه ولاسيما من أبناء جلدته الحقيقيين السيد حسن نصر الله وبطانته، ولم يتوان السيد بن جدو عن تلبية الدعوة، مبادراً بتقديم الاستقالة من قناة الجزيرة ومنعطفاً إلى ضفة أخرى، ليترأس شبكة الميادين التي أنشئت وأسست من أجل تشويه الثورة السوريَّة خاصة، فقد رأى حزب الله ورئيسه نصر الله أن كل ثورات الربيع العربي على حق ولاسيما البحرين واليمن(الحوثي) إلا الثورة السوريَّة مؤامرة كونية؛ لأن أقرباءه وأشباهه من طائفة آل الأسد يحكمون سوريَّة.
لقد صنع من استديوهات الميادين مكاناً للافتراء والكذب وفبركة التمثيليات والمسرحيات ضد الشعب السوري الحر بإيعاز من مخابرات بشار وحسن دون أي وازع أخلاقي، وكان أخطرها مسرحيتين:
-
الأولى شعار ” العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت
إذا استرجعنا تاريخ سورية بعد الإستقلال ، 1946 نجد أنَّ الذي حكموا البلاد هم المسلمون السُنّة من شكري القوتلي.. إلى حسني الزعيم.. إلى أمين الحافظ..الخ… ووجدنا أن بناء جسور المواطنة بين السوريين كان شعارهم الرئيس والوحيد، ولم يعرف عن أحد منهم أنه تفوه ببنت شفة عن الطائفية، ولا يغيب عن ذهن أحد من السوريين وغيرهم من المهتمين بتاريخ سورية أن الزعيم السوري المسيحي المحبوب فارس الخوري وهو من الكتلة الوطنية قد حارب الانتداب الفرنسي، وتسلّم رئاسة البرلمان السوري ثم رئاسة الوزراء في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفارط ليعود رئيساً للحكومة في عهد الاستقلال سنة 1954 وأوكل إليه وزارة الأوقاف الإسلامية أيضاُ نزولاً عند طلب قادة المسلمين أن يتولى هذا المنصب.
فعن أي تابوت وبيروت تحدث بن جدو مفترياً؟
-
المسرحية الثانية ” نكاح الجهاد”
هذه المسرحية رسمها بن جدو وأقرانه بعنوان (جهاد النكاح)، التي يمكن توصيفها بأنها خليط بين المأساة والملهاة.
المأساة فقد آتت أوكلها وصدقها الكثيرون من الجهلاء.
الملهاة فهي تثير الضحك وتروح عن النفس، وأعتقد أنها تبزّ أقوى المسرحيات التي عرضت على خشبات المسرح وعلى الشاشات.
ولكي يمنحوا غطاء شرعياً للفكرة الجهنمية التي اخترعوها نسبوها إلى الشيخ السعودي محمد العريفي الذي ناصر الثورة السورية. ولكنَّ الشيخ فنَّد كذبهم وفبركاتهم قائلاً:
“إن هذه الفتوى التي قاموا بتأليفها وإخراجها ترفضها الأديان كلها، والفتوى هي أن الفتاة ينبغي أن تأتي إلى الثوار وتمكّن كل واحد منهم من نفسها وأن هذا يعتبر في حقها جهادا …” ويتابع العريفي “وهذا كلام لا يقول فيه عاقل فضلاً عن أن يكون طالب علم”.
وما يدل على أن غسان وميادينه الإعلاميَّة ضالعة في هذه المسرحية ما يلي: في سبتمبر2013 ذكر وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو شقيق غسان (يعني بالتواطؤ مع أخيه) بأن هناك تونسيات ذهبن إلى سوريَّة ومارسن الجنس. وقد تبع كلام وزير الداخلية التونسي، نفياً صريحاً من قبل وزارة المرأة التونسية التي قالت: “إنَّ لا صحة لكلامه“. إضافة على رد الحكومة التونسية على ذاتها، جاء نفي الجيش الحر قاطعاً ومكذباً افتراء الوزير التونسي، ووصف الجيش الحر ذلك بأنه فبركات إعلامية باطلة، وأنَّ ذلك يعد عند الجيش الحر زنا كامل الأركان، وليس جهاداً.
ذكرت "صحيفة لوموند الفرنسية- اضغط هنا" أن جهاد النكاح الذي جرى الحديث عنه في سورية غير موجود، وأشارت إلى أن الآلة الإعلامية للنظام السوري هي من اخترعت هذا المفهوم الجديد في إطار حربها على الثوار بعد أن كانت وصفتهم بأنهم من المتسللين من الخارج لنزع صفة الانتماء للوطن عنهم، وأنهم عصابات مسلحة لتبرير استخدامهما القوة ضد المتظاهرين.
ارهاصات اشكالية في مسيرة بن جدو
النشأة:
ولد في معتمدية القصور إحدى معتمديات الجمهورية التونسية، تابعة لولاية الكاف وهو من أبٍ تونسي شيعي. درس في تونس وتخرّج من كلية الآداب. انتقل بعدها إلى لبنان – مسقط رأس والدته من الطائفة المسيحية- وحصل على الجنسية اللبنانية وتزوج هناك من سيدة شيعية.
النشاط السياسي:
كان ناشطاً سياسياً ومعارضاً للنظام التونسي، وقد عرض عليه نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مرات عدة استلام مراكز قيادية إلا أنه رفض لأنه لم يكن مقتنعاً بحكم بن علي، ولأن الكثير من أصدقائه كانوا ما يزالون في السجون. الأمر الذي تسبب في نفيه وغيابه القسري عن تونس وبعده عنها لمدة 21 عاماً.
دخل مجال البحث ولكن عمله الصحفي المحترف بدأ عام 1990 مع صحيفة الحياة كمراسل لها في الجزائر. وبعدئذ أصبح عام 1992 في معهد الدراسات الدولية في واشنطن واستلم إدارة تحرير المجلة وبعد أشهر قليلة أسندت له وظيفة رئيس التحرير في المجلة، ومن ثم استقر في طهران كمراسل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في أواخر عام 1995.
فترة قناة الجزيرة:
بدايته مع الجزيرة كانت المشاركة من الدوحة في تقديم برنامج «أولى حروب القرن» والذي كان بعد 11 أيلول وبرنامج «ما وراء الأحداث» وكان برنامج دوري وإخباري.
أول حلقة من حوار مفتوح كانت خلال فترة تحرير جنوب لبنان عام 2000، لكن لم تكن الخطة أن يكون البرنامج أسبوعيا، فذهب ليغطي تحرير جنوب لبنان وأول حلقة حوارية قام بها كانت في معتقل وعلى الطاولة ذاتها التي كان يحقق عليها الضابط الإسرائيلي واستهوت الطريقة التي قدمت بها الحلقة في الهواء الطلق القائمين على القناة، ونصحوه بأن يكمل تقديم البرامج. وطلبوا منه أن يستقر في الدوحة وأن يكون مذيعا ويقدم البرنامج منها لكنه فضّل أن يكون بعيدا عن المركز.
وبعد ذلك قررت الإدارة أن يصبح مقدم برامج لكنه طلب أن يكمل عمله كمدير مكتب في طهران. وهكذا بدأ البرنامج كل شهر ابتداء من عام 2001 ثم أصبح البرنامج بدورية أسبوعية في أيار 2003. وانتقل بعدها كمدير لمكتب الجزيرة في بيروت عام 2004 حتى 24 أبريل سنة 2011.
في وسط أحداث الثورات العربية استقال من قناة الجزيرة معللا السبب بطريقة تغطية القناة وأسلوب تعاملها مع الأحداث العربية حيث خرجت، حسب زعمه، عن كونها وسيلة إعلام وتحولت إلى غرفة عمليات للتحريض والتعبئة. وكان بن جدو مؤيدا للثورات العربية، لكن موقفه انقلب تماما بعد اندلاع الثورة السورية التي اعتبرها تستهدف النظام السوري. لكن منتقديه يدعون أن السبب هو تعارض الثورة السورية مع المصالح الإيرانية ومصالح حزب الله.
صرح فيما بعد أن أحداث البحرين كانت النقطة الرئيسية التي دفعته إلى اتخاذ قراره بالاستقالة.
تأسيس قناة الميادين
بعد الاستقالة قرر إنشاء قناة فضائية جديدة، وكان يريد إطلاق محطة تونسية ببعد عربي، لكنه شعر بأن المطلوب إطلاق محطة عربية بسبب الظروف السياسية، وقام بن جدو بتوأمة مشروعه في عملية دمج مع قناة الاتحاد التابعة للإعلامي (نايف كريم)، التي كانت في مرحلة البث التجريبي، ليصار من خلالها إلى شبكة إعلامية عربية موحدة، مدعية مناصرة الحريات وتبني قضايا المقاومة.
أسّس بن جدو قناة الميادين، التي استقطبت أشباهاً له من أمثال نايف كريم (المدير العام للشبكة)، وآخرون من الذين لفظتهم المؤسسات الإعلامية ذات المصداقية. ولا يخفى على أحد أن استقالة بن جدو من الجزيرة كان نتيجة اغراء قدمته إيران وحزب الله لنشر ثقافة سياسة شيطانية معادية لحرية الشعوب العربية.
خاتمة
بعد أنْ أصبح الشعب السوري صاحب أسطورة “طائر الفينيق المعاصرة”، فكلما اعتقد خصومه أنهم قضوا عليه، يخرج من رماد الحريق مندفعاً متجدداً متحدياً، مطالباَ بحقوقه المشروعة.
ومما خيب آمال المستبدين هو تجدد جذوة الثورة، ونفخ الروح فيها من جديد على يد فرسان جبل العرب الأشاوس.
لقد فشلت أبواق النظام من المرتزقة والطائفيين والمجرمين وأصحاب الكبتاغون، لتخوين “الموحدون – الدروز” في جبل العرب وتثبيط هممهم، وكان على رأسهم الصحفي الأفاق بن جدو، الذي يطل علينا من جديد، ليخرج فيديوهات قديمة بعد أن فرغت جعبته من الكذب والافتراء مهدداً فيها بطريقة غير مباشر أهلنا في جبل العرب الأشم.
كان وما زال بن جدو بصمة عار في الإعلام العربي لجنوحه عن أدبيات العمل الصحفي وتماديه في الافتراء على أعظم ثورة عربية في التاريخ، رغم علمه بأنَّ افتراءاته هذه لا تذهب بالتقادم أنَّها بقعة سوداء مخزية في صفحات تاريخ الثورة السورية البيضاء.