في شهر آذار 2023، خصصت الحكومة الصينية مبلغ 54.84 مليار يوان (حوالي 8 مليارات دولار) كميزانية للإنفاق الدبلوماسي للعام الجاري، بزيادة قدرها 12.2 في المائة من تطوير الآليات والوسائل التي ترتكز عليها الاستراتيجية الإعلامية والدعائية الخارجية، وتوثيق العلاقات مع الدول المترنحة مع الأجندة الأمريكية.
الدب الصيني .. قفزة استراتيجية
من الثابت أنَّ ثمة علاقة حيوية قوية ما بين الإعلام والسياسة الخارجية في النظام الدولي الراهن، إذ يُعد الإعلام أحد الوسائل المهمة لإنجاح السياسة الخارجية للدول، كما أنها تحقق المصلحة الوطنية عبر التأثير في الرأي العام في الدول الأخرى، وبالتالي في الرأي العام العالمي.
ولا مندوحة من الإعتراف بأنَّ الصين تعمل بجديّة -مؤخراً- للانطلاق إلى العالمية على الانتقال من مرحلة الانعزال والسلبية التي ميزت عهد الرئيس الحالي “شي جين بينغ”، لذلك شرع مؤخراً إلى تعزيز القوة الناعمة للصين من خلال طرحه رؤيته هذه، وأصبح هدف وسائل الإعلام الرسمية الصينية هو دعم الدبلوماسية الصينية في الخارج.
وقد تجلى ذلك الهدف في الآتي:
- الدفاع عن القضايا الجوهرية للصين التي تسببت في توجيه الانتقادات إليها، ومن أهمها:
- مسألة تايوان.
- أوضاع المسلمين في إقليم شينجيانغ.
- قضية التبت.
- حقوق الإنسان.
- مكافحة الفساد.
- الخلافات على بحر الصين الجنوبي.
- الأوضاع في هونغ كونغ.
- التصدي للهيمنة الإعلامية الغربية المعادية للصين: وفي رأس القائمة صراعها السياسي والإيديولوجي مع الولايات المتحدة.
- تصحيح ما أفرزته الدعاية الأمريكية من تصورات خاطئة تجاه بكين للسعي في دحض الترويج لخطاب “التهديد الصيني”، وتشويه سياسة الصين الداخلية والخارجية.
- توسيع نشاطها في تقديم تغطية إخبارية أكثر عن البلدان النامية كدول صديقة لدحض ما تقدمه وسائل الإعلام الغربية.
- البرهان على شفافية “الدبلوماسية الصينية” بأنها لا تمتلك أجندات خفية، بل تعلن عن تبنيها موقفا محايدا تجاه القضايا العالمية.
- إعادة رسم خارطة المشهد الإعلامي والمعلوماتي العالمي، وطرحه على المستوى الدولي، مع التركيز على الدول المرتبطة بشكل مباشر بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
- تعمل الصين على توثيق التعاون الإعلامي والدبلوماسي مع الدول النامية ذات الأسواق الناشئة، وفق المصطلح (دول الجنوب)، وخاصة في إطار مساعدتها في تنفيذ أهدافها والترويج لوجهة نظرها الرسمية.
- الترويج لنموذج التنمية والتحديث الصيني بما يكفل إقناع دول العالم كافة بذلك.
- توسيع نشر الثقافة الصينية باستخدام منصات إعلامية جديدة في الخارج، مثل الأفلام والحلقات التلفزيونية وألعاب الفيديو؛ بهدف تنفيذ الاستثمار الثقافي والتعاون في الخارج.
إتقان اللعبة
وقد سبق أنْ قدرت “منظمة مراسلون بلا حدود”، في عام 2019، أنَّ الصين استثمرت بهدف زيادة الانتشار العالمي لوسائل إعلامها نحو 1.3 مليارات دولاراً من أجل السيطرة على وسائل الإعلام الأجنبية عن طريق شراء حصص فيها، وهو ما نوهت إليه وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير أصدرته في أواخر أيلول 2023، ومثال ذلك هو أنَّ “مؤسسة الاستثمار الصينية” تمتلك حالياً 7% من شركة “يوتلسات” الفرنسية لإدارة الأقمار الاصطناعية؛ بهدف بث قنوات صينية للترويج للصين في قارة إفريقيا.
ومن الملاحظ أنه رغم حظر السلطات الصينية لوسائل التواصل الاجتماعي الغربية الرئيسية على شبكة الإنترنت الدولية، مثل “إكس أي تويتر سابقا” و”فيسبوك”، إلا أنَّ وسائل الإعلام الرسمية الصينية وممثلو الدبلوماسية فيها، ينشطون باستخدام الوسائل ذاتها لتوصيل السياسة الخارجية إلى الجمهور الأجنبي -المستهدف- بأوسع نطاق، وكذلك لجأت الصين مؤخراً إلى استعمال برامج الذكاء الاصطناعي الغربية لغزو رواد شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة ودول أخرى، مع ملاحظة توسيع قدراتها السيبرانية في السنوات الأخيرة.
اقتحام نظام الأسد والثورة السورية تهرول مكانها
من نافلة ما سبق من معلومات حول مستجدات الاستراتيجية الصينية الإعلامية والدعائية الخارجية، وتوثيق العلاقات مع الدول المترنحة مع الأجندة الأمريكية،
نجد أنَّ بشار الأسد الذي سبق له زيارة الصين في 2004 للقاء الرئيس الصيني آنذاك هو “جين تاو”، (وكانت هذه أول زيارة يجريها رئيس سوري إلى الصين منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1956)، إلا أنه استغل دعوته من الرئيس الصيني الحالي “شي جين بينغ” لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية في أيلول 2023، ليستفيد من مخرجات الانفتاح الصيني المستجد.
ونرى بالوقت ذاته أنَّ ممثلي المعارضة السورية ما زالوا قاصرين حتى اليوم في تجاربهم السياسية وما زالوا يتخذون موقف “استاتيكو” حيال كل الفرص التي أتيحت لهم أو متاحة الآن دون الاستفادة منها بشكل أو آخر.
ويعتبر ذلك مؤيداً لما ورد من تحليلات سبق ذكرها في كتاب رئيس المجلس الوطني د. برهان غليون “عطب الذات”.
الخاتمة
قال الشافعي:
إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها …………. فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ
واستدراكاً لتقصير من يمثلون الثورة السورية، يجب التأكيد عليهم أهمية الاستفادة من الظروف الملائمة عندما تتاح الفرصة لتحقيق الأهداف المنشودة، وأنَّ العمل والتحرك في اللحظة المناسبة يمكن أن يؤديان إلى النجاح والازدهار، وألا ينسوا أنَّ عقب كل خافقة سكون، ومثلما سيحاسب أولياء دم الشهداء القاتل، كذلك سيحاسبون المقصرين لكونهم لم يكونوا أمناء على الدم والعهد.