مقدمة
نشرت اليوم منصة “www.syriawise” التي تصدر باللغة الإنكليزية مقالة تحت عنوان “Aging threatens Syrian society” – بالعربية “الشيخوخة تهدد المجتمع السوري“. ولأهمية هذا الموضوع الاستشرافي وعلاقته بمآلات مستقبل سورية، وبصفتي عضواً في هيئة البورد في منصة سيرياوايز (Board Authority) سأعيد نشره مترجماً إلى اللغة العربية كي يتسنى لقراء منصة “مآلات“ الإطلاع عليه.
نص المقال
في مقطع فيديو قصير قدمه د. شفيق عربش -الموالي للنظام- نُشر مؤخراً باللغة العربية على حساب Q Business على YouTube بعنوان ” الشيخوخة تهدد المجتمع السوري”، وفيه يتم الإعلان بأنَّ العنوسة أصبحت ظاهرة شائعة في سوريا.
“المجتمع السوري يتجه نحو الشيخوخة”، يقول الدكتور شفيق عربش، أستاذ في كلية الاقتصاد قسم الإحصاء بجامعة دمشق ومدير سابق للجهاز المركزي للإحصاء بخبرة تزيد عن 30 عاماً في هذا المجال. وقد بيَّن أنَّ:
“نسبة الإناث إلى الذكور أكثر من الثلثين. وحالياً، هناك 600 ألف ولادة فقط، ولا تزال العديد من الوفيات غير مسجلة، وهي مشكلة”.
ومع اعترافه بأن العديد من الوفيات التي حدثت في سوريا منذ عام 2011، لم يتم تسجيلها، إلا أن الدكتور عربش لا يقدم أي تفسير للأسباب، بما في ذلك حقيقة أن النظام غالباً ما يفشل في تسجيل الوفيات العديدة التي يتحمل مسؤوليتها. لأن العديد من السوريين الذين ما زالوا يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام -على ما يُفترض ما يشير إليها لاحقاً باسم “المحافظات الآمنة”- في البلاد يخشون حتى تسجيل وفاة أو اختفاء أحد أفراد الأسرة بسبب التداعيات التي قد تتبع ذلك من النظام.
ولتوضيح المعايير التي تم استخدامها لتحديد أن الشيخوخة والعنوسة والوفيات والولادات تهدد المجتمع في سوريا، قال الدكتور عربش “يمكننا إجراء مقارنة بين عدد الطلاب في كل صف وعدد الحاصلين على شهادات التعليم الأساسي في عامي 2010 و2024. ويمكننا استخدام مقاييس أخرى، مثل استهلاك سوريا السنوي من القمح، وكمية الخبز المنتج يومياً، وكمية المازوت الموزعة، وعدد أسطوانات الغاز الموزعة، وهكذا.
“الآن نلاحظ أن العديد من المهن لديها عاملات من النساء. وكان عمل النساء هذا غير مقبول اجتماعياً قبل عام 2011”.
ويقول: “على سبيل المثال، بلغ عدد سكان سوريا المقيمين في الجمهورية العربية السورية في عام 2010 حوالي 19 مليون نسمة. ووفقاً لمعدلات النمو السكاني المعتمدة في ذلك الوقت، ينبغي أن يتراوح عدد السكان الحالي بين 27.5 إلى 28 مليون نسمة. إلا أن السكان المقيمين حالياً في المحافظات الآمنة لا يمثلون سوى 57% من السكان الذين ينبغي تواجدهم في سوريا”…… “لقد أثرت موجات الهجرة، سواء الهجرة الخارجية أو النزوح الداخلي، على عمل الجهاز المركزي للإحصاء. وأدت هذه الهجرة إلى خروج أكثر من ثلث السكان من البلاد، وخروج الشباب، وزيادة العنوسة في سوريا. والآن نلاحظ أن العديد من المهن لديها عاملات إناث. وكان عمل النساء هذا غير مقبول اجتماعياً قبل عام 2011”.
وفي إشارته إلى هجرة السوريين، لا يذكر الدكتور عربش أن وحشية النظام هي المسؤولة عن الغالبية العظمى من الهجرة السورية، وأن “رحيل الشباب” مع العائلات كان -إلى حد كبير- بسبب:
- “الخوف الذي جعل أبناءهم في النهاية إلى الرحيل”.
- “التجنيد القسري في الجيش السوري”.
- “أو مجرد الرغبة في العثور على مكان آمن لتربية أطفالهم الفارين من البلاد”.
وعلى الرغم من أنَّ القتال من أجل الوطن يعتبر أمراً نبيلاً في بعض البلدان، إلا أن الجيش السوري أصبح منذ عام 1970 تدريجياً مؤسسة عسكرية، لا ينصب تركيزها الأساسي على الدفاع عن البلاد، بل على ضمان بقاء النظام القمعي. كما أنه في ظل حكم الأسد، تطلب ذلك -بشكل متصاعد- من الجنود المشاركة في قتل إخوانهم السوريين. وهذا يفسر أيضاً الاختلال الشديد في التوازن بين الإناث والذكور وانخفاض متوسط العمر المتوقع للذكور، وهو ما ذكره الدكتور عربش في إحصائياته.
هناك عامل آخر غير مذكور فيما يتعلق بانخفاض الرعاية الصحية في سوريا، يشير إليه الدكتور عربش، وهو الاستهداف المتعمد للأطباء ومرافق الرعاية الصحية في البلاد من قبل النظام وحلفائه منذ عام 2011.
“عادة يبلغ المتوسط العمري المتوقع في سوريا للذكور 74.5 سنة وللإناث 76.5 سنة. لقد انخفض الآن. وهذا الانخفاض من 74 إلى 59 يعني أن معدل الوفيات بين الشباب أعلى بكثير مما كان عليه سابقا، والأسباب كثيرة. وأضاف الدكتور عربش: “هناك سوء تغذية، وآثار هذه الحرب، ومخاوف، وانخفاض الرعاية الصحية، وهو أمر مهم للغاية”.
هناك عامل آخر غير مذكور فيما يتعلق بانخفاض الرعاية الصحية في سوريا، يشير إليه الدكتور عربش، وهو الاستهداف المتعمد للأطباء ومرافق الرعاية الصحية في البلاد من قبل النظام وحلفائه منذ عام 2011، فضلاً عن التضخم الشديد الذي فرض على البلاد بسبب الفشل. إنَّ انهيار الاقتصاد في ظل الأسد، جعل العديد من السوريين يكافحون من أجل توفير الطعام لعائلاتهم. وأصبحوا يعتبرون – الآن- إنفاق الأموال على الرعاية الصحية ترفاً لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل كلفته.
وبحسب الدكتور عربش، فإن آخر تصريح لمدير نقابة الأطباء السورية يقول: “إن متوسط إنفاق المواطن السوري السنوي على الرعاية الصحية لا يتجاوز 100 دولار، في حين أن متوسط الإنفاق في الدول الأخرى يتجاوز 4000 دولار”.
لن يكون هناك حل لانحدار سوريا ككل، ما لم يتم نقل السلطة بنجاح إلى حكومة تهتم ببقاء الشعب والبلد أكثر من اهتمامها ببقاء النظام.
وصرح د. عربش أنه:
“يجب أن يكون هناك مليون ولادة سنوياً أو 1.1 مليون، مع حوالي 140.000 إلى 150.000 حالة وفاة سنوياً“. وتابع قائلاً: “حالياً هناك 600 ألف ولادة فقط، ولا توجد إحصائيات للوفيات لأن الكثير من الوفيات لا تزال غير مسجلة، وهذه مشكلة“.
الختام
ويختتم فيديو الدكتور عربش بتكرار تحذيره السابق بأن “المجتمع السوري يتجه نحو الشيخوخة، وقد لا نشعر بتأثيره على الفور”.
ولما كانت مهمة الإحصائي هي الاستشهاد بالإحصائيات، فقد فعل د. عربش ذلك قدر استطاعته في ظل الظروف الحالية، إلا أن الإحصائيات كانت مجرد أرقام لم تقدم أي حلول للمشكلة التي تمَّ طرحها. ولكن مع مرور الوقت، يصبح كما هو واضح من تفاقم الأمور وتصاعدها، أنه لن يكون هناك حل لتدهور سوريا ككل حتى يتم نقل السلطة بنجاح إلى حكومة تهتم ببقاء الشعب والبلد أكثر من اهتمامها ببقاء البلاد ملكاً للنظام الحالي.