تمهيد:
قبل التحدث عن تاريخ مدينة الرقة -ابنة الحضارة السورية-، لا بُدَّ من الإضاءة على الوضع الجيوسياسي والجيوبولوتيكي، اللذان أعطيا الهوية الإجتماعية والثقافية لأهم حضارات بلاد ما بين النهرين وسوريا منذ بداية نشوئها. وكذلك سيتم تلخيص أبرز التأثيرات التي جعلت حاضرة الرقة تشهد العلو والاعتساف خلال تاريخها القديم وحتى يومنا هذا.
من أبرز هذه الحضارات القديمة:
1. حضارة العبيد (حوالي 6500 – 3800 قبل الميلاد)، وفيها كانت بداية الزراعة وبناء القرى في جنوب بلاد ما بين النهرين.
2. حضارة الوركاء (حوالي 4000 – 3100 قبل الميلاد) حيث تطور تشكل المدن الأولى وظهور الكتابة المسمارية.
3. حضارة جمدة نصر (حوالي 3100 – 2900 قبل الميلاد)، وقد تميزت بتطور الكتابة والنظام الإداري.
4. الفترة السومرية المبكرة (حوالي 2900 – 2350 قبل الميلاد)، يلاحظ فيها تطور المدن المستقلة وظهور ملوك المدن.
5. الفترة الأكادية (حوالي 2334 – 2154 قبل الميلاد)، ومن أهم مراحلها ظهور إمبراطورية سرجون الأكادي وتوسعها.
6. الفترة الغوتية (حوالي 2154 – 2112 قبل الميلاد)، عندما جاء حكم الغوتيين بعد سقوط الإمبراطورية الأكادية.
7. الفترة السومرية الجديدة (حوالي 2112 – 2004 قبل الميلاد)، وفيها نهضت مدينة أور وحكم السلالة الثالثة.
8. الفترة البابلية القديمة (حوالي 2000 – 1595 قبل الميلاد) وأهم مراحلها صعود مدينة بابل وحكم حمورابي.
9. الفترة الآشورية القديمة (حوالي 2025 – 1378 قبل الميلاد) حيث كانت بداية الحضارة الآشورية في شمال بلاد ما بين النهرين.
10. الفترة الحثية (حوالي 1600 – 1178 قبل الميلاد) عندما تشكلت إمبراطورية الحثيين في الأناضول وسوريا.
11. الفترة الميتانية (حوالي 1500 – 1300 قبل الميلاد) وفيها اكتمل تشكل إمبراطورية ميتاني في شمال سوريا والعراق.
12. الفترة الآشورية الوسطى (حوالي 1365 – 1076 قبل الميلاد) حيث حدث توسع الإمبراطورية الآشورية وتطورها.
13. الفترة البابلية الوسيطة (حوالي 1595 – 1155 قبل الميلاد) وفيها تمَّ سقوط بابل وظهور الإمبراطورية الكاشية.
14. الفترة الآشورية الحديثة (حوالي 911 – 609 قبل الميلاد) التي ترافقت مع ذروة قوة الإمبراطورية الآشورية وتوسعها.
15. الفترة البابلية الحديثة (حوالي 626 – 539 قبل الميلاد) ومن أهم أحداثها صعود نبوخذ نصر الثاني وسقوط الإمبراطورية البابلية.
16. الفترة الفارسية (حوالي 539 – 331 قبل الميلاد) عندما تمَّ غزو بلاد ما بين النهرين وسوريا من قبل الإمبراطورية الفارسية.
17. الفترة الهلنستية (حوالي 331 – 63 قبل الميلاد)، وفيها تمَّ غزو الإسكندر الأكبر وقيام الممالك الهلنستية.
18. الفترة الرومانية (حوالي 63 قبل الميلاد – 330 ميلادي)، وقد حدثت عقب سيطرة الإمبراطورية الرومانية على بلاد ما بين النهرين وسوريا.
19. الفترة البيزنطية (حوالي 330 – 640 ميلادي)، التي تمَّ فيها استمرار السيطرة الرومانية الشرقية (البيزنطية) حتى الفتح الإسلامي.
20. الفترة الإسلامية المبكرة (حوالي 640 – 1258 ميلادي)، بعدما سيطرت الخلافة الإسلامية حتى سقوط بغداد على يد المغول.
هذه القائمة تغطي العديد من الحضارات المهمة التي نشأت في منطقة بلاد ما بين النهرين وسوريا على مر العصور.
الرقة مدينة الصمود
منذ باكورة تاريخ الحضارة السورية، صمدت مدينة الرقّة حتى اليوم رغم معاصرتها فترات من الازدهار والتراجع. لقد تأثّرت خلال تاريخها بتعاقب الحضارات والإمبراطوريات التي حكمتها، مما أكسبها نكهةً حضاريَّة تفرَّدت بها منذ نشأتها خلال حضارة العبيد (حوالي 6500 – 3800 قبل الميلاد)، حيث كانت بداية الزراعة وبناء القرى في جنوب بلاد ما بين النهرين وسوريا. وتشير الدراسات الأركيولوجية، أنَّ الرقة أصبحت حاضرةً متألقةً قبل حوالي 4000 سنة. وبعد معاصرتها كل الحضارات التي توالت على منطقة الهلال الخصيب بعد ذلك، أصبحت مدينةً تُجسِّد التقلّبات الحادة التي تطبع -عادة- مسيرة المدن والحضارات عبر الزمن.
في هذا المقال، نستعرض التطوّرات التي شهدتها حاضرة الرقَّة عبر العصور، ونسلّط الضوء على العوامل التي ساهمت في فترات ازدهارها وتراجعها. وكذلك نُبيِّن فيه:
كيف تفاعلت هذه المدينة مع الإمبراطوريات والقوى المختلفة التي تعاقبت على حكمها؟
وكيف تركت هذه التفاعلات بصماتها على هويّتها وتراثها؟
كما نتطرّق إلى الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة في سياق مجريات الثورة السورية 2011، وتداعياتها على واقع سكّانها وآفاق مستقبلهم.
حياة الرقّة عبر عشرات القرون الغابرة من التاريخ
الرقة مدينة تربض -اليوم- وادعة على الضفة الشمالية لنهر الفرات العظيم. وقد كانت نواة نشأتها عند ملتقى نهر الفرات مع رافده نهر البليخ على بعد 3 كم من مدينة الرقة الحالية عند تل “البيعة” الشهير في منطقة الجزيرة السورية، مشكلةً مركزاً حضارياً عريقاً يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد. في الوثائق المسمارية الرافدية في الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، وذلك وفقاً لنظرية الباحث «دوسان» عام 1962، الذي أشار أنَّ هذا الموقع (توتول) يخبئ في جوفه البقايا الأثرية للمدينة القديمة.
كان أهلها يعبدون -آنذاك – الإله الأوغاريتي (داجون) أو (دجن)-.
وهو إله قديم كان يُعبد في بلاد الشام، خاصةً في أوغاريت وإبلا وفلسطين. وكان يُعتبر إلهاً للخصوبة والزراعة، وارتبط أيضاً بالمطر والعواصف والبحار. لذلك غالباً ما يتم تصوير داجون على أنه كائن هجين، برأس وأكتاف بشرية وذيل سمكة.
وقد اكتسبت مدينة الرقة العديد من الأسماء بدءاً من توتول – بيت آدين – كالينيكوس, كالينيكوم, – نيكفوريوم – ليونتوبوليس – الرقة -، كما نسبت إليها أسماء أخرى مثل: الرقة البيضاء – الرافقة – الرقة السوداء – الرقة السمراء – رقة واسط – و الرقتان.
سردية “الرقة” تاريخياً
1. حاضرة توتول أو تُتُّل:
لفظة توتول تعني (المُطِلَّة)، لأنها تعلو مرتفعاً من الأرض (تلةٍ صغيرةٍ). وكانت هي نواةٌ لتشكيل هذه الحاضرة التي أخذت بالتوسع – تدريجياً- في منطقة تقع حوالي 3 كم في الشمالي الشرقي من مدينة الرقة -الحالية-.
وكما جاء في الدراسات الأركيولوجية أنَّ تاريخها يعود إلى عصر (أوروك) في الألف الرابع قبل الميلاد، حيث عاصرت توتول:
- حضارة الوركاء (حوالي 4000 – 3100 قبل الميلاد) – تطور المدن الأولى وظهور الكتابة المسمارية.
- حضارة جمدة نصر (حوالي 3100 – 2900 قبل الميلاد) – تطور الكتابة والنظام الإداري.
- الفترة السومرية المبكرة (حوالي 2900 – 2350 قبل الميلاد) – تطور المدن المستقلة وظهور ملوك المدن.
- الفترة الأكادية (حوالي 2334 – 2154 قبل الميلاد) – إمبراطورية سرجون الأكادي وتوسعها.
الفترة الغوتية (حوالي 2154 – 2112 قبل الميلاد) – حكم الغوتيين بعد سقوط الإمبراطورية الأكادية. - الفترة السومرية الجديدة (حوالي 2112 – 2004 قبل الميلاد) – نهضة مدينة أور وحكم السلالة الثالثة.
- الفترة البابلية القديمة (حوالي 2000 – 1595 قبل الميلاد) – صعود مدينة بابل وحكم حمورابي.
تشير الدراسات أنَّ توتول تعرضت لهجوم كاسح عام ١٣٥٠ ق.م عند ظهور الآشوريين وتوسعهم في منطقة الجزيرة السورية حتى أعالي الفرات.
2. توتول في عهد الإحتلال الآشوري
أدت سيطرة المملكة الآشورية عام ١٣٥٠ ق.م إلى نشوء ممالك أخرى طغت على أهمية توتول تدريجياً منذ منتصف الألف الثاني ق.م، حتى أصبحت مركزاً حدودياً بين الحثيين والآشوريين, ولم يُعرَف من ملوكها سوى “ياخلو كوليم”، الذي ورد اسمه في إحدى رُقُم مملكة ماري على نهر الفرات, رغم ورود اسم المدينة توتول كثيراً في التاريخ . وبعدها تراجعت المدينة عند سقوط الإمبراطورية الآشورية وأصبحت تحت حكم الإمبراطورية البابلية الحديثة، حتّى أنّ قداسة تُتُّل انتقلت إلى حمص آنذاك.
3. توتول (الرقة) عاصرت الآراميين
في القرن الحادي عشر وحتى القرن التاسع قبل الميلاد, كانت الرقة إمارة آرامية, أطلق عليها اسم : بيت آدين , وكانت عاصمتها “تل برسيب”. وتقع تل برسيب على الضفة الشرقية لنهر الفرات عند مصب نهر الساجور.
4. أطلال توتول أصبحت مدينة “نيكفوريون”
بعد أفول نجم توتول في القرن الثالث قبل الميلاد، أسس سكان الحواضر المجاورين لأطلالها مدينة جديدة أسموها (نيكفوريون) وحولوا منطقة الأطلال المتهالكة إلى منطقة لدفن موتاهم. وبعد زمن متقدم -في القرن السادس الميلادي- قاموا ببناء كنيسة على مركز أطلال مدينة توتول القديمة، تميزت بأرضية مفروشة بأوابد فسيفسائية رائعة، أسبغوا عليها اسم “تل البيعة” نسبة إلى اسم الكنيسة.
5. الرَّقة في الفترة الهليسنية الإغريقية
عندما تأسست الدولة السلوقية عام 312 قبل الميلاد بعد وفاة الإسكندر الأكبر، قام أحد قواده “”سلوقس الأول” بالسيطرة على الأراضي الشرقية للإمبراطورية التي أنشأها الإسكندر الأكبر المقدوني.
واجه “سلوقس” منافسة من ممالك أخرى نشأت بعد وفاة الإسكندر، لكنه تمكن من هزيمتهم، وقام بتوسيع إمبراطوريته من خلال سلسلة من الحروب.
وفي عهد “سلوقس الثاني” الذي يُدعى باسم “كالينيكوس”: أعيد بناء مدينة الرَّقة مجدداً في (242-244 قبل الميلاد)، وأطلق عليها اسم “كالينيكوس” أثناء توليه الحكم عام (246- 226 ق.م). وخلال تلك الفترة حصلت الحرب السورية الثالثة في عهده، التي واجه فيها “سلوقس الثاني” غزواً من قبل بطليموس الثالث، ملك مصر، الذي سيطر على أجزاء كبيرة من أراضي سلوقس، بما في ذلك سوريا وبلاد الرافدين. تمكن سلوقس في النهاية من استعادة بعض الأراضي، لكنه اضطر إلى التنازل عن كيليكيا وشمال سوريا لبطليموس.
ولكن خلال العهد الإغريقي تبدل اسم المدينة -مجدداً- ليصبح “نيكفوريوم Nicphorium” قبل أن تخضع بعدها للنفوذ الروماني.
في عام 200 قبل الميلاد، بلغت نيكفوريوم (الرقّة) ذروة ازدهارها كمركز هلنستي تحت حكم الإمبراطورية السلوقية، خاصة لأنَّ ديانة السلوقيّين بالأساس كانت على نفس لكن في عام 64 قبل الميلاد، تراجعت المدينة عندما تمَّ ضمّها إلى الإمبراطورية الرومانية، الذين نقلوا قداستها إلى الجهة المقابلة على نهر الفرات حيث تقع “مدينة الرصافة”.
6. الرَّقة في في العهد الروماني
اعتباراً من القرن الأول الميلادي حتى القرن الثالث الميلادي، تقول الدراسات الأركيولوجية، أنَّ مدينة “نيكفوريوم ” التي بنيت في الجهة الجنوبية من أطلال مدينة توتول، واستخدموا سكان نيكفوريوم المدينة القديمة (توتول) لدفن موتاهم . وخلال العهد الروماني أطلق عليها اسم “كلينيكوم” نسبة إلى “الامبراطور غلينوس” المتوفي سنة 266 بعد الميلاد. وكانت هذه المدينة الرومانية تقع شرقي باب بغداد القائم حالياً في مدينة الرقة. ولم يبق لها أثر هناك في يومنا هذا.
في القرن الثالث الميلادي، ازدهرت مدينة الرقّة مجدّداً، عندما أصبحت مستوطنة رومانية مهمّة يحكمها التغالبة تحت اسم “قَلّينِكُم”. لكنّها تراجعت مرّة أخرى عام 540 ميلادي بسبب غزو الساسانيين لها وطرد بني تغلب منها غرباً إلى معرّة النعمان.
7. الرَّقة في العهد البيزنطي
في عهد الإمبراطورية البيزنطية التي كانت الخليفة الشرعية للإمبراطورية الرومانية في ممالكها الشرقيَّة, فأصبحت الرقة في عهدها مركزا عسكرياً محصناً بالأسوار.
وفي عهد الإمبراطور الروماني جوليان، كانت الرقة تعد مدينة حدودية مع الفرس .
تعرضت المدينة لهزة أرضية، فجددها الإمبراطور ليون الثاني في عام 474 م ، وأسماها باسمه (ليونتوبوليس) .
8. الرقة تحت الاحتلال الفارسي
قد قبل استيلاء الفرس عليها في عام 529 م ، جعلها الإمبراطور جستينيان الثاني مركزاً تجارياً، عندما قرر حصر التجارة في المدن الحدودية مع الفرس بمدينة نصيبين وكالينيكوس (الرقة).
وعندما استولى كسرى الأول ملك الفرس على المدينة، كانت أسوارها شبه منهارة، خرَّب أسوارها ودمرها.
كانت الحروب تتوالى بين الروم والفرس، سبباً في جعلها مهملة في ذاك الزمن، لكن جستينيان أنهضها من خرابها بعد ذهاب الفرس، وشيَّد فيها أسواراٍ منيعة قوية.
وعندما سقطت المدينة ثانية في عام 542 م بيد كسرى أنوشروان ملك الفرس، وهو الإمبراطور الفارسي الذي عمد إلى توطين حلفائه من قبيلة مضر العربية فيها، ما جعل كل منطقة الجزيرة تعرف بديار مضر، وكانت الرقة (كالينيكوس) عاصمة منطقة الجزيرة. وأصبحت تارة تحت حكم الروم وتارة تحت حكم الفرس،ثم استقرت بيد الروم بعد انتصارهم الأخير على الفرس قبل ظهور الإسلام .
وأخذت الرقة التي كان يغلب عليها الاسم القديم (كالينيكوس) دوراً هاماً في هذه الحروب. وقد كان ذلك بعد أن عقد جستينيان معاهدة مع ملك فارس تعهد الأول بمقتضاها بدفع جزية كبيرة مقابل إيقاف الحروب على الحدود، وهكذا تمكن جستينيان من أن يأمن جانب الفرس لفترة من الزمن وأصبحت له حرية كبيرة لكي يمارس مشاريعه لإعادة بناء الامبراطورية.
9. الرقة في عهد الفتوحات الإسلامية
كان أهلها من الروم وديانتهم مسيحية قبل العهد الإسلامي،لكنها تبعت من حيث الحكم لبلاد فارس. ولم يتوقّف الدعم العربي للفرس في هذه المنطقة، وإنما يسجّل التاريخ أن بني مضر حاربوا الرومان انتصاراً لحلفائهم الساسانيين وهزموا جيوشهم سنة 421م .
-
الحقبة الأموية:
- في عام 639 م استولى عليها سهيل بن عدي بجيشه بعد أن حاصرها لعدة أيام. وكان سهيل تحت إمرة عياض بن غنم، قائد الجيوش العربية الإسلامية المتوجه إلى منطقة الجزيرة السورية. وبعد ذلك سميت نسبة لأرضها اللينة (الرقة). وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان أنها:( تعني كلّ أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء، وجمعها رقاق).
ازدهرت الرقة في ظل الدولة الأموية لاسيما من الناحية المعمارية. وقد أعجب بها هشام بن عبد الملك واهتمَّ بتطويرها ليتخذ منها قاعدة ومقراً لجيشه في الفترة الواقعة بين أعوام 724-743 م .
ازدهرت أسواق الرقة إبان حكم هشام مما مكنَهُ من تمويل جيوش بني أمية بالمؤن والعتاد خلال محاربتهم للخوارج. كما بنى أول مسجد فيها، إضافة إلى بنائه حلبة للخيل وتعلم الفروسية.
وفي هذه الحقبة تحولت مدينة الرقة إلى: - رقة واسط: أنشئت رقة واسط بنموذج معماري مميز،وهي ضاحية ملكية تقابل مدينة الرقة في الضفة الجنوبية لنهر الفرات،وقد بنى هشام بن عبد الملك فيها قصران وجسر على نهر الفرات، ما لبثت أن تحولت إلى مدينة في القرن العاشر الميلادي، انتقلت ملكيتها إلى السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد.
- الرقة السمراء: أو الرقة المحترقة كما كانت تسمى قديما,وهي قرية ذات بساتين كثيرة ،تقع شرق مدينة الرقة بحوالي 7 كم.,
- في عام 639 م استولى عليها سهيل بن عدي بجيشه بعد أن حاصرها لعدة أيام. وكان سهيل تحت إمرة عياض بن غنم، قائد الجيوش العربية الإسلامية المتوجه إلى منطقة الجزيرة السورية. وبعد ذلك سميت نسبة لأرضها اللينة (الرقة). وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان أنها:( تعني كلّ أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء، وجمعها رقاق).
الرقة : دمرت الرقة 4 مرات عبر تاريخها المعروف عدا تعرضها للزلازل: (1) على يد الفرس (2) على يد الخوارج في الفترة الأموية (3) على يد الخوارزميين (4) على يد المغول.
-
الحقبة العباسيّ:
في عام 772 م بدأ الخليفة العباسي المنصور ببناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من الرقة، سميت الرافقة، بنيت المدينة الجديدة بشكل حدوة فرس على الطراز المعماري لبغداد، وسرعان ما اندمجت مع الرقة.
وبين عامي 796 م -808 م، اتخذ الخليفة العباسي هارون الرشيد مدينة الرقة عاصمة ثانية له أيضاً.
وأصبحت المدينة مركزاً علمياً وثقافياً هاماً، وقد كلَّفَ الخليفة هارون الرشيد جبريل بن بختشوع بتأسيس مشفى (بيمارستان) في الجزء الشرقي منها. وهكذا أصبحت الرقة عاصمة رديفة لبغداد لأغلب الخلفاء العباسيين .
في هذه الحقبة اتسعت الرافقة بعد استصلاح الأراضي التي تحيط بها، حتى تحولت إلى جنةٍ غناءٍ تكثر فيها جداول المياه. وتذكر المصادر التاريخية أنَّ الرقة قد ضاقت أسوارها عن استيعاب منشآتها حتى باتت تتصل بالضواحي المجاورة لها، وذلك بسبب إقبال الوزراء والأمراء على السكن فيها وبنائهم للقصور كقصور البرامكة وقصور يزيد بن مزيد الشيباني وعبد الملك بن صالح الهاشمي وعقبة بن الأشعث، كما انتشرت فيها بكثرة دور العبادة والحمامات والحانات كحانة بشرى وحانة تل عزاز، واتسعت كذلك أسواقها وكانت أشهر صادراتها مادتي الصابون والزيتون .
بيد أنَّ الحال بدأ بتدهور أهمية هذه المدينة فقدان منزلتها في أواخر القرن الثالث الهجري في فترة خلافة المعتضد والمكتفي والمتقي، التي جاءت عقب نشوب ثورة ضد المأمون انتهت بإحراق دير العواميد وكذلك ظهور المشاكل بين أبناء خراسان وعرب الشام، الذين تم جلبهم إلى الرقة إبان حكم المنصور. وبعد حدوث زلزال سنة 895 م، شهدت الرقة ظهور مدن جديدة،حلت محلها مثل مدينة سامراء (سُرَّ من رأى). وترافق كل ذلك مع اختلال نظام الأمن فيها، بسبب ضعف سلطة الخليفة عليها لاسيما بعد سيطرة الترك على مقاليد الحكم العباسي، الذين اشتُهروا بغلظة تعاملهم مع الشعوب .
أفول تألق مدينة الرقة
في عام 1192 م . وقعت الرقة تحت حكم الصليبيين ثم بعد ذلك السلاجقة والأتابكة والأيوبيين،قبل أن تتعرض للغزو المغولي في عام 1258 م، حيث تدهور حال مدينة الرقة، وأصبحت تحت حكم (إيلخانات بلاد فارس). واستمرّ تراجعها بشكل حاد عام 1400 ميلادي بغزو التيموريّين لها في ظلّ حكم سلطنة المماليك، فهجرها أغلب أهلها نزوحاً إلى حلب، ودخلت الجزيرة العليا مرحلة الفلت والفوضى.
تعريف: كانت الإلخانية، أو الدولة الإيلخانية، إمبراطورية مغولية حكمت بلاد فارس ومعظم الشرق الأوسط وجزء من آسيا الوسطى من القرن الثالث عشر إلى القرن الرابع عشر. تأسست الإمبراطورية من قبل هولاكو خان، حفيد جنكيز خان، بعد غزوه لفارس عام 1256، الذي قاد جيشاً مغولياً هائلاً عبر آسيا، غزا بلاد فارس وأطاح بالخلافة العباسية عام 1258. وبعد اعتناق هولاكو خان الإسلام، ساعد في تهدئة السكان المحليين ودمج الإمبراطورية في العالم الإسلامي. ،الذين عاثوا فساداً في ربوعها عام 1258. كما فعلوا ذلك بأخواتها من مدن الجزيرة الفراتية. وبقيت الرقة شبه غير مأهولة بعد الحكم الأيوبي إلى أواخر الحكم العثماني.
الرقة في حقبة الحكم الأيوبي (1169-1260)
بداية الحكم الأيوبي:
تأسست الدولة الأيوبية على يد صلاح الدين الأيوبي بعد القضاء على الفاطميين في مصر. امتدت الدولة الأيوبية لتشمل أجزاء كبيرة من سوريا، بما في ذلك الرقة.
كانت الرقة جزءاً من منطقة نفوذ الأيوبيين، وقد شهدت المدينة بعض الاستقرار والتطوير خلال هذه الفترة. ولعبت المدينة دوراً هاماً في المقاومة ضد الصليبيين.
التطور الحضاري:
تحت حكم الأيوبيين، تم التركيز على تطوير البنية التحتية وبناء المنشآت العسكرية والدينية.
قد تكون المدينة قد شهدت بناء مدارس ومساجد جديدة في هذه الفترة، حيث كان الأيوبيون داعمين للتعليم والثقافة الإسلامية.
موقع استراتيجي هام على نهر الفرات، وطريق تجاري رئيسي بين الشرق والغرب.
مركز عسكري هام لمواجهة الصليبيين في بلاد الشام.
الحكام:
عُيّن العديد من الحكام الأيوبيين على الرقة، من أشهرهم:
مظفر الدين غازي بن أيوب (1193-1229 م).
الناصر يوسف (1259-1260 م).
الإنجازات:
شهدت المدينة ازدهارًا ثقافيًا واقتصاديًا خلال هذه الفترة.
تمّ تشييد العديد من المعالم العمرانية، مثل:
- القلعة.
- المساجد.
- المدارس.
- الأسواق.
النهاية:
سقطت الرقة بيد المغول عام 1260 م، بعد معركة قاسية ألحقت بالمدينة دماراً كبيراً خلال هذه الفترة. وبعد تراجع الأيوبيين، أصبحت الرقة تحت سيطرة المغول لفترة قصيرة قبل أن تنتقل السيطرة إلى المماليك.
الحقبة العثمانية وعودة تألق الرقة ثانية
سميت هذه المدينة (الرقة الحديثة) بعد الحكم الأيوبي لها، حيث لم يتم إعمارها، وكانت شبه مهجورة لم يسكن فيها أحد حتى أواخر الحكم العثماني كمدينة. وبعد أن اعتبرتها السلطنة العثمانية إدارياً بأنها (إيالة) عام 1586 م. حصلت فيها تغييرات سكانية متسارعة، حيث أسكنت السلطات العثمانية الكثير من القبائل العربية والكردية والتركمانية في هذه الإيالة.
تعريف: الإيالة العثمانية هو تقسيمٌ إداريٌ هامٌ أحدثته الدولة العثمانية، حيث مثّلت المستوى الأعلى في هيكلها الإداري خلال الفترة من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر.
ففي عام 1711، بدأت بإسكان القبائل والملل الكردية، وعشيرة الشيخان الكردية في إقليم الرقة .
ومن ثم أتت عشيرة البو الشعبان من العراق إلى سوريا في القرن الثاني عشر الهجري، وقد سكنت في البداية منطقة نصيبين، ثم اتجهت غربا إلى الرقة بعد وفاة جدهم شعبان، وسكنت في (جزرة بو حميدي) ثم توسعوا غرباً في إيالة الرقة.
نواة مدينة الرقة الحالية
كان لتأسيس المخفر العثماني (قره قول) في أواخر القرن التاسع عشر تأثيراً كبيراً لتشجيع المهاجرين العرب والأكراد إلى السكن بجوار هذا المخفر الذي يقع داخل سور المدينة القديمة،ليحتموا به كونهم أتوا من عدة جهات على شكل عوائل وفُرادى وليس عشائر. وتشير الدراسات الأنثروبولوجية، أنَّ الأكراد أتوا من سروج – أورفا -بيراجيك ومناطق أخرى، والعرب قدموا من منطقة العشارة شرقي دير الزور. وقد سميت هذه العوائل الساكنة حول المخفر (القول) نسبة إلى المخفر المذكور، وكوّنوا أول تجمع مدني على أنقاض المدينة القديمة بعد بعد 600 عام من غزو المغول لتلك المناطق .
وبعد الربع الأول من القرن العشرين،سكنت الرقة عوائل كثيرة من : حلب – ديرالزور – تادف – السخنة – السفيرة – الأتارب – الباب – وغيرها، إضافة إلى المهاجرين الأرمن الذين أتوا إلى هذه الديار بعد عام 1915 .
أما السجلات المدنية الأولى في الرقة فكانت: خانة الأكراد – خانة الحميدية – وخانة الشراكسة .
الفترة البريطانية (1918-1920)
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أصبحت أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، بما في ذلك الرقة، تحت سيطرة الحلفاء، ومنهم البريطانيون. وعلى الرغم من أن السيطرة البريطانية كانت قصيرة في الرقة، إلا أنها كانت فترة انتقالية هامة قبل أن تنتقل إلى الانتداب الفرنسي بموجب اتفاقية سايكس بيكو.
فترة الانتداب الفرنسي (1920-1946)
في عام 1920، تم وضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي بموجب معاهدة سيفر. كانت الرقة جزءاً من منطقة الانتداب الفرنسي.
التطورات الاقتصادية والاجتماعية:
قام الفرنسيون بتطوير البنية التحتية في الرقة، بما في ذلك بناء الطرق والجسور والمدارس. وشهدت المدينة بعض النمو الاقتصادي نتيجة للاستثمارات الفرنسية في الزراعة والتجارة.
التحديات السياسية:
- واجه الانتداب الفرنسي مقاومة من السكان المحليين الذين كانوا يسعون للاستقلال. شهدت الرقة بعض الانتفاضات والاضطرابات.
- كانت هناك محاولات من قبل الفرنسيين للسيطرة على الوضع من خلال الإدارة المباشرة وإقامة قوات أمنية محلية.
نهاية الانتداب:
في عام 1946، انتهى الانتداب الفرنسي وحصلت سوريا على استقلالها. أصبحت الرقة جزءاً من الجمهورية العربية السورية.
الرقة في منتصف القرن العشرين
- في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين: شهدت هذه المدينة ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً في الرقة، حيث تم بناء العديد من المدارس والمستشفيات والمباني الحكومية. وأصبحت مركزاً إقليمياً مهماً للتجارة والزراعة.
- في السبعينيات: بدأت الهجرة من الريف إلى المدينة، مما أدى إلى زيادة عدد سكان الرقة بشكل كبير. وواجهت المدينة أيضاً بعض الاضطرابات السياسية خلال هذه الفترة.
- في الثمانينيات: اندلعت أحداث التصدي لجماعة الإخوان المسلمين وقيام حزب البعث بما سمي مجزرة حماه، مما أدى إلى تدهور الوضع الأمني في الرقة. غادرت العديد من العائلات المدينة، بينما نزحت عائلات أخرى إليها من مناطق أخرى من سوريا.
- في التسعينيات: فرضت الحكومة السورية سيطرتها على الرقة. وعادت المدينة إلى حد ما إلى الاستقرار، لكنها ظلت تعاني من الفقر والبطالة.
الرقة في القرن الحادي والعشرين
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، فزعت أهالي الرقة بالمشاركة مع أخواتها من المدن الثائرة. ولكن في عام 2013، سيطرت جماعة “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) على الرقة، وجعلتها عاصمةً “للخلافة” المزعومة.
خلال سيطرة داعش، تعرضت المدينة لدمار واسع النطاق، كما ارتكبت الجماعة العديد من الفظائع ضد المدنيين.
في عام 2017، حررت قوات سوريا الديمقراطية – بدعم من التحالف الدولي- مدينة الرقة وطردت داعش منها.
وختاماً:
واقع الرقة الحاضر
- لا تزال الرقة مدينة مدمرة إلى حد كبير، حيث يعاني العديد من سكانها من نقص الخدمات الأساسية.
- تعمل المنظمات الدولية والمحلية على مساعدة المدينة على إعادة البناء، لكن التقدم بطيء.
- يعود بعض السكان إلى الرقة، لكن العديد من الآخرين ما زالوا نازحين.