أسرار الجولاني.. عميل مزدوج في ثوب الجهاد
” العميل المزدوج كالسوس يأكل من الداخل، ولا يترك أثراً حتى يهدم البناء.“ (مقولة شعبية)
شذرة من الصندوق الأسود
خلال الحرب العراقية عام 2003، أعطت المخابرات السورية الضوء الأخضر لأزلامها من المتأسلمين لاستقطاب الشباب الملتزمين والمتحمسين لفكرة الجهاد من أجل إرسالهم للعراق. كانت الغاية من ذلك تحقيق عدة أهداف منها إشغال الأمريكيين في العراق، وإبعادهم عن التفكير في توسيع عمليتهم التي صرح بعض المسؤولين أنها ربما تشمل سوريا فيما بعد. كما كانوا يطمحون لتحقيق مكاسب سياسية من خلال إدارة ملف (المجاهدين) بشكل كامل، ومعرفة كافة المعلومات عنهم وعن عائلاتهم، وأغلبهم تم تجنيدهم لصالح المخابرات السورية. وكان من لم يُقبل منهم يتم التبليغ عنه كي يقتل في العراق أو يُعتقل أثناء عودته لسوريا.
من أبرز رجالات النظام السوري في هذا الملف، كان محمود قول آغاسي، المعروف بـلقب “أبو القعقاع السوري” الذي استطاع تشكيل حالة استقطاب نوعية للشباب السوري عن طريق الخطاب الديني الذي كان يتقنه ببراعة. إلا أن الضغوط الأمريكية على النظام السوري أجبرته على التراجع خطوة إلى الوراء، والعمل بشكل سري بعد أن كان جهاراً وعلنياً. لذلك تناغم أبو القعقاع مع هذا التغيير التكتيكي، وقام بتخفيف حدة خطاباته طالباً من أتباعه التريث، وتسيير الأمور في الخفاء.
طُلِب من أبي القعقاع انتداب أفضل وألمع أتباعه لإرسالهم إلى معسكر “جبهة النصرة للشعب العراقي“، الذي أعدته المخابرات السورية في منطقة البترا قرب بلدة الرحيبة في ريف دمشق. كان على رأس أتباع أبي القعقاع الذين تم إرسالهم للمعسكر الفتى النجيب عادل حاج موسى، المعروف حالياً بأبي محمد الجولاني. كان يبلغ من العمر آنذاك تقريباً تسعة عشر عاماً وتم تكليفه بقيادة الشباب المتواجدين في المعسكر.
هنا يتضح الدور المهم للنقيب سهيل الحسن، الذي كان المسؤول عن المعسكر بتكليف من المخابرات السورية. كان سهيل الحسن المدرب المباشر للشاب النابغ عادل حاج موسى (أبو محمد الجولاني). وهكذا تلقى الجولاني تدريبات مكثفة وأصبح قائداً للمتدربين في المعسكر.
وبعد انتهاء تدريب الجولاني تم إرساله إلى العراق ليتولى مهمة المنسق العام لجبهة النصرة للشعب العراقي، حيث لعب دوراً محورياً في التنسيق والتخطيط للعمليات هناك. بعد انتهاء مهمته في العراق، عاد إلى سوريا في عام 2012، ولكن هذه المرة تحت مسمى المنسق العام لجبهة النصرة للشعب السوري. برز الجولاني كشخصية قيادية في الثورة السورية، مستغلاً خبرته السابقة وعلاقاته التي بناها خلال فترة تدريبه وعمله في العراق.
العلاقة بين الجولاني وسهيل الحسن
يمكن القول إنَّ العلاقة بين الجولاني وسهيل الحسن لم تتعدَ كونها علاقة تلميذ بأستاذه أو متدرب بمدربه بل علاقة ابن بأبيه. وكان سهيل الحسن آنذاك يشغل منصباً رفيعاً في المخابرات السورية، تولى مهمة تدريب وتأهيل الجولاني ليكون قائداً فعالاً في الميدان.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ما إذا كانت العلاقة بين الجولاني وسهيل الحسن قد انتهت أم أنها لا تزال قائمة حتى اليوم؟ أم كانت مقتصرة على فترة التدريب فقط؟
مسارات الإجرام متعددة والهدف واحد
رغم أنَّ العمل المشترك في معسكر المخابرات السورية ينضوي تحت إمرَةٍ واحدةٍ، لكنَّ فصل التخصصات في نوع الإجرام يقتضي توزيع الأدوار وفصل مساراتها المخطط لها مسبقاً. لذلك أصبح الجولاني قائداً لجبهة النصرة في سوريا، بينما استمر سهيل الحسن في مسيرته العسكرية ضمن صفوف قوات العصابة الحاكمة ليؤدي كل منهم دورة.
ورغم اختلاف المهام المنوطة بهذين المجرمين في ظاهرها، لكن جهودهما ما تزال تصب في مستنقع واحد! وكلما تقدم الزمن ومع تبدل الأمكنة، يزداد تواتر الشكوك حول حقيقة ولاءات الجولاني اليوم. لكنْ كما يُقال: “عند جهينة الخبر اليقين”، فقد تداولت أخبار مؤكدة عن ذهاب الجولاني إلى قواعد سرية عبر طائرة حوامة أقلعت من جبل الزاوية بتكتم شديد. هذا ما تداوله بعض الناشطين في تلك المناطق. ذلك المشهد يكفي ليعزز صحة الشكوك حول استمرار دور الجولاني كعميل مزدوج يخدم مصالح النظام السوري وحلفائه.
ولما تأكدت الحاضنة الشعبية التي يتخفى الجولاني في مرابعها شمالي غرب المناطق المحررة من مصداقية تلك الأخبار، انتفضت جماهير غفيرة تطالب بطرد الجولاني وأزلامه بعيداً عنهم، معلنين من خلال تظاهراتهم الجريئة أنَّ الجولاني ليس سوى خائن للثورة السورية والشعب السوري. وأنَّ تصرفاته المشبوهة وأفعاله التي تصب في مصلحة النظام السوري وحلفائه تؤكد بأنه يعمل ضد مصلحة الشعب السوري. وأنَّ استخدامه شعار “الجهاد” ليس إلا غطاء لخدمة أجندات خفية تصب في مصلحة النظام الذي يدعي معارضته.
ومن الجدير بالذكر، أنَّ السرية والتكتم اللذان يحيطان بتحركات الجولاني تزيد من الشكوك حول ولاءاته الحقيقية. وأنَّ لقاءاته السرية تشير إلى مستوى عالٍ من التآمر والخيانة. هذه التحركات تثبت أن الجولاني ليس أكثر من أداة إجرام بيد النظام السوري، تستخدم لتحقيق مصالح هذا النظام الفاشي وتصفية المعارضة الوطنية الحقَّة.
خلاصة القول:
القصة تبدأ من الحرب العراقية عام 2003، عندما أعطت المخابرات السورية الضوء الأخضر لأزلامها لاستقطاب الشباب الملتزمين وإرسالهم للعراق. في هذا السياق، برزت شخصية أبو القعقاع السوري ودوره في تجنيد وتوجيه الشباب، من بينهم عادل حاج موسى (أبو محمد الجولاني). تحت إشراف النقيب سهيل الحسن، تلقى الجولاني تدريبات مكثفة وأصبح قائد المتدربين في معسكر جبهة النصرة للشعب العراقي. ولطالما بقي نظام الأسد الفاشيّ قائماً، سيتبقى أنياب أزلام النظام تنهش في جسد السوريين حتى يستكينوا للظلم أو يهاجروا خوفاً من الموت. ولكن استمرار ثورة الشعب لمدة أربعة عشر عاماً لم تخبو ولن تندثر لأنَّ تصميم الشرفاء على استعادة حريتهم والدفاع عن حقوقهم هو الجهاد الوطني الحقيقي، وشتان بينه وبين جهاد المرتزقة والأفاقين.