سيرورة عالم
ثمة مبدعون قد غيبهم الموت ولم يطْوِهُم الدهر قد خلفوا لنا إرثاً يجب أنْ نعكف عليه ليل نهار كي نستلهم من نفحاته، ونغذي عقولنا من صفحاته، ونعمل على نشر عبقه على أرجاء المعمورة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
هناك أناس قد ولجوا هذه الدنيا وخرجوا منها دون أن يتركوا لهم أية بصمة، بل إن بعضهم قد عاث فساداً فيها، واعتبرها مسرحاً للشرور فمارس في رحابها كل ضروب الموبقات. وثمة آخرون قد حملوا مشاعل ومصابيح الفكر والعلم فاخترعوا للبشرية الأدوات والآلات والمعدات والنظريات التي من شأنها أن تسمو بالإنسان وتحلق به إلى العلا، فخُلد أسماؤهم وآثارهم وأعمالهم ونتاجاتهم منذ آلاف أو مئات أو عشرات السنين، كالطبري، وابن خلدون، والسيوطي، وابن الهيثم وابن النفيس، وسقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وأديسون وأينشتاين وغيرهم…فكانوا قدوة للأجيال اللاحقة.
وعلى الرغم من أن هناك من يحاول هجاء الأمة العربية وجلدها حتى من أبناء جلدتها، ونعتها بالتخلف والتأخر عن ركب الأمم. هؤلاء ظلموا تاريخنا المضيء بطرح هذه الفرية. تاريخ سوريا يذخرُ بالقامات العلمية الرائدة في شتى أنواع العلوم، ولا يقتصر ذلك على الماضي السحيق وإنما نجده في الماضي القريب والحاضر المعاش. أما سبب تأخرنا عن ركب الأمم لا يُعزى إلى القصور في عقولنا وإنما إلى حكامنا وساستنا الذين يعملون على وأدِ ودفن كل فكر وكل صاحب فكرة.
في هذه المقالة نقف عند قامة سورية سامية رحلت عنا قبل ربع قرن تقريباً و تركت خلفها إرثاً من شأنه أن يدفع بالبشرية قاطبة إلى الأمام إذا ما أحسنت توظيف هذا الإرث على خير مايرام. إنه العالم خالد الماغوط صاحب النظريات السبع في الرياضيات.
مدينة سلمية وَلاَّدة المفكرين
ولد خالد الماغوط في مدينة سلمية، عام 1932م، ودرس في مدارسها، وتربى على أرضها، نال درجة البكالوريوس في الرياضيات عام 1954 م من جامعة دمشق، وحصل على درجة الدبلوم سنة 1955م باختصاص تربية من الجامعة السورية بدمشق، حصل على دكتوراه دولة سنة 1962م من جامعة السوربون في فرنسا في اختصاص الرياضيات وبحوث العمليات.
كانت حياة هذا العالم نضالاً مستمراً في سبيل إحياء علوم العرب والإسلام، وتعريف الغرب بها، إضافة إلى إبداعه في صياغة سبع نظريات في الرياضيات مازال الغرب يدين له بها.
منابر جامعة حلب تشهد
كانت جامعة حلب مقصده العلمي والعملي بعد حصوله على الدكتوراه، وأصبحت مدينة حلب بيته الثاني حتى آخر حياته. وتدرج في عمله الأكاديمي والإداري:
- 1965 وكيلاً لكلية الهندسة.
- 1967 عميداً لكلية العلوم.
- 1971 وكيلاً لجامعة حلب.
- 1981 مديراً لمعهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب، حتى وفاته.
إلى جانب إدارته لمعهد التراث العلمي العربي، كانت له نشاطات علمية وعامة، أبرزها:
-
-
- رئيس الجمعية السورية لتاريخ العلوم منذ 1976 حتى وفاته.
- عضو مجلس التعليم العالي 1963-1981.
- رئيس اللجنة الوطنية للاتحاد الدولي لتاريخ العلوم وفلسفتها.
- عضو شرف لدى اتحاد المؤرخين العرب في بغداد.
- عضو جمعية العاديات للتراث والآثار في سورية.
- تنظيمه ومشاركته في المؤتمرات العلمية السنوية التي كانت تعقد في معهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب.
-
كما كانت له مشاركات علمية في مؤتمرات دولية منها:
بغداد 1982- الكويت 1983- ألمانيا 1987- فنلندا 1988- اليابان 1995- رأس الخيمة (الإمارات العربية المتحدة) 1996- بيروت 1997- المغرب 1999.
قضى ستة أشهر في مهمة علمية في فرنسا 1989-1990. وكان خبيراً تقويم بحوث علمية في الاتحاد الأوروبي 1997.
إرثٌ علمي اعتلى مكتبات العالم
أثرى د. الماغوط المكتبات والمؤسسات التعليمية بأكثر من ثلاثين كتاباً وبحثاً علمياً … من أبرزها
- خوارزمية لحل البرامج الخطية.
- مساهمة البتاني في الفلك والرياضيات.
- التنهيج الخطي وتطبيقاته.
- الهندسة التحليلية في الفراغ.
- حول تعيين المتوازنة في المخططات، “باريس”.
- طريقة جديدة لحل البرامج الخطية. “باريس”.
- طريقة جديدة لحل البرامج الخطية الوسطية. “باريس”.
- خوارزمية لحل البرامج الخطية. “باريس”.
- خوارزمية لحل البرامج التربيعية. “باريس”.
- تطبيقات جبربول في نظريات المخططات وفي البرامج. “بروكسل”.
- تطبيقات جبربول في بحوث العمليات. “بكين”.
- بعض التطبيقات العملية للرياضيات. “دمشق”.
- حول إحدى مسائل الترتيب. “باريس”.
- تطبيقات نظرية المخططات. “دمشق”.
- حل مسألة خاصة للترتيب. “ألمانيا الديمقراطية”.
- تعديل خوارزمية السمبلكس الأولى ومرافقه. “ألمانيا الديمقراطية”.
- الرياضيات لكلية الهندسة. “جامعة حلب”.
- الهندسة التحليلية في الفراغ. “جامعة حلب”.
- التنهيج الخطي وتطبيقاته. “جامعة حلب”.
- البرمجة الخطية . “جامعة حلب”.
أوسمة وجوائز تكريم
أهم الجوائز التي حصل عليها:
“وسام الاستحقاق الفرنسي” من درجة ضابط من رئاسة الجمهورية الفرنسية لمساهماته العلمية الإبداعية باللغة الفرنسية.
وفاته: بعد ستة عقود ونصف قضاها هذا العالم اللوذعيّ بين الكتب والمنابر والتجارب، آن له أن يترجل عن صهوته ويودع قلمه ولسانه، اللذين مافتئا عن البوح والصرصرة، لطالما كان فؤاده يخفق بين جناحيه.
رجل علم أحب الوطن ورفض كل الإغراءات التي قدمتها له جهات عالمية عديدة .. رحل بصمت ..
ترجُّل العالِم
في الثامن من تموز عام 2000، غيَّب الموت الدكتور خالد الماغوط ليرحل إلى عالم الخلود.
في موكب رسمي حضره مسؤولون من جامعة حلب شيع في مدينة سلمية جثمان الباحث العلمي المعروف الدكتور خالد الماغوط الذي توفي عن عمر ناهز السابعة والستين ودفن في مسقط رأسه بالسلمية.