“القائد الذي يخون وعوده لشعبه يكتب نهايته بنفسه.”
من كتابات ونستون تشرشل عن القيادة في أوقات الأزمات.
كيف انتهى حكم آل الأسد إلى شمولية قاتمة؟
تاريخ سوريا في ظل حكم عائلة الأسد يكشف عن صورة قاتمة لنظام سياسي استبدادي هيمن فيه حزب البعث على السلطة، محتكراً القرار السياسي ومقصياً كل الأصوات المعارضة. منذ استيلاء الأسد الأب على الحكم، تم تفكيك الأحزاب السياسية المنافسة، وتغلغلت طائفة واحدة في مفاصل الدولة الحساسة، سواء في الجيش أو الحكومة. أما الأسد الابن، فقد ورث نظاماً كان يدعي الديمقراطية بينما هو في الواقع نظام شمولي حكم البلاد بقبضة من حديد.
هذا الاستبداد المستمر كان مقدمة للثورة السورية، التي استمرت 14 عاماً من النضال المستمر، وأسقطت النظام الذي ادعى أنه لا يُقهر. ولا يمكن إنكار أن فصائل المقاومة المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، حققت انتصاراتها بدعم الشعب السوري. ومع ذلك، يظل التساؤل قائماً حول دور أحمد الشرع، المعروف بالجولاني، وكيف يمكن أن تؤثر قراراته اليوم على مستقبل سوريا.
ماذا لو غير الجولاني مساره حقاً؟
السؤال المطروح: ماذا لو لم يخلع الجولاني جبَّة الجهاد السوداء؟ هل كان أحمد الشرع، بعد هذا التحول، ليحظى بقبول السوريين كقائد للمرحلة الانتقالية؟
لقد كان تحرك أحمد الشرع نحو السياسة تحولاً مثيراً للجدل. تخلَّى عن شخصية أمير إسلامي يدعو للخلافة، وظهر كسياسي محنك يتحدث بلغة الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه الخطوة، وإن كانت ذكيَّة، أثارت تساؤلات مشروعة. لماذا، رغم تباهيه بتحرير السجون والمعتقلات من نظام الأسد، لم يتحرك لتحرير المعارضين في سجونه بإدلب؟
“السياسة هي فن تحقيق الممكن، ولكنها أيضاً التزام بأخلاقيات لا يمكن المساومة عليها.” – مأخوذ من كتابات المفكر السياسي محمد عابد الجابري.
السوريون اليوم يتساءلون: هل تغيَّر النهج فعلاً أم أن التغيير كان شكلياً فقط؟ هذا السؤال يكتسب أهمية خاصة مع تشكيل الهيئة الانتقالية التي تضم أشخاصاً لهم تاريخ مرتبط بمرحلة الرايات السوداء. هل نحن أمام قائد يسعى لتكرار أخطاء الماضي أم لبناء مستقبل مختلف؟
“القائد السياسي الحقيقي هو من يستطيع تجاوز ماضيه، وإظهار التزام حقيقي بمستقبل مشترك قائم على العدالة والمساواة للجميع.” – مقتبس من أدبيات الحكم الرشيد.
هل تستبدل سوريا النار بالرمضاء؟
يا أحمد الشرع، الخيارات التي تواجهك الآن صعبة، لكن التوجه نحو تشكيل حكومة من مشرب واحد يعيد إلى الأذهان سياسات الأسد التي دمرت البلاد. السوريون بدأوا يشعرون أنك قد تكون تسير على نفس الطريق الذي سار عليه النظام السابق، مما يثير مخاوف مشروعة حول مصير البلاد تحت قيادتك.
اختيار أعضاء الهيئة الانتقالية من جماعة معينة فقط قد يكون البداية لمشاكل كبيرة. إذا كنت تسعى لتشكيل حكومة انتقالية تمثل كافة السوريين، فعليك أن تنفتح على كافة التيارات والمكونات المجتمعية. استبعاد الكفاءات من مختلف الأطياف السياسية والدينية والعرقية قد يؤدي إلى تكرار مأساة الإقصاء التي عاشتها سوريا لعقود طويلة.
“الدولة العادلة هي التي تبني مؤسساتها على الكفاءة، لا على الولاءات الضيقة.” – مستوحى من كتابات عبد الرحمن الكواكبي عن الاستبداد.
السوريون الذين عانوا من الاستبداد يتطلعون الآن إلى نموذج مختلف للحكم، نموذج قائم على العدالة والشمولية. لكن ما يرونه حتى الآن يشير إلى أن مسار الأمور قد يعيد إنتاج نفس المنظومة التي ثاروا ضدها، مع اختلاف الأسماء والوجوه فقط. السؤال هنا: هل يستطيع الشرع، ومن حوله، تجاوز إرث الفصائل المسلحة ليصبحوا قيادة مدنية قادرة على بناء دولة؟
السلاح والسياسة: معضلة التحول
إنَّ قلق السوريين لا ينبع فقط من تاريخ هيئة تحرير الشام، بل أيضاً من التحديات العميقة التي تواجه أي فصيل مسلح يتحول إلى قيادة سياسية. التجارب العالمية تشير إلى أن الانتقال من حمل السلاح إلى العمل السياسي يتطلب تغييراً جذرياً في البنية الفكرية والتنظيمية، وإعادة صياغة العلاقة بين القائد وجمهوره.
“الانتقال من البندقية إلى صندوق الاقتراع يتطلب شجاعة أكبر من القتال نفسه.” – من خطاب نيلسون مانديلا خلال مرحلة الانتقال السياسي في جنوب إفريقيا.
في حالة أحمد الشرع، فإن الإرث الثقيل لفترة الرايات السوداء يشكل عائقاً أمام بناء الثقة الشعبية. التحول إلى قيادة سياسية مدنية يجب أن يترافق مع خطوات عملية ملموسة لإثبات حسن النوايا، مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والانفتاح على جميع مكونات المجتمع، وإشراكهم في صياغة مستقبل سوريا. بدون هذه الخطوات، سيبقى الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان مجرد شعارات لا تجد صدى في الواقع.
بناء الثقة: مفتاح إعادة الإعمار
الثقة هي أساس أي علاقة ناجحة، سواء كانت شخصية أم سياسية. في مرحلة إعادة بناء سوريا، يتطلب الأمر قيادة تلتزم بالصدق والشفافية، وتضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات شخصية أو أيديولوجية. التصريحات السياسية يجب أن تعكس التزاماً حقيقياً بالقيم التي يتطلع إليها الشعب السوري، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
“الثقة لا تُبنى بالخطابات بل بالأفعال. الشعب لن يصدق الكلمات حتى يراها مجسدة في السياسات والممارسات اليومية.“ – محلل سياسي سوري.
إنَّ بناء حكومة انتقالية يتطلب إشراك كل مكونات المجتمع السوري، بعيداً عن الإقصاء والتهميش. يجب أن تكون هذه الحكومة مرآة للتنوع الذي يميز سوريا، وإلا فإننا نخاطر بالعودة إلى نفس السياسات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الكارثي. على القيادة الجديدة أن تدرك أن قوة المجتمع تكمن في تنوعه، وأن بناء الدولة لا يتحقق إلا بإشراك الجميع، دون استثناء.
سوريا الجديدة: فرصة الأمل والتغيير
بعد أنْ كَـلَت الحرب البشر والحجر في سوريا نتيجة عقود من الحكم الاستبدادي الذي أقصى الإبداع والرؤية الجماعية، حان الوقت لزراعة بذور الأمل من جديد. إعادة بناء سوريا ليست مجرد عملية مادية، بل هي مشروع وطني وإنساني يتطلب تضافر الجهود وتوحيد الرؤى. وأصبح على القادة أن يتخلوا عن نهج الإقصاء والتفرد، وأن يعملوا على بناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويضمن العدالة الاجتماعية.
“الأمل لا يأتي بالتمني، بل من الجهد الجماعي المبني على رؤية واضحة ومستدامة.” – مقتبس من خطاب المهاتما غاندي عن البناء الوطني.
الشباب السوريون هم الأمل الحقيقي للمستقبل، ولديهم القدرة على تجاوز آلام الماضي وبناء وطن يحقق طموحاتهم. لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا تبنت القيادة قيماً جديدة تقوم على الشفافية والشمولية. فلتكن إعادة إعمار سوريا بداية لعهد جديد من السلام والازدهار، مبني على دروس الماضي وتطلعات المستقبل.
“إعادة الإعمار ليست حجارة تُرفع، بل هي قيم تُزرع في نفوس أبناء الوطن.“ – مأخوذ عن أحد خبراء التنمية في مناطق ما بعد النزاعات.
خاتمة: عظة من التاريخ
أيها القادة، اعلموا أنَّ الوعد الذي يُعطى اليوم ولا يُنفذ غداً قد يتحول إلى لعنة تلاحقكم في ذاكرة الشعب. التاريخ حافل بأمثلة على قادة فشلوا لأنهم انحرفوا عن وعودهم، ولم يراعوا مصالح شعوبهم. إن خيانة الثقة التي منحها السوريون لمن يرفع راية التغيير قد تؤدي إلى كارثة جديدة تزيد من آلام هذا الشعب المنهك.
السوريون يراقبون ويقيمون. فإما أن تثبتوا أنكم جديرون بالثقة من خلال أفعال تعكس أقوالكم، وإما أن تواجهوا مصيراً مشابهاً لمن سبقوكم في الاستبداد. إن إخفاقكم في تحقيق العدالة والشمولية، وفي تحرير المعتقلين وضمان الحريات، قد يعيد البلاد إلى دوامة الفوضى والاقتتال.
“من لا يتعلم من أخطاء التاريخ محكوم عليه بتكرارها.” – اقتباس مأثور لجورج سانتايانا، في سياق التحذير من العودة إلى دوامة الاستبداد.
عليكم أن تدركوا أن القيادة مسؤولية عظيمة تتطلب إخلاصاً ونزاهة. إذا أُهملت هذه القيم، فإنَّ ثقة الشعب ستضيع، ولن تُبنى سوريا الجديدة. الطريق أمامكم مليء بالتحديات، ولكن بالإرادة الصادقة والعمل المشترك، يمكنكم أن تكونوا جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة. السوريون ينتظرون منكم الوفاء بوعد بناء وطن يستحقونه.
تنويه: ان كان مضمون هذا المقال يجانب استحسانك أيها القائد, تذكر قصة الخليفة عمر بن الخطاب.
تدور أحداث القصة حول أعرابي كان يملك سيفاً، وكان يشكو من ظلم وقع عليه. جاء إلى عمر بن الخطاب ليشتكي، وهو يحمل سيفه. فقال له: "والله لقومانك في سيفي هذا"، أي أنه مستعد للدفاع عن نفسه واستعمال السيف إذا لم يحصل على حقه. استمع عمر رضي الله عنه إلى شكوى الأعرابي وعرف أنه يجب أن يُحسن إليه ويُعطيه حقه. بدلاً من الرد بالعنف أو الوعيد، تعامل مع الموقف بحكمة وأعطى الأعرابي حقه. هذه القصة تعكس روح العدالة التي كان يتمتع بها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ودوره كحاكم عادل يتقبل الشكاوى ويعمل على تحقيق الحق بين الناس دون تمييز أو ظلم. كما تظهر أيضاً شجاعة الأعراب الذين كانوا يعرفون حقوقهم ويطالبون بها مهما كانت الظروف. إنها قصة تلخص أهمية العدل في الإسلام وكيفية التعامل مع الشكاوى بطريقة حكيمة وعادلة.