واشنطن: 04/شباط/2025
شهد البيت الأبيض مؤتمراً صحفياً مشتركاً بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حمل رسائل استراتيجية تعكس تحالفاً متيناً بين البلدين ورؤية مشتركة للشرق الأوسط.
افتتح ترامب المؤتمر مرحباً بنتنياهو، مشيداً بعمق العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وقال ترامب:
“هذا التحالف تعرض لاختبارات عديدة خلال السنوات الماضية، لكنه أصبح أقوى من أي وقت مضى. خلال فترة ولايتي السابقة، حققنا انتصارات هامة معاً، أبرزها هزيمة تنظيم داعش، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات مشددة على النظام الإيراني”.
اتفاقيات إبراهام والسلام في الشرق الأوسط
توقف الرئيس ترامب عند إنجازات إدارته السابقة في المنطقة، مشيراً إلى أن اتفاقيات إبراهام تمثل ذروة هذه النجاحات. وأكد أن هذه الاتفاقيات “حققت أهم سلام في الشرق الأوسط خلال العقود الخمسة الماضية”، معرباً عن أمله بانضمام مزيد من الدول العربية إلى هذه الاتفاقيات.
كما تطرَّق ترامب إلى الوضع في قطاع غزة، مشدداً على ضرورة إعادة إعمار القطاع بشكل جذري، قائلاً:
“غزة كانت منطقة موت ودمار لعقود، لكن يجب تحويلها إلى مكان آمن ومزدهر. يمكن للدول المجاورة الغنية أن تساهم في تمويل هذا التحول”.
الموقف من إيران وحماس
كان التصعيد الإيراني محوراً مهماً في حديث ترامب، حيث أكد عزمه على إعادة فرض العقوبات القصوى على طهران ومنعها من تصدير النفط، مشيراً إلى أن إيران كانت عاجزة عن بيع النفط أثناء فترته الرئاسية الأولى. وأضاف:
“لن نسمح لإيران بتمويل الإرهاب في المنطقة. صنفنا الحوثيين كمنظمة إرهابية، وضربنا قادة حماس وداعش في أكثر من موقع”.
كما تعهد ترامب بأن تعمل إدارته على إنهاء التهديد العسكري الذي تمثله حماس في غزة، مشيراً إلى خطط لإعادة الإعمار وضمان استقرار القطاع، بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة.
نتنياهو يشيد بترامب ويشدد على أمن إسرائيل
من جانبه، عبّر نتنياهو عن امتنانه للرئيس ترامب، واصفاً إياه بـ”أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض“. وأشار إلى سلسلة من الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية السابقة لصالح إسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، بالإضافة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.
وقال نتنياهو:
“تحت قيادتكم، وقعنا أربع اتفاقيات سلام تاريخية مع دول عربية. اليوم، نركز على ثلاثة أهداف رئيسية في غزة: تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس، تأمين الإفراج عن جميع الرهائن، وضمان عدم تحول غزة مجدداً إلى تهديد لأمن إسرائيل”.
آفاق السلام مع السعودية
في ختام المؤتمر، تطرق الزعيمان إلى إمكانية تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية. ورأى ترامب أن هذا الاتفاق “ليس فقط قابلاً للتحقيق، بل سيحدث“، مؤكداً على التزامه بالعمل على إنجازه بالتعاون مع القيادة السعودية.
نتنياهو من جهته، اعتبر أن هذا الاتفاق سيكون تحولاً تاريخياً، قائلاً:
“سنعمل معاً على تحقيق هذا الهدف، وسننجح كما نجحنا في اتفاقيات إبراهام”.
خلاصة: رؤية مشتركة
اختتم المؤتمر بتأكيد الطرفين على أن التحالف الأميركي-الإسرائيلي سيسهم في إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وتحقيق السلام والازدهار لشعوب المنطقة. ترامب ونتنياهو اتفقا على أن هذه المرحلة الجديدة ستبني مستقبلاً مشرقاً، مع مزيد من التعاون الاقتصادي والأمني.
تحليل: نوايا التوسع نحو “إسرائيل الكبرى”
في سياق السياسات الأميركية والإسرائيلية المتقاطعة، يتضح أن الطموح إلى تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى” لم يعد مجرد فكرة أيديولوجية، بل تحوّل إلى خطوات فعلية مدعومة بقرارات سياسية جوهرية.
دونالد ترامب، أثناء إعلانه الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل (مارس 2019)، قال بوضوح:
“بعد 52 عاماً، حان الوقت لتعترف الولايات المتحدة بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.“
هذا التصريح لم يكن فقط خطوة قانونية دولية، بل رسالة سياسية مفادها دعم التمدد الإسرائيلي نحو مزيد من الأراضي خارج حدود 1948.
وفي إطار خطته للسلام المعروفة بـ”صفقة القرن” (يناير 2020)، أوضح ترامب نواياه بالقول:
“القدس ستبقى العاصمة غير القابلة للتجزئة لدولة إسرائيل… والولايات المتحدة مستعدة لدعم إسرائيل في توسيع حدودها.”
هنا، تجلّت الرؤية الأميركية بوضوح نحو ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على القدس بكاملها، وتوفير الغطاء السياسي لأي تحركات لضم أراضٍ جديدة.
أما بنيامين نتنياهو، فقد أظهر طموحه التوسعي بجرأة في أكثر من مناسبة، كان أبرزها خلال حملته الانتخابية (2020)، حين قال:
“لن أُضيّع هذه الفرصة التاريخية لفرض السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن.”
هذا التصريح يكشف أن مشروع إسرائيل الكبرى لم يعد مجرد حلم، بل خطة تنفيذية يجري تسريعها ضمن واقع سياسي إقليمي ودولي يتسم بالفوضى وضعف الموقف العربي.
وأضاف نتنياهو في خطاب أمام الكنيست (2018):
“إسرائيل تعيش عصرها الذهبي، وسنواصل توسيع حدودنا السياسية والجغرافية وفقاً لرؤيتنا التاريخية.”
هذا التأكيد يعيد التذكير بجذور المشروع الصهيوني الذي طالما سعى لضم أراضٍ من النيل إلى الفرات، مستغلاً الظروف الجيوسياسية لتحقيق أقصى المكاسب.
تداعيات هذه الأفكار على مشروع إسرائيل الكبرى:
إن تبني سياسات تدعم الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، إلى جانب التوسع الاستيطاني وضم أراضٍ من الضفة الغربية، يعكس رغبة صريحة في تحقيق الطموح الصهيوني القديم لإقامة “إسرائيل الكبرى“. هذه الرؤية تمتد من النيل إلى الفرات، وهي فكرة أشار إليها قادة صهاينة على مر العقود. دعم إدارة ترامب لهذه السياسات حفّز إسرائيل على اتخاذ خطوات غير مسبوقة لترسيخ نفوذها الإقليمي، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز سيطرتها السياسية والعسكرية على المنطقة، مع إضعاف أي مشاريع عربية أو فلسطينية مضادة.
التداعيات المستقبلية
إن استمرار هذه التصريحات والسياسات يدفع إلى التساؤل حول مستقبل المنطقة في ظل سعي إسرائيل لتوسيع نفوذها الجغرافي. فدعم الولايات المتحدة لهذه التحركات يعطي إسرائيل ضوءاً أخضر لتحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى“، ما يُنذر بمزيد من التصعيد في المنطقة، ويضع العرب أمام تحديات جديدة تتطلب استراتيجيات أكثر تماسكاً وفعاليّة لمواجهة هذا التوسع.
موقف الشعوب العربية بين التحيز الأميركي والصمود في وجه التوسع الإسرائيلي
لا شك أن تحيّز إدارة ترامب لصالح إسرائيل، ومنحها الضوء الأخضر للاستيلاء على المزيد من الأراضي العربية، قوبل برفض واسع من الشعوب العربية، التي رأت في هذه السياسة انتهاكاً صارخاً للقرارات الأممية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي يؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967.
- بالنسبة للسوريين، جاءت هذه الخطوات لتزيد من مشاعر الغضب والرفض، خاصة مع الاعتراف الأميركي بضم الجولان المحتل، الذي يُعتبر بالنسبة جزءاً لا يتجزأ من السيادة السورية. هذه السياسات لم تؤدِ إلا إلى تعزيز قناعة الشعوب العربية بأن واشنطن لم تكن يوماً وسيطاً نزيهاً، بل شريكاً أساسياً في دعم الاحتلال الإسرائيلي وتمكينه من فرض أمر واقع جديد في المنطقة.
- في الشارع العربي، تتردد تساؤلات عديدة حول مدى عدالة النظام الدولي، وشرعية القرارات الأميركية، في ظل غياب أي تحرك جاد لإلزام إسرائيل بالقرارات الأممية. وبينما تسعى إسرائيل لتحقيق “إسرائيل الكبرى“، يظل صوت الشعوب العربية، رغم كل التحديات، متمسكاً بحقه التاريخي في مقاومة الاحتلال ورفض محاولات تصفية القضية الفلسطينية. ورغم كلّ الضغوطات، تبقى هذه المواقف الشعبية العربية بمثابة حائط صد معنوي أمام مشاريع التوسع، ورسالة واضحة بأن قضايا العرب وأراضيهم المحتلة لا تزال حيّة، مهما حاولت التحالفات السياسية تغيير مسار التاريخ لصالح قوى الاحتلال.
سياسات ترامب وأثرها السلبي على المنطقة والإرادة الأممية
تحدّي إدارة ترامب للإرادة الأممية لم يكن مجرد انحياز دبلوماسي لإسرائيل، بل جاء على شكل خطوات خطيرة قلبت موازين الصراع العربي-الإسرائيلي، وأضعفت الأسس التي قامت عليها القرارات الدولية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم قراره ضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل، شكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ونسف مبدأ “الأرض مقابل السلام” الذي استندت إليه معظم محاولات التسوية منذ عقود.
أثر ذلك كان مدمراً على عدة مستويات:
- تآكل شرعية القرارات الأممية: أحدثت هذه الخطوات سابقة خطيرة تهدد بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة الذي يرفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. كما عززت الشعور لدى الشعوب العربية بأن النظام الدولي قد تخلى عن دوره كضامن للعدالة، وتحول إلى أداة بيد القوى الكبرى لشرعنة الاحتلال.
- تفاقم معاناة الفلسطينيين والسوريين:
- بالنسبة للفلسطينيين، زادت هذه السياسات من إحكام قبضة إسرائيل على القدس وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، ما قضى فعلياً على أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
- أما السوريون، اعتبروا قرار ضم الجولان صفعة جديدة لحقهم الوطني، خاصة مع استمرار معاناة أهل الجولان المحتل تحت الاحتلال الإسرائيلي وسياسات التهجير والتهويد القسري.
- إشعال سباق التوسع الإقليمي: دفعت هذه السياسات بعض الأطراف الإقليمية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية والهجومية، ما زاد من التوترات العسكرية في الشرق الأوسط وأدخل المنطقة في دوامة جديدة من الصراع والتسابق على النفوذ.
إنَّ ما قامت به إدارة ترامب لم يكن مجرد انحياز عابر، بل محاولة لفرض واقع جديد يخالف كل الأعراف والقوانين الدولية. لكن، وكما أثبت التاريخ، لا يمكن للقرارات الأحادية أن تلغي حق الشعوب في أرضها، ولا يمكن لإرادة سياسية فردية أن تُخرس أصوات الملايين المطالبين بحقوقهم المشروعة.
مواقف ضاع صداها في ردهات السلام
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرّح في أعقاب إعلان ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، قائلاً:
“موقف الأمم المتحدة بشأن الجولان واضح ولا يتغير. أي خطوة أحادية الجانب لا تُغيّر الوضع القانوني للجولان باعتباره أرضاً محتلةً وفق قرارات مجلس الأمن.”
من جهة أخرى، علّق وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي على سياسة ترامب تجاه القدس والجولان بقوله:
“هذه الخطوات تمثل بداية مرحلة جديدة من شرعنة الاحتلال، بدعم أميركي كامل، ما يُفقد الولايات المتحدة دورها كوسيط نزيه في عملية السلام.”
مواقف الدول العربية: بين الرفض والتطبيع
لم تكن المواقف العربية تجاه خطوات ترامب موحدة. سوريا وفلسطين أدانتا بشدة هذه الإجراءات، واعتبرتاها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. كذلك، الجزائر والكويت اتخذتا موقفاً واضحاً برفض التطبيع مع إسرائيل، وأكدتا التزامهما الكامل بدعم القضية الفلسطينية.
في المقابل، شهدت السنوات الأخيرة موجة من التطبيع العربي مع إسرائيل، شملت دولاً مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، في إطار اتفاقيات وُصفت بأنها تهدف إلى تعزيز المصالح الثنائية.
في هذا السياق، قال وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد خلال توقيع اتفاق التطبيع:
“نأمل أن تفتح هذه الاتفاقيات آفاقًا جديدة للسلام والتنمية في المنطقة.”
غير أن هذه الاتفاقيات أثارت غضباً شعبياً واسعاً، إذ رأى الكثيرون أنها خيانة للقضية الفلسطينية وتشجيع لإسرائيل على مواصلة سياستها التوسعية.
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أكّد في تصريح سابق أن:
“القضية الفلسطينية لا تزال محور الصراع في الشرق الأوسط، وأن محاولات فرض حلول أحادية لن تجلب الاستقرار، بل ستؤدي إلى مزيد من الفوضى.”
ختاماً
ما قامت به إدارة ترامب لم يكن مجرد انحياز عابر، بل محاولة لفرض واقع جديد يتناقض مع كل الأعراف والقوانين الدولية. ومع ذلك، أثبت التاريخ أن مثل هذه القرارات الأحادية لا تلغي حق الشعوب في أرضها، ولا يمكن لأي إرادة سياسية فردية أن تقضي على الإرادة الشعبية الراسخة في الدفاع عن الحقوق المشروعة.
السؤال الذي يفرض نفسه:
هل كان دعم ترامب وحليفه أردوغان للفصائل المقاتلة السورية بقيادة أحمد الشرع يعتبر تصرفاً بريئاً أم أنه خطوة نحو زجِّ سوريا في تنفيذ ما يسمى “شرق أوسط جديد” تحت ولاية “إسرائيل الكبرى”؟ المثل الشائع يتضمن الجواب: عِشْ دهراً ترى عجباً