مالات .. سورية رؤى مستقبلية

سورية.. رؤى مستقبلية

Search
Close this search box.
Facebook X-twitter Youtube
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
Facebook X-twitter Youtube
Menu
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
الرئيسية حوارات

من المقصلة إلى المنابر: رحلة محمد برو بين الأدب والحرية

شاهد من تدمر: كيف تحوّل الألم إلى شهادة تحفظ ذاكرة السوريين؟

د. جورج توما د. جورج توما
2025-09-08
في ... حوارات
0 0
A A
0
من المقصلة إلى المنابر: رحلة محمد برو بين الأدب والحرية

من المقصلة إلى المنابر: رحلة محمد برو بين الأدب والحرية

0
شارك
429
المشاهدات

مقدمة اللقاء

في المشهد الثقافي والسياسي السوري، يبرز اسم “محمد برو” بوصفه واحداً من أبرز الأصوات التي أغنت مخزون أدب السجون، ونقلت إلى القارئ العربي تجربة السجون السورية، خاصة سجن تدمر، بكل ما تحمله من قسوة وهمجية. عُرف كاتباً وشاهداً في آنٍ واحد، إذ وثّق في كتابه “ناجٍ من المقصلة“ ما عايشه من عذابٍ جسدي ونفسي داخل المعتقل، ليحوّل الألم الفردي إلى شهادة إنسانية وأدبية تُسهم في حفظ الذاكرة الوطنية.

ومع ذلك، فإن معظم ما كُتب عنه في الإعلام ركّز على تجربة السجن وما تلاها من أعمال أدبية ومقالات رأي، متجاهلاً إلى حد كبير سيرته الذاتية السابقة لسنوات الاعتقال: طفولته، نشأته، ملامح تكوينه الثقافي والفكري، والبدايات التي صاغت وعيه قبل أن يصبح معتقلاً وكاتباً. هنا تبرز الحاجة إلى إلقاء الضوء على تلك المرحلة المغيّبة من حياته في معظم لقاءاته، باعتبارها مفتاحاً لفهم شخصيته ومسيرته اللاحقة. وانطلاقاً من هذه الثغرة، يُفتتح هذا الحوار مع محمد برو بسؤال استهلالي يتجاوز حدود الذاكرة السجنية، ليعود إلى الجذور الأولى لسيرة كاتبٍ أصبح اليوم أحد أهم شهود العيان على حقبة مظلمة من تاريخ سوريا.

السؤال الاستهلالي 

قبل أن ندخل في تفاصيل تجربة الاعتقال وما دوّنته عنها، نود أن نبدأ من مرحلة غالباً ما جرى إغفالها في كتابات الآخرين: من هو محمد برو قبل السجن؟ وكيف تشكّلت ملامحك الفكرية والثقافية في تلك المرحلة المبكرة من حياتك؟

ربما تغتني ذاكرتي بذلك التنوع البسيط الذي عشته في بدايات تشكل الذاكرة الفتية في حي الميدان في مدينة حلب، ذلك الحي الذي كانت تتفتح نوافذه في الساعات الأولى للصباح على وشوشات وأحاديث الجارات الأرمنيات والآشوريات والأكراد والعرب وبعض الشركس، وكانت فناجين القهوة تنتقل من يد المقدمة صاحبة البيت إلى جاراتها اللائي تحلّقن حولها أمام عتبات البيوت قبل أن ينشب الإسمنت مخالبه في خاصرة الحي. وكنا كفتيان صغار نتتبع تلك الحكايات والأخبار التي تتناثر من أحاديثهن.

عائلة محمد برو مع والديه واخوته
عائلة محمد برو مع والديه واخوته

كان والدي الذي تخرج من مدرسة الدرك الفرنسية في بداية الأربعينات قد وصل إلى رتبة مساعد في الشرطة، وكان مولعاً برجال ثلاثة: “المعري” رهين المحبسين وأشد ما يحب في هذا الرجل تبرمه النقدي على واقع كان يراه بعين القلب محكوماً بالجهل والتقليد الساذج، وكان يعكف على قراءة رسالة الغفران مراراً وتكراراً. والثاني “طه حسين” وكتابه “الأيام” الذي ما أن يصل إلى خاتمته حتى يعود إلى بدايته من جديد، وكثيراً ما كان يعبّر عن تلازم إعجابه بالمعري وطه حسين الكفيفين المتبصرين، اللذين كانا علامات فارقة في عصريهما. وكان يستهزئ بالمتصوفة المحدثين متمثلاً أبيات الجنيد البغدادي:

“أهل التصوّف قد مَضوا صار التصوّفَ مخرقةً……. صار التصوّفَ صيْحةً وتواجداً ومطبقةً”.

ثالث الرجال كان “شارل ديغول” الذي كان يرى فيه السياسي المحنك صاحب المواقف الصلبة التي تتحلى بالواقعية السياسية والعناد الاستراتيجي، وطالما كان يذكره ويذكر مواقفه خاصة موقفه الشجاع في التخلي عن الرئاسة إن هو لم يتحصل على أصوات الأغلبية المؤيدة لإصلاحاته، التي تمحورت حول نقطتين مركزيتين بالنسبة له، اللامركزية الإدارية وإصلاح مجلس الشيوخ، وحين حقق مؤيدوه نسبة 47.6 كان قراره الشجاع إعلان التنحي عن الرئاسة في نهاية نيسان 1968 مع أن عمري يومها كان لا يتجاوز الخمس سنين، إلا أنني أذكر أنه حزن لذلك وكان يتباهى بهذا القرار الشجاع، وطالما كان والدي يتغنى ويتمثل في سلوكه اليومي بالصرامة والانضباط الفائق الذي كان سمة من سمات شارل ديغول. جاور إلى هذا الولع بهؤلاء وإن بقدر أقل إعجابه بشخص الجاحظ ومذهبه المعتزلي الذي غرس في نفسه وتفكيره إعجاباً وتمثلاً لفكر المعتزلة وإعلائهم لشأن العقل. حين أراجع تلك الأيام والأثر الذي تركته في نفس ذلك الفتى، أعلم أنني أدين بالفضل الكبير لهذه المدرسة الأولى التي كان لها كبير الأثر في مقبل أيامي.

في سن الخامسة عشر ومن خلال رفاق المدرسة تعرفت إلى مجموعة تصلي في مسجد الحي، هذه المجموعة كانت من تلاميذ الشيخ “أبي النصر البيانوني“، وكان يومها يمثل ظاهرة من الاعتدال الصوفي والنأي عن كل ما هو سياسي، وكان يمنع على تلامذته قراءة وتداول كتب “حسن البنا” و “سيد قطب“. عشت في هذا الوسط قرابة عامين تعلمت فيها الكثير من الفقه الحنفي وتفسير القرآن والسيرة النبوية والأحاديث الشريفة.

“كنت أميل لكتب التاريخ بشكل مفرط، وأذكر أنني اقتنيت كتاب ابن الأثير “الكامل في التاريخ” في سن السادسة عشر، أي قبل اعتقالي بعام واحد. إلى جانب هذا كانت والدتي مولعة بعالم الرواية وطالما كنا نمضي الليالي الطوال نصغي إليها وهي تسرد لنا رواية “البؤساء” و”بائعة الخبز” و”دعاء الكروان”، الأمر الذي حبب لنفسي عالم الرواية وأنا أؤمن أن الرواية بعمومها تركت أثراً في الساحة الإنسانية منذ بدايات القرن العشرين، أكثر مما فعلته أي نظرية سياسية أو فكرية أو فلسفية.”

المحور الأول: التجربة الشخصية

كيف تصف اللحظة الأولى لدخولك إلى سجن تدمر، وما الانطباع الذي تركته في وجدانك حتى اليوم؟

صفعة الصحراء اللاهبة وصوت مكبس القرميد القديم الذي لم يتوقف إلا ليلاً في سائر سنوات سجن تدمر، وانتحار الأمل على عتبات السجن الرهيب. رائحة الدم المتناثر إثر الجلد والركل والضرب بالكابلات النحاسية، الأصوات المتوحشة الهمجية التي لم تتوقف لساعات بالشتم المهين وهم ينهالون علينا بالجلد والضرب بلا رحمة. كل ما تقع عليه العين أصفر كالح، ورائحة الموت وصرخاتنا نحن المعذبين، كل هذا يستدعي صعقة كهربية تخترقني من أعلى الجبهة حتى أخمص القدمين، حين أتذكر تلك اللحظات المكثفة من العذاب والقهر واليأس. وسرعان ما أهرب منها إلى أي عارض يخرجني من إسار تلك اللحظة المتماهية في جدران الذاكرة، وطالما استدعيتها مراراً وأنا أمر بضائقة صعبة من ضوائق الحياة العادية، ليهون إلى حد التقزم أي خطب إذا ما قورن بتلك اللحظات البائسة.

سؤا ل استيضاحي: من بين تفاصيل المعاناة التي عشتها، ما هي الصورة أو الموقف الذي لا يغادر ذاكرتك مطلقاً؟

في حياتنا اليومية في سجن تدمر مشهدان يحاكيان قمة التناقض وعدم الانسجام. المشهد الأول والذي تمثله لوحة الفنان الهولندي فان غوغ “تجوالة السجناء” 1890

لوحة الفنان فنسنت فان غوغ 1890
لوحة الفنان فنسنت فان غوغ 1890

وهي تكرار بتصرف للوحة الفنان غوستاف دوري “رياضة السجناء” 1872.

لوحة الفنان غوستاف دوري - رياضة السجناء - 1872
لوحة الفنان غوستاف دوري – رياضة السجناء – 1872

“اللوحتان كلتاهما تصوران عدداً من السجناء بلباس رث يدورون في حيز ضيق حول دائرة متخيلة ووجوههم تعلوها الكآبة والأسى والضياع وفقد الأمل.”

كذلك كانت حياتنا تتمركز في شطرها الأول في ذلك الحيز الضيق من تلك الساعات اليومية التي كنا نمضيها عراة سائرين خاضعين، نجري أو نمشي مطأطئي الرؤوس، ويمسك كل واحد منا بكتف الذي يسبقه. وسياط وكابلات الجلادين تلاحقنا وتلسعنا وهم يملؤون الفضاء بصيحات هيستيرية، طالما ذكرتني بصيحات الهنود الحمر وهم يفتكون بأعدائهم. كان هذا المشهد يتكرر بشكل منتظم مرتين كل يوم، أي أنني عشت هذا المشهد قرابة الستة آلاف مرة خلال ثماني سنوات أمضيتها في سجن تدمر قبل نقلي إلى سجن صيدنايا، بينما عاشه أصدقاء آخرون ضعف هذا العدد من المرات. كل هذا خلق في معظمنا طاقة هائلة للصبر والمقاومة وربما يشبه حالنا كمن سقط من جبل شاهق ثم لم يلبث أن انتصب على قدميه ونظر للخلف هازئاً، وكأنه يقول بإيمان هادئ وبشيء من الفخر:

“إنك لم تهزمني ولم تحطمني ولن تفعل”.

المشهد الثاني هو عبارة عن لوحة داكنة في مهجع كبير طوله يبلغ أربعة أضعاف عرضه ظاهره وباطنه من الإسمنت الرصاصي الخشن، وقد غص بما يقارب المائتي شاب يتحلقون بمجموعات كخلايا النحل، تضم كل مجموعة خمسة أو ستة شباب قد تحلّقوا يستمعون إلى معلم يعلمهم السيرة أو القرآن أو الفقه أو التاريخ وقواعد النحو وتاريخ سوريا الحديث وبعضاً من الطب والإسعافات الأولية. وربما قام أحدنا من حلقة كان فيها تلميذاً لينتقل إلى حلقة مجاورة يكون فيها المعلم، هذا المشهد كان يحكي الشطر الأكبر من حياتنا اليومية داخل المهجع، كان أشبه بأكاديمية لا يتوقف طلابها عن التلقي والحوار.

المحور الثاني: الكتابة وأدب السجون

في كتابك “ناجٍ من المقصلة”، كيف سعيت إلى الموازنة بين التوثيق الواقعي والبعد الأدبي؟ برأيك، هل يمكن أن يشكّل أدب السجون مدخلاً لتأريخ الذاكرة السورية الجماعية أم أنه يبقى تجربة فردية؟

حين شرعت بتفريغ ذاكرتي السجنية لم يكن بين اهتماماتي التفكير بمنتج أدبي رغم ولعي بالأدب، كان جل اهتمامي منصباً على نقل الصورة بأعلى قدر من الدقة عبر رسمها ونحتها بالكلمات. وأرجو أنني وُفقت في ذلك. بطبيعة الحال الحكايات السجنية تمتلك جانباً كبيراً من الإثارة التي تعزز البناء الأدبي وتجذب إليها اهتمام القارئ. من المعلوم أن أدب السجون الذي كان محظوراً نشره في سوريا، وكان يستعاض عنه بحكايات شفهية يتناقلها السوريون سراً. وهذا يمنحها خصوصية وقيمة لمن يسمعها ومن يحكيها سيما أن هذه العملية البسيطة كانت دائماً محفوفة بالخطر. هذه الآلية مهدت أرضية لما نشر تالياً من شهادات معتقلين ناجين وروايات لتكون ركناً رئيسياً في الذاكرة الجمعية السورية. واليوم من النادر أن تلتقي إنساناً سورياً لم يسمع حكايات التعذيب في سجنون سوريا، وأشهرها سجن تدمر وسجن صيدنايا – خاصة بعدما وسعت منصات التواصل من القدرة على الانتشار- كما وسعت شريحة المتابعين. وبات سجن تدمر وسجن صيدنايا والناجون منهما والمعذبون فيهما والمغيبون المقتولون، ركناً أساسياً في هذه الذاكرة التي أشعر بمسؤولية نقلها إلى أبنائنا وأحفادنا وأن نبني لها صروحاً ومتاحف تجعلها عصية على النسيان، إنصافاً للناجين ووفاءً للشهداء والمغيبين الذين ضمتهم المقابر الجماعية.

المحور الثالث: البعد الثقافي والفكري

كيف أثرت مشاركاتك في الندوات والأمسيات الثقافية على رؤيتك لدور المثقف السوري اليوم؟

تلك الندوات التي امتدت على مساحة ثلاث عشرة سنة، كانت تُرسِّخ في نفسي أثر التفاعل الكبير بين من يحكي ومن يستمع ومن يحاور. واليوم أجدني شديد الإيمان بأهمية أن يتكلم السوريون، كل حسب قدرته أو أدواته، ولتخرج الحكايات جميعها من كهوف الأسرار المقفلة بالخوف. لم تعد صفة المثقف محصورة اليوم في نخبة معينة. توسع مفهوم المثقف والثقافة بشكل غير مسبوق بفعل فضاءات الميديا وشيوع المعرفة. وبالتالي صار الجميع مسؤولاً بقدر ما عن تعزيز فضاءات الحرية وفضح الجريمة، والمشاركة في بناء الذاكرة الجمعية التي نأمل أن تمتلك سطوة فعل يجعل من تكرار الماضي أمراً محالاً.

سؤا ل استيضاحي: هل ترى أن الجمهور العربي بات أكثر تقبلاً للاستماع إلى شهادات المعتقلين السوريين مقارنة بسنوات سابقة؟

بكل تأكيد في السابق لم تكن هنالك حكاية تمثل المضطهدين والمعذبين، لم تكن هناك إلا رواية السلطة وأبواقها وإعلامها. واليوم سقط الجدار وتبددت مفاعيل الخوف وسالت الحكايات والروايات والشهادات لتدخل كل بيت. ومن خصوصية المأساة السورية أنها لم تترك بيتاً إلا أصابته بشرر. وصارت شهادات المعتقلين السوريين بحجمها الهائل ومؤازرتها لبعضها وتكرار الشهادة من جهات متعددة، علامة دامغة على صحتها ودقتها. وقد ساهم العدد الكبير من المغيبين قسرياً المكتشفة جثثهم في المقابر الجماعية في التأكيد على صدق تلك الشهادات.

لم تعد الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وأعوانه بحاجة لدليل جديد يثبت حصولها على نحو معين، لقد كان لسقوط سجن صيدنايا فعل مدوٍ عابر للحدود والقارات.

المحور الرابع: البعد السياسي والاجتماعي

كيف تقرأ اليوم علاقة السجون في سوريا بالبنية السياسية للنظام، وهل تغير شيء بعد الثورة؟

النظام السوري القمعي شأنه شأن معظم الأنظمة القمعية يرتكز في بسط هيمنته المطلقة على عالم التعذيب والمعتقلات التي تنفث الرعب في الأرجاء بشكل مضطرد، وتدفع الجماهير للخضوع. وكلما أوغل النظام في استبداده كان أشد حاجة لممارسة العنف والقتل والتعذيب حتى لا يترك ثقباً صغيراً يتسرب منه شعاع الحرية أو صوت المطالبين بها. ولولا هذا النظام القمعي الرهيب لما كان لنظام الأسد أن يستمر لأكثر من خمسين سنة. عند السقوط المدوي للنظام فتحت السجون وخرج منها الآلاف لكن الأخبار ما زالت تحكي عن سجون أخرى في الشمال السوري تحت سيطرة قسد وسجون في إدلب تحت سيطرة فصائل مسلحة. لم يُكشف عن أعداد من فيها عن كيفية معاملتهم إلى اليوم، وكلنا أمل أن تفرغ تلك السجون وألا يدخلها أي إنسان إلا بوجه قانوني وبمعاملة تليق بالإنسان وكرامته وحفظ حقوقه. السجون على وجه العموم ركن ركين من الدولة الحديثة، لكن سيبقى النضال لكي تكون تلك السجون محكومة بشرعة حقوق الإنسان وأن يعامل المعتقلون بشكل إنساني يحفظ الكرامة ويعيد تأهيلهم ليستمروا بالحياة السوية مستقبلاً.

سؤا ل استيضاحي: ما الرسالة الأساسية التي تحرص على إيصالها في مقالاتك المنشورة في “العربي الجديد” و”تلفزيون سوريا”؟

أنا كواحد من الآلاف المؤلفة الذين تجرعوا أسوأ صنوف التعذيب في سجون الأسد، أحلم وأسعى لأن يستمر صوتنا عالياً، وجامعاً ومعززاً لدور الإنسان وحقوقه دون أي نقصان، وبمعزل عن هويته ومذهبه وفكره، وأن نكون شهوداً أحياء على ما ارتكبه هذا النظام المجرم.

المحور الخامس: المستقبل والرسالة الإنسانية

كيف تتخيل دورك المستقبلي: ككاتب يوثّق تجربة شخصية، أم كناشط يسعى لتغيير سياسي ومجتمعي أوسع؟

بعيداً عن الأنا التي تضخم الموضوع أميل للاعتقاد أن الشباب الذين جاوزوا الستين من العمر ويجدون في أنفسهم حماسة كافية للاستمرار في المجال العام، يصلح لهم العمل كاستشاريين أكثر من مباشرين تنفيذيين.

“بالمعنى الشخصي أنا لم أنتمِ يوماً لأي حزب أو تشكيل سياسي ولن أفعل، وإن كان بعضهم يتوهم ذلك تأسيساً على ما اتهمتني به أجهزة الأمن الأسدية زوراً وبهتاناً”.

النقطة الثانية أنني أجد اليوم دور الأحزاب قد ضمر إلى حد التلاشي ولم يعد بالإمكان تأسيس حزب جديد يحظى بجماهيرية تؤهله لخوض انتخابات أو ترجيح كفة ما في الخيارات المطروحة، وباتت مؤسسات الخدمة والعمل المدني البديل الأقوى. لنتخيل اليوم في المشهد السوري لو اصطفت جميع بقايا الأحزاب التقليدية في جهة وكانت في الجهة المقابلة منظمة “الخوذ البيضاء” التي عرفها السوريون لأعوام، من سيحظى بغالبية الأصوات في أي موضوع يطرح للاستفتاء؟

كما أميل للأهمية الكبرى المنوطة بكل صاحب رأي أو تأثير أو قلم أن يساهم في توثيق ملايين المواقف والانتهاكات والجرائم والمشاهد الإنسانية التي بقي الشطر الأكبر منها في الظل. كحكايات الأطفال الذين ماتوا مرضاً وجوعاً على قارعة الطرقات والذين قتلوا بالقصف العشوائي ومن نجا منهم، كذلك معاناة آلاف الأمهات والنساء اللائي تعرضن لعشرات الانتهاكات والممارسات القمعية الإجرامية والتي لم تفتح ملفاتها كما ينبغي بعد، والتي ستشكل أزمات تتفاعل في العتمات إن نحن لم نولها الحق الكافي في رد الاعتبار وجبر الضرر والمؤازرة المجتمعية اللازمة.

السؤال الخاتَم: ما الذي تود قوله لأجيال السوريين الذين لم يعيشوا تجربة السجون ولكنهم يحملون إرثها في ذاكرتهم الوطنية؟

بالنسبة لي أعمل كل يوم على غرس كل ما أستطيع من تفاصيل حياتنا مع “نظام قاتل الأطفال” في ذاكرة ووعي طفليَّ “غيث وسلام” الذين لم يبلغا الرابعة عشر من العمر بعد. وأتمنى أن يصل صوتي وصوت كل من عاش هذه التجربة على تنوعها وغناها وعذاباتها إلى قلب وضمير كل سوري. اليوم وبفعل تقانات التواصل المبهرة في سرعتها وسطوتها ودخول الذكاء الصناعي في معظم تفاصيل حياتنا اليومية تقلصت الفرجة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وصار من اليسير بمكان أن نتشارك جميعاً ذات الاتجاه والاهتمام، وأن تُحكى تلك الحكايات عبر جميع أشكال الأدب والفن من رواية وشعر وموسيقى ودراما وأفلام، وأن نصنع من تجربتنا القاسية صرخة ضمير عالمية تحارب كل أشكال القمع والتعذيب، وتحاصر هذه الأنظمة فلا تقبل الشعوب على تنوعها من حكوماتها أن تمد يد العون لأنظمة مجرمة بحق الإنسانية.

“وختاماً، سيبقى السباق الذي لن يتوقف بين أصحاب السطوة والمال الذين لا يكترثون بعدد الضحايا طالما أن نهر المال يتدفق في أرصدتهم ويخدم مصالحهم، وبين تيار المظلومين ومناصريهم ودعاة العدالة والحرية. إلا أن التجربة السورية على قسوتها تؤكد بانتصارها في نهاية المطاف ما أكده آلاف الناجين من المعتقلات، أنَّ الإنسان أبقى وأقوى، وأن العاصفة مهما اشتدت لن تكسره، وأننا سنبقى نعمل ونتحدث ونغني أملاً بصناعة غد أفضل.” 

صور من رحلة عمر الناجي من المقصلة محمد برو
صور من رحلة عمر الناجي من المقصلة محمد برو
          
Tags: أدب السجونالتعذيب في سورياالثورة السوريةالذاكرة السوريةالمعتقلون السوريونحقوق الإنسان في سورياسجن تدمرشهادات المعتقلينصيدنايامحمد برو
المقالة السابقة

سوريا: هل تُعيد انتخابات “الظل” صناعة الديكتاتورية؟

المقالة التالية

مناف طلاس في Sciences Po: سوريا بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل

د. جورج توما

د. جورج توما

بدافع من شغفي بجذوري السورية، أتجوّل في المشهد الإعلامي الأمريكي كي أسد الفجوة بين الثقافات، وألقي الضوء على جوهر الحضارة السورية وأهميتها بهدف التصدي لأبواق الإعلام المضللة التي تجانب الواقع.

متعلق بـ المقاله

اللاجئون السوريون في لبنان يدافع عنهم المحامي”د. طارق شندب”
حوارات

اللاجئون السوريون في لبنان يدافع عنهم المحامي”د. طارق شندب”

نعيم مصطفى الفيل
2024-09-30
الدكتور أسامة قاضي سيناريو توحيد سورية ألمانيا الغربية
حوارات

الدكتور أسامة قاضي سيناريو توحيد سورية ألمانيا الغربية

د. جورج توما
2024-04-25
إرهاصات جائحة "الطاغية" الذي أباد شعبه
حوارات

إرهاصات جائحة “الطاغية” الذي أباد شعبه

د. جورج توما
2024-01-22
سورية أضاعت الاقتصاد كمفهوم مركزي وطني
حوارات

سورية أضاعت الاقتصاد كمفهوم مركزي وطني

د. جورج توما
2024-04-14
محمد الماغوط.. عاش خارج الزمكان
حوارات

محمد الماغوط يتجاوز الخطوط الحمراء خارج الزمكان

ملك صهيوني الصوفي
2023-12-26
المقالة التالية
مناف طلاس في Sciences Po: سوريا بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل

مناف طلاس في Sciences Po: سوريا بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

أحدث المقالات

  •  الديموغرافيا والسياسة: قرن يشرح حاضر سوريا
  • محاضرة العميد مناف طلاس في “ساينس بو Sciences po” – قراءة في دلالات التوقيت والمضمون
  • مناف طلاس في Sciences Po: سوريا بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل
  • من المقصلة إلى المنابر: رحلة محمد برو بين الأدب والحرية
  • سوريا: هل تُعيد انتخابات “الظل” صناعة الديكتاتورية؟

أحدث التعليقات

  1. Jake Dicki على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  2. Verla Powlowski على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  3. Johnathan Hackett على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  4. Timmy Zieme على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  5. Dorothea Rosenbaum على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة

ارشيف مآلات

4793 - 477 (267) 1+
E-mail - support@maalat.info
مالات .. سورية رؤى مستقبلية
DMCA.com Protection Status
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • سياسة الخصوصية
  • معايير النشر
Menu
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • سياسة الخصوصية
  • معايير النشر
جميع الحقوق محفوظة © بموجب قانون الألفية لعام 2023 - مآلات - سورية .. رؤى مستقبلية

إضافة قائمة تشغيل جديدة