مقدمة تاريخية
لقد ظهرت المسالة السورية في منتصف القرن الثامن عشر عندما ضعفت الخلافة العثمانية وأطلق عليها تسمية رجل أوروبا المريض. وقد أدت هذه المسالة إلى اطالت عمر الخلافة العثمانية قرنين من الزمن بسبب اختلاف مواقف الدول الأوروبية من سقوطها أو استمرارها وفقاً لمصالحها.
يمكن لنا أنْ نطلق تسمية المرحلة التي تمر ّ بها سورية في هده الفترة بالمسألة السورية بسبب تعدد الدول المتداخلة في الصراع السوري، وتباين أهدافها ومصالحها حيث انقسمت لدولٍ بين المتعاطف مع الثورة السورية وبين الداعم لمطالبها الشعب بالحرية والكرامة وبناء الدولة المدنية. وكان جل دعمهم إعلامي وسياسي، ودعم ماديّ محدودٍ مقابل قوى داعمة للنظام. وكذلك توفر تغطية أفعاله بتطبيق عنف المفرط والقتل اليومي، وتوفر له الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي. وقد تجلى ذلك في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي والصيني المتكرر ضد أي قرار يمس النظام، إلا أنّهم كانوا متفقين أنَّ الحل في سورية لا يمكن إلا أن يكون سياسيا.
مراحل مسيرة الثورة السوريّة
بعد تأخرٍ لم يكن متوقعاً، تجسدت إرادة المجتمع الدولي بإصدار القرار 2254 الأممي القاضي بتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحية، ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية ودستورية والقرار 2118 الذي أدان بأشدِّ العبارات استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في سوريا إثر مجزرة الغوطة، كما توافقت الدول على القرار 2042 القاضي بوضع آليةٍ دولية للإشراف على وقف إطلاق النار من خلال ارسال بعثة مراقبين دوليين. ولم يشاهد هؤلاء إلا القتل والدمار. بيدَ أنِّ البعثة لم تستمر سوى ثلاثة أشهر، حيث تمِّ تعين الأخضر الابراهيمي الذي أفشلت مهمته روسيا قبل بدء المهمة بوضع شروط أدت إلى نهاية مهمته
عندما لاح بالأفق توافقاً على خطة كوفي عنان ذات الشروط الستة التي تفضي إلى حل سياسي، عمدت روسيا وتركيا وإيران إلى التهرُّب من تطبيق القرارت التي وافقت عليها روسيا حيث تمَّ ابتداع هرطقة أسموها مسار “استانا” التي استمرت إلى عشرين جولة، وتحت اسم منطقة خفض التوتر، تم َّالتنازل عن معظم المناطق التي سبق أنْ حررها الثوار وقدموا بعد أن قدموا آلاف الشهداء مثل الزبداني والغوطة وداريا وحمص. ونتيجة ذلك، نقلت الباصات الخضراء الثوار إلى الشمال السوري.
انحسرت الجهود السياسية بتشكيل لجنة التفاوض التي اجتمعت أكثر من ثماني مرات دون أنْ تنجز اللجنة الدستورية المقدمة أي جديد بسبب تعطيل النظام لها ودعم روسيا لمواقفه، بعد اتفاق “ديمستورا” مع الوفدين على تقسيم العمل إلى أربع سلال. وقد بدأوا بالدستور تاركين باقي السلال الثلاث.
مرحلة التدخل الروسي:
لذلك نستطيع التأكيد أنَّ الحل في سورية قد أصبح بعيد المنال نتيجة اختلاف مصالح الدول الاقليمية والدولية، وبالأخص بعد تدخل روسيا 2015 عسكرياً مع النظام، واعترافها الصريح بأنها قد حمته من السقوط، مقابل حصولها على عقد عدة صفقات، كان من بينها السماح بقاعدة “حميميم” الجويَّة طرطوس البحريَّة.
مرحلة الاحتلال الإيراني:
عمدت لإرسال العشرات من تشكيلات المليشيات المذهبيَّة بحجة حماية المراقد الشيعيَّة في دمشق محققه حلما بالوصول إلى المتوسط وانشاء ممراً شيعياً من طهران إلى بيروت، كما أنها حصلت على استثمار الفوسفات والكريستال من تدمر.
مرحلة الاحتلال التركي:
بحجة حماية حدودها من الجنوب من عصابة pkk وحليفها قسد السوري اللذان سيطرا على الجزيرة السورية بحجة محاربة الارهاب، ونالت دعما من التحالف الدولي.أما تركيا تناغمت مع روسيا وإيران باتفاقيات أستانا غير المعلنة، وسيطرت على الائتلاف لتحويل الثوار إلى جنود ومرتزقة لها تدفعهم حسب حاجتها.
دور اللاعب الأمريكي:
أرادت الولايات المتحدة التخلي عن سورية لروسيا، ودعمت “قسد” لأنَّ هدفها كان السيطرة على النفط والغلال الزراعية. ولما ظهرت لها خطورة مستقبل ذلك، قامت بوقف التمدد الإيراني من خلال قاعدتها بالتنف، واكتفت بفرض عقوبات على النظام تحت اسم قانون قيصروقانون الكبتاغون .
خباثة الكيان الإسرائيلي:
وهي في الظاهر (اليد الخفية)، وفي الباطن (صاحبة القرار). ورغم قصفها مئات المرات للمواقع الإيرانية في سورية، إلا أنها لا ترى بديلاً أفضل من هذا النظام الذي حمى حدودها خمسين عاما وتنازل لها عن الجولان.
دور حزب الله منتحلاً صفة الدولة اللبنانية:
الجميع يعرف أنَّ لبنان يرزح بالخفاء تحت نفوذ الملالي الإيرانية بذراعها المتمثل بحزب الله المتمرد على القرار اللبناني. لذلك هرع هذا الحزب لإنقاذ انهيار النظام، وأرسل قواته للمساهمة بقتل السورين، وبدأ بالتقدم للداخل السوري بعد احتلاله منطقة القصير، حيث جعلها مركزا لزراعة الحشيش ومركزاً لإنتاج الكبتاكون مؤخراً.
دور البلاد العربية المتقلّب:
بعد مقاطعة عربية في ظاهرها شاملة لمدة 12 عام، عمدوا لإعادة النظام الى الجامعة العربية. وقد تبنت المشروع المملكة الأردنية في البداية، وقدموا للأسد مغريات مادية مقابل ثلاثة شروط، تضمنت:
- تقليص دور إيران.
- الحد من تجارة وتصنيع المخدرات.
- إطلاق سراح المعتقلين
لكن النظام بقي عاجزاً عن تنفيذ أي شرط، لأنه مرتبط مع الإيرانيين، وأنَّه سيخسر مصدر دعم اقتصاده من الكبتاكون، ولأنَّ معظم المعتقلين كان قد قتلهم بالخفاء. لذلك جاء خطاب ملك الأردن في منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكداً على فشل العرب بمبادرتهم.
الرؤية المستقبليةللمسألة السورية:
إنَّ أي حلً يمكن أن يكون مقبولاً من الثوار لاستخراج حل للمسألة السوريَّة مُرتَهن بإزالة العقبات المتجذرة في العوامل الداخلية التي أطالت الأزمة، التي تتلخص فيما يلي:
- تفرق المعارضة وتشرذم قوتها، لأنَّ كل فصيل يأتمر بأوامر الدولة الداعمة له. وطالما أنَّ مصالح هذه الدول متفقة على إطالة الأزمة كي يتمكنوا من اقتسام الكعكة السوريَّة كما وصفها رئيس وزراء قطر الاسبق.
- أسلمة الثورة ورفع الشعارات الطائفية، الذي أخاف بعض معظم القوى الوطنية، الذين لم ينضموا إليها، خاصة الجميع يعلم ما وراء الأكمة عندما أقحم الأسد داعش والنصرة بدعم إيرانيّ مكشوف، وتركي مبطَّن.
- ارتهان قادة الائتلاف إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين فرضوا من قبل قطر وتركيا، مما أدى إلى حدوث فجوة قاتلة دفعت إلى خروج الكتل الوطنية الائتلاف.
- وجود كيانات خارج سلطة النظام تهدف إلى اقتسام حيز جغرافي من الاراضي السورية لها، ومثال ذلك ما يفعله “الجولاني” في ادلب الذي يخطط لضم حلب واقامة أمارة إسلاميَّة على غرار (غزّة) في فلسطين المحتلَّة. وكذلك جماعة قنديل الذين يسيطرون على قسد، ويعمَدون على قيام كيان ذاتي لهم تحت مسمى اللامركزية السياسية.
- اقصاء دور الأحزاب السياسية التي أنشئت بعد الثورة، أسوة بما فعله النظام مع الأحزاب السياسية الوطنية، بغية إحداث تصحُّر سياسي، وهذا قد كرره الائتلاف عندما استبعَد كل الأحزاب اليساريَّة من المشاركة.
ختاماً:
تتلخص رؤيتنا أنَّ الحل يبدأ من التصدي لخطط الدول التي تسعى في العلن – وبعضها في الخفاء – إلى تقسيم البلاد لكيانات متناحرة متحاربة طائفيا وعرقياً، كي تلبي مصالح الدول الداعمة لها، وأنْ يمتد هذا الوضع لعشرات السنين. ولا مندوحة إلا بإسقاط النظام وطرد المحتلين الروس والإيرانيين والتفاوض مع باقي الدول لوضع جدول لانسحاباتهم.
وهذا الأمر يتجلى واضحاً في شعارات أخوتنا في السويداء ودرعا وكل التظاهرات والأصوات الحرَّة في مناطق النظام. فلا خوف على الثورة ما دام الحراك السلمي السياسي متوافقاً مع أهداف ثورتنا التي بدأت 2011 وهي مستمرة حتى النصر.