استهلال
اليوم، قادني الجدل – البنّاء- الذي انتشر بين أطياف مختلفة من المكونات السورية وكذلك بين الشخصيات الوطنية المستقلة في متاريس الثورة السورية حول رؤية د. أسامة قاضي التي أودعها في صفحات كتابه بعنوان “سيناريوهات إعادة الإعمار في سورية: ألمانيا الغربية، فيتنام..أم الشيشان”. وقد انهالت التساؤلات عليه من الكثير من المؤيدين وقلة من المعارضين لهذه الرؤية والمؤيدين لها. وفي هذه الفترة بالذات لمستُ أنَّ صاحب هذه الرؤية تكررت دعوته لحضور ندوات ومساحات على الإنترنت للحوار معه بشكل واسع شبه يومي تقريباً. ولا أنكر أنَّ سعة صدره فاقت مقدرة أي أحد من المعنيين برسم خارطة طريق لإنقاذ سورية.
لذلك سيكون حواري معه اليوم لتلخيص هذه الرؤية وأبعادها علها تفيد القارئ في فهم مغزى هذا المشروع من عرَّابه بالذات، بعيداً عن الجدل والتشويش الحاصل في ساحة الثورةالسورية.
د. أسامة أرحب بك وأستهل الحوار معك بسؤال محوري:
ما هي الدوافع وراء نشر كتابك حول توحيد سورية؟
ستكون إجابتي بلا مقدمات، لأنَّ الظروف التي تسببت في انطلاق الثورة يعرفها الجميع، كما أنهم يعرفون سيرورة الثورة خلال أعوامها الطويلة. ونتيجة لذلك بتُّ لا أعتقد أن هنالك مجال لإعادة إعمار حقيقية دون صفقة سياسية أو حل سياسي، ولذلك فإن السيناريوهات مرهونة بنوع الصفقة السياسية الأمريكية الروسية.
في ظل الواقع التقسيمي لثلاثة مناطق نفوذ (روسية (تضم إيران ونظام الأسد)، أمريكية، تركية) ربما نحتاج سيناريو ينطلق من مقدمات صحيحة وعملية، ومثال ألمانيا الغربية حاضر في التاريخ لأن ألمانيا كانت بعد الحرب العالمية الثانية عبارة عن ثلاثة مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية وأمريكية، ثم توحدت ألمانيا بعد أربعين عاماً وباتت دولة موحدة.
الواقع الجيوسياسي السوري يؤكد تكريس مناطق النفوذ الثلاثة الروسية والأمريكية والتركية والإبقاء عليها واعتبارها واقعاً جغرافياً ، لدرجة أن هنالك 23 معبر داخلي بين المحافظات السورية! علينا إذاً أن نعيد توحيد سورية على مرحلتين فأية مناطق مرشحة لتتحد لتشكل ألمانيا الغربية؟ والمرشح هنا أن تكون منطقة النفوذ التركية بمساحة 20,332 كم مربع (10.98%) من الجغرافيا السورية، ومنطقة النفوذ الأمريكي بمساحة 47,480 كم مربع (25.64%) وربما تكون حلب ضمن الصفقة السياسية النهائية (التسريبات الأخيرة تفيد بالتمسك التركي بكامل مدينة حلب)، وعلى اعتبار تركيا في النهاية هي جزء من حلف الناتو وسيكون هنالك الكثير من الطرق لتقريب وجهات النظر بين تركيا وأمريكا، خاصة أنه لايمكن الاستغناء عن الحدود التركية-السورية التي تبلغ 911 كم (566 ميلا) وستحتاج منطقتي النفوذ التركي – الأمريكي منفذاً بحر ياً، وربما تمَّ ذلك باستخدام لواء اسكندرون التركية كمنفذ بحري، ومن خلال جغرافية سورية الجديدة عبر توحيد منطقتي النفوذ التركية الأمريكية تتشكل دولة جديدة تكون نموذجاً تنموياً خاصة أنه سيشهد مؤتمر إعادة إعمار حقيقي أمريكي تركي يستطيع إقناع دخول شركات عربية وأوربية لإعمار تلك الجغرافية السورية، وقد يأتي يوم تعود سورية موحدة كما عادت ألمانيا موحدة بعد 42 عاماً عقب انهيار جدار برلين.
السيناريو الآخر هو انسحاب كل الجيوش ماعدا الجيش الروسي وتصبح سورية أقرب لتكون جمهورية الشيشان وتبقى روسيا هي المسيطرة على كل النواحي الاقتصادية وتتغلغل روسيا على كل النواحي الاقتصادية وقد بدأت الهيمنة على الاقتصاد السوري بشكل هائل حيث تم توقيع في سبتمبر 2020 على 40 مشروعاً جديداً في مجال إعادة إعمار قطاع الطاقة وعدد من محطات الطاقة الكهرومائية واستخراج النفط من البحر، وسبقته السيطرة على ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً يجدد تلقائياً لمدة ربع قرن، وكذلك التوقيع في 26 نيسان 2016 من أجل تمويل بناء محطة تشرين، وإقامة 200 بيت بلاستيكي تزرع فيها خضار وفواكه، والعمل على إقامة شركة نقل بحري “سورية– روسية” بنسبة النصف لكل جانب، إضافة إلى وجود دراسة لإقامة بنك أو مؤسسة مصرفية بين البلدين لتمويل الصادرات لكل طرف، وكذلك مصنع المحولات الكهربائية في مدينة عدرا الصناعية، وإقامة مشاريع صناعية من مثل ما وقع في فبراير 2016 مع شركة “سوفوكريم” الروسية بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص السورية، بكلفة 70 مليون يورو، وتعمل شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية على إقامة مشاريع جديدة واسعة النطاق في سورية، مثل بناء محطة ضخ كبيرة عند نهر دجلة، ومعمل للأعلاف في محافظة حماة.
كما منح النظام السوري روسيا أول اتفاق للتنقيب عن النفط والغاز في مياه سورية الإقليمية، ووقع الجانبان ما يعرف بـ “عقد عمريت” البحري للتنقيب عن النفط وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية، من جنوب طرطوس على الشاطئ وحتى بانياس، وبعمق 70 كيلومترًا، وذلك لمدة 25 عامًا بتمويل روسي، بقيمة 100 مليون دولار، كما قام نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف عام 2018 بتوقيع مذكرة تفاهم بين وزارتي الصناعة والتجارة في البلدين، والاتفاق على بناء المساكن واتفاقية أخرى في مجالات الأشغال العامة البنية التحتية، ومجمع الوقود والطاقة والبنية التحتية للنقل، والمؤسسات الصناعية،
هذا السيناريو قد لايكون واعداً، حيث أنه بعد عقدين من سيطرة الروس على الشيشان، لم يبلغ ناتج الدخل الإقليمي لجمهوية الشيشان أكثر من 141 مليار روبل روسي أي مايعادل 2.2 مليار دولار عام 2014، أو أقل من ربع بالمائة من الناتج الإجمالي لروسيا، وبلغت نسبة البطالة عام 2011 حوالي 32 بالمائة، وانخفضت ل 15 % في عام 2015. فماذا ينتظر السوريون اقتصادياً من تكرار التجربة الشيشانية في سورية؟
جمهورية الشيشان هي جزء من روسيا فهي جزء من التجربة الروسية وربما هي أسوأها، وتسببت في تشويه سمعتها في مجال حقوق الإنسان، ولكن اقتصادياً روسيا تمثل واحدة من تجارب الفشل الاقتصادي حيث هبط ناتج دخلها القومي من 2.2 تريليون دولار عام 2013 إلى 1.5 تريليون دولار عام 2017، ومعدلات التضخم وصلت 72 بالمائة عام 1999، ثم نزلت إلى 37 بالمائة عام 2000، وانتهت إلى 5.2 بالمائة عام 2017 وهبطت أرقام الاستثمار المباشر في روسيا من 40 مليار دولار عام 2013 إلى أقل من 6 ستة مليار دولار عام 2018، وهبط سعر الروبل من 23 روبل للدولار عام 2010 إلى 82 روبل عام 2016.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي الروسي الحالي بعد غزو روسيا لأوكرانيا ومعاداتها للعالم الصناعي، وانخفض سعر الروبل فقط في أغسطس 2023 من 62 إلى أكثر من 100 روبل للدولار في يوم واحد.
هنالك مئات قوانين العقوبات الاقتصادية المطبقة على روسيا وكذلك ايران، والتي ستمنع أي عملية تمويل لإعادة الإعمار في سورية حتى من الصين، ولن تضخ إيران وروسيا أي أموال لإعمار سورية لأنها تنتظر الأموال الغربية لتمّول المشاريع على الأرض السورية وتكون مهمة إيران وروسيا ضمان حصتيهما بالاتفاق مع تلك الشركات المؤمل دخولها السوق السورية، كونهما وقعتا عشرات اتفاقيات إذعان مع نظام الأسد لبيع الأصول السيادية السورية، هذا معناه أن سيناريو الشيشان في سورية لن يعود على السوريين بكثير من الخير اللهم إلا بعض الأمان المؤقت وإعمار جزئي واقتصاد هزيل مسيطر على اقتصاده الحكومة الروسية مباشرة وتزاحمه عليها إيران، وبقية أمراء الحرب من امبراطورية أسماء الأسد، ويبقى السوري مواطن درجة ثالثة في دولة شيشان السورية.
أعتقد أن أمام السوريين سيناريوهان لإعادة الإعمار خيارين إما سيناريو ألمانيا الغربية أو الشيشان،
أما استمرار المقاومة ومقارعة الاحتلالات والتمسك بالقرارات الدولية وخيار المقاومة فهو قطعاً ليس سيناريو إعادة إعمار بل هو سيناريو تحرر قد يطول ويحتاج تمويل، وعملياً من المستبعد أن يستمر لأن الجغرافيا السورية كلها تابعة إما لأمريكا أو روسيا أو تركيا ولو أرادت أية مقاومة أن تقوم فستقوم من تلك الجغرافيا التابعة لسلطات مناطق النفوذ وقد يتم قمعها في مهدها من قبل سلطات الأمر الواقع بأوامر مشغليها.
هل تعتقد أن “مسار أستانا” ممكن يؤدي إلى إعمار سورية؟
هناك أربعة أركان أساسية لنجاح أية عملية لإعادة إعمار وهي الأمان، والعدالة والمصالحة، والرفاه الاجتماعي، والحوكمة والمشاركة.
لنتصور أنه تحقق مسار آستانا وتم السير حسب التفسير الروسي والإيراني للقرار 2254 وهو “حكومة وحدة وطنية” تحت حكم الأسد، وتمت تسمية وزيرين من المعارضة “المصنّعة محلياً” حسب تعبير الأسد، وتكون انتهت “اللجنة الدستورية” من تقديم مقترحاتها وتم عرضها حسب الفهم الروسي لمجلس الشعب الحالي بما فيه من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ووافقوا على تغيير بند أو اثنين لايغير من بنية وتركيبة نظام الأسد الأمني العسكري الطائفي، إذاً مالذي سيحدث؟
إذاً في “اليوم التالي” لمسار أستانا سيتم إغلاق الملف السوري بجهود المبعوثين الأمميين المتعاقبين وبفضل “إبداعاتهم” السياسية الخلاّقة، وبفضل أداء “المعارضة” الاستثنائية!
المتوقع ألا تنسحب القوات الأمريكية من مناطق الشمال الشرقي “نكاية” بروسيا التي تشتبك معها بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتم تكريس هذا العداء مع الغرب بمئات قوانين العقوبات ضد روسيا، وستعزز أمريكا وجودها في سورية من أجل تطبيق “قانون الكبتاغون” وإغلاق الحدود السورية – العراقية-السورية-الأردنية، وحتى معبر نصيب الأردني-السوري على الأغلب سيغلق حتى قبل انتهاء مسار أستانا.
كذلك المتوقع أن تبقى القوات التركية في سورية، وذلك بموافقة روسية خاصة أن العلاقات الروسية التركية تعيش شهر عسل ولايمكن التخلي عن شريك تركي يوصل الغاز الروسي عبر خط السيل الأحمر لأوربا والعالم، وبسبب وضع روسيا الاقتصادي والاختناق الدولي رغم المكابرة الروسية عبر حملاتها الإعلامية حول “البريكس” المؤلف من دول غير منسجمة وبنيتها الاقتصادية مختلفة، وتلبيس حقائق مغلوطة من أن الهند محسوبة على البريكس! بينما هي محسوبة على الغرب وأمريكا، وداخلة معه في شراكات كثيرة آخر مشاريعها العظيمة الممر البري الواصل بين الهند وأوروبا مروراً بدول الخليج.
إذا سورية المقسمة لثلاثة مناطق نفوذ روسي، وأمريكي، وتركي، وفيها 830 نقطة عسكرية أجنبية، ومع مسار آستانة سيتم تكريس التواجد الإيراني والروسي والنظام السوري فقط على 63% من مساحة سورية، فهو لا يضمن وحدة الأراضي السورية رغم إدعاء بيانات أستانا العشرين على “وحدة” واستقلال” و “سيادة” سورية، فتطبيق تلك الإنجازات تخص فقط 63% من سورية، وببقاء 520 نقطة عسكرية إيرانية إضافة للروسية والأمريكية والتركية سيطعن في تلك “السيادة” فضلاً عن ادعاءات غير واقعية من “الاستقلال” و “وحدة الأراضي السورية”.
وماذا عن القوات الأجنبية؟
هل تعتقد أن الجيوش الروسية والإيرانية والتركية والأمريكية ستغلق قواعدها العسكرية وتسحب قواتها من سورية بعد مسارات أستانا؟ إذا كان الجواب بالنفي، كيف يمكن ضمان الأمان ؟ هو سيناريو الأرض المحروقة و تجريب 320 نوع سلاح روسي على الشعب السوري شبيه ما قامت به روسيا 1994 مع الشيشان.
الجدير بالذكر أنه رغم تمكن الجيش الروسي من السيطرة على الشيشان في فبراير 1995، ولكن المقاومة الشيشانية ظلت تقلق الأمن الشيشاني، والبرلمان والشرطة الشيشانية التي يسيطر عليها قديروف الموالي للحكومة الروسية عرضة للهجوم من قبل المقاومة الشيشانية والتي لم يكن آخرها في 4 كانون الأول / ديسمبر 2014 حيث هاجم مسلحون هجومًا على مبنى في غروزني ، مما أسفر عن مقتل 20 شخصًا على الأقل.
ليس هذا فحسب بل إن القلاقل طالت موسكو نفسها بعد حوالي عشر سنين على إخضاع الشيشان، حيث استولى المتمردون الشيشان في تشرين الأول / أكتوبر 2002 على مسرح في موسكو واحتجزوا أكثر من 700 شخص كرهائن واستخدمت القوات الروسية غازًا مجهولًا لإخضاع المسلحين ومات على إثرها المتمردين ال41 ومعهم 129 من الرهائن، وكذلك في يونيو حزيران 2003 قم الشيشانيون بهجوم انتحاري يقتل 16 شخصا في حفل موسيقي في موسكو، وفي فبراير 2004 قتل أربعين وجرح 100 عندما فجر مهاجم انتحاري قنبلة في قطار مترو موسكو والمتهم فيها دائما هم المقاتلون الشيشان، وكذلك طالت القلاقل اغتيال أحمد قديروف رئيس الشيشان في مايو ،2004، فهل ننتظر مستقبل مماثل لسورية فيما لو تابع الروس الحل الشيشاني في سورية؟ كيف سيكون هناك أي عامل من عوامل الأمان مع تواجد مخابرات وأمن نظام الأسد، وروسيا وإيران إضافة للميليشيات الطائفية؟
أليس من وجود معايير أمن يمكن تبنيها؟
من البديهي أنه في حال عدم وجود أعلى معدلات الأمان فإن المستثمرين والدول لن تستثمر في دولة غير مستقرة على مساحة 63% من سورية.
في حال مسار آستانة الخزينة السورية – بسبب التقسيم الحالي – ستكون محرومة من النفط السوري وما تنتجه المناطق الزراعية خارج سيطرة الروس، كذلك بسبب عدم وجود الأمان فإن ملايين الفنيين والمهنيين السوريين فضلاً عن اليد العاملة السورية العادية لن يعود أكثر من 10 بالمائة منها في أحسن الأحوال.
ستبقى سورية تحت العقوبات الدولية وسينفر هذا المستثمرين الدوليين من دخول منطقة ال63% من سورية للاستثمار، فضلاً عن أن النظام البنكي مع العالم معطل، ويبقى تعاملها فقط مع روسيا وايران وبعض أشباه الدول وهذا لن يشكل رافعاً للتنمية الاقتصادية السورية.
روسيا قبل الغزو الروسي لأوكرانيا لم تستثمر مالياً في سورية واكتفت بتوقيع الاتفاقيات الملزمة لنظام الأسد لمنح كل الأصول السيادية السورية كي تكون روسيا بمثابة “الوكيل الحصري” للاقتصاد السوري بانتظار بدء عملية إعادة الإعمار حيث تتحدث تلك الشركات الغربية مع الروسي كونهم وكلاء الاقتصاد السوري، ومن الطبيعي أنه بعد حرب أوكرانيا لن تستثمر وخاصة وهي في أسوأ أوضاعها الاقتصادية حيث هبط مؤخراً سعر الروبل من 62 إلى 103 للدولار الواحد، فضلاً عما خسرته من جراء انسحاب أكثر من ألف شركة من السوق الروسية وحجبها عن نظام السويفت، وحجم سوق الأسهم الروسية المالي لايتجاوز 700 مليار دولار وحجم رأسمال الشركات المتداولة أخفض من سوق أسهم جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا (1.1 تريليون دولار)، وتايوان (1.71 تريليون دولار) و هونغ كونغ (4.6 تريليون دولار) و كوريا الجنوبية (1.9 تريليون دولار) وطبعاً لا تقارن بحجم سوق نيويورك (24 تريليون دولار) وناسداك (22 تريليون دولار).
ألا تتوافر ظروف لحل هذه المشاكل الاقتصادية مستقبلاً؟
العقبة الكأداء في وجه “حكومة الوحدة الوطنية” العتيدة ستواجه أخطر مشكلة وهي أنه فضلاً عن أنها محرومة من 40 بالمائة مما تنتجه الأرض السورية، فهي مستلبة روسياً وايرانياً، حيث أن الأصول السيادية تقريباً كلها تم منحها للإيرانيين والروس/ حيث لم يبق مثلاً أي مرفأ سوري في سورية كلها تدار روسياً، وتم تكبيل 63 % من سورية بأكثر من 51 اتفاقية إذعان مع إيران وأكثر من 60 اتفاقية إذعان مع روسيا يصل طول بعضها إلى 74 عاماً/ مثل اتفاقية مرفأ طرطوس التي مدتها مع الروس 49 عاماً تمدد تلقائياً لمدة 25 عاماً! بل إن الاتفاقية تنص على أن للروس الحق “في سطح الحبر وقاع البحر”!
يضاف إلى ماسبق فإن “حكومة الوحدة الوطنية الشيشانية- السورية” ستلتزم بالديون الإيرانية (تدعي إيران أنها 50 مليار دولار) وكذلك الديون الروسية، بمعنى أنه لايكفي الروس والايرانيين مافعلوه من قتل وتهجير 13 مليون سوري بل على عشرة أجيال قادمة دفع الديون والالتزام بالعقود التي وقعها نظام الأسد كي يلزم الأجيال السورية القادمة بها، خاصة أن “المعارضة المبدعة” تقرّ بأن إيران وروسيا “ضامنتين” للحل السياسي لا بل إنهما تطالبان بتطبيق القرار “2254” حسب التفسير الإيراني- الروسي طبعاً.
إن احتمالات إعمار منطقة النفوذ الروسي التي تمثل 63 % من مساحة سورية، والنهوض بالاقتصاد السوري ورفع السوية المعاشية ل95% من السوريين الواقعين تحت خط الفقر ضعيفة جداً، عبر مسار آستانا-سوتشي وستنتهي بتدمير ماتبقى من اقتصاد سوري وتنفر السوريين وتزيد هجرتهم أرضهم كي تكتمل فرحة النظام الإيراني بالتغيير الديموغرافي وتنفيذ مشروعه في المنطقة.
إن مؤشرات أداء الاقتصاد الروسي السيئة توحي بتنفيذ ما تعرفه الإدارة الروسية في إدارات الدول وستسنسخ صورة أكثر تشويهاً للاقتصاد السوري المنهك، حيث أن فاقد الشيء لايعطيه، حيث احتلت روسيا المرتبة 137 من أصل 180 دولة من حيث الفساد (بحسب منظمة الشفافية الدولية 2022)، صنفت روسيا على أنها أسوأ 38 دولة في العالم على مؤشر سيادة القانون وفقًا لمشروع العدالة العالمية 2021، حيث احتلت المرتبة 101 من أصل 139 دولة، ومن حيث القيود على سلطات الحكومة روسيا أسوأ عشر دول في العالم 139/129، وعلى مؤشر غياب الفساد روسيا أسوأ 50 دولة في العالم حيث هي الدولة 88 من أصل 139، وفي الحقوق الأساسية روسيا أسوأ 25 دولة في العالم 114 من 139، ومن حيث العدالة الجنائية روسيا أسوأ 18 دولة في العالم تموضعت على المرتبة 121 من أصل 139…فما هي التجربة الإدارية التي سيطبقها الروس في سورية؟ خاصة إذا أضيف لها الفشل الإداري الكهنوتي الإيراني؟ عند ذلك ستصبح سورية أفشل دولة في العالم لأن من استلم دفتها هو أسوأ الإدارات.
وما الحلول المرتجاة إذنْ؟
من كل ماسبق يصعب تصديق تحقق أي بند من ركائز الإعمار الأساسية من الأمان، وكذلك استحالة تحقق العدالة والمصالحة بوجود نظام الأسد وأدواته الأمنية فضلاً عن إيران وروسيا، ولايمكن تحقق الرفاه الاجتماعي بل إن السوريين سيعيشون أوضاعاً أكثر كارثية وانخفاض قيمة الليرة السورية التي قد تصل 100 ألف ليرة للدولار كما هو الحاصل في لبنان وإيران هي المتسبب نفسه في ذلك الانهيار الاقتصادي في سورية ولبنان.
أما البعد الرابع في الإعمار وهو الحوكمة والمشاركة ستكون مستحيلة في ظروف احتلال ايراني روسي وتواجد نظام الأسد وانعدام الحريات والقمع المستمر، حتى أن عشرين لقاء أستانا لم تتحدث بياناته عن إخراج المعتقلين ولا عن مصيرهم فضلاً عن عدم تواجد بيئة آمنة حقيقية ليعود اللاجئين السوريين والنازحين بيوتهم حتى يشاركوا في نهضة سورية، لذلك فإن مسار أستانا-سوتشي سيحول 63% من سورية لجمهورية الشيشان السورية وتبقى ورقة بيد إيران وروسيا للمساومة على صفقات سياسية خارج الجغرافيا السورية، الأمر الذي سيجعل منها نموذج فشل اقتصادي وإداري يحاكي تجربة فنزويلا التي ألغت سبعة أصفار من عملتها أو تجربة زيمبابوي التي ألغت 12 صفراً من عملتها.
الختام
د. أسامة أشكرك على هذا الحوار الذي لخص جزءاً من واقع الحال وإسقاط مآلات رؤيتكم عليه، متمنياً اللقاء معكم في المستقبل القريب لمزيد من التفاصيل والرؤى.