بعد أيام تمر الذكرى 57 على احتلال إسرائيل للجولان السوري، والسوريون ما زالوا مستمرين في ثورتهم ضد النظام الذي كان سبباً في خسارة الجولان إما بسبب الخيانة أو التقصير. هذا المقال يهدف إلى إلقاء الضوء على الأحداث الجيوسياسية والجيوبوليتيكية التي أحاطت بتلك الفترة، والأسباب المباشرة التي أدت إلى نشوب حرب 1967، ونتائجها المدمرة على سوريا.
الوضع الجيوسياسي في سوريا تلك الفترة
كانت سوريا تعيش فترة مضطربة من الناحية السياسية بعد عدة انقلابات عسكرية كان آخرها انقلاب حزب البعث عام 1963. تميزت تلك الفترة بالانقسامات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي. وشهدت البلاد صراعات على السلطة داخل الجيش والحكومة، مما أثر بشكل كبير على جاهزية سوريا للدفاع عن أراضيها. كما أن السياسات القمعية والاستبدادية التي انتهجها النظام البعثي أدت إلى استياء واسع النطاق بين الشعب السوري.
الوضع الجيوبوليتيكي في الشرق الأوسط تلك الفترة
في تلك الفترة، كان الشرق الأوسط يشهد تنافساً شديداً بين القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، في سياق الحرب الباردة. وكذلك الصراع العربي الإسرائيلي كان في أوجه بعد حربيّ 1948 و1956. وقد تزايدت التوترات بين الدول العربية وإسرائيل بسبب السياسات التوسعية الإسرائيلية التي أثارت حفيظة الدول العربية، مما جعل المنطقة ساحة للصراعات السياسية والعسكرية.
مطامع إسرائيل بالتوسع حسب مخططاتها الاستعمارية المستمدة من التوراة
كانت إسرائيل تسعى منذ تأسيسها إلى توسيع حدودها بناءً على تفسيرات دينيَّة وتاريخيَّة مستمدَّة من التوراة. تضمنت المخططات الاستعمارية الإسرائيلية السيطرة على مناطق استراتيجية مثل الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. هذه السياسات التوسعيَّة كانت مدعومة بقوة من الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، التي قدمت لإسرائيل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لتعزيز نفوذها في المنطقة.
الأسباب المباشرة التي أدت إلى نشوب حرب 1967
يمكن تلخيص أهم تلك الأسباب بما يلي:
-
-
- تصاعد التوترات بين إسرائيل والدول العربية بعد العدوان الثلاثي على مصر “حرب السويس” عام 1956.
- تحركات إسرائيل العسكرية على الحدود السورية والأردنية، وكشف نواياها في توسيع رقعة الأراضي التي سيطرت عليها عام 1948.
- المحاولات السورية والأردنية الدؤوبة للاستفادة من أكبر كمية من صبيب الأنهار قبل أن تصل إلى أراضي فلسطين المحتلة، وأهمها نهر اليرموك.
- إغلاق مصر لمضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في مايو 1967.
- الحشود العسكرية على الجبهتين السورية والمصرية، ما أدى إلى اندلاع المواجهات العسكرية.
-
الصندوق الأسود لحرب 1967
مرحلة ما قبل نكبة فلسطين عام 1948:
لعب المسيحيون الإنجيليين “البروتستانت” في بريطانيا، دوراً هاماً في التأكيد على أهمية “أرض الميعاد” في اللاهوت المسيحي. فهم يعتقدون أنّ وعد الله لإبراهيم ينطبق أيضاً على المسيحيين، وأنّ عودة المسيح مشروطة في استعادة اليهود لأرض الميعاد. لذلك كان المسيحيون البروتستانت أول من دعا إلى ضرورة استعمار الديار الفلسطينية بذريعة أنَّ المسيح الذي سيعود ثانية للحياة على الأرض، سيجد أنَّ المسلمين يحكمون مسقط رأسه في فلسطين، وبالتالي يجب عليهم اخلاء هذه البقعة من ساكنيها الحاليين، تمهيداً لعودة المسيح، لأنَّ أصوله كانت من أصلاب اليهود في جبل صهيون. ومع تنامي الغزوات الصليبية لتلك الأراضي بأشكال مختلفة عبر مئات السنين، نشر البريطاني الإنجيلي “لورنس أوليفانت” كتابه “أرض جلعاد عام (1887)، ليقلّب مواجع الشتات من اليهود كي يجدوا لهم أرضاً تجمعهم وهي فلسطين. وقد استغلَّ تلك المقولة التوراتية يهود الشتات حول العالم كي يؤسسوا المنظمة الصهيونية العالمية التي نظمت مجموعات ضغط على البلدان التي يقيمون فيها لمساعدتهم للعودة إلى أرض الميعاد. وكانت بريطانيا من أكثر الدول استجابة لتلبية مطامعهم. وقد منحهم وزير الخارجية آرثر بلفور وعداً صادراً عن الحكومة البريطانية عام 1917 أعلن دعمها لإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين. ولم تنسحب القوات البريطانية التي كانت تستعمر فلسطين تحت اسم الانتداب البريطاني، إلا بعد أن سهلت لمئات الآلاف من يهود الشتات القدوم إلى فلسطين تاركة لهم ما تمتلكه من أسلحة ثقيلة مع ذخائرها لقتل العرب وتسفيرهم خارج البلاد بعد نشوب حرب “نكبة فلسطين 1948”.
مرحلة ما بعد نكبة فلسطين:
بعد أنْ انتهت حرب النكبة بوقف إطلاق النار وتوقيع عدة اتفاقيات هدنة بين إسرائيل والدول العربية، خاض العرب والإسرائيليون عدة حروب وصراعات رئيسية:
أزمة السويس (1956): تعرف أيضاً بحرب سيناء أو العدوان الثلاثي. وقد حدثت بعد تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس. شاركت فيها إسرائيل، بريطانيا، وفرنسا ضد مصر، حيث شنت إسرائيل هجوماً على سيناء واحتلتها بينما هاجمت بريطانيا وفرنسا منطقة قناة السويس. وقد انتهت الحرب بضغوط دولية، وخاصة من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى انسحاب القوات المعتدية.
الصراع المستمر على الحدود (1950-1967):
شهدت هذه الفترة اشتباكات متقطعة وأعمال عنف بين إسرائيل والدول العربية المجاورة. كانت هناك غارات متبادلة وهجمات حدودية، وخاصة بين إسرائيل وسوريا والأردن ومصر.
هذه الحروب والصراعات كانت جزءاً من الصراع العربي الإسرائيلي المستمر إلى أن جاءت حرب حزيران عام 1967، التي كان لها تأثير كبير على الوضع السياسي والجغرافي في المنطقة.
لماذا سميت حرب حزيران 1967 ب(نكسة حزيران أو حرب الأيام الستة)؟
لن نُغْرقَ هذا المقال بتفاصيل مجريات هذه الحرب، لأننا سبق استعراضها في ملف خاص يمكن الرجوع إليه. ولكننا نحرص هنا ذكر بعض التفاصيل التي رشحت عن الصندوق الأسود لحرب حزيران حول دور بعض الأشخاص الذين لعبوا أدواراً مشبوهة وخفيًّة مما سهل على اسرائيل أن تجتاح سيناء والجولان وقسم كبير من الضفة الغربية بما فيها منطقة القدس الشرقية.
وبما أنَّ هذا المقال قد خصص من أجل الذكرى 78 لخسارة الجولان السورية، سيتمُّ التركيز على الشخصيات السورية التي لعبت أدواراً تصبُّ في مصلحة الكيان الصهيوني.
الصندوق الاسود يحتوي على العديد المعلومات التي تثبت أنَّ خيانة مؤكدة قام بها حافظ الأسد شخصياً مع بطانته من قيادات أخرى في حزب البعث. ونقتصر هنا على ذكر بعض المصادر تشهد على ذلك:
- مقالة في الموقع العربي للدفاع والتسليح بعنوان ” حقيقة نكسة 1967 و خيانة ضباط البعث السوري لمصر و جمال عبد الناصر” وفيها شهادات صادرة عن ملوك ورؤساء دول عربية تؤكد تلك الخيانة.
- مقالة حافظ الأسد وخيانة العصر.
- الهزيمة والدولة، حزيران 67 ودولة حافظ الأسد / ياسين الحاج صالح، وهي مقالة من مجموعة من الملفات الأخرى المتعلقة بحرب حزيران 1967.
- حرب 1967 وسقوط الجولان بين الدعاية والحقيقة /مهيد توفيق عبيد باحث في الشؤون الإستراتيجية المنشور في “منتدى التكنولوجيا العسكرية والفضاء“.
- كيف سقطت الجولان بدون قتال 1967 / اعداد احمد ابو الخير .
- حرب 67: روايات النصر/ الهزيمة السورية .
- خفايا مؤامرة لندن التي أخفاها حافظ الأسد, وقصة البلاغ 66 وتسليم الجولان لإسرائيل “فيديو“.
- تسع شـهـادات عن مؤامرة تــسـلـيم الــجـولان، ودور الأسـد فيها
نتائج الحرب مع التركيز على البلاغ 66 الذي أصدره وزير الدفاع حافظ الأسد
أسفرت حرب 1967 عن خسارة سوريا لمرتفعات الجولان في الأيام الأولى من الحرب. بعد الهزيمة، أصدر وزير الدفاع السوري حافظ الأسد البلاغ 66 الذي ألقى باللوم على الجيش والأجهزة الأمنية في الفشل الدفاعي. هذا البيان أدى إلى تعزيز سلطة الأسد في الحكومة السورية، حيث استخدم الهزيمة كذريعة لقمع المزيد من المعارضين وتعزيز قبضته على السلطة.
التنويه على لقاء الأسد السري في لندن مع وزير المستعمرات البريطانية اللورد تومسون قبل الحرب
تكشفت معلومات بعد الحرب تفيد بأن حافظ الأسد قد التقى سراً في لندن مع اللورد تومسون، وزير المستعمرات البريطانية، اندلاع حرب 1967. هذا اللقاء أثار شكوكاً حول نوايا النظام السوري واستراتيجيته في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. العديد من المحللين يرون أن هذا الاجتماع كان جزءاً من التحضيرات السرية التي سبقت الحرب وأسهمت في تغيير مسار الأحداث.
الخاتمة
على الرغم من مرور 57 عاماً على احتلال إسرائيل للجولان، إلا أن السوريين ما زالوا متمسكين بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة لاستعادة أراضيهم المحتلة. الثورة المستمرة ضد النظام السوري تأتي كتأكيد على رغبة الشعب في التحرر واستعادة حقوقهم المسلوبة. إن صمود الشعب السوري وإصراره على استعادة الجولان يعكس قوة إرادته وعزيمته في مواجهة التحديات والصعاب.