تَوْطِئَة
مذكرة التوقيف الدوليَّة هي أمر قضائيٌّ يصدر من دولة أو محكمة دوليَّة لاعتقال شخص ما في أي مكان في العالم. وعادة يمكن أن تتم محاكمة رؤساء الدول في حالات معينة تتعلق بارتكابهم جرائم جسيمة وفقاً للقانون الدوليّ. هناك بعض الحالات المحددة التي تبيح للمحاكم الجنائية في بعض الدول محاكمة رؤساء الدول الطغاة في الحالات التالية:
-
جرائم الحرب: تشمل الأعمال الوحشيَّة التي ترتكب ضد الأفراد أو الجماعات خلال النزاعات المسلحة، مثل القتل، التعذيب، والاغتصاب.
-
جرائم ضد الإنسانية: تتضمن الأعمال الممنهجة والواسعة النطاق التي ترتكب ضد المدنيين، مثل القتل، الإبادة، العبوديَّة، الترحيل القسريّ، التعذيب، والاعتداءات الجنسيَّة.
-
الإبادة الجماعيَّة: تعني أي عمل يُقصد به التدمير الكليّ أو الجزئيّ لمجموعة قوميَّة، إثنيَّة (عرقيَّة)، أو دينيَّة.
-
العدوان: يشمل غزو أو هجوم دولة على دولةٍ أخرى دون تبرير شرعيّ.
ومن الأمثلة البارزة للمحاكم الدولية التي تتعامل مع مثل هذه الجرائم:
- المحكمة الجنائية الدولية (ICC): تختص بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانيَّة، والإبادة الجماعيَّة، وجريمة العدوان. تم إنشاؤها بموجب نظام روما الأساسيّ الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2002.
- المحاكم الخاصة: تم إنشاء بعض المحاكم الخاصة للنظر في قضايا معينَّة، مثل المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) والمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة لرواندا (ICTR).
ولكِنْ…!
هناك تحديات وصعوبات تواجه هذه المحاكم عند محاكمة رؤساء الدول، منها:
- الحصانة السياديَّة: غالباً ما يتمتع رؤساء الدول بحصانة تمنع محاكمتهم أثناء فترة ولايتهم.
- السياسة الدوليَّة: الضغط السياسي والدبلوماسي يمكن أن يؤثر على قدرة المحاكم على متابعة القضايا ضد رؤساء الدول.
- التعاون الدوليّ: نجاح المحاكم في تنفيذ أوامر الاعتقال والملاحقة يعتمد بشكل كبير على تعاون الدول الأخرى.
مع ذلك، هناك سوابق حيث تم محاكمة رؤساء دول مثل محاكمة الرئيس الصربيّ سلوبودان ميلوسيفيتش والرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلور. والآن جاء دور الطاغيَّة “بشار الأسد”
الأسد غيابياً وراء القضبان
منذ عام 2021، يحقّق قضاةَ تحقيقٍ من وحدة الجرائم ضد الإنسانيَّة في محكمة باريس القضائيَّة، الذي أدى إلى هجمات كيماوية ليل 4-5 /آب/2013 في عدرا ودوما بالقرب من دمشق (450 مصاباً)، وكذلك يوم 21 /آب/2013 في الغوطة الشرقيَّة، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص، حسب توثيق الاستخبارات الأميركيَّة.
وأسفرت تحقيقات القضاة الفرنسيين إلى إصدار أربع مذكرات توقيف في تشرين الثاني/2023 بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانيَّة والتواطؤ في جرائم حرب. واستهدفت مذكرات التوقيف، إلى جانب الرئيس الأسد، شقيقه ماهر القائد الفعلي للفرقة الرابعة في الجيش السوري والعميد “غسان عباس” والعميد بسام الحسن. ولم يتبقى سوى توقيع هذه المذكرة من رئيس محكمة الاستئناف الفرنسية لتصبح نافذةً قانونياً.
ومن الجدير بالذكر، إنْ تمَّ اصدار مذكرة التوقيف خلال أيام، ستكون الأولى من نوعها تصدرها محكمة دولة أجنبية بحق رئيس دولة ما زال قائماً في منصبه.
لذلك وُصِفَت بأنها خطوة غير مسبوق، وأنها ليست مجرد إجراء قانونيّ، بل تُمثل رسالة قويَّة من المجتمع الدولي بضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانيَّة. وقد أثارت هذه الخطوة الكثير من الجدل والتساؤلات حول تداعياتها وأبعادها على الساحة السياسيَّة الدوليَّة، خاصةً في ظل التوترات المستمرة في الشرق الأوسط والصراع الطويل الأمَد في سوريَّة. مذكرة التوقيف تأتي في وقت حسَّاس، حيث تتزايد الضغوط الدوليَّة لإيجاد حل للصراع السوريّ الذي أودى بحياة مئات الآلاف وشرد الملايين. كما يجب التنويه، أنَّ هذه المذكرة الفرنسيَّة قد صدرت رغم تحديَّات الدعم المُفرط الذي يتلقاه الأسد من حلفائه مثل روسيا وإيران، وكذلك التعقيدات القانونيَّة والسياسيَّة التي ترافق مثل هذه الإجراءات الدوليَّة.
نقاط الإدانة الرئيسة
-
إفراط وتغوّل الأسد في قتل السوريين:
عقب بدء الاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد الطاغيَّة عام 2011، قوبلت جماعات المحتجين على تفشي الفساد وقمع الحريات بقمع عنيفٍ مُسلَّح، مما أدّى إلى اندلاع حرب شملت كل المناطق السوريَّة.
-
استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين:
وُثِقَت العديد من الحالات التي استخدمت فيها القوات السوريَّة أسلحة كيميائيَّة ضد المدنيين، مما أثار إدانات دولية واسعة.
-
التحقيقات الدولية التي أدت إلى إصدار مذكرة التوقيف:
جمعت لجان التحقيق الدولية أدلة على جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها الحكومة السوريَّة، مما أدى إلى إصدار مذكرة توقيف دوليَّة بحق الأسد.
الأبعاد القانونيَّة
تضمنت مذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسيّ أبعاداً قانونيةً كبيرةً، حيث تمثل تحركاً دولياً لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانيَّة والجرائم الحربيَّة. لذلك جاء هذا الإجراء القانونيّ بهدف تعزيز مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
العواقب القانونيَّة المُحتَملة
- قيود على حركة الرئيس السوريّ بشار الأسد: مذكرة التوقيف تعني أن الأسد قد يواجه الاعتقال إذا سافر إلى دول تتعاون مع القضاء الفرنسيّ أو تعترف بصلاحيَّة المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة.
- تعزيز جهود المحاسبة الدولية: هذه الخطوة قد تشجع دولًا أخرى على اتخاذ إجراءات مماثلة ضد المسؤولين السوريين وتعزيز جهود المجتمع الدوليّ في محاسبة مرتكبي الجرائم.
- إمكانية تقديم الأسد إلى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة: في حال تم القبض على الأسد، يمكن تقديمه إلى المحكمة الجنائيَّة الدوليَّة، كي تتم محاكمته على الجرائم المرتكبة.
ردود الفعل الدوليَّة
أثارت مذكرة التوقيف ردود فعل متباينة على المستوى الدوليّ. فقد بدأت العديد من الدول الأوروبيَّة والمنظمات الحقوقيَّة بالترحيب في هذه الخطوة القانونيَّة، بينما انتقدتها دول أخرى، خاصة الحلفاء الرئيسيين للنظام السوريّ.
ردود الفعل المُتباينَة
-
ترحيب من الدول الأوروبيَّة والمنظمات الحقوقيَّة:
رحبت العديد من الدول الأوروبيَّة بهذه الخطوة، معتبرة إياها تطوراً مهماً في جهود محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريَّة. كما أيدتها منظمات حقوق الإنسان التي طالما نادت بمحاسبة الأسد.
-
انتقادات من حلفاء الأسد مثل روسيا وإيران:
انتقدت روسيا وإيران هذه الخطوة بشدة، واعتبرتها تدخلاً في الشؤون الداخليَّة لسوريَّة ومحاولة لزعزعة استقرار النظام السوري. أكدَّ الحلفاء دعمهم المستمر للأسد واستعدادهم لمواصلة تقديم الدعم السياسيّ والعسكريّ له.
-
تحفظات من بعض الدول العربيَّة:
عبرت بعض الدول العربيَّة عن تحفظها تجاه هذه الخطوة، مشيرة إلى أنها قد تعقد الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسيّ للصراع في سوريَّة.
في الختام
تمثل مذكرة التوقيف الدوليَّة بحق الرئيس السوريّ بشار الأسد خطوة مهمة في السعي لتحقيق العدالة الدوليَّة. مع استمرار التوترات في سوريَّة والتحديات السياسيَّة، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى تأثير هذه الخطوة على المستقبل السياسيّ للأسد وعلى الصراع السوري ككل.
إن إصدار مذكرة توقيف دوليَّة بحق الرئيس السوريّ بشار الأسد يمثل خطوة مهمة في جهود المحاسبة الدوليَّة على الجرائم ضد الإنسانيَّة. ورغم التحديات السياسيَّة والقانونيَّة التي قد تواجه تنفيذ هذه المذكرة، إلا أنها تُسلِط الضوء على أهميّة العدالة الدوليَّة في تحقيق السلام والاستقرار. تظلُّ هذه الخطوة محل جَدلٍ، حيث تختلف الآراء حول تأثيرها على مستقبل الصراع السوريّ وإمكانية تحقيق العدالة للضحايا.