مقدمة
الدياسبورا، وهو لفظة يونانية الأصل (διασπορά) وباللغة الإنجليزية:(Diaspora) ومعناها بالعربية (الشتات). تشير اللفظة إلى تشتت الشعوب خارج أوطانهم نتيجة للأزمات أو الصراعات، حيث تمثل تحدياً كبيراً للجاليات المهاجرة. يختلف مفهوم الدياسبورا عن مجرد كون الأفراد لاجئين، حيث يتضمن -أيضاً- الحفاظ على الهوية الثقافية والانتماء للوطن الأصلي.
أمثلة تاريخية عن الدياسبورا (الشتات)
-
دياسبورا اليهود:
لن نستعرض في هذا المقال أية تفاصيل عن الدياسبورا اليهودية، لأنَّ ما جاء في المراجع التي أرخت لليهود احتوت على التلفيق والزيف حول أقدم وأشهر الأمثلة على التشتت الثقافي، خاصة بعد أنْ أصدر الفاتيكان قراراً باعتبار التوراة جزءاً من الكتاب المقدس المسيحي وضمها تحت مسمى (العهد القديم). وهذا القرار لم يحدث في نقطة زمنية واحدة بل كان نتيجة نقاشات ومداولات لاهوتية في القرنين الأولين بعد الميلاد.
القرار الرسمي بضم التوراة كالعهد القديم جاء في القرن الرابع الميلادي خلال المجامع الكنسية الكبرى مثل مجمع نيقية (325 م)، ومجمع قرطاج (397 م)، حيث تم اعتماد التوراة ك"العهد القديم" وتم ترتيب الكتب المقدسة على هذا الأساس، حيث جاءت التوراة كمدخل للأناجيل الأربعة التي تمثل" العهد الجديد". بالتالي، لم يكن هناك تاريخ محدد واحد، بل كان عملية تطور تدريجي حتى تم الاتفاق النهائي خلال المجامع الكنسية. وفي ذيل القرن الثامن عشر للميلاد، انتهزت الحركة الصهيونية ذلك لترسيخ سيناريو أنَّ فلسطين هي "أرض الميعاد" وأنَّ المسيح لن يظهر ثانية حتى يتم طرد المسلمين والعرب من هذه البقعة.
2. الشتات الأفريقي
يُعتبر الشتات الأفريقي أحد أكبر حالات الشتات في التاريخ، حيث حدث نتيجة تجارة العبيد عبر الأطلسي بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر. انتشر الأفارقة المُسْتَعبَدين في الأمريكتين، خاصة في الولايات المتحدة، البرازيل، وجزر الكاريبي.
-
الشتات الأرمني
يعود لعدة موجات تاريخية، أبرزها كان نتيجة الإبادة الجماعية الأرمنية التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين. وانتشر الأرمن في روسيا، أوروبا، الولايات المتحدة، الشرق الأوسط ومنها سوريا، وأستراليا.
-
الشتات اليوناني
حدث عبر عدة مراحل تاريخية، بدءًا من الحروب الفارسية والإسكندر الأكبر حتى العصر العثماني. انتشر اليونانيون في مناطق البحر الأبيض المتوسط، البحر الأسود، أوروبا الغربية، والولايات المتحدة.
-
الشتات الصيني
شهدت الصين عدة موجات من الشتات، أبرزها في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نتيجة للفقر والتخلف والحروب. انتشر الصينيون في جنوب شرق آسيا، أمريكا الشمالية، أوروبا، وأستراليا.
-
الشتات الهندي
يعود إلى فترات الاستعمار البريطاني حيث تم نقل العمال الهنود إلى مستعمرات مختلفة. يستمر الشتات الهندي حتى اليوم مع الهجرة الحديثة. انتشر الهنود في أفريقيا الشرقية، جنوب شرق آسيا، الخليج العربي، أوروبا، أمريكا الشمالية، وأستراليا.
-
الشتات الإيرلندي
يعود إلى المجاعة الكبرى في القرن التاسع عشر والتي أدت إلى هجرة جماعية. انتشر الأيرلنديون في الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، والمملكة المتحدة.
-
الشتات الفلسطيني
الشتات الفلسطيني نتج بشكل رئيسي عن النكبة عام 1948 والحروب اللاحقة مع إسرائيل. انتشر الفلسطينيون في دول الجوار (لبنان، سوريا، الأردن)، وأيضاً في أوروبا وأمريكا الشمالية.
-
الشتات اللبناني
يعود إلى فترات متقطعة في فترة الحكم العثماني الذي اضطهد بعض الطوائف المسيحية والشيعية في لبنان، وكذلك إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، و تزايد طرداً مع الأزمات الاقتصادية والسياسية. انتشر اللبنانيون في أمريكا اللاتينية، أفريقيا، الخليج العربي، أوروبا، وأستراليا.
-
الشتات الفيتنامي
حدث الشتات الفيتنامي بعد حرب فيتنام (1955-1975). وانتشر الفيتناميون في الولايات المتحدة، فرنسا، وأستراليا.
-
الشتات الكردي
يعود لعدة عقود من القمع والنزاعات في العراق، تركيا، سوريا، وإيران. انتشر الأكراد في أوروبا (خاصة ألمانيا والسويد)، والولايات المتحدة، وكندا.
-
الشتات الأوكراني
شهد الشتات الأوكراني عدة موجات، كان آخرها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. انتشر الأوكرانيون في أوروبا، أمريكا الشمالية، وأستراليا.
-
الشتات السوري
الشتات السوري الحديث الذي تسببه تغول النظام البعثي المستبد منذ عام 1963، وتفاقم بشكل أعظمي في عهد بشار الأسد وريث أبيه منذ نشوب الثورة السورية عام 2011.
انتشر السوريون في أوروبا، الشرق الأوسط، أمريكا الشمالية، وأستراليا.
والسؤال الذي يفرض نفسه على النخب السورية التي تعاصر الأزمات المستمرة التي تعصف بسوريا، خاصة ما يواجهه اللاجئون السوريون من تحديات متعددة في بلدان الاغتراب، خاصة أنَّ أحد أبرز هذه التحديات هو كيف يمكن تجنب التحول من لاجئين إلى “دياسبورا”؟ وما هي مسؤوليات السوريين في الوطن تجاه العائلات المهاجرة؟ وهل لديهم أفكار وخطط تدعم الحفاظ على الهوية الوطنية؟
كيف يتجنب اللاجئون السوريون أن يصبحوا دياسبورا؟
تواجه الجاليات السورية في الشتات وضعاً فريداً، إذ يطرح تساؤلات حول ما إذا كانوا قد تحولوا إلى دياسبورا أم لا. التشتت ليس مجرد حالة لجوء، بل يتضمن عملية الاندماج في المجتمعات الجديدة مع الحفاظ على الهوية الثقافية. بينما توفر بعض الدول مضيفاً لهم ولعائلاتهم، يبقى تصنيفهم كدياسبورا يعتمد على مدى اندماجهم وحفاظهم على روابطهم الثقافية مع الوطن الأصلي.
حفظ الروابط الوطنية لأجيال اللاجئين السوريين
تلعب العائلات اللاجئة دوراً حاسماً في الحفاظ على الهوية الثقافية لأبنائهم. يمكن أن يؤدي عدم التماهي الكامل مع المجتمعات المضيفة إلى فقدان الهوية الوطنية. لذا، يجب على الآباء بذل جهد كبير لتربية أبنائهم على القيم الثقافية السورية وتعريفهم بالتراث والتاريخ. يجب أن تشمل هذه الجهود تعزيز التعليم باللغة والثقافة السورية وتنظيم فعاليات ثقافية.
مسؤولية السوريين في الوطن تجاه العائلات المهاجرة
-
دعم الإعلام الوطني: يلعب الإعلام الوطني دوراً حيوياً في تعزيز الهوية الثقافية للمهاجرين. من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح وتنظيم برامج ثقافية، يمكن للإعلام دعم الجاليات السورية في الشتات وتعزيز روابطهم بوطنهم.
- المبادرات الثقافية والتعليمية: تحتاج المؤسسات السورية إلى تقديم دعم ثقافي وتعليمي للمجتمعات المهاجرة. من خلال تنظيم برامج تعليمية وفعاليات ثقافية، يمكن تعزيز الوعي بالثقافة السورية بين الأجيال الجديدة.
- التعاون مع المنظمات الإنسانية: يجب على المؤسسات السورية التعاون مع المنظمات الإنسانية لتقديم الدعم المالي والإغاثي للعائلات المهاجرة. تسهيل التواصل بين المهاجرين وأسرهم في الداخل يعزز الروابط الأسرية.
- تعزيز الروابط الاجتماعية: تشجيع التواصل بين السوريين في الداخل والمهاجرين قسراً من خلال إنشاء منصات تواصل اجتماعي ومجموعات ثقافية. يمكن أن تساعد اللقاءات الدورية في تعزيز الروابط الاجتماعية.
أفكار أخرى لا بدَّ من انجازها
-
دعم مشاريع الأعمال السورية:
تشجيع المهاجرين على تأسيس مشاريع خاصة يمكن أن يعزز الروابط الاقتصادية والثقافية. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يمكن أن يساهم في الحفاظ على الهوية الوطنية.
-
البرامج التبادلية الثقافية:
تنظيم برامج تبادل ثقافي بين الشباب السوريين في الشتات ونظرائهم في الداخل يعزز الفهم المشترك ويعمق الروابط الثقافية.
- إنشاء منصات تعليمية رقمية:
تطوير منصات تعليمية تقدم محتوى تعليمي عن اللغة والثقافة والتاريخ السوري يمكن أن يساعد في حفظ الهوية الثقافية والمشاركة في تعزيزها بين الأجيال القادمة.
-
تشجيع المساهمة في العمل الخيري:
تشجيع السوريين في الشتات على المشاركة في العمل الخيري والمبادرات الإنسانية في وطنهم يعزز من إحساسهم بالانتماء والتواصل مع بلدهم الأم.
-
الاحتفال بالمناسبات التقليدية الدينية والوطنية:
تنظيم احتفالات حسب المناسبات الدينية والوطنية في بلاد الشتات يمكن أن يعزز من الهوية الثقافية ويعزز شعور الانتماء.
الخاتمة
إن مواجهة تحديات الشتات تتطلب جهودا متكاملة من الأفراد والمجتمعات والمؤسسات. من خلال تعزيز الروابط الدينية والثقافية والوطنية، يمكن للاجئين السوريين تجنب تحولهم إلى دياسبورا، مما يساهم في الحفاظ على الهوية الوطنية السورية وتعزيزها.
تلكم المهام منوطة بكل سوري حيثما أقام في وطنه أو في بلاد المغتربات، وهي واجب أخلاقي ينبع من الوجدان الوطني المرتبط بالوعي الجمعي لأجيال الحضارة السورية المؤتمنون عليها من الخالق ومن الخليقة الأسلاف الذين أورثونا هذه الحضارة العريقة.