تحالف الأسد وحزب الله: قوة تتهاوى اليوم
بعد اغتيال حسن نصر الله، لا بدَّ أنْ تتغير التوازنات في الشرق الأوسط بشكل كبير -وربما جذري-، مما يثير التساؤلات حول مستقبل نظام الأسد المتحالف مع إيران وأذرعها (محور الممانعة والمقاومة) وروسيا أيضاً. التصعيد الإسرائيلي المحتمل ضد حزب الله ولبنان يفتح باب السيناريوهات الجديدة حول مدى تأثير ذلك على نفوذ الأسد، حيث ستواجه دمشق تحديات كبيرة في الحفاظ على تحالفاتها. في هذا المقال، سأستعرض السيناريوهات المحتملة التي قد تنشأ نتيجة هذا الاغتيال.
تحالف الشرِّ: استراتيجية تَجاوزَت الحدود
منذ عام 2012، لعب حزب الله دوراً رئيسياً في إنقاذ نظام الأسد من السقوط عبر تدخل عسكري مباشر، وكذلك جلب الإيرانيين لقيادة العمليات الميدانية. هذا التحالف تجلّى في:
- السيطرة على القصير والقلمون: كان حزب الله بمثابة غطاء للميليشيات الأجنبية الداعمة للنظام في احتلال مناطق حيوية مثل القصير والقلمون، وتوسع نفوذه لاحقاً ليشمل معظم المدن السورية.
- انتهاكات واسعة النطاق: ارتكب حزب الله وحلفاؤه الإيرانيون العديد من الجرائم ضد المدنيين في المناطق التي سيطروا عليها، لكنهم فشلوا في تحقيق انتصار كامل على الفصائل السورية المعارضة.
- فشل السيطرة الكاملة: رغم التدخل الإيراني، عانى النظام من انتكاسات كبيرة بين 2015 و2016 في مناطق استراتيجية مثل درعا وإدلب، مما اضطر الأسد لطلب الدعم الروسي لتغيير مسار المعارك.
- تجارة المخدرات: لضمان استمرار حزب الله في سوريا، لجأ النظام إلى تمويله من خلال تجارة المخدرات، حيث أصبحت الفرقة الرابعة تتخصص في إنتاج وتصدير الكبتاغون بالتعاون مع شبكات مرتبطة بالنظام.
- اندماج حزب الله في بنية النظام: عمل حزب الله على تعزيز سيطرته داخل النظام السوري، حيث أشرف على تدريب الميليشيات المحلية وتحويلها إلى أدوات تابعة له، مما جعله قوة موازية ومتماسكة داخلياً مع الجيش السوري.
تأثير النفوذ الإيراني والروسي
لا بد من التنويه بأن التأثير الإيراني وحزب الله على النظام السوري كان مطلق اليد دون ضابط في البداية، إلا أن هذا النفوذ واجه حدوداً بعد تدخل روسيا في عام 2015. منذ ذلك الحين، أصبحت روسيا اللاعب الأهم في سوريا، ما حد من نفوذ إيران إلى حد ما. إضافة إلى ذلك، أدى بدء عملية التطبيع العربي مع دمشق إلى محاولة إعادة بناء سلطة النظام الداخلية وعلاقاته الخارجية، مما خلق تداخلات إضافية دفعت الأسد للتفكير في تقليص النفوذ الإيراني. وازدادت الضغوط الإيرانية مؤخراً مع إصرار طهران على مطالبة الأسد بسداد الديون المتراكمة على النظام، رغم التنازلات التي قدمها ببيع أصول سورية.
حرب غزة: القشة التي قصمت تحالفات الأسد
في ضوء ما حدث في السابع من تشرين الأول عام 2023، عندما بدأت حرب غزة بعد “طوفان الأقصى“، يجب أن نلاحظ التشابه الكبير بين تأثير الثقب الأسود في الفضاء الكوني ودور إسرائيل في فضاء الشرق الأوسط. مثلما يجذب الثقب الأسود كل شيء حوله، أصبحت إسرائيل قوة جيوسياسية وجيوبوليتيكية قوية قادرة على السيطرة على دول المنطقة التي تعاني من الضعف والتفكك.
تحولت إسرائيل إلى نقطة تفرد جيوسياسية (Geopolitical singularity) حيث تشكل دول الشرق الأوسط المحيطة بها أفق الحدث (Event horizon)، مما يجعل هذه الدول عرضة للتأثر بقوة جاذبيتها. الدول العربية المجاورة التي تفقد قوتها الداخلية وتواجه تحديات اقتصادية وسياسية، باتت غير قادرة على الهروب من سطوة إسرائيل التي تعتقد أنها قادرة على تحقيق أحلامها التوراتية بالهيمنة على المنطقة.
سيناريوهات مستقبلية
سوريا: إرث الانقلابات والعسكرة
عند دراسة تاريخ سوريا منذ الاستقلال عام 1946، نجد أن البلاد شهدت تسعة انقلابات عسكرية متتالية دمرت أي أمل في بناء ديمقراطية ناشئة. بدأ أول انقلاب مع حسني الزعيم في مارس 1949، -مدفوعاً من الولايات المتحدة- بعد أقل من عام على إعلان قيام إسرائيل في مايو 1948، مما يشير إلى علاقة بين الأحداث. تلك الانقلابات التسع أضعفت سوريا في وقت كانت بحاجة إلى توحيد صفوفها لمواجهة التوسع الصهيوني.
هذه الانقلابات شجعت إسرائيل على احتلال الجولان خلال حكم حزب البعث، بينما دمر حكم بشار الأسد ما تبقى من البلاد. هكذا أصبحت سوريا ساحة لعب للتحالفات الإقليمية الخبيثة، حيث تستغل إسرائيل وحلفاؤها الصهاينة العرب حالة الفوضى لتحقيق أجنداتهم في المنطقة.
تداعيات الهجوم الإسرائيلي على مراكز القوى في نظام الأسد
بالنسبة للوضع العسكري للنظام السوري الذي يواجه الفصائل الثورية في الشمال السوري المحرر، ما زال مرهوناً وفق خرائط النفوذ منذ عام 2020 التي استقرت بسبب تفاهمات دولية بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، وإيران أيضاً. ولذلك فإن تداعي حزب الله في لبنان، المتوقع قريباً، لن يؤثر مباشرة على هذه الخرائط.
حزب الله، رغم دوره الكبير سابقاً في اقتحامات المعارك ضد فصائل المعارضة بدعم الطيران السوري والروسي، لم يعد يمثل القوة الرئيسة على الجبهات اليوم.
في المقابل، قد يتسبب تعقيد العلاقات بين الحزب والنظام السوري في تهديدات أخرى، مثل امتداد العمليات الإسرائيلية إلى سوريا لاستهداف ضباط النظام المتورطين في دعم حزب الله، كما تضمنت تصريحات إسرائيل الأخيرة سوريا ضمن دائرة التهديدات.
حياد الأسد المأزوم حيال المأزق الإيراني وإسرائيل
لقد وضع اغتيال نصر الله علاقة الأسد كحليف لحزب الله ودولة الملالي -إيران- في متاهة لا حدود واضحة لها، إذ اختار الأسد الحياد منذ حرب غزة في تشرين الأول 2023، وهو امتداد لسياسة الحياد التي تبناها الأسد الأب وابنه الوريث منذ حرب تشرين عام 1973. الأسد لم يُبدِ رغبة أو قدرة على فتح جبهة ضد إسرائيل منذ ذلك التاريخ، لأنَّ قواعده العسكرية مكشوفة أمام تل أبيب. لقد استنزف النظام نفسه في حربه ضد فصائل المعارضة الثورية، ولم يرتقِ لمواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي الهائل.
إلى جانب الحياد العسكري، خفّض الأسد حدة خطابه تجاه “المقاومة”، متجنباً تأييد حركة حماس علانيةً أو حتى نعي قادتها الذين اغتالتهم إسرائيل، مما زاد من شك إيران وحزب الله في مدى ولائه الجدي لمحور المقاومة. ومن غير المتوقع أن يدفع هجوم إسرائيل لاحتلال جنوب لبنان الأسد إلى فتح جبهة مساندة في الجولان. بدلاً من ذلك، قد يسعى الأسد لاستغلال انهيار حزب الله لتأكيد استقرار الجبهة الجنوبية، في خطوة تهدف إلى تعزيز فرصة استغلال التطبيع العربي والغربي المعروضة عليه، بالإضافة إلى استقبال النازحين اللبنانيين كفرصة لجذب الدعم الاقتصادي واستثمار هذا الحدث.
تداعيات في عنق الزجاجة
- في هذه اللحظة الحساسة، يبدو الأسد في وضع أفضل للتخلص من بعض القيود الإيرانية وفرض شروطه لمساومة طهران. لكن هذا الوضع مرهون بعدم حدوث تحولات كبيرة في الموقف الإيراني. أو كما متوقع حدوث تمرد الميليشيات العراقية واللبنانية المنتشرة في دمشق.
- قد تكون هناك فرصة لحدوث اضطرابات داخلية إذا حاولت هذه الميليشيات زعزعة استقرار النظام، خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان.
- أي تهديد لاستقرار النظام السوري سيزيد من مخاوف الغرب بشأن تسرب الأسلحة أو تدفق موجات هائلة من اللاجئين، مما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى لا يمكن السيطرة عليها.
- وأي انهيار في سيطرة الأسد قد يشكل فرصة جديدة لفصائل المعارضة الثورية في الشمال السوري للتقدم نحو دمشق.
وخلاصة القول، اغتيال حسن نصر الله يُعَدُّ لحظة فارقة في تاريخ التحالفات الإقليمية، ولكن تبقى تحالفات الأسد معقدة للغاية. بينما يعتمد النظام السوري على الدعم الإيراني، يجد نفسه الآن أمام فرصة لاستغلال الضعف الإيراني وتعزيز علاقاته مع العالم العربي والغرب. يبقى السؤال: هل يستطيع الأسد -اليوم- التوفيق بين الحفاظ على تحالفاته السابقة وتجاوز التحديات الجديدة في ظل الضغوط العسكرية والسياسية المتزايدة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.