مقدمة
غريزة البقاء أو الاحتماء من الموت هي واحدة من أقوى الغرائز الموجودة في كل الكائنات الحية، بما في ذلك الإنسان. هذه الغريزة هي التي تدفعنا للقيام بكل ما في وسعنا للحفاظ على حياتنا في مواجهة أي تهديد. وتعتبر الأساطير العربية مرآة عاكسة لحياة الشعوب العربية القديمة، فهي تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والمعرفة حول الطبيعة والإنسان والمجتمع. من بين المواضيع التي تناولتها هذه الأساطير بشكل واسع هو موضوع الموت والحياة، وغريزة البقاء التي تدفع الإنسان إلى البحث عن سبل للخلود أو الاحتماء من الموت. ومن أبرز الأساطير العربية التي تعكس غريزة البقاء هي أسطورة الخلود (نبع الحياة)، التي تدور حول نبع أو شجرة تحمل مياه الحياة التي تمنح الخلود لمن يشرب منها. هذه الأسطورة تعكس الرغبة الإنسانية الجامحة في التغلب على الموت والخلود إلى الأبد. أما الأديان السماوية والوضعية ركزت على مفهوم هذه الغريزة وضرورة تجاوز الخوف من الموت أثناء لقاء العدو عند التصدي للدفاع عن الأرض والعَرْض وانتهاك المحرمات.
ولكن ما هي الآليات التي الكامنة وراء هذه الغريزة؟ وكيف تتجلى في سلوك البشر؟
الأساس البيولوجي
عندما يواجه الإنسان أو الحيوان خطراً ما، ينشط الجهاز العصبي السمبثاوي بشكل كبير، مما يؤدي إلى تغييرات فسيولوجية تُجهز الجسم للقتال أو الهرب. من هذه التغيرات:
- الجهاز العصبي: عندما يواجه الإنسان أو الحيوان موقفًا خطرًا، يتم تنشيط الجهاز العصبي السمبثاوي بشكل كبير. هذا يؤدي إلى مجموعة من التغيرات الفسيولوجية التي تجهز الجسم للقتال أو الهرب، مثل:
- زيادة ضربات القلب ومعدل التنفس.
- توسع الأوعية الدموية في العضلات.
- زيادة إفراز الأدرينالين والنورأدرينالين.
- حشد الطاقة في العضلات.
أما الدماغ، يلعب دوراً حاسماً في تقييم التهديدات واتخاذ القرارات المناسبة. فمثلاً، تلعب اللوزة الدماغية دوراً رئيسياً في معالجة المشاعر السلبية مثل الخوف، بينما تساعد القشرة الأمامية في اتخاذ القرارات المعقدة وتقييم المخاطر.
التعبير السلوكي
تتجلى غريزة البقاء في مجموعة متنوعة من السلوكيات، بما في ذلك:
- القتال: قد يختار بعض الأفراد مواجهة الخطر مباشرة، خاصة إذا شعروا بأن لديهم فرصة جيدة للفوز.
- الهرب: هذا هو الاستجابة الأكثر شيوعاً للتهديد، حيث يحاول الفرد الابتعاد عن مصدر الخطر بأسرع ما يمكن.
- التجمد: في بعض الحالات، قد يتجمد الفرد من الخوف، ويصبح غير قادر على الحركة.
- التظاهر بالموت: بعض الحيوانات تلجأ إلى التظاهر بالموت لتجنب الكشف عن نفسها.
العوامل المؤثرة
تتأثر قوة غريزة البقاء بعدة عوامل، منها:
- الشخصية: بعض الأشخاص أكثر ميلاً إلى المخاطرة من الآخرين.
- التجربة السابقة: الخبرات السابقة مع المواقف الخطرة يمكن أن تؤثر على كيفية استجابة الفرد للتهديدات المستقبلية.
- الموقف الاجتماعي: قد يتأثر سلوك الفرد في حالة الخطر بحضوره الآخرين أو بوضعه الاجتماعي.
محور المقال:
ظاهرة تجاوز غريزة الخوف من الموت عند التصدي لجرائم الإسرائيليين
تحليل نفسي واجتماعي
تعتبر ظاهرة تجاوز الخوف من الموت عند مواجهة الأخطار، وخاصة عند التصدي لجرائم العدو، كما هي الحال في الصراع الوجودي بين العرب وإسرائيل. فمثل هذه الظاهرة حظيت باهتمام كبير من قبل الفلاسفة والعلماء على مر السنين، خاصة بعد نشوب حرب تشرين 1973. وقد ظهرت في العديد من الحالات التاريخية، سواء في الحروب أو الثورات (وآخرها طوفان الأقصى) أو في المواقف اليومية التي تتطلب التضحية بالنفس. ونذكر هنا تلخيصاً لأهمّ عناصرها:
- العوامل النفسية المؤثرة:
- الحافز العاطفي القوي: قد يكون الحب للوطن من أهم تلك الحوافز، وكذلك الشعور بالغضب، الحزن، الرغبة في الانتقام، أو من العوامل الدافعة للتغلب على الخوف من الموت.
- الإيمان بقضية أسمى: غالباً ما يرتبط هذا السلوك بالإيمان بقضية أكبر من الذات، مثل: الدفاع عن الوطن الذي تُشرِّعه الأديان السماوية والوضعية، وكذلك الأيديولوجيا التي تدفع الشعور بالواجب تجاه المجتمع أو العائلة إلى التضحية بالنفس.
- الاندفاع الأدريناليني: في بعض الحالات، قد يكون هناك اندفاع فسيولوجي قوي يجعل الفرد يشعر بالقوة والشجاعة، مما يقلل من الشعور بالخوف.
2. العوامل الاجتماعية المؤثرة:
- التنشئة الاجتماعية: تلعب التنشئة الاجتماعية دوراً هاماً في تشكيل القيم والمعتقدات التي تدفع الفرد إلى التضحية بالنفس.
- الضغوط الاجتماعية: قد يشعر الفرد بضغوط اجتماعية تدفعه إلى التصرف بطريقة معينة، حتى لو كان ذلك يتطلب التضحية بحياته عند التصدي للحاكم المستبد أو العدو المتربص.
- النموذج القيادي: وجود قادة قويين وشخصيات مؤثرة يمكن أن يكون له تأثير كبير في تحفيز الأفراد على التضحية بأنفسهم.
- الثقافة المجتمعية: الثقافات التي تشجع على الشجاعة والتضحية بالنفس من أجل المجموعة غالباً ما تشهد حالات من التضحية بالذات.
3. الآثار المترتبة على هذه الظاهرة:
- البناء الاجتماعي: يمكن أن تساهم هذه الظاهرة في بناء مجتمعات قوية متماسكة.
- التغيير الاجتماعي: قد تكون هذه الظاهرة محركاً للتغيير الاجتماعي والثوري.
- التضحية بالكثير: في المقابل، قد تؤدي هذه الظاهرة إلى خسائر بشرية كبيرة.
ختاماً:
إن غريزة تجاوز الخوف من الموت تتجلى بوضوح في السياق العربي، حيث نجد أن الشعوب التي تتصدى لتهديدات التوسع الإسرائيلي الحثيث تواجه المخاطر بشجاعة وصمود، مما يعكس إيمانهم بقضاياهم الكبرى. بينما يظهر على الجانب الآخر، في حالات مشابهة، أن هذه الغريزة غير مفعلة لدى الإسرائيليين الذين يعرفون حق المعرفة بأنهم غزاة قد احتلوا فلسطين العربية وقضموا بعض أراضي سوريا والأردن وسيناء (سابقاً)، مما يعكس تبايناً في الردود على التهديدات، خاصة عند لقاء جنود العرب من خلال اشتباكات برية من الصفر. لذا، نستنتج أن قوة الإيمان، والهوية الوطنية، والتضحية من أجل القضايا العادلة -عند العرب- تلعب دوراً محورياً في تعزيز القدرة على مواجهة الأعداء الذين يفتقدون للعوامل التي يتميز بها المدافع عن أرضة ويناضل في استعادة حقوقه، مما يسلط الضوء على أن انتصار الشعوب العربية على العدو الإسرائيلي هو انتصار (حتمي) مستمد من عمق هذه القيم الإنسانية.
أما البرهنة على قولنا بأنَّ:
غريزة تجاوز الخوف من الموت في حال الخطر متوفرة عند العرب وغير مفعلة عند الإسرائيليين
يمكن مشاهدتها واضحة في:
الكثير الفيديوهات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي العبرية،
ومنها هذه الصورة التي تبين مدى الخوف الذي يعاني منه الإسرائيليون،
عندما يتم زجهم في معارك يُجبرون فيها على الالتحام وجهاً إلى وجه مع أصحاب الحق الذين يدافعون عن حريتهم بكل بسالة وجرأة،
حتى أصبحت تلك المعارك تسمى القتال من مسافة الصفر.
وعندما تستعرضون الفيديو الأول، ستتأكدون من مصداقية ما جاء في المقال حول (جسارة المواطنين اللبنانيين وعدم خوفهم أثناء قصف بناء بكامله من قبل العدو الإسرائيلي)!
أما الفيديو الثاني: يُظهر بشكل جليّ الخوف المفرط كردود فعل تنتاب أبناء صهيون لمجرد سماعهم صافرات الإنذار فقط).