مُباغتةٌ رغم التحضير التكتيكي منذ زمن
فاجأت عملية “ردع العدوان” الجميع، ليس فقط بسرعتها وإنما بتقدم الفصائل الثورية على محاور استراتيجية حساسة. منذ إعلان العملية، شهدت جبهات القتال في سوريا انهيارات مفاجئة لمواجهة قوات النظام، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤل عما إذا كان هذا الهجوم المفاجئ مدعوماً بضوء أخضر دولي، يهدف إلى إعادة رسم خريطة السيطرة في سوريا 2024 وطرد الإيرانيين بشكل خاص.
حول الأبعاد الدولية للعملية:
“تحليلات متعددة، منها ما نشرته مراكز بحث غربية مثل ‘مجموعة الأزمات الدولية‘، تشير إلى أن عملية ‘ردع العدوان’ قد تكون جزءاً من تفاهمات دولية تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية في سوريا، مع تقليص النفوذ الإيراني الذي يُعتبر حجر عثرة أمام استقرار المنطقة.”
مشهد ميداني يتسارع نحو حسم مؤقت؟
بدأت العملية العسكرية من ريف إدلب الجنوبي، وشهدت الفصائل المقاتلة تقدماً لافتاً باتجاه مدينة حلب وسراقب، محققة إنجازات غير مسبوقة خلال أيام. مع تصاعد وتيرة المعارك، تشير الأخبار إلى اقتراب الفصائل من تحرير مناطق محورية مثل خان شيخون ومعرة النعمان، واحتمال امتداد عملياتها لتشمل أرياف حماة. هذا التقدم يُظهر ضعفاً واضحاً في دفاعات النظام الذي بدا مشلولاً أمام قوة الهجوم.
“وفقاً لتقرير نشرته صحيفة Middle East Eye، فإن التقدم السريع للفصائل الثورية على جبهات متعددة قد يعكس تنسيقاً دولياً مسبقاً يمنح العملية غطاءً سياسياً وعسكرياً، مما يفتح الباب للتكهنات حول الأهداف البعيدة لهذه الحملة.”
هل حان موعد استعادة حمص وحماة؟
بينما تحرز الفصائل تقدماً ملحوظاً شمالاً، بدأت التساؤلات تُطرح حول المحطات القادمة. تشير التوقعات إلى أنَّ حمص وحماة، اللتين كانتا ضمن ولاية “سنجق حلب” في الحقبة العثمانية، قد تكونان الهدف القادم بما يتوافق مع الأجندة التركية العثمانية الطامحة، لا سيما وأن النظام بدأ بسحب قواته تدريجياً من المناطق المحيطة بهما. تاريخياً، تُعتبر هذه المناطق محوراً استراتيجياً لأي قوة تسعى إلى تثبيت وجودها في سوريا.
مطامع تاريخية في “سنجق حلب”
لا يمكن فصل الواقع الحالي عن الطموحات التاريخية لبعض القوى الإقليمية. مدينة حلب، التي كانت تُعتبر جوهرة “سنجق حلب” العثماني، لطالما كانت نقطة صراع بين الإمبراطوريات. كان هذا السنجق كان يشمل حمص وحماة في عهد السلاطين العثمانيين، ما يجعل من استعادته هدفاً ذا أهمية خاصة لبعض الأطراف التركية، خاصة في ظل سعي حكومة أردوغان لإعادة إحياء إرثها التاريخي في المنطقة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في عام 2016 خلال خطاب له:
“سوريا والعراق ليسا مجرد جارين لنا، بل هما جزء من روحنا. نحن نعتبر الموصل وحلب امتدادًا طبيعيًا لأمتنا.”
يشير هذا الاقتباس إلى الرؤية العثمانية الجديدة التي يسعى أردوغان لتعزيزها، معتبراً أن مناطق مثل حلب كانت جزءاً من التاريخ العثماني المشترك مع تركيا.
وفي مناسبة أخرى، صرح رجب طيب أردوغان خلال خطاب في 2020:
“أجدادنا لم يتركوا حلب إلا بعد نضال طويل، ونحن نؤمن أن مسؤوليتنا التاريخية تحتم علينا دعم إخوتنا هناك.”
هذا التصريح يُظهر الرابط العاطفي والتاريخي الذي تسعى الحكومة التركية لتأطيره في إطار استراتيجيتها الإقليمية.
وكذلك أورد وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي“:
“تركيا يجب أن تستعيد دورها المحوري في الشرق الأوسط من خلال توظيف الإرث التاريخي والجغرافي، وحلب تمثل واحدة من أبرز نقاط التواصل بين تركيا والمنطقة العربية.”
يعكس هذا التصريح رؤية أوغلو للسياسة الخارجية التركية التي تسعى لإعادة صياغة النفوذ التركي في المناطق التي كانت تحت السيطرة العثمانية.
وقد تناقلت الصحافة العالمية الأهداف المحتملة لتركيا:
“مقال نشره موقع Al-Monitor سلط الضوء على المطامع التركية المحتملة في شمال سوريا، حيث تسعى أنقرة إلى توسيع نفوذها تحت ذريعة حماية أمنها القومي، لكن ذلك قد يكون في إطار استعادة إرثها التاريخي في المنطقة، وفقاً لبعض المحللين.”
هروب قيادات النظام وتحركات الأسد المريبة
مع تقدم الفصائل، بدأت الأخبار تتوالى عن هروب قيادات بارزة في النظام السوري إلى خارج البلاد. وبالتزامن، أشارت تقارير إلى تحضير بشار الأسد -في فترة سابقة- لتهريب عائلته إلى روسيا بحجة “علاج أسماء الأسد من السرطان الناكس”، إضافة إلى تهريب أفراد عائلة ماهر الأسد. هذه التحركات قد تعكس حالة من الهلع داخل النظام، وربما تشير إلى عِلم الأسد المسبق بالخطة الدولية، بل وحتى موافقته عليها لتجنب الاصطدام المباشر مع القوى الكبرى، خاصة مع إيران التي رسخت سطوتها على سوريا مما جعل الأسد حاكماً صورياً بلا نفوذ.
عن مستقبل النظام السوري:
“في دراسة نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، تم التطرق إلى أن تقلص مساحة سيطرة النظام السوري يشير إلى بداية مرحلة جديدة قد تتجه نحو تسوية سياسية، حيث يمكن أن تكون عملية ‘ردع العدوان’ تمهيداً لهذه التسوية بما يحقق توازن القوى الدولية.”
وعن هشاشة النظام السوري:
“وفقاً لمصادر إعلامية مختلفة، منها تقرير لصحيفة The Guardian، فإن الهروب الجماعي لقيادات النظام وتحركات الأسد لتهريب أفراد عائلته إلى روسيا يعكس ضعفاً داخلياً وارتباكاً في صفوف النظام، مما قد يشير إلى إدراكه المسبق لخطورة العملية العسكرية الحالية.”
عن دور إيران وتأثيرها
“تقرير صادر عن مركز Washington Institute for Near East Policy أوضح أن إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا يُعتبر هدفاً مشتركاً للولايات المتحدة وروسيا وتركيا، ما يجعل من عملية ‘ردع العدوان’ خطوة استراتيجية في إطار هذه التوجهات.”
هل نحن أمام نقطة تحول؟
الهجوم الواسع للفصائل الثورية يمكن اعتباره اختباراً جديداً لمتانة التحالفات الدولية في سوريا. غياب الدعم الروسي المباشر للنظام خلال معارك “ردع العدوان” يثير شكوكاً حول احتمال وجود تفاهمات بين القوى الكبرى. قد يكون الهدف طرد النفوذ الإيراني، لكن السؤال الأكبر هو: هل هذه العملية مقدمة لتسوية سياسية تضمن للأسد مخرجاً آمناً، أم أنها بداية النهاية لنظامه الاستبدادي؟
ما بعد عملية “ردع العدوان”: احتمالات المستقبل
مع تقلص مساحة سيطرة النظام، تتجه الأنظار إلى النتائج المحتملة:
- على الصعيد الميداني: قد تؤدي العملية إلى تغيير جذري في خارطة السيطرة، مما يعيد الفصائل إلى مواقعها الاستراتيجية.
- على الصعيد السياسي: إذا كانت العملية جزءاً من صفقة دولية، فقد يضمن الأسد البقاء رئيساً بشروط، مثل مصالحة شكلية مع المعارضة، لتجنب المحاكمات الدولية.
- على الصعيد الإقليمي: احتمالية إعادة توزيع النفوذ بين القوى الكبرى ستحدد مصير المناطق المحررة ومستقبل سوريا ككل.
عن مستقبل النظام السوري:
“في دراسة نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، تم التطرق إلى أن تقلص مساحة سيطرة النظام السوري يشير إلى بداية مرحلة جديدة قد تتجه نحو تسوية سياسية، حيث يمكن أن تكون عملية ‘ردع العدوان’ تمهيداً لهذه التسوية بما يحقق توازن القوى الدولية.”
خاتمة: واقع مُعقَّد ومستقبل محفوف بالتحديات
عملية “ردع العدوان“ تبدو خطوة فارقة في مسار الثورة السورية، إذ أظهرت القدرة التنظيمية المتجددة للفصائل الثورية وإمكانية استعادة زمام المبادرة في وجه نظام مستبد تقَهقَر أمام ضرباتها. ومع ذلك، فإن هذا الإنجاز الميداني يحمل في طياته مخاطر كبيرة، ليس فقط من ردود فعل النظام وحلفائه، ولكن أيضاً من الأطراف الإقليمية التي قد تسعى لاستثمار هذه التطورات لصالحها.
من أبرز المخاوف المطروحة هي المطامع التركية التي بدأت تتجلى بوضوح، حيث تسعى أنقرة إلى توسيع نفوذها في الشمال السوري، مستخدمةً الشعارات الداعمة للثورة لتحقيق مكاسب استراتيجية تخدم مصالحها الوطنية. لذا، على الفصائل الثورية أن تظل متيقظة، وألا تنجرف خلف أي وعود دولية أو إقليمية قد تُحول مسارها عن هدفها الرئيسي، وهو تحرير سوريا من الاستبداد وتحقيق العدالة لشعبها.
الخطوة القادمة تتطلب إدارة حكيمة للمكاسب المحققة، مع الحفاظ على وحدة الصف الثوري وتجنب الانقسامات التي قد تستغلها الأطراف المتربصة. كما أن بناء تحالفات واعية تضع مصلحة الثورة والشعب السوري فوق كل اعتبار سيكون السلاح الأقوى لمواجهة التحديات القادمة.
إن استكمال تحرير المناطق وتحرير القرار الوطني من الهيمنة الإقليمية والدولية لا يتطلب فقط القوة العسكرية، بل أيضاً رؤية سياسية واضحة واستراتيجية مدروسة لتجنب الوقوع في براثن الأطماع المتربصة. الثورة السورية اليوم أمام فرصة تاريخية، وعليها أن تستغلها بحكمة وحذر لتجنب أي منزلق قد يجهض تطلعات السوريين نحو الحرية والاستقلال.