شهدت الساحة السورية منذ اندلاع الأزمة في عام 2011 العديد من العمليات العسكرية والسياسية التي أثرت بشكل جذري على خريطة الصراع الداخلي والإقليمي. واحدة من أبرز هذه العمليات هي “عملية درع العدوان”، التي مثلت نقطة تحول جديدة في ديناميكيات الصراع. انطلقت العملية في ظل تعقيد المشهد السوري وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، ما يطرح أسئلة محورية: ما هي الأسباب التي دفعت الأطراف إلى هذه العملية؟ وما أهدافها الاستراتيجية؟ وكيف ستؤثر على مستقبل سوريا والمنطقة؟
وراء كلّ حدثٍ عدة أسباب
-
الأسباب المباشرة
تعود أسباب عملية “درع العدوان” إلى تصاعد التوترات بين الأطراف المتصارعة داخل سوريا، لا سيما مع تزايد محاولات السيطرة على مناطق استراتيجية. كان احتدام الصراع على الموارد والمواقع الحيوية، إلى جانب السعي للسيطرة على المعابر الحدودية، من العوامل المباشرة لإطلاق العملية.
-
الأهداف الاستراتيجية
تسعى الفصائل المشاركة إلى تحقيق أهداف تتراوح بين تعزيز نفوذها على الأرض وضمان الأمن القومي ضد تهديدات محتملة. وفي الوقت ذاته، تستهدف العملية تقويض نفوذ بعض الأطراف المناوئة، مما يعكس أبعاداً استراتيجية تتجاوز الحدود السورية.
الدور الإقليمي والدولي
لعبت القوى الإقليمية والدولية دوراً محورياً في تأجيج العملية في الوقت المناسب لها من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي، أو من خلال ممارسة ضغوط دبلوماسية لتوجيه مجريات الصراع بما يخدم مصالحها.
التحليل النفسي للأطراف المتصارعة
يكشف تحليل سلوك الأطراف المتصارعة عن مزيج من الاستراتيجيات المستندة إلى الخوف من فقدان النفوذ والطموح لتحقيق مكاسب طويلة الأمد. هذا البعد النفسي يزيد من تعقيد العملية ويجعلها أكثر صعوبة في التوصل إلى حلول سلمية قد لا تصبُّ في مصلحتها.
مجريات الأحداث
- المراحل الرئيسية
مرت “درع العدوان” بعدة مراحل، بدءاً من الإعداد العسكري والتعبئة الإعلامية، مروراً بالهجوم المباشر على مواقع النظام -الخصم-، ووصولاً إلى تعزيز السيطرة على المناطق المستهدفة.
- التكتيكات العسكرية
تميَّزت العملية باستخدام تكتيكات متقدمة، شملت الضربات الجوية المكثفة، العمليات الخاصة، واستخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل غير مسبوق.
- الخسائر البشرية والمادية
تكبدت الأطراف المتصارعة خسائر كبيرة، سواء من حيث الأرواح أو البنية التحتية، مما أضاف أعباءً جديدة على السكان المدنيين في المناطق المتضررة.
الحرية لا تُمنح..الحرية تُنتزع”… حتى لو احتاجت إلى سنوات من الكفاح، وشهدت تضحيات جسيمة من الأرواح وملايين المهجّرين. لكن رغم هذه الآلام، يبقى الأمل قائماً بأن تُثمر هذه التضحيات سوريا جديدة تعيد الكرامة لشعبها.
التطورات الميدانية والسياسية
أدى التصعيد الميداني إلى تغير في التحالفات الإقليمية والدولية، مع بروز تحالفات جديدة صهرت الانقسامات الداخلية بين الفصائل المتناحرة -ولو إلى حين- كما هو متوقع.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
تنوعت ردود الفعل بين التأييد الحذر والانتقادات العلنية. بينما سعت بعض الدول إلى الاستفادة من العملية لتعزيز نفوذها، دعت أخرى إلى وقف فوري لإطلاق النار وتقديم حلول سياسية. ويؤكد الوضع الراهن أن الجهات الدولية تدير مصالحها وفق حسابات معقدة، ما يجعل عملية “ردع العدوان” أكثر من مجرد صراع داخلي.
تبقى سوريا، بموقعها الاستراتيجي وثرواتها، ساحة تجاذب بين القوى الكبرى والإقليمية.
الخبايا والدوافع وراء المواقف الدولية
- التنافس الإقليمي والدولي: تسعى القوى الكبرى إلى تعزيز نفوذها أو حماية مصالحها في سوريا، والتي تعد نقطة ارتكاز استراتيجية للشرق الأوسط.
- التحالفات المتغيرة: تشير التقارير إلى تراجع الانخراط الروسي المباشر في العمليات الأخيرة نتيجة انشغالها في أوكرانيا، مما يترك المجال لإحداث تغيرات ديناميكية على الأرض.
- المصالح الاقتصادية: رغم التركيز على الجوانب العسكرية، إلا أن للموارد الطبيعية والبنية التحتية (كالنفط والغاز) دوراً خفياً في تحريك السياسات الدولية تجاه سوريا.
الجهات الدولية المستفيدة من عملية “ردع العدوان”
- تركيا
تعد تركيا أحد الأطراف الأكثر استفادة من عملية “ردع العدوان”. تسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها في شمال سوريا عبر دعم المعارضة المسلحة، بهدف إبعاد الميليشيات الكردية المرتبطة بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن حدودها.
تركيا تستغل هذه العمليات لتحقيق مكاسب سياسية، مثل تحسين موقعها التفاوضي مع روسيا وإيران حول الملفات الإقليمية الأخرى، بما في ذلك أوكرانيا ومنطقة القوقاز.
- الولايات المتحدة
من خلال دعمها لبعض الفصائل الكردية المعارضة بشكل غير مباشر، تسعى واشنطن إلى إضعاف التحالف الروسي-الإيراني داخل سوريا. كما أن احتواء توسع النفوذ الإيراني في المنطقة يخدم استراتيجية واشنطن لكبح الهيمنة الإيرانية وتقليل التهديدات على حلفائها، خصوصاً إسرائيل.
- روسيا
رغم الغياب النسبي للدعم الروسي للنظام السوري خلال هذه العملية، إلا أن موسكو قد ترى في استمرار الصراع فرصة لتثبيت دورها كوسيط لا غنى عنه. عبر ضبط إيقاع المواجهات بين النظام والمعارضة.
تسعى روسيا لتعزيز أوراق الضغط على تركيا والولايات المتحدة في قضايا دولية أخرى ترتبط بهما.
- الكيان الإسرائيلي:
بعد أن جهرَت إسرائيل بنواياها في إكمال مشروعها “إسرائيل الكبرى“، ترى أنها -اليوم- مستفيدة ضمنياً من إضعاف المحور الإيراني-السوري وحلفائه كـ”حزب الله”.
تتبع إسرائيل نهجاً استراتيجياً في سوريا، مستفيدة من عملية “ردع العدوان” لاحتواء إيران وإضعاف النظام السوري وحلفائه.
في ظل استمرار الصراع، تبقى تل أبيب لاعباً مهماً يسعى لاستغلال أي فرصة لإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة بما يخدم مصالحها الأمنية والسياسية. وتركز على استغلال حالة الارتباك داخل التحالف الموالي للنظام السوري لتنفيذ ضربات جوية تستهدف الميليشيات الإيرانية والبنية التحتية العسكرية داخل سوريا. وقد تبينت استفادتها من عملية “ردع العدوان” من خلال قيامها بالخطوات التالية:
- إضعاف المحور الإيراني في سوريا
إسرائيل ترى في عملية “ردع العدوان” فرصة لتقويض النفوذ الإيراني، الذي يُعتبر من أكبر التحديات الأمنية بالنسبة لها. إيران، عبر حلفائها كـ”حزب الله” والمجموعات الشيعية الأخرى، تواصل بناء قواعد عسكرية وبنى تحتية في سوريا، مما يهدد أمن إسرائيل مباشرة.
بحسب المحلل السياسي براء صبري، فإن “الإسرائيليين ينظرون إلى تفاقم الصراع كوسيلة لتشتيت الميليشيات الإيرانية واستنزافها على أكثر من جبهة”.
- تكثيف الضربات الجوية
خلال العمليات العسكرية الكبيرة، تنشغل الميليشيات الإيرانية والقوات النظامية بمواجهة المعارضة السورية، مما يوفر لإسرائيل نافذة لتنفيذ غارات جوية مركزّة دون رد فعل منسق.
تشير تقارير إلى أن إسرائيل استغلت انشغال القوات الإيرانية والنظام السوري في معركة حلب لتكثيف ضرباتها على مواقع حساسة قرب دمشق والجنوب السوري.
- منع تأسيس قواعد دائمة
إسرائيل تهدف إلى منع إيران من إنشاء ممر استراتيجي يربط بين طهران ولبنان عبر العراق وسوريا. ومع استمرار الصراع الداخلي، يصبح من الصعب على إيران والنظام تثبيت وجود عسكري طويل الأمد، مما يحقق لإسرائيل جزءاً من استراتيجيتها لاحتواء إيران في المنطقة.
- توظيف الضغط الدولي والإقليمي
تستغل إسرائيل العملية لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، التي ترفض وجوداً إيرانياً موسعاً في سوريا. علاوة على ذلك، تقدم إسرائيل نفسها كحليف أمني قوي للدول العربية التي تعارض النفوذ الإيراني، مما يدعم تحسين علاقاتها مع دول الخليج في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية.
الآثار طويلة الأمد لاستراتيجية إسرائيل
- مفاقمة الانقسامات داخل التحالف المؤيد للنظام السوري
استمرار إسرائيل في استهداف الميليشيات الإيرانية والنظام يساهم في زيادة التوترات بين روسيا وإيران. هذه الانقسامات تعيق قدرة النظام السوري على مواجهة المعارضة بشكل موحد، وتضعف التحالف الموالي له.
- تعزيز قوة الردع الإسرائيلية
بالنسبة لإسرائيل، يرسل تدخلها المتكرر في سوريا رسائل واضحة لحلفائها وخصومها بأنها لن تتسامح مع أي تهديد ينطلق من الأراضي السورية، مما يعزز من استعادة صورتها كقوة إقليمية رئيسية.
- التأثير على مستقبل الحل السياسي
إسرائيل تسعى لإبقاء سوريا ساحة صراع مفتوحة، مما يمنع استقرار الأوضاع لصالح النظام وإيران. في الوقت نفسه، تستخدم هذه الحالة من عدم الاستقرار للضغط على الأطراف الدولية المؤثرة لضمان تقليص النفوذ الإيراني كجزء من أي تسوية سياسية.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة
- تصعيد الصراع: قد يؤدي استمرار العملية إلى مواجهة إقليمية أوسع.
- التوصل إلى هدنة: يمكن أن تسعى الأطراف إلى تسوية سياسية تحت ضغوط دولية.
- تأثير العملية على الوضع الإنساني: فاقمت العملية من معاناة المدنيين، وزادت من أعداد النازحين والاحتياجات الإنسانية.
- تأثير العملية على الحل السياسي: عرقلت العملية جهود التفاوض، لكنها قد تدفع الأطراف إلى البحث عن حلول دائمة بسبب الكلفة البشرية والمادية المتزايدة.
تداعيات المستقبل وتأثيرها على تشكيل شرق أوسط جديد
- تأثير العملية على التوازن الإقليمي: ساهمت العملية في إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، مما يؤثر بشكل مباشر على استقرار الشرق الأوسط.
- تأثير العملية على مكافحة الإرهاب: قد يؤدي استمرار الصراع إلى خلق فراغ أمني تستفيد منه الجماعات الإرهابية، مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
- فرص السلام وتحدياتها: يتطلب تحقيق السلام تَجاوز المصالح الضيقة والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة.
الخاتمة
تمثل “عملية درع العدوان” فصلاً جديداً في الصراع السوري المُعقّد، مع تداعيات تتجاوز حدود سوريا. إن فهم أسباب ونتائج هذه العملية ضروري لتقييم مستقبل المنطقة.
بينما يبقى الحل السياسي الهدف المنشود، فإن الأسئلة تبقى مفتوحة حول قدرة الأطراف على التوصل إلى تسوية شاملة. هل يمكن للشرق الأوسط أن يتجاوز هذه الأزمات المتلاحقة، أم أننا أمام فصل جديد من الصراعات الطويلة؟