العصي ما برحت في الدواليب
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على المستويين السياسي والإنساني، قررت الولايات المتحدة تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” حتى عام 2029. هذا القرار الذي جاء بعد انتهاء المدة الأصلية في 17 يونيو/ حزيران 2024، يعكس استمرار الضغوط الأميركية على سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، وسط تساؤلات حول تأثير هذه العقوبات على مستقبل سوريا السياسي والاقتصادي.
استمرار العقوبات: سحب البساط من تحت سوريا؟
رغم أن الموقف الرسمي الأميركي يُركز على استهداف نظام الأسد، بدأت بعض الصحف ومراكز الأبحاث الأميركية في التعبير عن شكوكها بشأن فعالية استمرار العقوبات. فقد وصف بعض المراقبين السياسيين هذه الخطوة أنها تجانب الوضع الحالي، لكونها محاولة لسحب بساط الاستقرار من تحت سوريا، ومنعها من الوقوف مجدداً على قدميها اقتصادياً، خاصة أن إعادة الإعمار التي تحتاج إلى وقت طويل يمكن تسريعها إذا رفع الغرب العقوبات.
“سوريا الجديدة” بعد سقوط نظام الأسد تواجه تحديات هائلة تتطلب مساعدات دولية، وأن إنهاء العقوبات الأميركية يُعد خطوة حاسمة للسماح للسوريين بالحصول على الموارد اللازمة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر. وأن استمرار العقوبات قد يؤدي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية ويزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار. “رأي بعض الاقتصاديين الاستراتيجيين”
قانون تفويض الدفاع الوطني: تمديد العقوبات حتى 2029
في 12 كانون الأول 2024، صادق مجلس النواب الأميركي على “قانون تفويض الدفاع الوطني – National Defense Authorization Act – NDAA“، الذي تضمن تمديد عقوبات “قانون قيصر” حتى عام 2029. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تعقيد إضافي للتحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا في ظل النظام الجديد.
ويرى المحللون والمشرعون الأميركيون أن رفع العقوبات يُمكن أن يسهم في تحسين الاقتصاد السوري، إلا أن ذلك يستلزم موافقة الكونغرس والإدارة الأميركية. ومن جانبهم، دعا خبراء مدافعين عن حقوق الإنسان واشنطن إلى إنهاء العقوبات فوراً لتخفيف الأعباء الاقتصادية على الشعب السوري، مشيرين إلى أن الوضع الإنساني المتردي يتطلب استجابة عاجلة.
تأثير العقوبات على الاقتصاد السوري
ديلاني سيمون، المحلل البارز في “مجموعة الأزمات الدولية”، أكد أن العقوبات تُشكّل عبئاً كبيراً على الاقتصاد السوري. كما أوضح أن تصنيف النظام السوري وبعض القوى السياسية كمنظمات إرهابية يزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية، مؤكداً أن هناك تأثيراً سلبياً للعقوبات على الكيانات التجارية الخاصة في سوريا.
هنالك ضرورة إلى إصدار ترخيص عام يسمح بالأنشطة التجارية، وليس فقط المساعدات الإنسانية، لتخفيف الضغط على الاقتصاد السوري. كما دعا إلى وضع خطة طويلة الأمد لإلغاء العقوبات بشكل تدريجي، لضمان تحقيق التوازن بين المحاسبة السياسية وتحفيز التعافي الاقتصادي. “ديلاني سيمون”
أصوات معارضة للعقوبات
- مع التغيرات السياسية في سوريا، وجه نواب في الكونغرس الأميركي، مثل جو ويلسون وبريندان بويل، رسائل إلى إدارة بايدن تحث على تخفيف العقوبات، مع التركيز على استثناء المسؤولين السابقين في حكومة الأسد من أي إجراءات تخفيف.
- روبرت فورد، السفير الأميركي الأسبق لدى سوريا، اعتبر أن العقوبات تؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين. وأشار إلى أن العقوبات المفروضة على قطاع البناء والطاقة أدت إلى تأخير مشاريع الإسكان وارتفاع أسعار الطاقة، مما زاد من معاناة السوريين.
- دعت منظمات حقوقية، مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، إلى رفع العقوبات بعد سقوط نظام الأسد.
إنَّ استمرار فرض العقوبات قد يُعيق عملية التعافي الاقتصادي ويحولها إلى عقبة بدلاً من أن تكون وسيلة لتحقيق المحاسبة السياسية. “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”
- “شبكة العلاقات الدولية الإلكترونية“، دعت الغرب إلى رفع العقوبات، خصوصاً مع اقتراب موسم الأعياد المسيحية، مؤكدة أن الوقت قد حان للتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية التي تُعيق التعافي السوري. وشددت هذه الجهات على ضرورة إيجاد صيغة تضمن التدرج في رفع العقوبات دون التنازل عن معايير المحاسبة.
التأثير الإنساني للعقوبات
وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2023، تسببت العقوبات الأميركية في تفاقم الأوضاع الإنسانية في سوريا. وأكد التقرير أن الالتزام الصارم بالعقوبات كان له آثار سلبية واسعة على حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية.
بين عامي 2019 و2021، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا بنسبة 800%، مما أدى إلى مزيد من المعاناة للسكان. كما هبطت قيمة العملة السورية بشكل حاد، وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل الحياة اليومية للسوريين أكثر صعوبة. وأوضح التقرير أن التأثيرات السلبية للعقوبات طالت مختلف نواحي الحياة، بما في ذلك الصحة والتعليم والبنية التحتية.
خلاصة القول
يثير تمديد “قانون قيصر” حتى عام 2029 تساؤلات حول تأثيره على مستقبل سوريا. وبينما ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها أن العقوبات أداة ضغط سياسي تهدف إلى محاسبة النظام السابق، تُحذر أصوات عديدة من أنها قد تُعيق عملية التعافي الاقتصادي وتزيد من معاناة الشعب السوري. مع سقوط نظام الأسد، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة تقييم السياسات الأميركية تجاه سوريا، لضمان تحقيق توازن بين المحاسبة السياسية ودعم الاستقرار الاقتصادي.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستتحرك واشنطن نحو رفع تدريجي للعقوبات، أم ستظل هذه الإجراءات عقبة أمام تعافي سوريا؟
الإجابة على هذا السؤال قد تحدد ملامح المستقبل القريب للبلاد.