“الحضارات لا تموت بالضربة القاضية، بل بالتدريج.” – المؤرخ الإنكليزي “أرنولد تويمبي”
بدء إجراءات انفصال كاليفورنيا عن أمريكا
مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، تجددت دعوات انفصال ولاية كاليفورنيا عن الاتحاد، وهي خطوة قد تكون لها تداعيات كبرى على مستقبل البلاد. في ظل الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين، والشعور المتزايد لدى سكان كاليفورنيا بأنهم يساهمون أكثر مما يحصلون عليه من الحكومة الفيدرالية، يعود الحديث عن إمكانية استقلال الولاية ليشغل الرأي العام.
غافين نيوسوم (حاكم كاليفورنيا) لم يؤيد الانفصال بشكل صريح، لكنه أشار إلى أن كاليفورنيا يمكن أن تكون “دولة مستقلة” إذا قررت ذلك. في 2017، قال إن كاليفورنيا “ستستمر في المضي قدماً” بغض النظر عن سياسات واشنطن، مما يعكس شعورًا بالاستقلالية.
الخلفية التاريخية لانضمام كاليفورنيا إلى الولايات المتحدة
كانت كاليفورنيا جزءاً من المكسيك حتى عام 1848، حيث استولت عليها الولايات المتحدة بعد الحرب المكسيكية-الأميركية، ثم انضمت رسمياً إلى الاتحاد عام 1850. منذ ذلك الحين، لعبت الولاية دوراً محورياً في الاقتصاد الأميركي، وبرزت كمركز للابتكار التكنولوجي والصناعات المتقدمة.
النهضة الاقتصادية لكاليفورنيا
تمثل كاليفورنيا اليوم خامس أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي يبلغ حوالي 3.2 تريليون دولار، متجاوزة اقتصادات دول كبرى مثل الهند والمملكة المتحدة وفرنسا. وتستمد الولاية قوتها الاقتصادية من قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا (شركات آبل، جوجل، ميتا)، الزراعة، والصناعات الترفيهية في هوليوود، فضلاً عن ريادتها في مجالات الطاقة المتجددة والصناعات المتطورة.
ورغم هذه الثروة الهائلة، يشعر العديد من سكان كاليفورنيا بأنهم يتحملون عبء دعم الولايات الأخرى دون تلقي دعم مماثل، مما يعزز الدعوات إلى الانفصال.
لم يعلق ترامب بشكل مباشر على “كاليكسيت”، لكنه انتقد كاليفورنيا في عدة مناسبات، خاصة فيما يتعلق بسياسات الهجرة والبيئة. في 2018، سبق أنْ قال إن كاليفورنيا “ليس لديها سبب للشكوى” فيما يتعلق بإدارة الكوارث، مما أثار غضب بعض سكان الولاية.
معركة الوعي والانفصال
كاليفورنيا ليست الولاية الأولى التي تواجه نقاشات حول الانفصال. في عام 1861، انفصلت تكساس مؤقتاً خلال الحرب الأهلية الأميركية، ولا تزال بعض الحركات تطالب اليوم بالاستقلال. ومن الأمثلة الحديثة، حركة “تكسيت” التي تسعى إلى فصل تكساس عن الولايات المتحدة. كما شهدنا اعتقال ريتشارد “ريد سيبس“، أحد أبرز قادة الحراك الانفصالي في تكساس، حيث حكم عليه بالسجن خمس سنوات بسبب مطالبته بانفصال الولاية، مما يعكس مدى جدية الحكومة الفيدرالية في التعامل مع هذه الحركات.
باراك أوباما (رئيس الولايات المتحدة السابق) لم يعلق أوباما بشكل مباشر على “كاليكسيت”، لكنه دعم دائماً وحدة الولايات المتحدة. خلال فترة رئاسته، أكد على أهمية التعاون بين الولايات والحكومة الفيدرالية.
حملة انفصال كاليفورنيا
تطالب حركة “CalExit –خروج كاليفورنيا” باستقلال كاليفورنيا، مستلهمة تجربتها من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست – British exit). ووفقاً لمؤسسها “ماركوس رويز إيفانز“، فإن استفتاءين سابقين أظهرا أن 32% من سكان كاليفورنيا يؤيدون الاستقلال الفوري.
وأضاف “إيفانز” أن نسبة كبيرة من إيرادات كاليفورنيا تذهب لإعانة الولايات الأخرى، علاوةً عن استنزاف الاقتصاد بسبب الحروب الخاسرة في معظمها. وأن الاستقلال سيمكن الولاية من استخدام مواردها داخلياً لتحسين البنية التحتية والتعليم والخدمات الصحية.
نيكولاس فيدال (ناشط استقلال كاليفورنيا وأحد أبرز المؤيدين لاستقلال كاليفورنيا، قال إن الولاية “تختلف ثقافياً واقتصادياً وسياسياً عن بقية الولايات المتحدة”، وأنها تستحق أن تكون دولة مستقلة.
التداعيات المحتملة لانفصال كاليفورنيا
- على الداخل الأميركي:
سيكون لانفصال كاليفورنيا تأثيرات مدمرة على الاقتصاد الأميركي، حيث تمثل الولاية جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي الوطني. كما أن انفصالها قد يشجع ولايات أخرى مثل تكساس وهاواي على المطالبة بالاستقلال، مما قد يؤدي إلى تفكك الاتحاد الأميركي.
- على المستوى الدولي:
إذا فقدت الولايات المتحدة ولاية بحجم كاليفورنيا، فستتراجع مكانتها على الساحة الدولية، خاصة في ظل تنامي نفوذ قوى مثل الصين وروسيا. كما قد تسعى الدول الكبرى إلى إقامة علاقات مباشرة مع كاليفورنيا المستقلة، مما سيعيد رسم خريطة النفوذ العالمي.
نانسي بيلوسي (النائبة الديمقراطية من كاليفورنيا) لم تؤيد الانفصال، لكنها دعمت حقوق الولايات في اتخاذ قرارات مستقلة في مجالات مثل الصحة والبيئة.
الخاتمة
تستشرف “منصة مآلات“، أنَّ الانفصال في النهاية، يبقى موضوعاً خيالياً إلى حد كبير، حيث أنَّ الانفصال الفعلي يتطلب موافقة الكونغرس وهو أمر غير مرجح. ومع ذلك، يعكس هذا النقاش التوترات السياسية والثقافية بين كاليفورنيا والحكومة الفيدرالية. وفي حال أن الانفصال -إذا تحقق- قد يكون ذلك الشرارة التي تؤدي إلى تفكك الولايات المتحدة كما نعرفها اليوم. ففي عالم يتغير بسرعة، ومع تصاعد النزعات القومية والانفصالية، قد نشهد مرحلة جديدة من إعادة تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية للعالم. وربما يكون خروج كاليفورنيا بداية النهاية لعصر الهيمنة الأميركية، وبدء مرحلة جديدة تتسم بتعدد الأقطاب وصعود قوى جديدة على الساحة الدولية.