“الديكتاتور يختبئ خلف الأكاذيب والوعود الزائفة، وعندما تسقط الأقنعة، يظهر وجهه الحقيقي.”
– جورج أورويل –
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، وسط تحديات سياسية وأمنية كبيرة. وبينما يترقب السوريون مستقبلاً أكثر استقراراً وديمقراطية، تبرز مخاوف حول إمكانية تحول النظام الجديد إلى سلطة دكتاتورية.
المؤشرات على إمكانية التحول إلى نظام دكتاتوري:
1. تأجيل الانتخابات والمسار الديمقراطي غير الواضح
أعلن السيد أحمد الشرع أن الانتخابات لن تُجرى قبل أربع سنوات، بحجة الحاجة إلى إعداد دستور جديد وإجراء تعداد سكاني شامل. هذا التأجيل المطول قد يُثير القلق من تكريس سلطة فردية لفترة غير محددة، خاصة إذا لم يكن هناك جدول زمني واضح للإصلاحات الديمقراطية. تأجيل الانتخابات قد يكون خطوة تقنية ضرورية في بعض الظروف، لكنه أيضاً تكتيك شائع تستخدمه الأنظمة السلطوية لترسيخ الحكم الفردي.
“القرارات التي يتم اتخاذها في الظلام غالباً ما تكون قرارات سيئة.” – روبرت إم. غيتس
2. استمرار نفوذ الفصائل المسلحة
على الرغم من إعلان الحكومة الانتقالية عن حل الفصائل المسلحة، إلا أن هيئة تحرير الشام (HTS)، التي كان يقودها أحمد الشرع، لا تزال تمتلك نفوذاً واسعاً داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية. فاستمرار وجود فصائل مسلحة موالية للسلطة قد يُستخدم كأداة لقمع المعارضين وضمان استمرار الحكم خارج الإطار الديمقراطي.
“الديكتاتور يمتطي ظهر النمر، لكنه يخشى أن ينزل عنه.” – مثل صيني
3. حل البرلمان والجيش واستبدالهما بمؤسسات جديدة
إن إقدام النظام الجديد على حل البرلمان السوري والجيش، وإعلان السلطة الانتقالية عن نيتها تشكيل مجلس تشريعي مؤقت يثير تساؤلات حول طبيعة هذا المجلس وصلاحياته. ففي المراحل الانتقالية، قد تكون هذه الخطوة ضرورية لإعادة هيكلة الدولة، لكن غياب ضمانات واضحة لاستقلالية هذه المؤسسة قد يؤدي إلى تركيز السلطة في يد جهة واحدة، خاصة إذا تم تأجيل الانتخابات لفترة طويلة.
“الديكتاتور هو ذلك الشخص الذي يستبدل إرادة الشعب بإرادته، ويجعل من نفسه قانوناً يمشي على الأرض.” – ميخائيل باكونين
4. الخطاب السياسي والإعلامي الموجه:
منذ توليه السلطة، سعى السيد الشرع إلى تقديم نفسه كقائد منقذ، مستخدماً خطاباً يعزز دوره كرمز للاستقرار والوحدة الوطنية. هذا النمط من الخطاب، الذي يركّز على شخص القائد بدلاً من المؤسسات، يشبه أساليب السلطة البائدة. كما أن الاعتماد على الإعلام الرسمي كمنصة وحيدة لترويج سياساته، مع تهميش الأصوات المعارضة وعدم إفساح المجال لنقاش سياسي متنوع، يثير مخاوف من انحراف المسار نحو الحكم الفردي وتركيز السلطة في يده.
“الديكتاتوريات لا تُبنى بالقوة فحسب، بل بالكذب والتضليل وتشويه الحقائق.” – حنا آرنت
5. انعدام الشفافية في عملية صنع القرار
لم يتم حتى الآن الإعلان عن آليات واضحة لصياغة الدستور الجديد أو اختيار أعضاء الحكومة الانتقالية بطريقة ديمقراطية. فغياب الشفافية في هذه العملية قد يكون إشارة إلى نية الهيمنة على السلطة وعدم إشراك أطياف المجتمع المختلفة.
العوامل التي قد تمنع تحول النظام الحالي إلى دكتاتورية
1- الضغوط الدولية والإقليمية:
- رغم أن المجتمع الدولي قد يدفع باتجاه الديمقراطية، إلا أن المصالح الدولية قد تؤدي إلى تسويات سياسية لا تحقق تحولاً ديمقراطياً كاملاً.
- هناك تجارب سابقة في المنطقة تُظهر أن بعض الدول تتغاضى عن الاستبداد إذا كان يحقق الاستقرار والمصالح الأمنية.
- يمكن للنظام الجديد اللعب على التناقضات بين القوى الدولية لضمان بقائه دون الحاجة إلى إصلاحات حقيقية.
“الديكتاتورية هي نظام حكم لا يسمح بالحرية. إنها تسيطر على كل شيء، من وسائل الإعلام إلى التعليم إلى الفن.” – فاتسلاف هافيل.
2- التنوع السياسي والعسكري داخل سوريا:
- هذا التنوع قد يكون عاملاً إيجابياً لمنع الاستبداد، لكنه قد يكون أيضاً سبباً للصراعات الداخلية إذا لم يتم احتواؤه بشكل سلمي.
- بعض الفصائل قد تحاول الهيمنة على العملية السياسية، مما قد يعزز الاستقطاب ويؤدي إلى انقسامات جديدة.
- قدرة القوى السياسية والمجتمع المدني على التأثير الفعلي تعتمد على مدى وجود إطار قانوني ومؤسساتي يضمن التعددية، وليس فقط على التوازن العسكري الحالي.
3- الاحتجاجات الشعبية:
- الشعب السوري لديه خبرة في الحراك الشعبي، ولكن نجاح أي احتجاجات مستقبلية سيكون مرهوناً بعوامل مثل الوضع الأمني، والوضع الاقتصادي، ومساحة الحريات المتاحة.
- إن بعض الأنظمة الاستبدادية استطاعت البقاء رغم الاحتجاجات عبر القمع الذكي أو شراء الولاءات من خلال تحسين الظروف المعيشية مؤقتاً.
- هناك أيضاً خطر يتمثل في إرهاق المجتمع بعد سنوات الحرب، حيث قد يُفضل البعض الاستقرار على خوض مواجهة جديدة مع السلطة.
أسس ضرورية لمنع التحول إلى الديكتاتوري
- وضع آليات واضحة للانتقال الديمقراطي تشمل دستوراً يحدد فصل السلطات وضمانات للحقوق والحريات.
- الإصرار على الانتخابات ضمن جدول زمني محدد وعدم السماح بتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
- ضمان حيادية الجيش والأجهزة الأمنية حتى لا تصبح أداة بيد السلطة الجديدة.
- بناء مؤسسات رقابية قوية، مثل الإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني، لمنع تكرار أخطاء الماضي.
الخلاصة
بينما تعهد أحمد الشرع بقيادة سوريا نحو مستقبل ديمقراطي، فإن بعض الخطوات التي اتخذها حتى الآن تثير القلق بشأن إمكانية تحول نظامه إلى سلطة دكتاتورية. فتأجيل الانتخابات، واستمرار نفوذ الفصائل المسلحة، والسيطرة على المؤسسات التشريعية والأمنية كلها مؤشرات تستدعي المراقبة عن كثب.
لضمان عدم تكرار تجربة الحكم الاستبدادي، يحتاج النظام الجديد إلى التزام واضح بالإصلاحات السياسية، وضمان تداول السلطة، وفتح المجال أمام معارضة سياسية حقيقية. وإلا، فإن سوريا قد تجد نفسها أمام نسخة جديدة من النظام السابق، لكن بوجوه مختلفة.