بادئة:
يمثل سقوط نظام الأسد وتنصيب أحمد الشرع على رأس السلطة الانتقالية منعطفاً حاسماً، إلا أن طبيعة هذه السلطة المنبثقة عن تحالفات فصائلية هي بذاتها متباينة من حيث إختلاف التكوين والمصالح، تثير تساؤلات جوهرية حول شرعيتها ومدى استقرارها وقدرتها على إدارة المرحلة الانتقالية المعقدة، تستطيع أنْ تحكم الفراغ بعد إسقاط الأسد.
إذا بدلاً من سلطة مركزية قوية تعيد هيكلة مؤسسات الدولة، وتنقل ولاءها من مراكز النفوذ في الدولة إلى الدستور والحكومة، مع مراعاة ضرورة تطوير أدائها لخدمة واقع إداري جديد يضمن استقرار سوريا، نجد أن سوريا تم وضعها أمام وبين سلطة حديثة العهد، مدعومة بتحالفات فصائلية، لكل منها أجندتها ومصالحها الخاصة.
هذا الواقع الجديد يفرض تحديات مضاعفة. فالسلطة الجديدة تفتقر إلى التجربة الإدارية والسياسية اللازمة لحكم البلاد، وبالتالي قد تكون عرضة للانقسام والتناحر الداخلي بين الفصائل المكونة لها. كما أن شرعيتها قد تكون موضع شك من قبل قطاعات واسعة من المجتمع السوري، التي لم تشارك في عملية إختيارها و تنصيبها أو ترى فيها ممثلاً حقيقياً لتطلعاتها.
في هذا السياق، يزداد تعقيد تفاعل الجهات الدولية والإقليمية. فبدلاً من التعامل مع سلطة مركزية منتخبة واضحة المعالم، أصبح يتعين عليهم التعامل مع ائتلاف هش من الفصائل، لكل منها دعم محلي وإقليمي ودولي مختلف. وقد يؤدي هذا إلى نشوب صراعات بالوكالة وتصعيد التوترات الإقليمية.
ووفق تباين المصالح الدولية لا بدَّ من تسليط الأضواء على دور تلك الدول ومنها:
- الولايات المتحدة، التي تصر على الإبقاء على العقوبات، قد تنظر إلى هذه السلطة الفصائلية بعين الريبة، خشية من عدم قدرتها على فرض الاستقرار أو تحقيق تغيير حقيقي، أو من وقوعها تحت نفوذ أطراف لا تتوافق مع مصالحها.
- روسيا، من جهتها، قد ترى في هذا الواقع فرصة لتعزيز نفوذها من خلال دعم فصائل معينة أو لعب دور الوسيط بينها.
- الصين، كعادتها تركز على ضمان مصالحها الاقتصادية، وقد تتعامل بحذر مع سلطة غير مستقرة.
- الاتحاد الأوروبي، يقدم مساعدات إنسانية، قد يجد صعوبة في توجيه هذه المساعدات بشكل فعال في ظل وجود سلطة فصائلية غير مركزية.
- دول الخليج متناقضة المصالح، التي قد تكون دعمت بعض هذه الفصائل في السابق، قد ترى في هذه السلطة الجديدة فرصة لتحقيق أهدافها الإقليمية وفي منأى عن مصالح جيرانها، لكنها قد تخشى أيضاً من عدم استقرارها.
- تركيا، التي لها نفوذ مباشر على فصائل معينة على الأرض السورية، ستلعب دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل هذه السلطة. فدعمها أو معارضتها لفصائل معينة يمكن أن يحدد مسار المرحلة الانتقالية بأكملها.
نقاط التوافق بين هذه الأطراف ستكون أكثر صعوبة في التحقق في ظل وجود سلطة ذات خلفية فصائلية . فلكل طرف أجندته الخاصة فيما يتعلق بالفصائل التي تدعمها أو تعارضها.
مواقف دولية وإقليمية
رفض الولايات المتحدة رفع العقوبات سيضاعف من التحديات التي تواجه هذه السلطة الفصائلية، حيث ستجد صعوبة أكبر في الحصول على الموارد اللازمة لإدارة البلاد وتلبية احتياجات الشعب.
وبالنسبة إلى المساعدات الأوروبية والإماراتية قد تكون حاسمة في هذه المرحلة، لكنها قد تكون مشروطة بمدى قدرة السلطة الجديدة على تحقيق الاستقرار وإظهار قدرتها على الحكم.
في الختام
يبقى مستقبل سوريا في ظل هذه السلطة الفصائلية يبدو أكثر غموضاً. حيث هناك خطر حقيقي من تفكك الدولة أو استمرار حالة عدم الاستقرار مع إمكانية نشوء الصراع بين الفصائل. ومدى قدرة هذه السلطة على تجاوز نقاطها الخلافية و خلافاتها وبناء تقاطع المصالح مع عموم المجتمع السوري، وكسب ثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي، تلك المسائل سوف تكون حاسمة في تحديد مسار البلاد نحو الاستقرار أو الفوضى.
ضمن هذا التصور، أعتقد أنه يتوجب على السياسيين ورجال الاقتصاد والأعمال والنخب الفكرية والثقافية دراسة ديناميكيات وأبعاد وحيثيات هذه السلطة الفصائلية بعناية، من حيثية وطنية حيادية بعيداً عن الانحياز والمواربة، وتأثيرها على المصلحة السورية، وهل تتجه نحو الاستقرار أم لا. ويتخلل ذلك وضع استراتيجيات مرنة للتعامل مع هذا الواقع المعقد، مع التركيز على تركيا والحوار الشامل الذي يضمن تمثيل جميع أطياف الشعب السوري. وهذا أهم ما تحتاجه سوريا اليوم:
“حوار وطني جديّ ومسؤول، مؤسس للمصالحة الوطنية، أركانه القوى السياسية والشخصيات الوطنية ورجال الأعمال وممثلين حقيقيين عن المجتمع المدني”.