مقدمة:
خلال زيارتي للولايات المتحدة، استضافتني عائلة أمريكية من أصول أرمنية، يعمل رب الأسرة مع زوجته في الشارع الذي يشار إليه عادة باسم وول ستريت في مانهاتن السفلى “.Wall Street in Lower Manhattan”. وهو الحي المالي الرئيس بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.
وللمصادفة، بدأت الوقيعة، آنذاك، بين الرئيس ترامب وحليفه المتألق إيلون ماسك. كانت معظم سهرات العائلة التي استضافتني لا تخلو من السرديات حول حدة الخلاف الآخذ بالتصاعد بين الرجلين بشكل فضائح واتهامات علنية لم يكن الشعب الأمريكي قد عاشها مسبقاً.
وعند عودتي إلى سوريا -مؤخراً- أحببت أن ألخص بعض ما رسخ في ذاكرتي من سرديات، لم تنتهِ بعد، في هذا المقال.
ماسك ودعمه لترامب 2024—شراكة المال والسياسة
في المشهد السياسي الأميركي لعام 2024، لم يكن لأحد أن يتوقع أن تتحول علاقة الشراكة بين أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، والرئيس دونالد ترامب، إلى واحدة من أكثر المواجهات إثارة في التاريخ الحديث. فقد كان ماسك أحد أبرز داعمي حملة ترامب الانتخابية، قدّم له دعماً مالياً وإعلامياً واسعاً، وساهم في استضافته إلكترونياً على منصاته، بل ودافع عن حقه في العودة إلى تويتر بعد الحظر. شراكة المال والتكنولوجيا والسياسة، التي اعتُبرت حجر أساس في حملة ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، سرعان ما تحولت إلى معركة كسر عظم.
دخول ترامب إلى دهاليز البيت الأبيض: بداية التحالف
مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، اختار ماسك ليكون ضمن فريقه الاستشاري لإصلاح القطاع الإداري وتطوير الابتكار، تقديراً لمشاريعه الجريئة في مجال الفضاء والطاقة النظيفة. كان التحالف قوياً: ماسك يقدم الرؤية التقنية، وترامب يمنح الدعم السياسي. لكن، وكما هو الحال في عالم السياسة الأميركية، لم يكن الاستقرار يدوم طويلاً.
بداية نشاط ماسك مراقبة النفقات ومحاربة الفساد
بدأت الخلافات تظهر مع تصاعد دور ماسك في مراقبة النفقات الحكومية. فقد استخدم منصته “إكس” لمهاجمة سياسات الإنفاق الضخمة التي أقرها ترامب، لا سيما الزيادات في الموازنة العسكرية وتقليص الحوافز للطاقات النظيفة والسيارات الكهربائية. في إحدى تغريداته الشهيرة، قال ماسك:
“القانون الكبير الجميل ليس إلا طريقاً مباشراً نحو إفلاس الولايات المتحدة… ما نعيشه اليوم ليس ديمقراطية بل احتكار حزب واحد.”
وجاء رد ترامب عليه قاسياً حيث خاطبه مغرداً:
“لو لم تكن هناك حوافز حكومية لما تمكن إيلون ماسك من إبقاء شركاته واقفة. أمريكا ستكسب أكثر لو توقفنا عن دعم سياراته وأقماره الصناعية.”
(Trump on Truth Social, 2024)
وعلق ترامب على نفوذ ماسك في الاقتصاد والسياسة:
“لا يمكن لأغنى رجل في العالم أن يدير أمريكا فقط لأنه خسر امتيازاته، نحن بحاجة لحماية أموال الشعب لا لتمويل طموحات ماسك.”
(Trump Statement, 2024)
شرارة المواجهة: تصريحات نارية وتبدل الولاءات
اشتدت المواجهة بين الرجلين، حيث وصف ترامب ماسك بأنه رجل “يستخدم أموال الشعب ثم يهاجم رموز الدولة“. ماسك، من جهته، شن هجوماً مضاداً قائلاً:
“لو لم يكن هناك دعم حكومي، لما تمكنت تيسلا من البقاء، ولكان ترامب نفسه خسر الانتخابات لولا دعمي.”
ورداً على تقليص الحوافز واتهامات ترامب:
“القانون الكبير الجميل ليس إلا طريقاً مباشراً نحو إفلاس الولايات المتحدة… ما نعيشه اليوم ليس ديمقراطية بل احتكار حزب واحد.”
ذروة الصراع: صدام المال والسلطة
بلغ الصراع بين ترامب وماسك ذروته عندما بدأ ترامب في تقليص الحوافز الحكومية الممنوحة لشركات ماسك، خصوصاً في مجال السيارات الكهربائية. هاجم ترامب علناً دعم الحكومة لتيسلا وسبيس إكس، وقال:
“لو توقفت شركات ماسك عن إنتاج السيارات وإطلاق الأقمار الصناعية، ستكسب أمريكا ثروة طائلة.”
وفي معرض التهديد بقطع الدعم عن ماسك:
“ماسك لا يجب أن يحصل على سنت واحد من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين بعد اليوم. انتهى زمن الامتيازات.”
(Trump Rally Speech, 2024)
ورد ماسك بتحدٍ غير مسبوق، محذراً من أن الاقتصاد الأميركي “على حافة الإفلاس” بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة، مقدماً أرقاماً عن عجز حكومي يتجاوز 2.5 تريليون دولار.
تهديدات ترامب والتضييق على ماسك
لم يكتفِ ترامب بالتصريحات، بل لوّح بإعادة النظر في جميع العقود الفيدرالية مع شركات ماسك. أشارت مصادر إلى تهديدات مباشرة لمشروعات الذكاء الاصطناعي الخاصة بماسك، مثل “إكس إيه آي“، مما أدى لانخفاض سهم تيسلا بنسبة 5% خلال 48 ساعة فقط، وتراجع تقييم شركات ماسك في السوق بشكل مقلق.
رد فعل ماسك وموقفه المفاجئ
على غير المتوقع، رفض ماسك لعب دور الضحية أو العودة للوراء، بل أعلن بصراحة:
“لا أريد دعماً من أحد… المستقبل للابتكار، وليس للسياسة الفاسدة.”
ماسك يفضح سوء إدارة ترامب ويحذر من الانهيار
لم يكتفِ ماسك بالتصعيد السياسي، بل انتقل للهجوم على المستوى الاقتصادي، متوقعاً “أكبر أزمة منذ 2008″ إذا استمرت السياسات على ما هي عليه، ومتهماً الإدارة بـ”الاعتماد على طباعة النقود وتضخيم الديون“.
وحول مستقبل الدعم الحكومي:
“أنا فعلاً لا أريد دعماً من أحد. الابتكار الحقيقي لا يحتاج إلى حماية من السياسة، بل إلى مناخ حر من الفساد والبيروقراطية.”
(Elon Musk Interview, 2024)
حول اتهام ترامب لماسك باستغلال أموال الشعب، ردَّ عليه قائلاً:
“لولا التكنولوجيا التي طورتها شركاتي، لكان الاقتصاد الأمريكي أقل تنافسية، نحن نبني مستقبلاً لا يجرؤ السياسيون على تخيله.”
(Elon Musk at Tech Conference, 2024)
إعلان ماسك تشكيل حزب “أمريكا” وتبريراته
مع احتدام الأزمة، فاجأ ماسك الجميع بإطلاق استطلاع على منصته “إكس” حول الحاجة لحزب سياسي جديد، شارك فيه أكثر من 1.2 مليون شخص، وصوت 65% منهم لصالح الحزب الجديد، ليعلن بعدها تأسيس “الحزب الأميركي” رسمياً ودعم مرشحين مستقلين في انتخابات 2026 النصفية.أعلن ماسك عن عزمه على تشكيل “حزب أمريكا” مبرراً ذلك بالحاجة “لحماية المال العام من مغامرات المليارديرات الذين يستغلون النظام لتحقيق مكاسب شخصية”. لكن متابعين يرون أن هذا الإعلان جاء كرد فعل على تهديد نفوذ ماسك داخل الحزب الجمهوري نفسه.
ما هو المتوقع في الأيام القادمة؟
المشهد مرشح لمزيد من التصعيد. ماسك يحشد رجال الأعمال المتضررين من سياسات ترامب، ويراهن على كسب مقاعد مؤثرة في الكونغرس. بالمقابل، يخطط ترامب لإقصاء نفوذ ماسك تماماً عن قطاعَي الدفاع والطاقة. هناك من يراهن أن هذه الحرب ستعيد رسم خريطة السياسة والاقتصاد في أمريكا لسنوات قادمة.
خاتمة: رأي الشارع الأمريكي بين المال والسياسة
أما الشارع الأمريكي، فقد انقسم بين من يرى في ماسك رمزاً للحرية والابتكار، ومن يعتبره “مقامراً سياسياً” يغامر بمستقبل البلاد لأجل مصالحه الخاصة. في حين يراهن أنصار ترامب أن الرئيس يعيد “تصحيح المسار” ويحمي المال العام. لكن الحقيقة الوحيدة حتى الآن أن صراع الجبابرة هذا قد يغير وجه البيت الأبيض وول ستريت معاً، ويضع أمريكا على مفترق طرق غير مسبوق.
تعليق أخير: الولايات المتحدة الآن أمام اختبار غير مسبوق بين "سلطة المال" و"سلطة السياسة". فهل يكون الصدام بين ترامب وماسك بداية لولادة قوى سياسية واقتصادية جديدة؟ أم مجرد جولة أخرى في حروب النخبة الأميركية المعتادة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالكشف عن الفصل الأكثر إثارة في تاريخ الصراعات بين عمالقة المال والسلطة.