مدخل إلى المقال:
-
بعض المصادر ذكرت أن الحكومة السورية المؤقته تعتزم إسقاط الجنسية عن حوالي 2,243,000 مجنس، أغلبهم من الشيعة الذين حصلوا على الجنسية بين عامي 2011 و2024.
-
مصادر أخرى تشير إلى أن العدد المستهدف بالإلغاء يبلغ حوالي 700,000 شخص، معظمهم من الإيرانيين والعراقيين و أبناء لواء اسكندرون (هاتاي) في تركيا، الذين حصلوا على الجنسية السورية بشكل استثنائي بعد عام 2011.
أسباب إلغاء الجنسية المحتملة:
-
تشير التقارير إلى أن النظام السابق منح الجنسية لهؤلاء الأشخاص كجزء من سياسات تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في مناطق استراتيجية.
-
تُمنح الجنسية للأفراد الذين قدموا الدعم للنظام السابق، بما في ذلك المقاتلين الأجانب.
-
يُقال إن عملية التجنيس تمت عبر إجراءات غير قانونية أو على أساس معلومات كاذبة.
قانون الجنسية السوري:
-
ينص قانون الجنسية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 على إمكانية تجريد الشخص من الجنسية إذا ثبت حصوله عليها بناءً على بيان كاذب أو بطريق التدليس.
-
كما يحدد القانون أسباباً أخرى لفقدان الجنسية، مثل الحصول على جنسية أجنبية دون إذن مسبق من الحكومة السورية، أو الإقامة في دولة معادية، أو القيام بأعمال تهدد أمن الدولة.
تظل هذه الأرقام والقرارات غير مؤكدة رسمياً من قبل السلطات السورية الجديدة، وتستند بشكل أساسي إلى تقارير إعلامية ومصادر مقربة من الحكومة.
“حين يُسحب جواز سفر من يد إنسان، فإن ما يُسلب منه ليس مجرد ورقة رسمية، بل انتماء وأمان. خبر سحب الجنسيات الممنوحة لغرباء خلال الثورة السورية أعادني إلى جوهر السؤال: ما معنى أن تكون مواطناً سورياً؟”
وهذه المقالة محاولة للإجابة.
المواطنة كمفهوم جامع
المواطنة ليست بطاقة هوية فحسب، بل هي رابطة قانونية وأخلاقية وسياسية بين الفرد والدولة. في أدبيات العلوم الاجتماعية، تُعرَّف المواطنة بوصفها حالة عضوية كاملة في المجتمع تتكافأ فيها الحقوق والواجبات؛ فهي مدنية (حريات وحقوق أمام القانون)، وسياسية (الحق في المشاركة والتمثيل)، واجتماعية (الحق في الكرامة والرفاه والفرص). ولأنها إطار جامع، فإنها قدرةٌ على تحويل التنوع إلى طاقةٍ بنّاءة، لا إلى شرخٍ طائفي أو إثني [1].
“قسّمتُ المواطنة إلى ثلاثة عناصر: مدنية، وسياسية، واجتماعية.” — ت. هـ. مارشال (ترجمة بتصرّف)
بهذا المدخل، ألجُ إلى الحكاية السورية، حكاية قرنٍ من التحولات الجيوسياسية التي تركت آثاراً عميقة على البنية الديموغرافية، ورافقتها صراعات على الهوية والانتماء وموقع الفرد من الدولة.
أولاً: من الانتداب الفرنسي إلى الاستقلال (1920–1946)
جوهر المرحلة: تفكيك إداري-جغرافي، وإدارة استعمارية راهنت على الهويات ما دون الوطنية.
- التقسيم إلى دويلات: أنشأ الانتداب كيانات متعدّدة: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين (اللاذقية)، جبل الدروز، سنجق الإسكندرونة (لاحقاً هاتاي)، ودولة لبنان الكبير. هذا التشظّي لم يرسم خرائط فحسب، بل صاغ خرائط ذهنية واجتماعية عمّقت قابلية المجتمع للاستقطاب [2].
- أمثلة مؤثرة:
- الثورة السورية الكبرى (1925–1927): تحالف درزي-مديني واجه القمع والقصف، وترك ندوباً عمرانية واجتماعية، خصوصاً في دمشق والسويداء [3].
- لواء إسكندرونة/هاتاي (1939): ضمّ اللواء إلى تركيا أشعل موجات نزوح نحو الداخل السوري، خاصة بين العرب والعلويين والأرمن [4].
- تحولات حضرية: تمدّدت دمشق وحلب بأحياء جديدة، وولدت نقابات عمالية وجمعيات نسائية، لكن البنى الاقتصادية بقيت غير متوازنة.
“التعددية السورية كانت موجودة وقابلة للتحول إلى قوة، لكن سياسات فرّق تسد أطلقت ديناميكيات شك متبادل.”
ثانياً: الاستقلال والتحولات السكانية (1946–1958)
جوهر المرحلة: نشوء دولة وطنية شابة تبحث عن توازن بين نخبة مدينية راسخة وريف مهمّش يتحرّك.
- هجرات واستقرار: استقرّت جماعات أرمنية وآشورية وسريانية في مدن الشمال والجزيرة، وتواصلت الهجرات الداخلية من الأرياف إلى المدن بحثاً عن العمل والتعليم [5].
- سوسيولوجيا المدن: تشكّلت طبقات وسطى مدينية ذات نزعة تجارية وتعليمية في دمشق وحلب وحمص وحماة، مقابل أطراف أقل حظاً في التعليم والخدمات.
“بزوغ هوية وطنية آخذة في التشكل، لكنها لم تُترجم إلى عقد اجتماعي يُنصف الأطراف.”
ثالثاً: تجربة الوحدة مع مصر (1958–1961)
جوهر المرحلة: حماس قومي اصطدم بمركزية مفرطة وقرارات اقتصادية قلبت التوازنات.
- مركزية القاهرة: تذويب الأحزاب السورية وإحكام القبضة البيروقراطية أحدثا نفوراً لدى شرائح تجارية وصناعية في حلب ودمشق [6].
- تداعيات ديموغرافية: موجات هجرة لرجال أعمال وعمّال مهرة إلى لبنان والأردن والخليج؛ وتباطؤ في الاستثمارات الخاصة.
- مثال دال: قرارات التأميم والحد من الملكيات الكبيرة أعادت توزيع النفوذ الاقتصادي وأثّرت على اتجاهات الهجرة.
“الوحدة حلم كبير، لكن الإدارة المركزية حين تعلو على الناس تهاجر معهم أحلامهم.”
رابعاً: الانفصال القصير (1961–1963)
جوهر المرحلة: ارتداد قطري وتلمّس توازن داخلي جديد.
- عودة الرساميل والأفراد: رجع جزء من النخب الاقتصادية والتعليمية، وتجدّد النشاط التجاري في المدن.
- سياسة هوية حذرة: برز خطاب قطري سوري أكثر من شعارات القومية الواسعة.
خامساً: البعث والإصلاح الزراعي (1963–1970)
جوهر المرحلة: إعادة هندسة المجتمع عبر الدولة — أرض تعاد توزيعها، ونخب جديدة تصعد من الريف.
- إصلاح وتأميم: توسّعت سياسات الإصلاح الزراعي والتأميم، فتراجعت سطوة ملاك الأراضي [7].
- تحوّل في النخبة: صعود أبناء مناطق ريفية وأقليات (خصوصاً من الساحل والجزيرة) في السلكين العسكري والأمني.
- نتيجة ديموغرافية: تمدّد الضواحي العشوائية حول المدن الكبرى.
“حين تتغيّر ملكية الأرض، تتغيّر خرائط الولاء.”
سادساً: الحركة التصحيحية وحكم الأسد الأب (1970–2000)
جوهر المرحلة: تثبيت دولة أمنية مركزية، ومشروعات كبرى أعادت توزيع السكان قسراً أو طوعاً.
- سد الفرات/بحيرة الأسد: تهجير قسري لقرى غرقت خلف البحيرة وإعادة توطين آلاف العائلات [8].
- الحزام العربي (1973): نقل آلاف العائلات العربية إلى شريط حدودي في الحسكة، وتقييد تملّك الأكراد [9].
- إحصاء الحسكة (1962): حرمان ~120 ألف كردي من الجنسية [10].
- حماة 1982: لحظة مفصلية تركت موجات نزوح داخلية وخارجية [11].
“المجزرة لا تميت الضحايا فقط؛ إنها تميت ثقة المدن بذاتها.”
سابعاً: توريث الحكم لبشار الأسد (2000–2011)
جوهر المرحلة: تحديث اقتصادي محدود على قاعدة سياسية مغلقة، وتسارع هشاشة الريف.
- جفاف 2006–2010: أسوأ موجة جفاف في السجل الآلي دفعت مئات آلاف الأسر الزراعية إلى أطراف المدن [12].
- العشوائيات: برامج تنظيم وهدم جزئية؛ وولادة أحياء هامشية كثيفة.
“حين تجف الأرض، لا يجف الحقل فقط؛ بل تجف الحياة في القرى.”
ثامناً: الثورة السورية والتحولات المأساوية (2011–2024)
جوهر المرحلة: انفجار سكاني-إنساني غير مسبوق.
- أرقام صادمة: أكثر من 12 مليون سوري مهجّر قسراً (لاجئون ونازحون داخلياً) [13].
- سياسات الملكية: قوانين عقارية مثل القانون 10/2018 أعاقت عودة السكان [14].
- مآلات المدن: تغيّر الطابع السكاني لأحياء ريف دمشق وحمص وحلب.
“الملكية ليست جداراً من حجر؛ إنها ذاكرة عائلة وحق مواطنة.”
تاسعاً: ما بعد 2024 — نافذة لمواطنة جديدة
جوهر المرحلة: انتصار سردية وطنية على سردية الاستبداد.
- العودة الطوعية: عودة مئات الآلاف من اللاجئين بدعم أممي وحوافز مالية [15].
- التحديات الملحة: إعادة الإعمار، استرداد الحقوق السكنية، وتفعيل عدالة انتقالية.
“المواطنة ليست شعاراً يعلّق؛ إنها مؤسسات تحمي وتُنصف.”
خاتمة: عقد اجتماعي على مقاس الجميع
إن جوهر المقال دعوة عملية لبناء عقد اجتماعي جديد في سوريا يقوم على ثلاثية: حقوق متساوية بلا تمييز، مشاركة سياسية تُعيد الثقة، وعدالة اجتماعية تُنصف الضحايا والأطراف. أسئلة مفتوحة:
- أي مناهج نريد لتربية جيل يعرف الاختلاف ويحسن إدارته؟
- كيف نحمي حق السكن والملكية للاجئين والنازحين؟
- ما آليات العدالة الانتقالية الأقرب للواقع السوري؟
الإجابة تبدأ من مواطنة مجسدة: تعليم يعترف بالتنوع، إعلام يواجه خطاب الكراهية، قانون محايد، ومؤسسات تعوّض وتُحاسب.
المراجع (مرقّمة)
[1] Marshall, T.H., Citizenship and Social Class.
[2] وثائق الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
[3] أرشيف الثورة السورية الكبرى (1925–1927).
[4] تقارير عصبة الأمم حول لواء إسكندرونة (1939).
[5] Carnegie Middle East Center – دراسات اللاجئين في سوريا.
[6] Middle East Institute – الوحدة السورية المصرية.
[7] تقارير البعث حول الإصلاح الزراعي (1963).
[8] وثائق سد الفرات/اليونسكو.
[9] Human Rights Watch – الحزام العربي.
[10] Amnesty International – إحصاء الحسكة 1962.
[11] International Crisis Group – مجزرة حماة.
[12] FAO – تقارير جفاف سوريا 2007–2010.
[13] UNHCR – إحصائيات اللجوء السوري.
[14] Human Rights Watch – القانون 10/2018.
[15] UNHCR – تقارير عودة اللاجئين 2025.