مالات .. سورية رؤى مستقبلية

سورية.. رؤى مستقبلية

Search
Close this search box.
Facebook X-twitter Youtube
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
Facebook X-twitter Youtube
Menu
  • الصفحة الرئيسية
  • تداعيات الاحداث
  • رأي
  • حوارات
  • ملفات
  • ذاكرة وطن
    • بناة التاريخ
    • حضارة ومدن
    • معارك تاريخية
    • سرديات
    • متفرقات
الرئيسية رأي

لعبة الأمم الكبرى: هل يعاد تشكيل العالم على أنقاضنا؟

صراع الشرق الأوسط: شرارة حرب عالمية ثالثة؟

مايا سمعان مايا سمعان
2025-11-11
في ... رأي
0 0
A A
0
لعبة الأمم الكبرى.. هل يعاد تشكيل العالم على أنقاضنا؟

لعبة الأمم الكبرى.. هل يعاد تشكيل العالم على أنقاضنا؟

0
شارك
222
المشاهدات

مقدمة: على أعتاب حرب عالمية جديدة؟

في سوريا مشهد لغروب الشمس تتوسطه سحابة دخانية، يرمز إلى أفق جيوسياسي مشحون بالصراع. تداعيات خضم التعقيدات الجيوسياسية المتشابكة في الشرق الأوسط، يتجلى صراع تتداخل فيه مصالح القوى الكبرى بشكل غير مسبوق. تحوّلت أرض الشرق الأوسط إلى رقعة شطرنج دولية تتنافس عليها الولايات المتحدة وروسيا والصين وقوى أوروبية، كلٌ يسعى لتثبيت نفوذه وتأمين مصالحه الاستراتيجية عبر تحالفات متقلبة وحروب بالوكالة وتغيير أنظمة الحكم. ومع تصاعد حدة هذا الصراع، بدأ البعض يتساءل: هل نحن أمام نذر حرب عالمية ثالثة؟ حرب تختلف أدواتها ومعاييرها عن الحربين السابقتين، وتهدف إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بمنطق القطبية الجديدة وتوزيع مناطق النفوذ – وربما على حساب دول المنطقة والعالم بأسره. ليست هذه التكهنات ضرباً من نظرية المؤامرة فقط؛ خلال العقدين الماضيين ظهرت وثائق وتصريحات لمسؤولين غربيين تكشف أن ما يشهده الشرق الأوسط اليوم لم يأتِ صدفة، بل كان مخططاً له ضمن استراتيجيات بعيدة المدى. الجنرال ويسلي كلارك – القائد السابق لقوات حلف الناتو – كشف في مقابلة عام 2003 عن وثيقة في البنتاغون بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، تتضمن خطة لاستهداف “سبع دول خلال خمس سنوات” تبدأ بالعراق ثم سوريا ولبنان وليبيا فالصومال والسودان وتنتهي بإيران.

هذه التصريحات الخطيرة بيّنت مبكراً وجود تصور أميركي لتغيير خريطة الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً. وبالفعل، شهدنا خلال السنوات اللاحقة اجتياح العراق (2003) وحروباً أهلية وتدخلات عسكرية في ليبيا واليمن وسوريا، إضافة إلى ضغوط لا تنتهي على إيران ولبنان والسودان والصومال. الأخطر من ذلك ما نُسب إلى هنري كيسنجر (مهندس الدبلوماسية الأمريكية) في مقابلة عام 2011، إذ حذّر صراحة بأن “طبول الحرب العالمية الثالثة قد قُرعت”. وبحسب تلك التصريحات المنسوبة لكيسنجر، فإن الجيش الأمريكي مضطر لاحتلال سبع دول شرق أوسطية ذات موارد هائلة وموقع استراتيجي قلب العالم، وأن ضربة البداية ستكون استهداف إيران. المصدر fcdrs.com

هدف المخطط – وفق كيسنجر – هو جرّ الصين وروسيا إلى نزاع عالمي كبير، لا ينتصر فيه في النهاية سوى أمريكا وإسرائيل، ما يؤدي إلى قيام حكومة عالمية موحّدة. كما دعا إسرائيل إلى أن تقاتل بكل قوتها لـ“قتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط”. fcdrs.com

رغم الطبيعة الصادمة لهذا السيناريو، فإن أهميته تنبع من مكانة كيسنجر كمخطط استراتيجي مخضرم؛ إذ تعكس رؤيته إدراكاً مبكراً لدى بعض دوائر صنع القرار لحتمية مواجهة كبرى تعيد رسم النظام العالمي على أنقاض دولنا – إذا لم تُتخذ تدابير وقائية.

خطط الهيمنة وتغيير الأنظمة بعد 2001

سواء صحت تفاصيل ما نُقل عن كيسنجر أم لا، فقد بدا جلياً أن الولايات المتحدة وحلفاءها انتهجوا بالفعل استراتيجية ممنهجة لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط عقب 2001، تحت ذرائع مختلفة: تارةً “الحرب على الإرهاب”، وتارةً نشر الديمقراطية أو حماية المدنيين والأقليات. في هذا السياق، برزت وثيقة شهيرة صادرة عن معهد بروكينغز الأمريكي عام 2009 بعنوان «أي طريق إلى فارس؟» (?Which Path to Persia)، قدّمت خطة تفصيلية للتعامل مع إيران ومستقبل نظامها.

أهمية هذه الوثيقة أنها تكشف تفكير دوائر صنع القرار في واشنطن بكل الخيارات الممكنة حيال طهران – قبل أكثر من عقد من أزمتها النووية الراهنة. ومن أبرز الخيارات الاستراتيجية المطروحة آنذاك:

  •   خيار الإغراء والضغط (الجَزَرَة والعَصَا): أي مزيج من الحوافز السخية والتهديد بالعقوبات لإغراء إيران بالتخلي عن أنشطتها المقلقة. يتبنى هذا الخيار سياسة “العصا والجزرة” التي يرى مؤيدوها أن إدارة بوش الابن أخفقت بتطبيقها.
  • الفكرة كانت اختبار ما إذا كان يمكن تطويع النظام الإيراني عبر مزيج من الترغيب والترهيب.
  •   خيار الانخراط ثم الانقضاض: بمعنى تلطيف الخطاب مع طهران وفتح قنوات صداقة وتعاون ظاهري (Engagement) لاستدراج النظام إلى الاطمئنان، ثم استغلال أي هفوة أو لحظة ضعف للانقضاض عليه وإسقاطه من الداخل. هذا الأسلوب يقوم على الخداع الاستراتيجي، كإظهار الود مؤقتاً لاكتساب ثقة الخصم، قبل توجيه الضربة في الوقت المناسب.
  •   الخيار العسكري المباشر: أي تنفيذ ضربات جوية وصاروخية تستهدف المنشآت الحيوية لإيران – خصوصاً النووية – على غرار ما فعلته إسرائيل ضد مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981 أو منشأة دير الزور السورية 2007. بل ناقش التقرير احتمال حملة قصف شاملة (عملية “جزّ العشب”) لشل قدرات إيران النووية والعسكرية.   
  • خيار “ترك الأمر لإسرائيل”: أشارت وثيقة بروكينغز ضمنياً إلى احتمال إيكال مهمة ضرب إيران لإسرائيل في نهاية المطاف، فيما عُرف اصطلاحاً بخيار “Left to Bibi” – أي ترك الأمر لرئيس الوزراء الإسرائيلي (آنذاك) بنيامين نتنياهو. اللافت أن التقرير صدر منتصف 2009، حين لم يكن نتنياهو قد أقدم بعد على أي ضربة كهذه، مما يعكس رؤية استشرافية بأن إسرائيل قد تضطلع بالدور العسكري إذا ترددت واشنطن.
  •   خيار “الثورة الناعمة”: أي دعم انتفاضة شعبية داخل إيران تطيح بالنظام من الداخل، شبيه بالثورات المخملية التي أسقطت حكومات أوروبا الشرقية الشيوعية أواخر الثمانينات. تضمن التقرير فصلاً حول كيفية إذكاء حركة احتجاج واسعة تستغل نقمة الشارع الإيراني، وتستفيد من الأقليات العرقية والدينية ومعارضة الداخل.
  • اقتراح تعزيز قدرات التنظيم لدى الناشطين الإيرانيين، ونشر رسائل إعلامية فعالة، وحتى دعم الأقليات كالأكراد والبلوش وغيرهم لإرباك النظام.
  • خيار الاستفزاز المتعمد: وهو الأخطر، ويتمثل في استفزاز إيران عسكرياً وسياسياً ودفعها إلى توجيه الضربة الأولى ضد أهداف أمريكية أو إسرائيلية، بغية خلق ذريعة قوية لضربها بقسوة. كلما كان رد إيران أكثر عنفاً ودموية، كلما تعزز الإجماع دولياً وداخل أمريكا على توجيه ضربة ساحقة لها – وفق تحليلات بعض الخبراء. بعبارة أخرى: استغلال ردة الفعل الإيرانية لتبرير الحرب الشاملة، بحيث لا تبدو واشنطن كمن بدأ العدوان دون مسوّغ.

النوايا الخبيثة

من الواضح إذن أن المخطط الأمريكي – الإسرائيلي حيال إيران كان متعدد المسارات: يراوح بين القوة الناعمة والصلبة، بين العزل الدبلوماسي والضربات العسكرية. وقد اعتمد التنفيذ الفعلي لأي من هذه الخيارات على تطورات الظروف. فبعد 2009، جُرّبت سياسة العقوبات المشددة ضد طهران، ثم تم توقيع الاتفاق النووي 2015 قبل أن تنسحب منه واشنطن لاحقاً. وتولت إسرائيل عمليات سرّية وعلنية ضد الوجود الإيراني في سوريا وضد منشآت نووية داخل إيران. حتى أنه في أبريل 2024 اندلعت مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران استمرت 12 يوماً – هي الأولى من نوعها – تمثلت في قصف متبادل، بما فيه استهداف إسرائيل موقعاً إيرانياً في سوريا (ضمن مبنى سفارة). ورغم أن تلك المواجهة لم تتطور إلى حرب شاملة، كشفت عن استعداد الطرفين لخيار الضربة العسكرية المباشرة عند توافر الظروف.

عقّب مسؤولون إسرائيليون – بينهم نتنياهو – بأن نتائج تلك الجولة أبرزت محورية دور “حزب الله” في محور المقاومة، حتى وصفه نتنياهو بأنه حجر الأساس للمحور أكثر من إيران نفسها. وعليه، يمكن فهم تركيز الجهد الإسرائيلي بعدها على استهداف المقاومة اللبنانية كوسيلة لإضعاف النفوذ الإيراني.

الثورات الملوّنة والاضطرابات المصطنعة

لم تغفل المخططات الغربية أيضاً سيناريو تفجير الداخل الإيراني عبر ما يسمى “الثورة الملونة” أو التغيير من الداخل. فتقرير بروكينغز عام 2009 ألمح صراحة إلى الاستثمار في نقمة الشارع وتحويلها إلى ثورة شاملة

وبالفعل، شهدنا خلال الأعوام الماضية عدة موجات احتجاجية داخل إيران: أبرزها الحركة الخضراء عام 2009، ثم اضطرابات 2017 و2019، وأخيراً احتجاجات 2022 عقب حادثة وفاة الشابة مهسا أميني. وفي كل مرة، ظهرت أصابع دعم خارجية – عبر حملات إعلامية ضخمة وتمويل خفي لجماعات معارضة. على سبيل المثال، حادثة مهسا أميني (التي توفيت أثناء احتجازها لدى شرطة الآداب) أشعلت مظاهرات غاضبة استغلّتها أطراف غربية لإطلاق حملة عالمية ضد النظام الإيراني. كشفت طهران لاحقاً أن التنظيمات الانفصالية الكردية المسلحة (في كردستان العراق المجاور) دخلت على خط التأجيج بتسهيل من دول معادية، مؤكدة وجود بُعد خارجي للأحداث. المصدر: fcdrs.com

في الواقع، ترجع أدبيات “الثورات الملونة” إلى خبراء ومنظمات غربية متخصصة بتقنيات اللاعنف. ففي صربيا، تأسست حركة أوتبور! أواخر التسعينات وأسقطت سلوبودان ميلوسوفيتش عام 2000. لاحقاً أعاد قادتها تشكيل خبرتهم ضمن مركز كانفَس (Canvas) لتدريب نشطاء حول العالم على أساليب إسقاط الأنظمة سلمياً. ووفق تحقيق صحفي بريطاني، قام خبراء “كانفَس” بتدريب حركات معارضة في أكثر من 50 بلداً بينها أوكرانيا وجورجيا وتونس ومصر وإيران وفلسطين وغيرها.

أتاحت المنظمة مواد تدريبية مثل دليل “المقاومة غير العنيفة: 50 نقطة حاسمة” بترجمات متعددة، وحُمّل 17 ألف مرة في إيران وحدها

من هذا المنطلق، بات كثيرون في لبنان ينظرون بريبة إلى أحداث 17 تشرين الأول 2019 حين اندلعت احتجاجات شعبية عارمة أدت لاستقالة الحكومة. فرغم أن الشرارة كانت ضريبة على خدمة “واتساب“، إلا أن التنظيم المحترف والزخم الإعلامي الهائل للحراك أثارا الشكوك حول عفويته. خلال أيام قليلة، انتشرت علامة تجارية موحدة باسم “ثورة 17 تشرين“، وشوهدت تجهيزات لوجستية غير مألوفة: توزيع مظلات وقمصان موحدة بشعارات الثورة، وبث مباشر متزامن من تسع محطات تلفزيونية محلية تغطي كل الساحات لحظة بلحظة. هكذا تنسيق واستعداد يوحيان بترتيبات مسبقة وتمويل سخي يصعب أن يتوفر لحراك عفوي بالكامل. أشار نشطاء أيضاً إلى ظهور شخصيات قادت احتجاجات الربيع العربي في تونس ومصر ثم لوحظت في ساحات بيروت تلك الفترة، مما عزز فرضية الدور الخارجي. كما كشف صحفيون عن تمويل تلقته بعض الجمعيات اللبنانية من منظمة المجتمع المفتوح (Open Society) التابعة لجورج سوروس خلال ذروة الحراك. فمثلاً، في عام 2020 وحده موّلت مؤسسة سوروس 16 منظمة لبنانية بما يتجاوز 4.8 مليون دولار – وفق بياناتها المنشورة – وركزت أنشطتها على دعم اللاجئين السوريين ومنع إعادتهم القسرية، وعلى تأييد حملات التغيير السياسي حتى بعض وسائل الإعلام الناشئة آنذاك تبيّن أنها حصلت على تمويل مشروط لتغطية “الثورة” بإيجابية. لهذه المعطيات اعتبر شطر من المراقبين ما حدث في 2019 حلقة ضمن مشروع دولي لاستكمال ما بدأ في 2005 (ثورة الأرز ضد الوجود السوري) بهدف إعادة تموضع لبنان ضمن فلك الغرب. وبصرف النظر عن نوايا المشاركين المحليين النبيلة، يصعب إنكار دور “المخرج” الخارجي في استثمار النقمة الشعبية وتوجيهها بما يخدم أجندته.

الهجرة واللاجئون: سلاح لتفكيك الهويات

إلى جانب الحروب المباشرة والثورات الموجهة، يُستخدم سلاح الهجرة الجماعية لزعزعة دول المنطقة وتفكيك نسيجها الاجتماعي. فقد تسببت حروب الشرق الأوسط خلال العقد الماضي في موجات لجوء ونزوح غير مسبوقة – من سوريا والعراق واليمن وليبيا – تدفقت نحو دول الجوار وأوروبا. ورغم البعد الإنساني للأزمة، إلا أن هناك بُعداً جيوسياسياً خفياً يتمثل في استثمار قوى عالمية لهذه الموجات البشرية لتحقيق رؤيتها لنظام عالمي “موحد” بلا هويات قومية صلبة. برز ذلك علناً في طرح الملياردير الأمريكي جورج سوروس عام 2015، إذ نشر مقالة عبر منصة بروجيكت سنديكيت اقترح فيها خطة أوروبية متكاملة للتعامل مع اللاجئين. دعا سوروس بوضوح الاتحاد الأوروبي إلى استقبال مليون طالب لجوء سنوياً على الأقل بشكل منظّم.

هذه الدعوة غير المسبوقة أثارت جدلاً واسعاً، واعتبرتها دول مثل المجر جزءاً من “مؤامرة” لإغراق أوروبا بالمهاجرين وتذويب هويتها المسيحية. رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وصف هذا المقترح بـ“خطة سوروس“، معتبراً أنه يهدد حضارة أوروبا. ورغم أن طرح سوروس اتخذ منحى إنساني (تقاسم أعباء اللاجئين)، إلا أنه ينسجم مع رؤية أوسع لدى النخب المعولمة مفادها أن اندماج الثقافات والشعوب في بوتقة واحدة يخدم بناء حكومة عالمية واحدة (One World Government). في هذا النظام المفترض، لا مكان للدول القومية المستقلة بخصوصياتها الحضارية وجيوشها وعملاتها؛ بل تُستبدل بهوية عالمية “سائلة” وقيم كونية موحدة، مما يسهل حكم العالم عبر مركزية شمولية. ولعل المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) عبّر عن هذه الرؤية بوضوح في إحدى مواده الترويجية. فقد نشر المنتدى عام 2016 مقالة وفيديو بعنوان “مرحباً بكم في 2030: ستملك لا شيء وستكون سعيداً” – وهي رؤية مدينة مستقبلية يعيش سكانها على اقتصاد تشاركي بالكامل. في ذاك التصور، لا أحد يمتلك سيارة أو منزلاً أو أجهزة، بل يستأجر الجميع ما يحتاجونه لحظياً، وتلبي الطائرات المُسيّرة الخدمات اليومية. قُدم هذا السيناريو كأنه “مريح وممكن“، لكن منتقدي المنتدى رأوا فيه نوايا مبطنة لإلغاء الملكية الخاصة والتحكم الكامل بحياة الأفراد عبر الشركات الكبرى والتقنيات الذكية. وبالفعل اضطر المنتدى لاحقاً للإيضاح أن العبارة كانت مجرد فكرة نقاش وليست هدفاً رسمياً. لكن الرسالة كانت وصلت لكثيرين: نحن أمام نخبة تسعى لعالم بلا خصوصيات ولا ممتلكات شخصية ولا عملات ورقية، عالم كل شيء فيه مراقَب ورقمي وخاضع لموافقة مركزية. وليس أدل على ذلك من تسارع الخطى نحو إلغاء النقد الورقي واعتماد العملات الرقمية الحكومية؛

مثلاً بدأت البنوك في بريطانيا بإغلاق صرّافاتها الآلية تدريجياً، وظهرت متاجر ترفض التعامل بالنقد بحجة الحد من الجرائم. حتى مقاهي شهيرة كـ”ستاربكس” ظهرت شائعات أنها ستمنع الكاش، واضطرت الشركة لنفي التحول الشامل رغم أن بعض فروعها في دول معينة اختارت ذلك.

الهدف المعلن هو تسهيل الدفع، لكن النتيجة هي نزع التحكم من الأفراد وجعل أموالهم مجرد أرقام في الحسابات، يمكن لأي سلطة تجميدها بضغطة زر. إن نتائج هذه السياسات الكونية على دولنا كارثية إذا لم نواجهها. حين تستقبل دولة صغيرة كلبنان ما يفوق ربع سكانها من اللاجئين (سوريين وفلسطينيين)، وحين يبقى هؤلاء بلا أفق عودة لعقد وأكثر، فإن البنية السكانية مهددة بالاختلال. وحين يفوق عدد الولادات في مجتمع اللاجئين ما لدى السكان الأصليين – كما تشير بعض الدراسات – فذلك ينذر بتحول ديمغرافي يمحو ملامح الوطن الأصلية خلال عقود. الإعلامي اللبناني كمال شبير حذّر في أحد لقاءاته:

 إذا استمر الوضع بهذا المنوال، قد نجد بعد 10 سنوات أن عدد السوريين في لبنان يفوق عدد اللبنانيين، وحينها ربما يخرج زعيم متطرف مثل الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام) ليزعم أن "لبنان محافظة سورية يجب أن تلتحق بنا". "كمال شبير"

قد يبدو هذا الطرح خيالياً، لكنه يستند إلى سابقة تاريخية: مسؤول أوروبي قبل سنوات وصف لبنان بأنه “مجرد كذبة” تاريخية وكيان مصطنع قابل للزوال! وإن كان ذلك التصريح شاذاً ومستفزاً، إلا أنه يعكس ذهنية بعض الدوائر الغربية التي لا ترى بأساً في إعادة رسم الخرائط وإنهاء الدول متى انتفت حاجتها.

ربما يتساءل البعض: وماذا عن البعد الإنساني؟ أليس من واجبنا استقبال الفارين من الحرب؟ بالتأكيد التعامل الإنساني واجب، لكن تحويل ملف اللاجئين إلى مخطط لتغيير هوية الدول هو الأمر المرفوض. لقد بدأت أزمة اللاجئين السوريين مثلاً تحت شعار “حماية المدنيين“، لكن سرعان ما تبيّن أن هناك من يريدها أزمة مستدامة. كيف نفسّر غير ذلك إصرار القوى الكبرى على منع عودة اللاجئين حتى بعد هدوء المعارك في مناطق واسعة بسوريا؟ ولماذا تُعرقل مشاريع إعادتهم أو توطينهم في بلدان أخرى؟ في لبنان، ورغم الأعباء الخانقة على الاقتصاد والبنى التحتية، يتعرض أي تحرك رسمي لإعادة اللاجئين لضغوط خارجية فورية بحجة حقوق الإنسان. والأخطر من ذلك ما كشفه كمال شبير عن وجود عشرات الآلاف من الأطفال السوريين غير المسجلين رسمياً في لبنان – تحدث عن 90 ألف طفل على الأقل – ما يعني أنهم خارج أي حماية قانونية ومعرضون لشتى الأخطار. إن هؤلاء قد يقعون فريسة لشبكات الاتجار بالبشر أو التبني غير المشروع أو العمالة القسرية دون أن يدري بهم أحد. وللتذكير، أصبحت تجارة البشر اليوم ثاني أضخم تجارة إجرامية في العالم بعد المخدرات، بعوائد تقدّر بنحو 32 مليار دولار سنوياً؛ بل هي تعادل تقريباً تجارة الأسلحة غير المشروعة من حيث الأرباح. . فهل نعي حجم الخطر المحدق إذا أهملنا هذه القنبلة الموقوتة؟

أدوات السيطرة: الإعلام وصناعة الحقيقة والعقول

لا يقتصر مشروع الهيمنة الجديد على التحركات العسكرية والسياسية، بل يمتد عميقاً إلى السيطرة على الوعي الجمعي عبر الإعلام والتكنولوجيا. أدرك مهندسو النظام العالمي أن “من يملك السردية يملك السلطة”. لذا رأينا خلال العقود الماضية تغوُّل إمبراطوريات إعلامية عابرة للقارات، واحتكاراً للمعلومات عبر عمالقة التكنولوجيا، بما يضمن هيمنة الرواية التي تخدم مصالح النخب. في الولايات المتحدة نفسها، يتحدث الباحثون عن “الدولة العميقة” التي تضم شبكات نفوذ من ساسة وأباطرة مال وإعلام تعمل خلف الستار بمعزل عن تغير الإدارات. وعلى الصعيد العالمي، برزت منذ مطلع القرن العشرين مؤسسات نخبويّة مغلقة تجمع صنّاع السياسة والمال والإعلام من مختلف البلدان لرسم التوجهات العامة. من أقدمها مجلس العلاقات الخارجية (CFR) الذي تأسس 1921 في نيويورك وضم نخبة سياسيين ومصرفيين. تفرّع عنه لاحقاً ناديان شديدا السرية والتأثير: مجموعة بلدربيرغ منذ 1954 التي تعقد اجتماعاً سنوياً يضم نحو 120 من كبار قادة العالم (رؤساء ووزراء ومدراء شركات وصحافيين) بعيداً عن الإعلام، واللجنة الثلاثية منذ 1973 التي ربطت نخب أمريكا وأوروبا واليابان. في هذه المنتديات المغلقة توضع سياسات شمولية لعام أو أكثر، تشمل كل شيء من الحروب إلى الاقتصاد إلى ضبط السكان.

نعم، حتى مواضيع مثل خفض عدد سكان العالم (Depopulation) نوقشت على جدول أعمال اجتماعات مجموعة بلدربيرغ – وفق ما تسرّب من بعض المشاركين. وفي اجتماعها الأخير طُرحت أيضاً قضية الهجرة الجماعية وكيفية إدارتها. الأكثر إثارة أن قائمة حضور تلك الاجتماعات تضم بانتظام شخصيات بارزة من مختلف القطاعات. فعلى سبيل المثال، حضر اجتماعات بلدربيرغ الأخيرة كل من ألبرت بورلا رئيس شركة فايزر، ودانيال إيك مؤسس سبوتيفاي، وقادة سياسيون مثل إيمانويل ماكرون (حين كان وزيراً قبل أن يصبح رئيساً)، وغيرهم. هذا يعني تلاقح السياسات بين الحكومات وكبرى الشركات التقنية والدوائية والإعلامية وراء الكواليس. أما المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، فقد تحول إلى منصة لإطلاق رؤى العولمة المستقبلية. مؤسسه كلاوس شواب لا يخفي طموحاته. صرّح علناً عام 2017 بأن “منتدى دافوس يتغلغل في حكومات العالم” عبر برنامج “القادة العالميين الشباب” التابع له. وتفاخر بأن شخصيات مثل جاستن ترودو رئيس وزراء كندا وأكثر من نصف وزرائه تخرجوا في هذا البرنامج، وكذلك أنغيلا ميركل والمستشار النمساوي السابق وآخرون.

ما وراء الأكمة

تُفسر كلمات شواب: “نحن نخترق الحكومات“ أنَّ أولئك “الخريجين” تبنوا خلال جائحة كورونا سياسات إغلاق وتلقيح موحّدة وفق توصيات المنتدى. لقد بات لكارتلات المال والتقنية اليوم رجالهم داخل السلطات التنفيذية يمررون التشريعات العالمية – أحياناً دون حاجة لمؤامرات سرية!

على صعيد الإعلام، الوضع لا يقل خطورة. فالمؤسسات الإخبارية الكبرى في العالم – من وكالات أنباء إلى شبكات تلفزة – يشارك أصحابها أو مديروها بانتظام في اجتماعات مثل بلدربيرغ ودافوس، وغالباً ما يكونون أعضاء في مجالس العلاقات الخارجية وغيرها.

هذا ما يفسر أحياناً انتشار رواية إعلامية موحدة عالمياً في قضايا معينة، رغم اختلاف البلدان. خذ مثلاً تغطية الحرب السورية أو حرب أوكرانيا؛ ستجد المصطلحات وحتى الصور المختارة متشابهة بين محطة وأخرى كأنها نسخ طبق الأصل. إنها “إدارة سردية” مركزية تهدف لتوجيه الرأي العام العالمي حيثما تشاء النخب. ولا ننسى هيمنة عمالقة التواصل الاجتماعي (فيسبوك/تويتر/يوتيوب…) الذين أثبتوا في الأزمات أنهم لا يتورعون عن حجب المعلومات أو حظر الأصوات المغايرة بحجة مكافحة الأخبار الكاذبة. هكذا اكتمل مشهد رقابة الفكر الحديثة:

  • تقييد للإعلام المستقل،
  • وتوحيد للرسالة في الإعلام السائد،
  • وتحكم بمنصات التواصل لحجب ما يشوش الرواية الرسمية.

في لبنان مثلاً، كشف إعلاميون أنه خلال جائحة كورونا تلقت الوسائل الإعلامية تعليمات دولية صارمة. صرّح مدير إحدى الإذاعات أنهم تلقوا تهديدات واضحة: أي تغطية تشكك في الرواية الرسمية للجائحة أو تنتقد اللقاحات ستعرّض المحطة لعقوبة الإقصاء عن قمر عربسات! ونعرف ماذا يعني ذلك لإذاعة يعتمد انتشارها على البث الفضائي – إنه حجب كامل عن الجمهور.

هذه الواقعة تفسّر غياب أي صوت مخالف لسياسة الإغلاق التام أو ناقد للقاح عبر الإعلام اللبناني آنذاك؛ لقد خشي الجميع على استمراريتهم. والسؤال: من يسيطر على عربسات مثلاً ليفرض تلك المشيئة؟ الإجابة تكشف حجم التشابك بين القرار السياسي والإعلامي إقليمياً. إلى جانب الأخبار، يأتي التلاعب النفسي عبر الترفيه. فإذا كانت الأخبار تصوغ الآراء، فإن الأفلام والمسلسلات تصوغ اللاوعي و القيم السائدة. وقد أدركت وكالات الاستخبارات ذلك مبكراً. ليس سراً أن وكالة CIA لديها مكتب خاص يتعامل مع هوليوود لتضمين الرسائل الموجهة في الأعمال الفنية.

ظهرت وثائق عن تعاون البنتاغون مع منتجي أفلام لدعم رؤيتها (كما في أفلام حربية عديدة)، لكن الأبعد هو تسلل المفاهيم تدريجياً للجمهور.

على سبيل المثال:

  • قبل سنوات عُرض فيلم أبطال خارقين بعنوان “كابتن أمريكا: الحرب الأهلية” يصور انقساماً دموياً داخل الولايات المتحدة.
  • وقبله ظهرت أفلام كوارث وانهيارات مجتمعية واسعة. البعض يرى هذا تهيئة ذهنية لقبول احتمال التفكك و العنف الداخلي.
  • كذلك انتشرت في العقد الماضي مسلسلات تتخيل عوالم خاضعة للمراقبة الشاملة أو أوبئة قاتلة تستدعي السيطرة العسكرية – وجاءت جائحة كورونا لتجعل الخيال حقيقة جزئياً. حتى الأطفال لم يسلموا؛
  • أفلام الرسوم المتحركة دسّت أحياناً مفاهيم “النظام العالمي” و”الحكومة الموحدة” في سياق مرح.
  • هناك أيضاً جوانب أشد عمقاً قيد البحث، مثل تأثير الترددات والإشعاعات الصادرة من الشاشات على الدماغ البشري. فقد سجل مكتب براءات الاختراع الأمريكي ابتكاراً مثيراً عام 2003 بعنوان “التحكم بالجهاز العصبي عبر المجالات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الشاشات”. بمعنى أبسط: يمكن نظرياً لضوء شاشة التلفاز أو الكمبيوتر المبرمج بتردد معين أن يُحدث تغيرات في نشاط المخ لدى المشاهد، مما يؤثر على انفعالاته وتقبّله للمحتوى. وإذا كانت هذه التقنية في مراحل البحث أو الاستخدام المحدود الآن، فلا شيء يمنع تطويرها مستقبلاً ضمن أدوات “حروب الجيل الرابع” (حروب العقل والمعلومات).

كل ذلك يؤكد أننا نواجه هجوماً ناعماً على العقول والقلوب بغية توجيهها حيث يريد صانعو القرار الخفي. وكما قال كمال شبير في مقابلته: هم يعرضون لنا حقيقتهم مقدماً في الأعمال الفنية؛ فإذا لم نعترض ومررناها كترفيه، اعتُبر ذلك موافقة ضمنية منا على تحققها. ولهذا نجد عناية خاصة بتطبيع أفكار خطيرة عبر السينما قبل وقوعها بسنوات – وكأن هناك التزاماً شبه ديني لدى النخبة بإخبارنا سلفاً (ما يسميه البعض نظرية “الإفصاح المسبق”). فإن صمت الجمهور اعتُبر صمته إذناً. ولعل مثالاً صارخاً هو ما فعله مجلة إيكونوميست العالمية في نهاية 2012. نشرت عدداً بعنوان “الطريق إلى جهنم” مزوداً بغلاف كارتوني يعج برموز مرعبة تستشرف أزمات العالم وفق “الخطايا السبع المميتة” في الثقافة المسيحية.

  • ظهر في الرسم جندي يحمل شعار حماس يعانق نتنياهو وكلاهما يهبطان بمظلة شراعية – في محاكاة لما حدث فعلاً بعد 11 سنة في عملية “طوفان الأقصى” عندما تسلّل مقاتلو حماس بالمظلات خلف خطوط الاحتلال.
  • كما ظهر شيطان يقرأ مجلة قرب آلة كُتب عليها “تغير المناخ”، إشارة إلى أن الاحتباس الحراري مُفتعل لأهداف سياسية.
  • ورُسم برلسكوني (رئيس وزراء إيطاليا الأسبق) وجنرال أمريكي في وحل الشهوة – وكلاهما انتهيا بفضائح جنسية لاحقاً.
  • وشاهدنا البيت الأبيض يحترق ويتقدمه شخص ينفخ في بوق (كناية عن مُبلّغ أسرار أو صافرة إنذار) وفوقه أعمدة روما – في رمز لانهيار الإمبراطورية الأمريكية كما انهارت روما.
  • وعلى الغلاف ذاته، تبدو ميركل نائمة مجسدة خطيئة الكسل، بما يشير لضرب اقتصاد أوروبا القائم على ألمانيا.
  • أما اليورو فرُسم يغرق في البحر كرمز لانهياره.
  • والأعجب صورة أوباما يركب قارباً عليه علم قوس قزح (علم المثلية) ملوحاً بانتصار؛ في إشارة إلى فوزه بولاية ثانية عام 2012 مستفيداً من أصوات ودعم مجتمع الميم بعد تشريعه زواج المثليين.

كل هذه الرسائل وضِعت على غلاف مجلة يملكها كبار رجال المال – ولم نفهم أبعادها إلا حين وقعت الوقائع تباعاً خلال العقد التالي. خلاصة الأمر أننا وسط معركة على العقول والقلوب لا تقل ضراوة عن معركة الرصاص. تُستخدم فيها أحدث تقنيات الإقناع والإلهاء: من إعلام موجه بأعلى درجات الاحتراف، إلى ترفيه مدروس، إلى أدوات سيطرة رقمية تحاصرنا من كل جانب. وهدف المعركة واضح: تهيئة البشرية نفسياً لقبول النظام العالمي الجديد دون مقاومة تُذكر، وإضعاف أي رابط محلي (ديني أو وطني أو ثقافي) قد يعيق هذا القبول.

المخاطر الأمنية: مخطط إسرائيل لتفتيت دول الجوار

يبقى الشرق الأوسط بؤرة مركزة لمثل هذه المخططات الكونية لعقود، نظراً لموقعه الاستراتيجي وموارده الهائلة. وإذا كان الغرب يسعى لعولمة العالم ككل، فإن إسرائيل – بصفتها مشروعاً زرعه الاستعمار في المنطقة – لها مخطط إقليمي خاص يستهدف الدول المحيطة مباشرة. فهذا الكيان قام أساساً على مبدأ التوسع وإضعاف المحيط لضمان تفوقه الدائم. كشفت وثيقة أفرجت عنها CIA بعد رفع السرية، بتاريخ 7 تموز 1983 بعنوان “إسرائيل-لبنان: انعكاسات بقاء غير محدد في لبنان”. تضمنت هذه الوثيقة رؤية إسرائيل للبنان بعد اجتياح 1982، وخطوات تهدف إلى جعل وجودها في الجنوب دائماً فعلياً. 

على سبيل المثال

  •   فصل الجنوب تدريجياً عن الدولة اللبنانية: عبر قيود الحركة من وإلى الجنوب، وتشديد التفتيش على المعابر، بحيث يتحول الشريط الحدودي لكيان شبه منفصل يحتاج تصريحاً خاصاً للتنقل. توقعت الوثيقة أن تعترض الحكومة اللبنانية لدى واشنطن على هذه الإجراءات، لكنها لن تملك نفوذاً حقيقياً لثني تل أبيب.
  •   إضعاف الترابط الاقتصادي بين الجنوب وبقية لبنان: أشارت الوثيقة إلى أن إسرائيل روّجت لمرفأ حيفا كمنفذ بحري معفي من الجمارك لدخول البضائع إلى جنوب لبنان. المصدر: cia.gov
  • الهدف تحويل حركة الاستيراد من بيروت إلى حيفا وزيادة اعتماد اقتصاد الجنوب على إسرائيل. مع الوقت سيعتاد سكان الجنوب على استخدام ميناء حيفا والسلع الإسرائيلية، ما يؤدي إلى تآكل الروابط الاقتصادية مع بيروت المصدر: cia.gov      .
  •   تفتيت النسيج الاجتماعي جنوباً وشمالاً: رأت الوثيقة أن إسرائيل لن تواجه في الجنوب سكاناً موحدين بل مجتمعاً منقسماً بشدة – لبنانيون من طوائف مختلفة وفلسطينيون وميليشيات محلية. هذا التشظي سيسهّل على إسرائيل فرض هيمنتها السياسية، حيث تتفاوض أو تضغط على كل فئة بمعزل عن الأخرى. وخلصت الوثيقة أنه من غير المرجح قيام جبهة لبنانية-فلسطينية موحدة ضد إسرائيل؛ بل على العكس “ستواجه تل أبيب سكاناً منقسمين… ما يمكّنها من مواصلة فرض هيمنتها عليهم“.
  •   استغلال اليد العاملة اللبنانية: اعتبرت الوثيقة بلهجة وقحة أن اللبنانيين يمكن أن يصبحوا “مصدراً آخر للعمالة الرخيصة لإسرائيل” تماماً كما فعلت بالفلسطينيين. المصدر: cia.gov
  • إسرائيل تخطط – بعد إفقار الجنوب وعزله – لجعله مستودع عمالة يعمل شبابه في ورشها ومزارعها بأجور زهيدة، “شاء اللبنانيون أم أبوا“. ونصّت الوثيقة: “يمكن استخدام اللبنانيين كعمالة رخيصة تماماً كما استُخدم فلسطينيون من الضفة وغزة”. المصدر: cia.gov

هذه النظرة تستبطن نظرة دونية واستعلاء من صناع القرار الإسرائيليين نحو اللبنانيين، حتى وهم يتحدثون عن سلام مبكراً في الثمانينات.

واللافت أن كثيراً مما ورد في تلك الوثيقة تحقق بحذافيره خلال الثمانينات: فقد أنشأت إسرائيل “دويلة” الشريط الحدودي بقيادة أنطوان لحد، وربطت اقتصاد المنطقة بها (اعتمد الشيكل الإسرائيلي في أسواق الجنوب آنذاك). كما فتحت أبواب العمل في الأراضي المحتلة لبعض الجنوبيين بتصاريح خاصة. ولم يكن مسموحاً للبناني من الجنوب دخول بيروت إلا عبر حواجز تفتيش وإذلال – حتى بدا الجنوب كأنه كيان منفصل. ولم يتغير هذا الواقع إلا بفضل تصاعد المقاومة أواخر الثمانينات والتسعينات التي فرضت كلفة باهظة على الاحتلال، وأنهت الحلم الإسرائيلي بالتقسيم في ذلك الحين.

إذا انتقلنا للحاضر، نجد أن الفكر الأمني الإسرائيلي لم يتغير كثيراً. فإسرائيل اليوم – بقيادة اليمين المتطرف (نتنياهو وتحالفه مع بن غفير وسموتريتش) – تتعامل مع دول الجوار كمطامع استراتيجية قابلة للتوسع. تصريحات بعض مسؤوليها تنمّ عن نيات لاستعادة ما يسمونه “أرض إسرائيل التوراتية” حتى نهر الليطاني جنوب لبنان. حتى إن لم يعلنوا ذلك صراحة، فإن سلوكهم مقلق:

  • خروقات جوية يومية للأجواء اللبنانية،
  • ادعاءات بوجود مصانع صواريخ في مناطق مأهولة لتبرير ضربات “استباقية”،
  • تحريض دبلوماسي لتصنيف المقاومة كإرهاب،
  • واستغلال ملف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين لدق إسفين بين اللبنانيين أنفسهم (عبر ترويج شائعات أن اللاجئين قنبلة ديمغرافية أتى بها فريق لبناني ضد آخر).

كل ذلك يصب في هدف بعيد: إضعاف الدولة والمجتمع في لبنان إلى حد التفكك، مما يسهل لاحقاً ابتلاع أجزائه أو تحويله لساحة نفوذ لا أكثر. ولا يغيب عن البال مشروع “تقسيم المُقسّم” في المنطقة ككل. فمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشّرت به واشنطن منذ غزو العراق تحدث صراحة عن تقسيم دول كبيرة إلى دويلات إثنية وطائفية. رأينا كيف دفع العراق ثمناً غالياً من وحدته – انفصال كردستان فعلياً، وسعي حثيث لتقسيمه إلى “سنستان” و”شيعستان”. وسوريا أيضاً خُطط لتقسيمها إلى أربعة كانتونات (علوي ودُرزي وكردي وسني) لولا صمودها بدعم حلفائها. والسودان قُسّم بالفعل إلى دولتين عام 2011. وإذا أضفنا ما يجري في ليبيا و اليمن من شبح التقسيم، ندرك أن الخطر داهم على البقية. في الحالة اللبنانية تحديداً، ربما السيناريو الإسرائيلي المرسوم هو تحويل لبنان إلى “كانتونات”: دويلة في الجنوب خاضعة لها، ودويلة مسيحية مسالمة، وإمارة سنية في الشمال… وهكذا يُمحى لبنان الذي نعرفه ذو الهوية الوطنية الجامعة، ليصبح مجرد جغرافيا ممزقة يسهل احتواؤها ضمن “سلام إبراهيمي” أشمل في المنطقة.

الخاتمة: كيف نحمي أوطاننا قبل فوات الأوان؟

رغم قتامة الصورة أعلاه، إلا أنها ليست قدراً محتوماً. صحيح أن المخططات المرسومة للمنطقة كبيرة وخطيرة وتشارك فيها قوى عظمى وأجهزة سرية وإمبراطوريات مال و إعلام، إلا أن الوعي الشعبي و الإرادة الوطنية و القيادة الرشيدة قادرة على إفشالها إن توفرت. لقد أثبت التاريخ – قديمه وحديثه – أن الشعوب ليست قطع شطرنج بالكامل؛ متى ما أدركت حقيقة التهديد وحجم الخطر، تستطيع قلب الطاولة على اللاعبين الكبار. إن على القادة العرب اليوم مسؤولية تاريخية “قبل أن يسبق السيف العذل وتقع الفأس بالرأس”. لم يعد مقبولاً التعامل بالإنكار أو التهوين. المطلوب خطط دفاع استباقية تحمي البلاد والعباد من سيناريوهات التفتيت والزوال. ونقترح هنا بعض المرتكزات الأساسية للتحرك:

  1. تعزيز الوحدة الوطنية والهوية الجامعة: هذه هي قلعة الصمود الأولى. يجب أن يدرك المواطن العربي أن تنوعه الطائفي والإثني مستهدف لتحويله إلى لعنة تقسيم. على الحكومات إطلاق برامج تربوية وإعلامية تُعلي قيمة المواطنة والتنوع الغني، بدل تغذية العصبيات الضيقة. حين يعي الناس أن قوتهم في وحدتهم، يفشل مخطط “فرّق تسُد” تلقائياً.
  2. تحصين الجبهة الداخلية سياسياً واقتصادياً: “الفقر بوابة الفتنة”. على الدول معالجة الأزمات المعيشية والفساد والظلم الاجتماعي بجدية، لأن الاستغلال الخارجي يتسلل عبر هذه الثغرات. إصلاح الحكم والإدارة، ومصارحة الشعوب بشفافية، يقطع الطريق على أي “ثورة ملونة” مصطنعة، إذ لن يجد المحرّض بيئة حاضنة. كذلك بناء اقتصاد إنتاجي يقلل التبعية للخارج هو صمام أمان سيادي.
  3. ضبط النفوذ الأجنبي ومراقبة التمويل المشبوه: من حق أي دولة أن تعرف ماذا تفعل المنظمات الدولية على أراضيها ومن يمولها ولماذا. على الحكومات سنّ قوانين شفافة لتنظيم عمل الجمعيات يضمن عدم تحولها إلى أحصنة طروادة داخلية. ومراقبة التمويل الإعلامي والشروط المرتبطة به، لضمان عدم تحول الإعلام المحلي لأبواق للغير على حساب المصلحة الوطنية.
  4. إدارة ذكية لملف اللاجئين: هذا الملف سيف ذو حدين. يجب استمرار توفير الرعاية الإنسانية للاجئين واحترام حقوقهم، لكن أيضاً منع استغلال وجودهم لتغيير ديمغرافية البلدان. الحل الأمثل هو العمل دولياً على إعادتهم الآمنة إلى ديارهم حيث أمكن، أو توزيعهم على دول قادرة بشكل عادل. وفي الداخل، تسجيل كل لاجئ وضبط حركتهم ونشاطهم ضمن القانون، بحيث لا تبقى فجوات (كالأطفال غير المسجلين) قد تستغلها شبكات الإجرام أو الإرهاب.
  5. تطوير تحالفات إقليمية متينة: حان الوقت لندرك أن “الاتكال على الحماية الأجنبية سراب“. من ظنّ أمريكا حاميته رأى مصيره (كما في أفغانستان وغيرها). لا سبيل سوى التكاتف العربي والإقليمي لإنشاء كتلة قوية تفاوض من موقع الندّية. ويمكن أيضاً الانفتاح على القوى الدولية الصاعدة (كروسيا والصين) لخلق توازن في العلاقات، بدل الارتهان لمحور واحد يستنزفنا ثم يرمي بنا.
  6. المواجهة الفكرية والإعلامية المبتكرة: إذا كان الخصم يستخدم أحدث الأدوات التقنية لغسل الأدمغة، فعلينا أيضاً استغلال التكنولوجيا لإيصال رسالتنا السيادية لشعبنا والعالم. شبابنا المبدع في الإعلام الرقمي قادر أن يقود حملات توعية مضادة تكشف الحقائق وتفضح المخططات – بلغات متعددة وعلى منصات متنوعة. المعركة الإعلامية اليوم عالمية، ويجب أن نخوضها بذكاء وإبداع.
  7. حماية القرار السيادي في الصحة والأمن: أثبتت جائحة كورونا مثلاً أن القرارات الصحية قد تُستغل لفرض قيود خطيرة. لذا عند التفاوض حول اتفاقيات دولية كتلك الخاصة بالجوائح، يجب دراسة البنود بحذر. لا يجوز التنازل عن حق الدولة باتخاذ إجراءاتها الخاصة التي تراعي ظروفها الداخلية. أي اتفاق دولي يجب أن يكون إرشادياً لا إلزامياً فيما يمس سيادة القرارات – وهذا مبدأ لا تنازل عنه.

في النهاية، قد تبدو أمامنا معركة طويلة متعددة الجبهات: من دحر الاحتلال المباشر، إلى إحباط التقسيم الداخلي، إلى مقاومة الإملاءات العالمية على اقتصادنا وصحتنا وثقافتنا. لكننا نملك أسلحة معنوية هي الأقوى: الحق التاريخي في أوطاننا العريقة، والهوية الحضارية الراسخة، وإرادة الشعوب التوّاقة للحرية الحقيقية. هذه الأسلحة كفيلة بقلب الموازين متى ما فُعّلت. لقد راهن أعداؤنا دوماً على استكانتنا وجهلنا ليمرروا مخططاتهم. فلنرفع صوت الوعي و المعرفة، ولنتحلَّ بالشجاعة في اتخاذ القرار الصعب حين يتطلب الأمر.

فالتاريخ يكتبه من يستبسل في الدفاع عن أرضه وفكره، لا من يستسلم للقدر المزعوم. دولنا العربية تقف اليوم على مفترق طرق: إما مبادرة نهضة تبني قوة ذاتية تحصّنها ضد الأعاصير القادمة، أو المراوحة وانتظار وقوع المحظور لنجد اللعبة انتهت بغير صالحنا. القرار بأيدينا أولاً وأخيراً – فهل نكون على قدر المسؤولية قبل أن يفوت الأوان؟

 

          
Tags: إسرائيلالإعلام الموجهالثورات الملونةالشرق الأوسطاللاجئونالنظام العالمي الجديدتغيير الأنظمةتفتيت الدولجورج سوروسحرب عالمية ثالثة
المقالة السابقة

تحليل استراتيجي: الثعالب الصغيرة المُفسدة للكروم السورية

المقالة التالية

هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟

مايا سمعان

مايا سمعان

سورية مقيمة في ألمانيا

متعلق بـ المقاله

هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟
رأي

هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟

عامر عبد الله
2025-11-12
سسوريا: تفكيك هندسة السيطرة الطائفية وبناء الدولة المدنية كشرط للبقاء
رأي

سوريا: تفكيك هندسة السيطرة الطائفية وبناء الدولة المدنية كشرط للبقاء

ماجد آغا
2025-11-02
الثورة السورية… انتصارٌ عظيم أم فخّ “تأكل فيه الثورة أبطالها”؟
رأي

الثورة السورية… انتصارٌ عظيم أم فخّ “تأكل فيه الثورة أبطالها”؟

سامية الحسيني
2025-11-04
انهيار النصر المطلق: القصة السرية للضغوط التي أجبرت نتنياهو على القبول باتفاق غزة
رأي

انهيار “النصر المطلق”: القصة السرية للضغوط التي أجبرت نتنياهو على القبول باتفاق غزة

عامر عبد الله
2025-10-22
إرهاصات مقابلة الرئيس المؤقت أحمد الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين
رأي

إرهاصات مقابلة الرئيس المؤقت أحمد الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين

مايا سمعان
2025-10-18
تفكيك أسطورة الهيمنة: تحليل جيوسياسي ونقدي لمشروع "إسرائيل الكبرى" ودوره في إذكاء الصراع الإقليمي
رأي

تفكيك أسطورة الهيمنة: تحليل جيوسياسي ونقدي لمشروع “إسرائيل الكبرى” ودوره في إذكاء الصراع الإقليمي

د. جورج توما
2025-09-30
المقالة التالية
هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟

هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

أحدث المقالات

  • هل تصدّعت فوبيا الإسلام في عُقر دار الصهيونية العالمية؟
  • لعبة الأمم الكبرى: هل يعاد تشكيل العالم على أنقاضنا؟
  • تحليل استراتيجي: الثعالب الصغيرة المُفسدة للكروم السورية
  • تقرير استراتيجي سري: تحليل المخططات العالمية لاختراق الدول العربية: تفكيك الاستراتيجيات، أدوات السيطرة، وصياغة خطة الدفاع السيادي
  • سردية تلفيق أسطورة “إسرائيل الكبرى”

أحدث التعليقات

  1. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  2. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  3. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  4. مآلات على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة
  5. Henry Schumm على مؤتمر “أربعاء حمص” يجمع أكثر من 13 مليون دولار لدعم التعليم والصحة والبنى التحتية في المدينة

ارشيف مآلات

4793 - 477 (267) 1+
E-mail - support@maalat.info
مالات .. سورية رؤى مستقبلية
DMCA.com Protection Status
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • سياسة الخصوصية
  • معايير النشر
Menu
  • من نحن
  • اتصل بنا
  • سياسة الخصوصية
  • معايير النشر
جميع الحقوق محفوظة © بموجب قانون الألفية لعام 2023 - مآلات - سورية .. رؤى مستقبلية

إضافة قائمة تشغيل جديدة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط. من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. قم بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا.