من هو “الغنوصي”
رجلٌ يتميّز بالحكمة وبصيرة الاستشراف. يكني نفسه بهذا اللقب بعد أن تعمّق في اكتشاف أسرار الناموس الكوني، وقارب أن يكون من أشهر من
الباحثين في مجال الحركات الروحية الحديثة وكيفية تفاعلها مع الديانات التقليدية. شارك في دراسة السياقات التاريخية والثقافية، وتحليل التأثيرات الاجتماعية والسياسية للديانات التي ساهمت في تعزيز الفهم المتبادل لتعددية الديانات والثقافات في العالم الحديث.
خلال مسيرته العرفانية، انتحل الكثير من الكنيات، واختار مؤخراً لنفسه لقب “الغنوصي“، وإن سُئِلَ من أنت؟ يجيب بأنَّهُ:
"ليْسَ شخصاً خيالياً، ولَيْسِ بمُسَارَرٍ، أو صَاحِبُ كَشْفٍ غَيْبِيٍّ. إنَّمَا هُوَ ضميرٌ مكنونٌ في اللاوِعيِّ عِنْدَ الأَشْخَاصِ الأَنْقِيَاءِ، حَيْثُ يَتَشَكلُّ هُنَاكَ الجَلاءُ البَصَرِيُّ، فَيَحْتَسِبُونَ الأَحْدَاثَ ويُقَدِّرُونَ مَفَاعِيلَهَا، وَيُبَدِّلُونَ المَثَالِبَ لِتُصْبِحَ جَلِيَّةَ المَنَاقِب".
ينشر معظم إنتاجه باللغتين السريانية واللاتينية، وينتحل ألقاباً تختلف حسب الأفكار التي يتضمنها النص، لأنه لا يحبّ أن يكون تحت الأضواء كي لا تغوي الشهرة نقاء سريرته.
كان لي شرف التعرف عليه من خلال تقارب الأفكار بيننا، لذلك لانَ بأن يخصني بنشر بعضاً من شذراته ذات المسحة العرفانية التي يكتبها بالعربية بين الحين والآخر .
وأقدم هنا إحداها لأنها تتعلق بحالة إنسانية تخصُّ مساعدة النازحين السوريين – 2018. (صورة المقال افتراضية لمقاربة الواقع).
قال الغنوصي:
المعطف الخمري يشهد على حمامات الدم
روت لي سيدة سورية تعيش في بلد الاغتراب القسري حكاية المعطف الخمري الذي عاد إلى الوطن. وباختصار أنقل إليكم سرديتها حيث قالت:
تعرفت على شاب سوري يجمع من المتبرعين أمتعة ومواد إغاثية، ليوصلها شخصياً إلى أهلنا في خيام النزوح الداخلي المنتشرة في براري الحدود السورية التركية. كان ذلك في بداية شتاء العام 2018، الذي جلب معه لتلك الخيام أقسى موجات من العواصف والثلوج والأمطار. ولما شاهدت في نشرات الأخبار هول تلك المعاناة، فتحت باب خزانتي وبدأت أضع في حقيبة سفري بعض الملابس الشتوية، وآثرت أن يكون بينها معطفي الخمري اللون المزوّد بقبعة من الفرو الطبيعي تمتد لتغطي جزءاً من الصدر. كنت أكلم نفسي قائلةً: إنه سيحمي من ستلبسه من التجمد، فهي أحق مني في ارتدائه.
وبعد مرور شهر ونيف، ذهلتُ عندما رأيتُ في التلفاز قافلةٌ من النازحين الهاربين من قصف طائرات النظام الهمجي باتجاه الحدود التركية، حيث كانت إحدى السيدات من اللواتي كن يجلسن مع أطفالهن على تلة من المتاع المكدسة في قاطرة تراكتور، وهي ترتدي معطفي الخمري وتدفن رأسها في قبعة الفرو القاتلة للبرد. عندها امتزجت دموع الحزن على شقاء هذا الرهط مع ابتسامة الفرح، لأنَّ معطفي الخمري يحمي اليوم هذه السيدة من التجمد. لقد أحسست أنني أسافر مع هذا الرهط نحو مصيرهم المجهول…
قطعتُ على صاحبة الحكاية استرسالها في الحزن كي أريحها، ورويت لها حكاية معطف يماثل ما وصفته في حكايتها، كان الشاعر الحمصي “رضا صافي” قد ارتجلها في قصيدة شعرية في منتصف الستينيات من القرن الماضي خلال مبارزة شعرية ارتجالية بينه وبين الشاعر الحمصي “محي الدين درويش” في المركز الثقافي بحمص. واستعرض الشاعر (رضا) في قصيدته ما انتابه من مشاعر جياشة، عندما اشترى أيام فقره معطفاً شتوياً من سوق البالات أي (الملابس العتيقة)، كان مستورداً من مخلفات الجيش النازي الألماني. لقد أحس الشاعر بعد ارتدائه ذلك المعطف أن روح الجندي صاحب المعطف، قد تقمصت في روح الشاعر “رضا”، كما أوحت له نقوش (الرايخ) على الأزرار النحاسية كم من الأهوال والمصاعب واجهت صاحب المعطف، وكم من المرّات قضاها على تخوم الموت. فكل سُدَّةٍ ولُحْمَةٍ في حياكة المعطف حكاية مكتوبة بالدم الذي نَزَفَ في الحرب الكونية الثانية.
وهكذا يا سيدتي، فإنّ معطفك الخمري عاد إلى الوطن “سورية” كي يشهد كم من الجرائم الإنسانية ترتكب اليوم بحق شعبٍ يؤمن بشعار “الموت ولا المذلّة”، فقرر النظام وأسياد العالم قتله كي يسود الاستبداد والطغيان بدلاً من العدل والفضيلة.