يا حماه… كم من المرات ارتكب آل الأسد مجازراً في أبنائك؟
وكم ناح السوريون ضحاياك بلوعة وأسى، وبالطبع دون أن يستعملوا حناجرهم أو أقلامهم خشية من وصولها لمسامع رجال الأمن، فتكون آخرتهم بعد التعذيب إلى المدافن.
لا تلومينا يا حماه … لأننا اكتفينا أن نقيم العزاء في قلوبنا، ليس لأننا نسيناك… ما عاذ الله… كنا نُجدّد النواح صمتاً كل سنة في ذكرى كل مجزرة.
الحَمَويُّون سباقون نزالاً
أستميحك عذراً يا حماه، إذ سمحت لنفسي أن أُقلِّب أوراقك كي أتحقق فيما إذا صدق حكام البعث حينما أعلنوا بأنَّ معظم أبنائك منضوين تحت لواء حزب الإخوان المسلمين، ويتوجب سحقهم!
ولكني -بكل صدقٍ- لمست الحقيقة مؤخراً، لأني وجدت أنَّ سبب خوف هذا الحزب من أهالي حماه هو تاريخهم الوطني المشرف، خاصة أيام انتفاضة حماة 1925 في الثورة السورية الكبرى، عندما هجم الثوار بقيادة “فوزي المجاهد” ضد المنشآت الأمنية الفرنسية في حماة،
ولقي الثوار تعاطفاً شعبياً عارماً، جعل المحتل الفرنسي يقصف مدينة حماه بشكل عشوائي، ولم يشفي غليله بل زاد في تصعيد القتال في 4 تشرين الأول 1925، دون أن تنهار الثورة، لذلك اضطر الفرنسيين إلى الخضوع لمطالب وجهاء حماه لوقف القتال والسماح للثوار بالانسحاب بحرية في يوم 5 من الشهر ذاته، بعد أن استشهد الكثيرون من أبناء حماه وأبرزهم الطبيب “محمد صالح بن محمود بن صالح قُنباز” الذي كان يداوي المصابين في مناطق المواجهة.
أول الرقص حنجلة
يا حماه … تلك البطولة هي التي تسببت من تخوف حزب البعث من أهلك الشاوس، لذلك عندما وقع بعد وقت قصير من انقلاب حزب البعث عام 1963 جرى أول اشتباك بين قوات الأمن البعثيين مع المظاهرات الشعبية، وكان حزب الإخوان المسلمين مشاركاً فيها توجس البعث أنَّ الجماعات السياسية الإسلامية، وأكبرها الإخوان المسلمين، سيكونو أقوى معارضة للنظام الجديد.
قراءة المنتج الإخواني
مهما كانت أيديولوجية حزب الإخوان المسلمين – بريئة أم مدانة بالعمالة لجهات إخوانية في دول أخرى – لا بدَّ أن نضيء على نشأته الأولى التي جاءت في ظروف جيوبوليتيكية كان الصراع فيها على من سيحكم سورية من الأحزاب الوليدة بعد الآستقلال 1946، وكانت الهيكلية التنظيمية لهذا الحزب تختلف عن باقي الأحزاب لكونها تحتوي على خلايا سريَّة وأرهاطاً من خلايا نائمة وأخرى مسلحة متأهبة للنشاط في الأحداث الطارئة، يتناوب على إدارتها فريق متدرب على تنفيذ الأجندات الخاصة بطموحاتهم المستقبلة بسرية تامة غير معلنة. لذلك يتعذر على الباحثين إيجاد إحصاءات رسمية دقيقة توضح – على الأقل- نسبة المنتسبين لحزب الإخوان المسلمين في سورية، خاصة مدينة حماه. وفي هذه الحالة تكون مقاربة الحقيقة مأخوذة من تقديرات شفافة تتسرب عبر بعض المواقف التي يكون فيها الحزب خصماً أو حليفاً مع تكتلات سياسية أخرى، وتاريخياً لم تُشِر معظم التقديرات لأكثر من 10% كنسبة للمنتسبين في هذا الحزب في مدينة حماه. وتُعزى هذه النسبة المرتفعة إلى:
- وجود قاعدة شعبية واسعة للحزب في حماه.
- تأثير الحزب على الأنشطة الاجتماعية والثقافية في المدينة.
- وجود شخصيات بارزة من حماه تنتمي إلى الحزب.
- له حضور قوي في حماه، و يُمثل تيارًا فاعلًا في المجتمع.
مواقف الحزب الميكافيلية
من يقرأ أدبيات وتنظير قادة حزب الإخوان، ثم يراقب ما يفعلونه في ميدان نشاطهم، يرى كيف غرقوا إلى القاع بتصرفاتهم الميكافيلية، خاصة تحالفاتهم مع الخصوم متجاهلين تلك الأدبيات التي يجب أن تكون بوصلتهم دائماً. وللبيان نذكر منها:
تحالفات حزب الإخوان مع السلطة
العهد الوطني (1972-1973):
تحالف مع حزب البعث في عهد حافظ الأسد، لكنه سرعان ما انهار بسبب خلافات أيديولوجية.
تحالف الإخوان مع عبد الحليم خدام: سميّ (تحالف جبهة الخلاص)
- التأسيس: تم تأسيس جبهة الخلاص الوطني في عام 2006 من قبل عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري المنشق، وعدد من المعارضين السوريين، من بينهم ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين.
- الأهداف:
-
-
- إسقاط نظام بشار الأسد.
- إقامة دولة ديمقراطية تعددية في سوريَّة.
- رغبة الطرفين في إسقاط نظام الأسد.
- اعتراف الإخوان بخبرات خدام السياسية وعلاقاته الدولية.
-
- نشاطات الجبهة:
- عقدت الجبهة مؤتمرات وندوات في الخارج لمناقشة الأوضاع في سوريَّة.
- أصدرت بيانات تدين انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام السوري.
- حاولت تحشيد الدعم الدولي لقضيتها.
- التحديات:
- واجه التحالف صعوبات بسبب تناقض الأهداف والرؤى بين مختلف الفصائل.
- اتّهم البعض الإخوان بالسعي إلى الهيمنة على الجبهة، مما أثار توترات مع أعضاء آخرين.
- النتائج:
- لم تتمكن جبهة الخلاص من تحقيق أهدافها في إسقاط نظام الأسد.
- تراجع نفوذ الجبهة بشكل كبير بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
التحالف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية (2012):
انضم الإخوان إلى هذا التحالف الذي ضمّ فصائل معارضة مختلفة، لكن سرعان ما انسحبوا بسبب خلافات حول استراتيجية إسقاط النظام.
تحالفات حزب الإخوان مع المعارضة:
- الجبهة الإسلامية السورية (2013): تحالف مع فصائل إسلامية أخرى، لكنه واجه صعوبات بسبب تناقض الأهداف والرؤى.
- هيئة تحرير الشام (2017): تعاون مع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في بعض المناطق، لكنه واجه انتقادات بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة.
تحالفات الإخوان مع قوى دولية:
- قطر: دعمت قطر الإخوان بشكل كبير خلال الثورة السورية، لكن هذا الدعم تراجع لاحقاً.
- تركيا: حافظت تركيا على علاقات جيدة مع الإخوان، وتُعدّ من أهم حلفائها الدوليين.
ملاحظات:
- واجهت تحالفات الإخوان صعوبات كبيرة بسبب تناقض الأهداف والرؤى بين مختلف الفصائل.
- اتّهم البعض الإخوان بالسعي إلى الهيمنة على المعارضة، مما أثار توترات مع فصائل أخرى.
- تراجع نفوذ الإخوان في سوريَّة بشكل كبير بعد هزيمة المعارضة في الحرب الأهلية.
ويجب التنويه أنَّ فعالية الحزب وشعبيته أخذت تتدنى نسبتها في باقي المحافظات بدرجات متفاوتة بالنسبة لما هي الحال في حماه.
بصمة حزب الإخوان
في مراجعةٍ تاريخيةٍ، نجد بعض المحطات التي سادت فيها الديمقراطية في سوريَّة، كانت تتدنى نسبة رضى الأحزاب الأخرى عن نشاطات حزب الإخوان المسلمين لانتهاكه السلوك الديمقراطي أثناء خروج المظاهرات السلمية، وكثيراً ما كانت ترتقي لحالة الصدام بالأيدي والإقتتال العنيف في الشوارع تحت مسمى التعبير الديمقراطي عن الرأي الحزبي.
يؤسفني يا حماه، إذ تجرأت على كتابة هذه النبذة عن بعض أبنائك -هؤلاء – الموصوفين بالإشكالية، ولكن تشخيص الأعراض هو السبيل الوحيد لتقييم الصحة، ومهما كانت أيدولوجية أي حزب في سورية قد تم ترخيصه رسمياً، يجب ألا يكون بمنأى عن النقد وقياسه على معايير الوطنية للكشف فيما إذا كان مفخخاً بنوايا تنتهك الوعي الجمعي المجتمعي وتؤذيه. وعلى المقلب الآخر، عندما يتخذ أي حزب موقف المعارضة للسلطة الحاكمة، لا يجوز لها اقصاؤه عن نشاطه إلا بثبوت ارتكابه جرم الخيانة العظمى بعد محاكمةٍ قضائيةٍ عادلةٍ وحياديةٍ. وحمداً لللّه، حتى يومنا هذا، لم يُدَنْ بذلك أي حزب في سورية على مدى تاريخها، وإنما حدثت صدامات دموية نتيجة عنف السلطة المستبدة وردود فعل غير حكيمة من بعض الأحزاب كما كانت حالة حزب الإخوان المسلمين.
ذكرى كبريات المجازر
في هذه السنة 2024 وفي هذه الفترة بالذات، جاءت ذكرى أكبر المجازر التي سُفِكَت فيها دماء أبنائك 1982، أشعَلَت كل صفحات وسائل الاتصال الاجتماعي الشموع وذُرفَت الدموع وهي تلعن الأمم المتحدة وقادة العالم ومحاكم العدل الدولية لأنهم صمتوا ولم يحاسبوا المجرمين خلال 42 سنة خلت.
هل تصدقي يا حماه، أنَّ أبناء سورية المصابين خَلقِيّاً بالصم والبكم شاركوا الأصحاء من القوم بالنواح والتأسّي على الحيف الذي انتابك في كل مجزرة… في حين أنَّ ضمير العالم ما زال غائباً عن هذا الحدث الجلل!
لم تكن مجزرة 1982 هي الأولى، ولكنَّ أول المجازر عام 1964، كانت أهمها، لأنها لم تَجد من يُحاسِب مرتكبيها، مما جعل الحكام البعثيين يستسهلون بالإكثار من المجازر ، ومن اللهاث بحثاً عن أي معارض أو منتقد كي يتم حجزه للتحقيق وبعدها يغيب ولا أحد يدري مصيره.
ولأن ما نُشر بسخاء عن هذه الذكرى كانت مجزرة 1982 هي محور أدبياتهم، وعن غير قصدٍ لم يُعطى المجازر الأخرى حقها، آثرت ألا أتوسع في تكرار ما كتبوه، وأنْ أسدَّ هذه الثغرة بالكتابة عن باقي المجازر.
أولى المجازر التي شهدها شُيَّاب الأجيال
بعد أنْ أصدرت حكومة البعث قراراً بحظر جماعة الإخوان في أوائل عام 1964، أشعل القرار التعسفي مزيداً من الإضرابات والمظاهرات الحاشدة في جميع المدن السورية الكبرى، خاصة مدينة حماة، التي صُنفت آنذاك بأنها معقل المحافظين المسلمين وأصبح أهل حماه بأجمعهم الخصم المهيب لحزب البعث الذي استباح كل أنواع القهر والتنكيل بأهالي هذه المدينة.
وللحق يجب التنويه، أنَّ الخطأ الذي ارتكبه حزب الإخوان، أنذاك، هو التعدي على محلات بيع الخمور، واحتلال بعض مراكز حزب البعث في المدينة حيث جاءت ردة الفعل من قبل الحزب غبية وطائشة، فبدلاً من تبني لغة الحوار والتفاهم، جلبت الدبابات لسحق التمرد، الذي أودى بحياة ضحايا من المواطنين (بين 70-100 شخص) إضافة للعديد من الجرحى أو الأسرى، وجعل الكثيرون من المتظاهرين يفرون بعيداً نجاة من القتل أو السجن مع التعذيب. أما دمار المدينة كان كبيراً خاصة حارتها القديمة ذات البيوت الأثرية.
ما زال شيَّاب اليوم الذين كانوا آنذاك فتياناً يانعين، تابعوا أخبار هجوم الطغاة البعثيون وبينهم الأسد الأب وارتكابهم أول مجزرة في عام 1964. ويذكرون أيضاً كيف قصفوا جامع السلطان وهدموا حاراتك الوادعة. كما شاهد الحماصنة المهندس الحموي “مروان حديد” وأصحابه المعارضين وعلى رأسهم طالب في دار المعلمين الشاب “محمود صبح” وكان لم يتعدى من العمر إلا سنتان بعد العشرين، وعندما نزلوا من سيارة الأمن وهم يدخلون مبنى المركز الثقافي في حمص، لم تكن القيود في معاصمهم فقط، بل ربطت أقدامهم بالجنازير الحديدية، وهناك جرت محاكمتهم من قبل آمر حمص العسكري المقدم البعثي”مصطفى طلاس”وهم مجنزرون.
في الحقيقة، كان رجال الأمن يريدون أن يرهبوا الشعب المتفرج بمنظر هؤلاء – المجرمين المعارضين -، لكن غباء الأمن ذهب سدىً، لأنَّ ألسنة المتفرجين نقلت هذه الرواية – بعفوية وجدانهم الوطني – على أنَّ هذه الكوكبة كانت أبطالاً أرعبوا السلطة بأفكارهم فقط وبلا أسلحة. وبعد أن صدر قرار المحكمة القطعي المبرم بإعدامهم، كانت حيثيات الدعوى قد أدانتهم بالخيانة العظمى لانتمائهم لحزب الإخوان المسلمين المعارض للسلطة، ولكن الحكم لم يُنفذ وأُطلِقَ سراح مروان والمسجونين بعدما تدخل الشيخ محمد الحامد وعلماء حماة عند رئيس الجمهورية أمين الحافظ. وقد سجن بعدها مرات عديدة وحكم عليه بالإعدام أكثر من رة، ومن جراء التعذيب انهارت صحته ومات في فراشه سببها.
ثاني المجازر 1979
وبعد هذه المجزرة، استمرت السلطات الأمنية مكشرة عن أنيابها للانقضاض على سكان حماه بذرائع واهية وتودي بهم إلى أقبية السجون والمدافن أيضاً. وكانت معظم هذه الإجراءات تتم في تعتيم اعلامي مشدد لدرجة جعلت أهالي المعتقلين يخافون من متابعة أخبار موقفهم خشية دكّهم في السجون أيضاً.
وفي عام 1979، شهدت حماه سلسلة من الاشتباكات العنيفة بين جماعة “الإخوان المسلمين” وقوات الأمن بمشاركة بعض القوات العسكرية السورية. ونجم عن هذه الأحداث ما سمي ب”مجزرة حماه الثانية“. وسبق حدوثها ازدياداً حداً في السبعينيات بين “الإخوان المسلمين” والحكومة السورية، خاصة بعد تولي الرئيس حافظ الأسد الحكم عام 1970. واتهمت الحكومة “الإخوان المسلمين” بالتخطيط لقلب نظام الحكم، فقامت بحملة قمع واسعة ضد الجماعة، مما أدى إلى اعتقال العديد من أعضائها. ولقب “الجماعة” جاء بديلاً عن اسم “الحزب” نحته اإعلام الرسمي للتورية والإيحاء للرأي العام بأنَّهم عصابة منظمة وليسوا أفراداً من هذا الحزب!
بدأت الاشتباكات بين “الإخوان المسلمين” وقوات الأمن في آذار 1979، بعد قيام “الجماعة” بسلسلة من الاحتجاجات ضد استبداد الحكومة. وتصاعدت هذه الاشتباكات بسرعة، وامتدت إلى العديد من المدن السورية، بما في ذلك حلب وحمص.
سقط خلال تصدي النظام الأسدي الكثير من الضحايا الأبرياء إلى جانب بعض أفراد الإخوان، وقد تم تقدير أعداد القتلى في اشتباكات 1979 بآلاف الأشخاص، من الأهالي وبعض من عناصر قوات الأمن. ونتيجة التعتيم الإعلامي لم يكن هنالك احصائيات موثقة، ولكن معظم التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى قد يصل إلى 10,000 شخص.
ردود فعل المجتمع السوري
كان لاشتباكات 1979 تأثير كبير على المجتمع في سورية، حيث أدت إلى:
-
- زيادة التوتر بين الحكومة السورية وجماعة “الإخوان المسلمين”.
- فرض قيود صارمة على الأنشطة السياسية والدينية لجماعة “الإخوان المسلمين”.
- زيادة التأييد للجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريَّة.
ردود فعل قادة العالم والمجتمع الدولي
اصدرت الأمم المتحدة استنكاراً مقتضباً ليس له قيمة قانونية أو اجرائية، بينما بعض قادة العالم لم يتخذوا أية اجراءات حيال ذلك. أما الميديا العالمية لم تكتب عنه أي خبر حتى انتهت الأحداث وبعضها ذكرته كخبلا عادي دون أية تفاصيل تشير إلى حجم المجزرة.
مجازر أخرى تتكرر
بعد مجزرة 1979، ومع ازدياد النظام بتغوّله في وضع المئات إنْ لم نقل الآلاف لأنَّ اجراءات القمع والإعتقال كانت تتم بداهمات ليلية على بيوت المطلوبين أمنياً، علاوة على خوف الأهالي من التورط فيما إذا تناقلوا أخبار أبنائهم ولو بشكل عفوي. استفاد الأسد وبطانته من خوف المجتمع وصمته في تثبيت أقدامهم تحت شعار أطلقه فيما بعد ” بطل التشرينين، تشرين حركة التصحيح وتشرين حرب 1973).
ومع ازدياد الاحتقان الشعبي، نشط الحراك مرة أخرى في حماه، وانقض الجيش وقوات الأمن لسحق من يشارك في الاحتجاج وحدثت مجزرة ثانية عام 1981 ذهب فيها من الضحايا الآلاف مع تعتيم إعلامي شديد، لم يتيح لمحطات الأخبار العالمية أن تذيع تفاصيلاً وافية عنها، في حين النظام يشير إليها في الإعلام الرسمي كخبر عادي لا يوحي بأنها مجزرة.
وفي هذه الفترة خرج حافظ الأسد عدة مرات على شاشة التلفاز يبرر أفعاله، وفي إحدى الخطب أعلن صراحة أنه يعتبر نفسه سنيًّ المذهب وأنَّ العلويين هم من الإسلام ولا يختلفون في طقوسهم عن مذاهب الإسلام الأخرى. ومن الطريف تناولت الصحافة اللبنانية هذا الخطاب وكان تعليق إحاداها أنَّ خطاب الأسد يماثل العاهرة عندما تُحاضر بالعفة والشرف.
ولم يمض وقتاً طويلاً حتى نفذ صبر الأسد نتيجة حدوث اغتيالات لشخصيات هامة من قيادات الأسد – العلويين خاصة -، واستغل بدء حراك شعبي في مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماه، فهرع مع قواته العسكرية والأمنية لسحق هذا الحراك في العام 2011 تحديداً مخلفاً وراءه آلاف القتلى وعدداً كبيراً من المعتقلين الذين أودعوا السجون، وقد فقد الكثير منهم دون أي تبرير.
وبعد عام تقريباً حدثت المجزرة الرئيسية التي وقعت في شباط 1982، بأمر من الرئيس حافظ الأسد، استمرت 27 يوماً، وقُتل فيها ما بين 10,000 و40,000 شخص. وهي التي اقتصرت أدبيات الثورة بإحياء ذكراها الثانية والأربعين هذه الفترة.
مرتكبو المجازر
الرئيس حافظ الأسد: أعطى الأمر بشنّ المجزرة الرئيسية عام 1982.
رفعت الأسد: قائد سرايا الدفاع، وحدات عسكرية خاصة شاركت في قمع الانتفاضة.
القوات الجوية العربية السورية: قصفت الأحياء السكنية في حماة.
المخابرات السورية: نفذت عمليات اعتقال وتعذيب وقتل للمدنيين.
القادة العسكريون المشاركون:
علي حيدر: قائد القوات الخاصة.
حكمت الشهابي: رئيس الأركان العامة للجيش.
عبد الرزاق عيد: قائد سلاح الجو.
خاتمة
يا حماه … سأخبرك ماذا جرى بعد أن قامت الثورة السورية وحطمنا أصنام الأسد وصرخنا في وجه وريثه بشار طالبين إسقاطه، تجرأنا على النواح علناً وبكل وسيلة ممكنة.
- انشق عدد كبير جداً من الضباط والجنود تمترسوا في جبهات القتال للدفاع عن الأرض والعرض، وبعد أنْ أصبح 85% من أراضي سورية محررة من نظام الأسد، جلب النظام داعش لمحاربتنا وتتالت ترفدها مرتزقة من جنسيات مختلفة لتنكيلنا وذبح ما تقع أعينهم عليه.
- حسن نصر الله أرسل عشرات الآلاف من مقاتليه ليُدرّبهم على قتال المدن وذبح البشر. أما الحاج بوتين أرسل فاغنر كي تساعد الجيش السوري في قتل الشعب وتهجيره.
- ابتلع البحر مئات السوريين وهم يركبون قوارب مطاطية أو زوارق صيد متجهين نحو شواطئ اليونان ويسيرون على الأقدام في البراري ليصلوا إلى دول تقبل بهم كلاجئين.
- تَبدّل الحال تدريجياً حتى ظهرت منظمات إرهابية تحمل علم الإسلام، ولكنهم والحمد لللّه يذبحوننا على الطريقة الإسلامية بإتقان مع التهليل والتكبير لنصبح ذبيحة حلال (يخافون الله ولا يرتكبون الخطايا).
- الجيش الحُرّ أخذته تركيا ليحارب في كاراباخ وجورجيا وليبيا وربما بعض الدول الأفريقية.
- إيران شيَّعت الجياع لقاء رغيف خبز، حتى قبور معاوية وعمر بن عبد العزيز ويزيد لم تسلم من التنكيل.
- مهربي الدخان والحشيش أصبحوا قادة ثوريين يقيمون الحواجز لأخذ الأتاوات (إدفع أو تقتل)، وأصبح أبو عمشة يملك قرى بكاملها مشكلاً دولة العمشان ويتنازع مع الجولاني على خطوط التهريب.
- الأكراد شرقي سورية طردوا السكان العرب وأقاموا دولة بالحرام لهم، أمريكا وضعت يدها على آبار النفط ولم تبق دولة في العالم إلا وضعت اصبعها في هذه الطبخة كي ينوبها لحسة. …
اعذريني حماه لقد نسيت أن أخبرك أنَّ الأسد وأعوانه قتلوا مليون شهيد، ونصف سكان سورية اغتربوا في القارات السبع، لم تبْقَ عائلة مجتمعة في دولة واحدة… الأب في فرنسا والأم في تركيا والعمة الكبرى في هولندة والوسطي في فانكوفر في كندا وابنها في السويد وكنتها في اليونان والصغرى في استراليا وزوجها في نيوزلاندة وابنهم الكبير في بلجيكا والصغر في مصر … وهكذا تفرقنا والأسد باق مع أسماء يفترش حرير سوريا وبنكها المركزي، والشبيحة بدأت تتململ من وضعها السيء لقد نهبت كل البيوت، وأصبح من العسير إكمال آخر مليون دولار جمعوه من الخوَّات والتعفيش.. وأخجل أن أقول لك أنَّ السجينات قد رزقن بأطفال “بناديق” بالعنف والإكراه، ويا حسرتهن، ترفض سلطات السجن من اعطاء التي سيُطلَق سراحها بدعوى أنَّ هؤلاء “البنادق” أبناء الدولة… ولكن – يا للحسرة – سيكون مصيرهم بعد ذلك، هو بيعهم لعصابات الاتجار بأعضاء البشر المتربصَّة لهم في تركيا. …
لا تحزني يا حماه … سَمَوا آخر مجزرة 1982 (المجزرة الرئيسية)، ولكن مجزرة بشار الأسد تسمى (أمُّ المَجَازر) فلا نامت أعين الطغاة.