لقد برع الصحفيّ الروسيَ فلاديمير سولوفيوف في إظهار شخصية بشار الأسد كدميَّة تلعب دور رئيس في جمهورية الموز. وذلك في لقاء صحفيّ مدته 30 دقيقة، كانت كافية لمنح الأسد شهادة عدم أهليَّة ليكون رئيس جمهورية، بل حتى مختار في مسلسل باب الحارة.
وقبل أن نبدأ في استعراض بعض الهنَّات والعنَّات التي وردت في أجوبة هذه الدميَّة، يجب الإضاءة على سيرة هذا الصحفيّ (الخبيث) الذي يجري أول لقاء له مع رئيس جمهورية، رغم أنه ليس بالإعلاميّ الملتزم بأخلاق المهنة أصلاً.
السيرة الذاتية للصحفيّ سولوفيوف
احتوت بعض صفحات الإنترنت معلومات عن السيرة الذاتية للصحفيّ “فلاديمير سولوفيوف” جاء فيها:
النشأة والتعليم:
- ولد فلاديمير سولوفيوف في 20 أكتوبر 1963 في موسكو، روسيا.
- تعتنق عائلته الديانة اليهودية.
- متزوج من إلغا سيب، ولديه خمسة أطفال.
- درس الفيزياء في معهد موسكو للطيران، ثم عمل مدرسًا لفترة قصيرة.
- انتقل بعدها إلى مجال الإعلام، وبدأ العمل كمقدم برامج تلفزيونية وإذاعية.
المسيرة الإعلامية:
- اشتهر سولوفيوف ببرامجه الحوارية السياسية المثيرة للجدل، والتي غالبًا ما يدافع فيها عن الحكومة الروسية وسياساتها.
- يُعتبر أحد أكثر الشخصيات الإعلامية نفوذًا في روسيا، ويُعرف بقربه من الرئيس فلاديمير بوتين.يقدم سولوفيوف العديد من البرامج على القنوات التلفزيونية والإذاعية الروسية، من أشهرها:
- “مساء مع فلاديمير سولوفيوف” على قناة “روسيا 1”.
- “الوقت الحاضر” على قناة “روسيا 24”.
- “الرأي” على إذاعة “فيستي إف إم”.
الجوائز والتكريم:
حصل سولوفيوف على العديد من الجوائز، منها:
- جائزة TEFI لأفضل مقدم برامج حوارية.
- جائزة “الريشة الذهبية” للصحافة.
الجدل المثار حوله:
أثار سولوفيوف الجدل مراراً وتكراراً بسبب آرائه السياسية المثيرة للجدل، ودعمه للحرب في أوكرانيا.
فرضت عليه إيطاليا عقوبات في عام 2022، تمثلت بحجز الملايين من أمواله وممتلكاته بجرم غسل الأموال.
اتهمه البعض بممارسة الفساد في روسيا، وجمع ثروة طائلة من خلال علاقاته مع الحكومة.
هَرَّب أولاده من روسيا لعدم رغبتهم في المشاركة في الخدمة العسكرية الإلزامية.
معلومات أخرى:
يُعرف سولوفيوف أيضًا بكتاباته، حيث نشر العديد من الكتب السياسية والفلسفية.
يتحدث سولوفيوف العديد من اللغات، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.
وقد اعتبرته وكالة BBC News ، أنَّه:
- “الداعية الرئيس للكرملين”. ويُعرَف بدعمه القوي للرئيس فلاديمير بوتين وسياساته.
- يُعتبر أحد أكثر الشخصيات الإعلامية نفوذاً في روسيا. وأنَّ برامجه “تروج للدعاية الروسية”.
- وأنَّ سولوفيوف “يتقن نشر المعلومات المضللة”، حيث نفى غزو روسيا لأوكرانيا، وادعى بدلاً من ذلك أنها “عملية عسكرية خاصة”.
- زعم سولوفيوف أن أوكرانيا تحكمها “عصابة من النازيين”.
- دعا سولوفيوف إلى استخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا.
- على الرغم من عمله في وسائل الإعلام التي قد تكون تحت تأثير الحكومة، إلا أن سولوفيوف لا يمتلك مؤسسة إعلامية خاصة به.
- يُعتبر أحد الأشخاص الرئيسيين في الإعلام الروسي ويُستخدم كصوت ترويجي (بروبوغاندا) لسياسات الكرملين، ويظهر بانتظام في وسائل الإعلام للتعبير عن وجهة نظره ودعمه للحكومة بطرق ملتوية غير أخلاقية.
ردود الفعل على سولوفيوف:
- فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على سولوفيوف بسبب دوره في نشر الدعاية الروسية الكاذبة.
- اتهم العديد من الأشخاص سولوفيوف بكونه “مجرم حرب”.
- يرى البعض الآخر أنه مجرد “مذيع أخبار يقوم بعمله”.
ما هو موقف سولوفيوف من كل هذا؟
- ينفي سولوفيوف أنه ينشر الدعاية، ويقول إنه مجرد “صحفي يتحدث الحقيقة”.
- يتهم سولوفيوف الغرب بشن “حرب معلومات” ضد روسيا.
- يقول سولوفيوف إنه فخور بدعمه للحكومة الروسية.
آخر إنجازات سولوفيوف، كان لقاؤه الصحفي الذي أجراه في دمشق الذي نشرته وكالة سانا في 4 آذار 2024 الذي دارت حوله الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. ومن التساؤلات المثيرة نقتطف بعضها لكونها قد أظهرت الأسد بأنَّه فاقداً للأهليَّة كمسؤول للأسباب التالية:
- كان اللقاء مفتوحاً وسفيفاً لدرجةٍ يمكن أن ينطبق عليه المثل القائل: (بساط أحمدي)، مما يشير أنَّ الأسد خرج عن عادته بعدم الموافقة على عقد أي لقاء صحفي ما لم ينسق مع رجال الإعلام -مسبقاً- صيغة الأسئلة التي سيتضمنها اللقاء. لذلك كانت هذه البروباغاندا مسفَّةً بدرجةٍ فاضحةٍ.
- كان طرح الأسئلة بخبثٍ متعمَّدٍ من قبل هذا الصحفيّ، يحرِّض الأسد على أنْ تكون إجاباته غير مقيَّدة بالأطر الدبلوماسية الرئاسية، لذلك بدا الأسد كدمية في مسرح العرائس تحركها خيطان ذلك الصحفي التوراتي الثقافة، ليُسقِط القناع عن وجه الأسد ويظهره كألعوبان في يد بوتين رجل KGB العريق.
- اتسم اللقاء بالصبيانية وانعدام الرصانة الدبلوماسية مع تمرير عبارات غير لائقة تمس بكرامة الكثير من قادة العالم.
- لقد برع سولوفيوف في استدراج الأسد لاستلهام الأجوبة من خلال الأسئلة التي توَّجه إليه على النحو الذي يريدها الصحفيّ أن تكونْ، حيث بدا غباء الأسد واضحاً من بهلوانية الأجوبة والضحكات البلهاء التي تميّز بها أثناء خطاباته الفلسفية المعتادة.
- ورغم مدة اللقاء القصيرة، برع الصحفي -المشكوك بغايته- أن يجعل متابعي الحوار أن يقتنعوا بعدم أهلية هذا البهلوان أن يكون رئيساً لولا تثبيت حكمه من قبل القيصر الروسي بوتين.
نستعرض القليل من الهنَّات والعنَّات مثالاً:
رأي الأسد بالحكام وشعوبها (الغبية):
جاء في أحد الأجوبة قول الأسد:
"لنأخذ مثال في الغرب، الشعب في الغرب هو ليس شعباً سيئاً، ولكن وسائل الإعلام مع السياسيين متحالفون لكي يجعلوا هذا الشعب جاهل، وبالتالي يمكن أنْ يقولوا له أي شيء لكي يصدق.. أي شيء، فهم عندما يصدرون مثل هذه القرارات قد يكون هدفها بالدرجة الأولى المواطن الغربي المسكين الذي لا يعرف ما الذي يحصل في العالم".
يبرر الأسد قوله متابعاً:
ليش الشعب الغربي جاهل؟ .. لأنه شعب يصدق …
ويقصد الأسد في قوله هذا أنَّ ما يقولوه في أدبياتهم بإنَّ الأسد ديكتازر يقتل شعبه، ماهو إلا افتراء يجب ألا يصدقه أحد!
لذلك استغلَّ الأسد الفرصة ليَصِف شعوب العالم الغربي كلها بالجهل، وكأنه بريء من تلك الصفة.
توصيف الأسد أنظمة الحكم والرئاسة في الغرب
"في أمريكا وفي الدول الغربية، بالنسبة للغرب، وتحديدا الولايات المتحدة.. الرؤساء هم مدراء تنفيذيين ولكنهم ليسوا المالكين. فإذا تحدثت مع الرئيس سوف يعود لمجلس الإدارة لكي يأخذ الرأي والقرار ، أما الرؤساء الأوروبيين فهم مدراء فرعيين ينفذون ما يريده المدير الأكبر . ليس لهم قرار سيقولون لك اسأل المدير . الأمريكيين متشابهين كما قلت لك قبل قليل، لأنَّ كلاهما هو عباره عن مدير تنفيذي، ولا واحد منهما يصنع السياسة. هم ساذجين إلى درجة كبيرة. أعتقد أنا أتحدث عن المسؤولين طبعاً وليس عن الشعوب."
لقد صمت الصحفي ولم يُجر أية مداخلة على كلمة (المالكين) التي تستبطن شخصية الأسد الذي يعتبر سورية مزرعة لآل الأسد ورثها من أبيه الميت.
أما وصفه قادة أوروبا بالمدراء التنفيذيين، فيها دلالة على أنه يمتلك العالم كله والقادة ما هم إلا مدراء يجب معاملتهم كما يفعل في شخصيات سورية القيادية.
الديمقراطية في الغرب
عبر الأسد في أحد أجوبته عن رؤيته للديمقراطية في الغرب، حيث سخر من ديمقراطيتهم، واصفاً الأنظمة في الدول الغربية بأنها:
"إنه نظام رأسمالي، ورأسمالي متوحش. فالدولة موجودة لخدمة الشركات، والشركات توظف المواطنين. ولكن الدولة ليست موجودة لخدمة المواطنين بشكل مباشر ، وإنما عبر مصالح الشركات. وأنت تعرف أنه خلال العقود الاخيره الطبقه الوسطى في الغرب بدأت تصبح صغيرة جداً على حساب أو لصالح الشركات الكبرى وورائها الأغنياء الكبار في الغرب، فلذلك بالنسبة لهم هذا المواطن له حق وحيد هو أن يذهب إلى صندوق الاقتراع. هذه هي الديمقراطية. الديمقراطيه الغربيه ملخصَّةً بصندوق الاقتراع، أي شيء آخر ليس له قيمة. الغرب مضحك وغبي أحياناً، وأنت تستطيع أن تقول ما تريد. ولكنْ بالإنتخابات نحن بشكل غير مباشر سنقول لك من تنتخب أولاً. الخيارات نفسها، لا يوجد لك خيارات كثيره. ثانياً الإعلام مع الشخصيات المشهورة ستلعب دور مخطط لها. وأنت ستنتخب."
يا للّه … كيف يتناسى الأسد بأنه كان المرشح الوحيد الذي يُنتخب في كل مرة تحت بطش القوى الأمنية للناخبين قسراً. وتناسى كم من الشخصيات السورية أُعتقلت في أقبية وسراديب الأمن لعشرات السنين عندما عارضوا أو انتقدوا تلك الانتخابات المزيفة.
رؤية الأسد للعقوبات الاقتصادية الأمريكية على بعض الدول:
"عندما نتكلم عن الحصار على الشعب السوري، وإيران وبعدها على كوريا الشمالية واستمر يتوسع .. يتوسع والآنْ الحصار على روسيا، الآن حصار على الصين … ويستمر الحصار . ما هي النتيجة؟ بعد فترة سيكتشف الغرب أنه هو … هو المحاصر، لأنَّ الدول تتعامل مع بعضها. النتيجه أنَّ الدولار يفقد قيمته، و يفقد وزنه وهذا شيء جيد. لذلك أنا أعتقد بأنَّ الحصار الغربي على الدول الأخرى يُقوّض ويُضعف الدولار ويحقق مصالحنا على المدى البعيد. فأنا لا أراه سيئاً، أراهُ أحمقاً من من وجتي نظرنا. ولكن الأفضل أن يستمروا به."
بالطبع، لا يلام هذا الصحفي عن تغاضيه في توجيه أي استفسار للأسد عن تعافي الليرة السورية التي تكلف طباعتها أكثر من قيمتها الشرائية. ولكنَّ المثل الذي قال: (الذين استحوا ماتوا) ما هي إلا دليل على بقاء الأسد خارج دائرة العنق في نهاية حبل المشنقة.
أما خباثة أسلوب الصحفي تجلت عندما كان يصوغ أسئلة طويلة مجدولة بالضحك والدعابة كي يمرر فيها ما يجعل الأسد يستلهم جوابه من مضمون السؤال، ومثال ذلك السؤال الذي يتعلق بالعقوبات المفروضة على الرئيس السوري والروسي، حيث كان جواب الأسد:
"ربما يكون لقائي المقبل مع الرئيس بوتين هو لكي نناقش فيه ماذا نفعل بأرصدتنا في البنوك الأمريكية.. هي مشكله كبيره، يعني الغرب مضحك وغبي أحياناً، فهو يعتقد بأنَّ الرئيس بوتين اليوم يتعذب، لا ينام الليل بعد هذا القرار ، هذه هي الحقيقه هم ساذجين إلى درجة كبيرة. أعتقد أنا أتحدث عن مسؤولين طبعاً وليس عن الشعوب."
رأي الأسد بالرئيس زيلينسكي
كان تعليق الأسد على سؤال الصحفي عن العقوبات التي فرضها زيلينسكي على الأسد قائلاً:
“إذاً عندما وجَّه زيلنسكي عقوبات شخصية ضدكم، هل انعكس هذا على نومكم الهانئ؟”
جاء جواب الأسد بنبرة يشوبها التهكم والسخرية، مشفوعةً بقهقهةٍ عالية:
"منذ ذلك الوقت أتعالج نفسياً على كل الأحوال.. ولكنْ في كل الأحوال استطاع اضحاككم بهذا، وهذا جيد. هو بالأساس مُهَرِّج.. هذا دوره كان قبل الرئاسة، ونجح أكثر عندما أصبح رئيساً في هذا الجانب، أي الكوميديا، أكثر من كونه مُمَثل.
ختام القول
أعتقد أنَّ جرائم الأسد في القتل والتدمير والتهجير لن تغتفر، أما سخريته وإهانته لقادة العالم تمنحنا الفرصة كي نطلق أحكامنا عليهم فيما إذا كانوا يستحقونها بعد أن أن تركوا حبل الأسد على الغارب وغيَّبوا ضمائرهم لنجدة السورين لمدة ثلاث وعشرة عاماً، فهل يثأرون لكرامتهم ويقصون لسان الأسد بوسائلهم المتاحة، ليس ارضاءً للسوريين بل استعادة كرامة شعوبهم التي أهينت في الثلاثين دقيقة خلال اللقاء.